(أنا والبحر نغتسل بدموعنا، نتساقى ذوب الرمال والملوحة تخب الأمل المشترك في العثور على عزيز فقدناه، في هذا اليم سقطت لؤلؤتي الوحيدة.
هل تعلمون ماذا يعني أن يفقد المرء لؤلؤته التي سيقتات من فيض توهجها؟
سقطت، غابت، ضاعت، فحملت أعمدة الجليد على أصابعي، لطمتني الأمواج، جرحتني الصخور، قارعت التيار، قتلني الحنين.
إنها لي، انفرطت من عقد كبدي، من عمر ذاتي.) [الوسيط – مجموعة: حاجز الحزن].
كاتبة من طراز خاص، اتخذت الهدوء منهجاً وأسلوباً، خاصة في كتاباتها التي جاءت بعيداً عن البهرجة. تكتب بشفافية الناسك، وعمق العارف. حتى وهي تحاور، تحافظ على ذات المستوى، برغم من احتدام الحوار.
تصف نفسها فتقول: (ربما أكون الكاتبة الأكثر تحفظاً وانضباطاً وتمسكاً بكل الثوابت الاجتماعية، وإذا ما حدث وغاب الرقيب الصعب الساكن في أعماقي، وتجرأ القلم بعض الشيء، فإنني سرعان ما أحاسب نفسي وأعود إلى المربع الأول الذي انطلقت منه. حرية التفكير والتعبير الصريح عن بواطن التفكير دون مراوغة مسألة لم نعتدها بعد، وثقافة لم نتشبع بها ونمارسها. قبل أن نتناول حرية التفكير علينا أن نتذكر أوصاف مجتمعنا ووضع المرأة فيه، على اعتبار أنها تابعة للآخر، حتى على المستوى الأدبي ليس من الشجاعة أن تغامر الكاتبة بمكانتها الاجتماعية مقابل التعبير الحر عما يدور في خلدها، وإن غامرت فلها أن تتحمل النتائج).
ولدت القاصة والكاتبة “نادرة الطاهر العويتي” بمدينة دمشق، في الـ7 من أبريل للعام 1949، لأسرة ليبية هاجرت إبان الاحتلال الإيطالي. درست الحقوق بجامعة بيروت، قبل العودة لليبيا حيث انخرطت في العمل الصحفي بعد تلقيها مجموعة من الدورات في العمل لصحفي نظمتها مجرة المرأة العام 1965، في كلٍ من طرابلس والقاهرة. لتعمل بمجلة (البيت) محررة ومشرفة للصفحات الثقافية بها، صحبة الرائدة “خديجة الجهمي”.
إضافة لمجلة (البيت)، نشرت “العويتي”، مقالاتها وقصصها القصيرة، في الدوريات الليبية والعربية، وبرغم بدايتها المبكرة في كتابة القصة القصيرة، صدرت مجموعتها القصصية الأولى في العام 1988، والمعنونة بـ(حاجز الحزن)، وكان سبقتها روايتها اليتيمة (المرأة التي استنطقت الطبيعة) في العام 1983، وهي ثالث رواية نسائية تصدر في ليبيا، ضمن سلسلة كتابات جديدة. وبسبب آلة النشر البطيئة في ليبيا، صدرت مجموعتها الثالثة (اعترافات أخرى) في 1994، ومن بعد مجموعتها القصصية (عند مفترق الطرق) في 2006، وآخر ما صر لها مجموعتيها: رمادي، ولعنة الرواية.
“العويتي” ظلت مخلصة للقصة القصيرة، زعن تجربتها الروائية اليتيمة تقول: (تأخذني القصة أكثر …. والمقالة أيضاً). وعن الكتابة تقول: (الكتابة لا نخطط لها، لكننا نحلم بها نعم الكتابة حلم عشق، تصوف، ارتقاء إلى دنا خاصة خالية من الإسمنت والفجاجة، أتمنى أن أكتب وفق قوة الجاذبية المتاحة أمامي لأحداث تظلل مساحة ما من الذاكرة الطفولية الأحلام قد تتعارض مع الاستعدادات النفسية والتهيئة الذهنية والأفضل أن نترك للظروف فرصتها لعلها تهدينا بعض الإلهام والشجاعة).
إضافة للقصة، كتب “نادرة العويتي” المقالة الأدبية والاجتماعية، إضافة إلى القراءات النقدية مسهمة في إثراء هذ الجانب من حياتنا الأدبية في ليبيا، كما شاركت في العديد من المناشط والفاعليات الأدبية والثقافية.
في 29 ديسمبر 2012، قامت منظمة فال بتكريمها، بمنحها جائزة فال للإبداع، في حضور جمع من لأدباء والكتاب والمهتمين بالشأن الثقافي، حيث قام السيد “الحبيب الأمين” وزير الثقافية بتسليمها الجائزة.
(الكراهية هي خط دفاع ضد مالا يستطيع الإنسان التحكم فيه.
شكراً لحظاتنا الجميلة لأنك اقتطفت برهة من الزمن لنعيشك، ولو لم تدوم طويلاً.
للموت قسوتها، ولكن كم من حدث في حياتنا أقسى منه.
أكثر المخلوقات البشرية التي لا أُمل من النظر إليها تعابير وجه أمي، هذه الكتلة المتحركة من الطيبة والحنان) [رواية – المرأة التي استنطقت الطبيعة].
في صباح الـ28 من يناير العام 2015، أعلن عن وفاة القاصة “نادرة العويتي” بعد تعرضها لجلطة دماغية. لتدفن بمدينة طرابلس.
في تعليقها عن حدث وفاتها، وصفت المحامية والقاصة “عزة المقهور“، الراحلة “نادرة العويتي” بقولها: (رحلت القاصة والصحفية الليبية نادرة العويتي بهدوء كما عاشت حياة هادئة مطمئنة في كنف اولادها الذين ربتهم بجهدها وعرقها ودموعها. نادرة العويتي رحلت رغم انها لم تترك مدينتها طرابلس إلا نادرا. لم تترك اقلامها ودفاترها ولم تتغيب عن ندوات ولقاءات كتابها وأدباءها. بصوتها المميز تلقي بيننا قصصها، أو دراساتها النقدية. تحتفي بكل التفاصيل وتغادر صحبة ابنها المهندس نزار كالحمامة. تطفق بجناحيها وتطير. غادرت في فترة اشتد فيها المرض ببلادها فحركت جناحيها مرتين ثم غادرت. الحمامة البيضاء.. تركت لنا ارثا منه المنشور ومنه غير المنشور، نصيبها كان حبيبات قليلة في هذه الدنيا، رضيت بها وعاشت عليها.. رحم الله رائدة من رائدات الصحافة الليبية والقصة القصيرة والعمل الاجتماعي في ليبيا.).
(في فمك كلمة هامة تود أن تقولها.. وفي يد خصمك رصاصة.. يطلقها عليك دون أن يحاسبه أحد) [صحيفة 17 فبراير- 16 ينار 2014 العدد: 609].