قصة

الـشـــيء

 

 صدمني بقوة حتى لاصقت الجدار، انتفضت كأرض اجتاحها زلزال عنيف، مرق مابين روحي وجلدي مثل ومضة البرق الخاطفة التي يعقبها الرعد والصاعقة.. هاج بكلي كجنون الريح ثم همد تاركا ً في صمتا ً قاتلاً ودماراً ينظر اتجاهي ببراءة طفل ! ذلك الشيء قسمني إلي نصفين ثم ضمني لبعضي.

حين اخترقني ذلك الشيء ..

اندفعت إلي كافة الاتجاهات مرات ومرات ثم تمركز فوق صدري وتغلغل مدمدما ً مخترقا ً جوفي ومستقرا ً في قلبي.. حينها توقفت عن الارتجاف وتوقف ذلك الزلزال الذي عبرني منذ لحظات لكنني كنت قد تبدلت .

ذلك الشيء الذي اخترقني في غفلة منى يشبه شيئاً لا أعرفه ولا أتبين له رائحة ولا لونا.. أتحرك به كأنه جزءٌ مني كأنه أنا.. كأنه يشبه الفرح الحزين أو الموت الجميل

امتلأت به أو امتلأ بي تمكن منى حتى ضاقت أنفاسي وثقلت خطواتي كأنما كان جسدي من رصاص .

شيء وقف في حلقي، لم أقدر على ابتلاعه ولا قذفه خارجا ً ظل عالقا ً يتضخم ويتساقط إلي الداخل وجعا ًمريرا..

تمتلئ به روحي وتتثاقل به خفقات قلبي وتضيق به أنفاسي ويكبر في ويكبر كأنه لا يتوقف أبدا !!

ذلك الشيء حين اخترقني بدلني وكأني لست أنا .. انتزعني مني كنت أتحرك به كأنني أعوم في الفضاء فاقدة اتزاني بعيدة عن

جاذبية كوني وعالمي تتنازعني أنفاس الريح تعبث بي كما تشتهي ، تتبادلني الفصول وتتقاذفني بينها .. يمضغني الصيف كأنني  علكة يطوح بي الخريف ورقة صفراء تدوسني الأقدام ويعصف بي ليل الشتاء الطويل ويعبرني الربيع كأنه لا يراني .

كنت بعيدة عني أرقبني بخوف وشك وأنا انفصم عني وأتوحد بالألم والاغتراب والدهشة ألملم بعضي لكنني لا أنجح ..

ذلك الشيء ربما يشبه رائحة الكذب أو ربما رائحة الكراهية، رائحة مسكرة.. مؤلمة ولذيذة مثل البهار الحارق تفتح شهيتك لتذوق الأشياء وللشبع لكنها تجعلك مثل قربة منفوخة تمتلئ بالعفن والروائح الكريهة

ذلك الشيء قسمني من بعضي خلع ثوبي وارتداني بدد ما في عروقي وسرى داخلها، نخر مثل السوس روحي فتبددت منها تقاطرت

وتسربت من ثقوبها .

شيء غير مرئي لا وزن له لكنه يجثم فوق الضلوع ثقيلا ً، يحكمني بقوة وصرامة فأتحرك في اتجاه واحد ذاهلة عما حولي إلا منه

ولا أحس إلا حزناً كثيفا ً مثل سماء معتمة بالبكاء تتكدس فيها الغيوم ببذخ لكنها لا تمطر.. شيء يستحوذ على أنحائي ، يفترشها يستولى علي يأخذ بيتي وعائلتي وأشيائي يفرغني مني .

يجلس في مقعدي ويندس في سريري يسرق قبلة ابني ويشرب قهوتي ويقطف من حديقتي زهرة الصباح

اندس ذلك الشيء في كل حياتي بعثرها كما يشتهي استعار لغتي ونطق بلساني.. كنت أرقبه مسجونة فيه أو مسجونا في .

هاجت من حولي الأشياء كأن الجنون امتطى ظهرها يجلدها بعصف الريح والغبار.

في تلك الليلة كان قد انتهى كل الأمر …

قذف بي خارجا ً وأقفل الباب . أخذني مني بكلي ، طرقت خطاي أنا التي لست أنا دروب الدنيا أبحث عني ولا أجدني

كنت روحا ً تعوم في المكان تبحث عن وعائها ذاك الذي اخترقه ذلك الشيء

صار أنا تلك التي لست أنا

التي كنت لست أنا

طرابلس شتاء2007

مقالات ذات علاقة

البطاقة الشخصية … والحصان الميت!!!

عطية الأوجلي

الحِــرْبـاء

أحمد يوسف عقيلة

العطش

حسين نصيب المالكي

اترك تعليق