تعتريه الحيرة ، ماذا سيفعل؟! قلق ، مهموم طوال اليوم، نفدت الدنانير التي يملكها ، المرتب الشهري تأخر كثيرًا، أولاده يلاحقونه بأعينهم المنطفئة ، بطلباتهم اليوميّة ، يسمع أصواتهم وإن لم ينطقوا: –
– ياأبانا ، نريد خبزًا ، لبنًا ، لحمًا ، دواءً ، كتبًا ، أقلامًا .
زوجته تكرر طلباتها المعتادة ، تشتكي سوء الحال ، رأسه لم يعد يحتمل الضجيج العارم ، كم يكون المرء ذليلًا، ضئيلًا عند خواء الجيوب
. . أية انكسارات تجعله يختفي عن جارهم البقال ، تراكم الدين ، لم يعد له وجه ليقابله، هذا الصباح لم يعثر على درهم واحد لشراء رغيف خبز ، ماذا سيفعل ؟ آهٍ ، حصّالة ابنه الأصغر ، يحاول أن يتذكر ، أين مخبأة ، إلى جانب سريره ، فوق دولاب الملابس المنخور، المشترك بين الأولاد ، اتجه إلى حيث يتكوم الأطفال الأربعة .
يتسلل على رؤوس أصابعه ، بهدوء ، يخشى أن يستيقظ أحد منهم ، يقف على طاولة خشبية متآكلة، يمدّ يده إلى سطح الدولاب المغبر ، يتحسس بأصابعه موضع الحصّالة الخزفيّة ، يجدها ، يهم بجرّها نحوه ، تترنح ، يدفعها بعيًدا كي لا تهوي على رأس طفله النائم ، تسقط على الأرض الأسمنتية ، تهشمت ، تتناثرالنقود المعدنية على الأرض ، صوت ارتطام ، ورنين النقود، حركة جسمه المترنح كلها أيقظت زوجته،والأولاد مذعورين ،أصغرهم يصرخ مفجوعًا،يحملق في حصّالته المهشمة ، ونقوده المبعثرة . تلتصق به استفسارات أعين ابنائه ! هرول مبتعدًا عنهم ، شعر أنه طفل مرتبك ،يركض خجلًا ليتوارى عن الأنظار يجرّ ذنبًا مخجلًا اقترفه.