…. وَفِي قَصِيدتِهِ (احكي) يُورِدُ مَثَلاً شَعْبيًّا يَجْزُمُ أَنَّ المَحَبَّةَ لا تأتي غَصْبًا (المحبَّة ما تجي بالسَّيف)، فيقولُ مُتَسَائِلاً مُسْتَغْرِبًا:
“… أنتَ امنيش خايف يا عزيز وكيف
يا هل ترى مِ الصَّوب والاَّ منِّي
صحيح المحبَّة ما تجي بالسَّيف
وبالسَّيف ما تجحد إحساسك عنِّي
كلمة انودِّك قولها وارتاح
نبي نقولك ما يصحّْ غير الصَّاحّْ
تفرح إن كان حكيت وتفرِّحني
تي غير قولها مليت مِ الكتمان
امتى اتجي ملهوف وتصارحني..؟ “
كما استعملَ في الأغنيَةِ عَيْنِهَا تَعْبِيرًا آخَرَ اسْتِعْمَالاً مُوَفَّقًا، هُوَ (ما يَصْحّْ غير الصَّاحّْ)، وَهْوَ تَعْبِيرٌ مُشْتَهَرٌ كَثَيرُ الجَرَيَانِ عَلَى الأَلْسُنِ، وَاضِحٌ فِي ذاتِهِ.
*****
وَتْخْتَلِفُ إِيقَاعَاتُ القَصَائِدِ وَغِنَائِيَّتُهَا مِنْ قَصِيدَةٍ لأُخْرَى، وَمِنْ قَصَائِدِهِ الجَمِيلَةِ المُمَيَّزَةِ بِسُرْعَةِ إِيقَاعَاتِهَا، وَعُذُوبَةِ مُوسِيقَاهَا الشِّعْرِيَّةِ، وَغِنَائِيَّتِهَا العَالِيَةِ، قَصِيدَةُ (شن نحسبلك)، وَمِنْهَا هَذِهِ المْقَاطِعُ الآسِرَةُ:
“… شن نحسبلك.. !؟
شن نكتبلك ..!؟
مش عمر اللِّي عشته قبلك
بيك بدت لحظة ميلادي
كان احضورك ما هو عادي
بالفرح حياتي نوهبلك
_ _
نا عمري من قبلك كان
يستنَّى في يوم اقدومك
يا اللِّي وين الموعد حان
وْهَبَّتْ بعد الشوق أنسومك
حَسَّيت إنِّي كنت انراجي
فيك وفيك لقيت مزاجي
مبسوط بْشوق ايواجبلك
شن نحسبلك
شن نكتبلك
مش عمر اللِّي عشته قبلك..!؟ ”
_ _ _
الإِنْسَانُ مَخْلُوقٌ مِنَ العَدَمِ؛ فَهْوَ لا يَشْعُرُ بقيمَةِ الأشيَاءِ وأهمِّيتِهَا إلاَّ بعدَ فقدانِهَا، أو وَقْتَ الحَاجَةِ لها، والعاشِقُ ليسَ بدعًا في هَذِا الجَانِبِ، فَهْوَ هُنَا يَشْعُرُ بِخَوَاءِ حَيَاتِهِ، وَيَكْتَشِفُ انْعِدَامِ السَّعَادَةِ منها في غِيَابِ الحَبِيبِ، اِعْتِرَافٌ مَرِيرٌ تَنْفُثُهُ أُغْنِيَةُ (ما عرفتش قيمتك):
“… عدَّيتهن ليَّام وين مشيتي
وحتَّى الدَّقايق بالمهل عَدَّيتهن
ونسيتهن مِ البال وين لفيتي
وسبحان كيف انسيتهن..!؟
وين ما تكوني جنبي..
ليَّام يمشن كيف لمح البرَقْ
وثاريتهن ليَّام فيهن فرَقْ
في طلَّتك حتى اللِّيالي بالسَّهر يغرنِّي
ما عرفتش قيمتك قيمتك ..
إلاَ وين غبتي عَنِّي ..!! ”
_ _ _
كَثِيَرةٌ هيَ المعانيَ التي يُسْقِطُهَا الشَّاعِرُ بحَجَرٍ شِعْرِيٍّ وَاحِدٍ، أَقْصِدُ بِحَجَرٍ ذَهَبِيٍّ، كَثِيرَةٌ وَثَمِينَةٌ جِدًّا؛ فهوَ يَجْعَلُ (الصُّدْفَةَ صَدَفَةً )، انظروا كيفَ يغتنمُ الشَّاعِرُ سالم درياق تعبيرًا شَعْبِيًّا شَائِعًا هُوَ (ربَّ صدفةٍ خيرٌ من ميعادٍ) ليحيلَهُ إلى مطلعِ أغنيةٍ بهيَّةٍ، شَائقَةِ التَّفَاصِيلِ، عابقةٍ بالحُبِّ، لذيذةِ المعَانيِ، مُدْهِشَةِ الِإيقَاعِ، يقولُ في صُدْفَتِهِ الصَّدَفِةِ:
” صدفة وجاباتك وجيت اصدافي
لقيتك بعد شوق وشقا ولقيتني
محتاج للحضن الحنون الدافي
وأنتَ بالمحبَّة والغلا ضَمِّيتني
يا شطّْ رَسَّت فيه كل أحلامي
شفتك وجيتك من بعيد امرامي
جميع العنا في رحلتي نَسَّيتني
صدفة وجاباتك وجيت اصدافي
لقيتك بعد شوق وشقا ولقيتني..”
وَليَتَأكَّدَ لَنَا أنَّ ِقْتِنَاصَاتِ الشَّاعِرِ تُصَدِّقُ زَعْمَ الجَاحِظِ بِأَنَّ المَعَانِي عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيقِ، لا بَلْ هِيَ تَحْتَلُّ كُلَّ طُرُقِ الشَّاعِرِ، وَتَقْطَعُ عَلَيْهِ كُلَّ سَبِيلٍ يُمْكِنُ أَنْ يَسِيرَ فِيهِ.
*****
في قَصِيدَتِهِ (مقبولة منَّك) الَّتي أراها من أَجْمَلِ قَصَائِدِهِ؛ يَبْرُزُ صِرَاعُ العَاشِقِ مَعَ قَلْبِهِ، وَدِفَاعُ القَلْبِ الْمُغْرَمِ عَنِ المَعْشُوقِ الْمُخْطِئِ، فَيَقُولُ الشَّاعرُ العاشِقِ مُطَمْئِنًا حَبِيبَهُ:
“… مقبولة حبيبي منَّك
ما لي عليك ملام
فيه من ايدافع عنَّك
قلبي… ايقول حرام
لا تعاتبه ولا تزيده
ما عنده عليك بعيده
من قلبه غلاك ايريده
وبالفعل موش كلام ..!! “