آمال عوّاد رضوان
أقامَ منتدى الحوار الثقافيّ/ البادية في عسفيا أمسيةً أدبيّة، تناولت كتاب “نبضات ضمير” للكاتبة عدلة شدّاد خشيبون، وذلك في جاليري البادية في عسفيا بتاريخ 4-2-2016، وسط حضور من أدباء وشعراء وأصدقاء، وقد تولى عرافة الأمسية الأستاذ رشدي الماضي، وكانت مداخلاتٌ حولَ الكتاب لكلٍّ مِن د. فهد أبوخضرة، ود. محمد خليل، والأستاذ رياض مخول، وقراءاتٌ بصوتِ المُحتفى بها عدلة شدّاد خشيبون مِن نصوص نبضاتِ ضمير، ثمّ شكرت الحضور، وتمّ التقاط الصور التذكاريّة!
مداخلة رشدي الماضي: عدلة يا ابنة الضّاد، هذا الوقت لكِ فاكتبي ما تريدين، واستكتِبي الليلَ إذا تأخر مساءً، مبدعة أنتِ وكلّك كلمة، تنوّس بين عدلة وأرق وقلق، تؤرجحُ أرجوحة نورِ المعاني عناقيدَ تنهرُ نهرًا يسيلُ في قلبكِ ظلالا، تتفيّئينها نايًا وحيدًا، تعزفين بهِ أحلامَنا الضّائعة، وتسكبين ضوءَ شموعنا في فناجين، وبسمتُك مَفتوحةٌ على العمرِ، تتكئُ على نارج كتفيْكِ، تمتدّ خيطا يُؤرّخُ اللحظة العابرة، يمسكُ بها لحظة هاربة، ليَفصلَ فيها المدى، ولتكوني سطرًا لا يُدركُ، له آخِر سطرٍ تكتبيننا بهِ أغنية خالدة.
عدلة؛ يا حالة عِشقٍ للضاد، تُعيدينَ بها ترتيبَ المكان والزمان والكلام، تفتحينَ شبّاكَكِ كلَّ صباحٍ، ترتجفين بين يديّ الشمس قصيدةً، ودوْمًا تأتينَ إلينا، ننظرُ لغلالِكِ عصفورةً ملأى بالحضور، بحرًا واسعًا يَملكُهُ الخيال، وجهًا بهيًّا مِن سماءٍ صافيةٍ يَنتظرُ على رصيفِ اللغةِ، ليَزرعَ فينا ما شئنا مِن مطرٍ، يُسِرُّ لنا أنّ فجرًا سيأتي، ويقتسمُ وإيّانا ظلّ أشجارِ الكلام لنعرفَ ما تُخفي، وما معنى أن نكونَ لها، فتنتصرُ حروفُكِ على زمن الصّمتِ ريشة تأتي، ضِحكة شمسٍ تتوارى بين أهداب كلماتك، عنقاءَ تلتهبُ، لكنّها لا تغيبُ. عدلة يا عصفورةٌ غناؤها صنّاجة المعنى، ارقدي في المدى ولو في غابةٍ نائيةٍ، لتبني عشّكِ بيننا.
مداخلة الدكتور فهد ابو خضرة/ نبضات ضمير/ للمبدعة عدلة شداد خشيبون/ دار الوسط رام الله 2015: يضمّ هذا الكتابُ خواطرَ مكتوبة بنثرٍ شِعريٍّ زاهٍ، نثر يَتجّهُ نحوَ الشّعر ويَتّسمُ بِسِماتِهِ، فهو نابعٌ مِن القلب ومَليءٌ بالإيحاءِ وبالمشاعر المُؤثّرة والمُعبّرةِ أصدق تعبير. مِن المعروفِ أنّ هذا النّثرَ الشّعريَّ هو الوسيلة التّعبيريّة التي تحلّ مَحلّ الشّعريّ، حين تكونُ العواطفُ جيّاشة والتّأثرُّ كبيرًا جدًا، وذلك، لأنّ الشّعرَ يخضعُ للتنظيم الدقيق، بينما النثر مُتحرّرٌ منه إلى حدّ كبير، والخضوعُ للتّنظيم الدّقيق مع التّأثر الشّديدِ يأتي على حساب التّأثر غالبًا، وتكونُ النتيجة غيرَ مُرضيةٍ، وحين يَستعصي الجمْعُ بينَ التنظيم المطلوب والأثر المُرافق، فلا بدّ مِن الاتّجاه إلى النّثر الشّعريّ.
إنّ هذه الخواطر وكلَّ الخواطر التي تماثلها، يمكنُ أن تتحوّلَ إلى شعرٍ منثور، حين تريدُ المبدعة أن تكتبَ شعرًا لا خواطرَ، وذلك، مِن خلال التّكثيف، والإيجاز، والاستعاراتِ والرموزِ المُتتابعةِ، التي تجعلُ الكلماتِ تقولُ ما لا تقولهُ عادة، والسّؤال هنا، هل يُسمّى شعرًا ما لا يكون موزونًا مِن الكلام؟ الجوابُ عندَ الكثيرين بالإيجاب، ولكنّ هناك بالمقابل مَن يُجيبُ بالنفي، وهناكَ مَن يَتردّدُ بين الإيجاب والنفي حتّى الآن، مع أنّ الباحثين مُتّفقون على أنّ الوزنَ وحدَهُ لا يَصنعُ الشّعرَ، وإلاّ، فهل نُعتبر ألفيّة ابن مالك في النّحوّ شعرًا؟ إنّ التّمييزَ بين الشّعر والنّظم مُهِمٌّ جدًّا، في هذه الحالةِ وما يُقاربُها، أعني ألفية ابن مالك.
هذه الخواطرُ النّثريّةُ الشّعريّة كُتبتْ بأسلوب رومانسيّ، مع أنّ المدرسة الرّومانسيّة في أدب العربيّ فقدتْ سيطرتَها منذ عام 1945، عندما حلّ مَحلّها الاتّجاهُ الواقعيّ بتأثيرٍ ظروفٍ خارجيّة، وليسَ نتيجة تطوُّرٍ داخليّ، ثمّ حلّتْ مَحلّهما الحداثة وما بعدَ الحداثة، لكنّ هذا التّوجّهَ عندَ المبدعة ليس غريبًا ولا مرفوضًا، إذ بقيَ بعد عام 1948 عددٌ غيرُ قليل مِن الشّعراءِ والناثرين يَستعملونَ الأسلوبَ الرّومانسيّ، وقد أطلقَ عليهم اسمَ “أتباعُ الرّومانسيّة”، ومنهم شعراء وناثرون كبار ومشهورون، ونحن نجدُ أنّ في شِعرنا المَحلّيّ في سنوات الخمسين والسّتين كثيرًا مِن ملامح الرّومانسيّة، وغيرَ قليلٍ مِن أتباعِها، والكتابة بالأسلوب الرّومانسيّ نابعة في معظم الحالاتِ، مِنَ الاهتمام بالمَشاعرِ الفرديّةِ الذّاتيّة، وإعطائها المكانة الأولى في مجالِ التّعبير، وأتباعُ الرّومانسيّة اليومَ في بلادِنا وفي الأقطار العربيّةِ عامّة، لا يُقيّم تقييمًا إيجابيًّا أو سلبيًّا مُسبقًا، وإنّما يُقيّم بحسب ما يَقولهُ النّصُّ أو يُوحي به، فإن كانَ قادرًا على مخاطبةِ المتلقّي والتّأثير فيه، قُيّم تقييمًا إيجابيًّا وإلاّ قُيّم تقييمًا سلبيًّا، وقد ارتبطت المدرسة الرّومانسية في فترةِ ازدهارِها وفي ما أُنتجَ بعد تلك الفترة بمعجمٍ لغويٍّ مميّز، تُستمدّ مُفرداتُهُ غالبًا من الطّبيعةِ والعاطفةِ الإنسانيّةِ والموسيقا وما إليها، وهو معجمٌ يَهتمّ بجَماليّةِ الكلمةِ وموسيقيّةِ التّركيب، سواءً كان موزونًا أو غيرَ موزون، كما ارتبطت بأسلوب تعبيريٍّ يُحاولُ أن يتوسّط بينَ الوضوح والغموض، وإن كان ميلهُ إلى الغموض هو الأبرزُ في أحيانٍ كثيرة.
الغموضُ كما هو معروفٌ في كلّ الآداب العالميّةِ الحداثيّةِ عنصرق أساسيٌّ جدّا في الشّعر، وموجودٌ فيهِ بطبيعته، لأنّ الشّعر قائمٌ على الانزياح دون غموض، ولكنّ المدارسَ الأدبيّة التي جاءت بعدَ الرّومانسيّة، مالَ العديدُ منها إلى تكثيفِ الغموض ودفعِهِ باتّجاه الإبهام في أحيانٍ كثيرة، وإذا كانَ الغموضُ لا يُثيرُ جدلًا اليوم، فإنّ الإبهامَ ما زالَ يُثيرُ جدلًا شديدًا، وما زالَ الكثيرونَ يَرفضونَهُ. وإذا كانت المبدعة عدلة شدّاد خشيبون قد اتّجهتْ في عددٍ مِن المواقع في كتابها هذا إلى الغموض المُكثّفِ، الذي يَحتاجُ إلى إعادةِ القراءة أكثرَ مِن مرّة، لاستيعاب ما يَقولُهُ أو يُوحي بهِ، فإنّ هذا الأمرَ مَقبولٌ جدّا اليوم، بل هو مُفضّلٌ في الكتابةِ والرّومانسيّةِ الرّاهنة، لأنّهُ يَربطُ هذه الكتابةَ بأسلوبٍ مُشبّعٌ في هذا العصر ومُفضّل عند الكثيرين، وفي اعتقادي، أنّ الأسلوبَ الذي سيكونَ انتشارًا في السّنوات القادمة هو الأسلوبُ المُعتمِدُ على الغموض أو الإبهام، ومَن يُتابعُ الشّعرَ الذي يُكتبُ اليومَ، يجدُ هذا الأمرَ واضحًا.
مداخلة د. محمد خليل: ((نبضات ضمير)) للكاتبة الواعدة عدلة شداد خشيبون: أهلًا بكم ومعكم تحتَ مظلةِ الأدب والإبداع! في هذه الأمسية الأدبيّةِ الثقافيّةِ المميّزة، نقاربُ واحدًا مِن الأجناس الأدبيّةِ التي يُمكنُ تصنيفُها على أنها “خواطرُ أدبيةٌ”! ونحنُ حينَ نسجِّلُ ذلك التصنيف لـ “نبضاتِ ضمير”، فهذا لا يعني أنّنا نُبخسُ هذا اللونَ قيمتَه المعنويّةَ والفنيّةَ، أو نقلِّلُ مِن مكانتِهِ وأهمّيّتِهِ، بل العكسُ هو الصحيح! فالخواطرُ الأدبيّة فنٌّ أدبيٌّ قائمٌ بذاتِهِ، لهُ مميّزاتُهُ الإبداعيّة الخاصّة، ونحن قرّاءً ومُبدعينَ وحركةً أدبيّة مَحليّة لا يمكنُنا أن نستغنيَ عن مثلِ هذا اللونِ الأدبيِّ، لأنّه قليلٌ في مشهدِ حركتِنا الأدبيّةِ المَحليّة، لكنَّ شرطَ التلقي والقبولِ أن يَرتقِيَ إلى المستوى الأدبيِّ والفنيِّ المَطلوبيْن!
يقول د. عزّ الدين إسماعيل في كتابه (الأدبُ وفنونُه) عن فن الخاطرة الأدبيّة: “وهذا النوعُ الأدبيُّ يَحتاجُ في الكاتب إلى الذكاءِ، وقوّةِ الملاحظةِ، ويَقظةِ الوجدان”! وقد تُعرَّفُ الخاطرةُ الأدبيّةُ على أنّها تعبيرٌ عن مكنوناتِ النّفسِ، وما يَدورُ فيها مِن صراعاتٍ أو حُبٍّ أو حزنٍ أو حتى ضيقٍ أو ألمٍ أو فرح وسعادة، بكلماتٍ أخرى، تُكتبُ الخاطرةُ الأدبيّة عندما يَتعرّضُ الإنسانُ لموقفٍ عاطفيٍّ أو وُجدانيٍّ مثلًا، فتتحرّكُ أحاسيسُهُ، ويَبقى هاجسُ الموقفِ ماثلًا أمامَهُ لمدّة طويلة! صفوةُ القول: الخاطرة الأدبيّةُ بمنظورٍ ما، هي فنٌّ أدبيٌّ وتعبيريٌّ عما يَخطرُ في القلبِ والعقلِ مِن أفكارٍ وهواجسَ يُترجمُها اللّسانُ لكلماتٍ وعبارات. إلى ذلك، تُعنى الخاطرة الأدبيةُ بوصفِ الحالةِ الداخليّة للكاتب أو نظرتِه لشيءٍ ما، ممّا يَمرُّ بهِ في الحياةِ مِن تجربةٍ أو مواقفَ أو قيمٍ إنسانيةٍ في محيطِهِ القريب، مثالُ ذلك: الأسرة، المجتمع، الصداقة، الحُبّ، وما إلى ذلك!
“نبضاتُ ضميرٍ” يمكنُ أن تُعدَّ مَرايا عاكسةً لصُورٍ تُحاكي أو تكاشفُ الكاتبةَ نفسَها، وهي في غالبيّتها العظمى، بوحٌ ذاتيٌ على شكلِ خواطرَ أدبيّةٍ مجبولةٍ على البساطةِ والتواضعِ والمَحبّة، لكنّها دامعةٌ حينًا، وباكيةٌ أو نازفةٌ أحيانًا! وهو مَعنى قولٍ يُنسب إلى كافكا: الكتابةُ انفتاحُ جرح ما، علمًا أنَّ النجومَ تزدادُ بزوغًا كلما ازدادتْ ظلمةُ الليلِ حُلكةً!
تبدأ المكاشفةُ فيها بعرضٍ لتجاربَ متواليةٍ مرّت بها المؤلفة مما يعتلجُ في أعماق الذات، وذلك من خلال رصدِ الأحداثِ المؤلمةِ والصعبة التي أعدّتها الأقدارُ وتعرَّضتْ لها المؤلفة، وتركتْ ندوبًا عميقةً في حياتِها، وقد أرختِ العَنانَ لعواطفِها كي تنطلقَ على سجيّتها، وتتكلمَ أو تكتبَ كيفما تشاءُ في شرقِنا الباحثِ عن كلِّ عاطفةٍ وإحساس! الأمرُ الذي يُذكّرُنا بالكاتب المصريّ المنفلوطيّ وكتابيْهِ “النظرات” و “العبرات” تحديدًا، وذلك لكثرةِ ما “ذرَّف” فيهما مِن دموعٍ، وأبدى من أحزانٍ على بعض جوانب المجتمع، مقلِّدًا بذلك أسلوبَ الأديبِ الفرنسي الرومانسي “ألفونس كار” (1808-1890م)، صاحبِ روايةِ “مجدولين” المعروفة، وعليهِ، نحن لا ننكرُ على المبدع أنْ يستفيدَ من تجاربِ الآخرين ويتأثَّرَ بهم، إلّا أنّه يُفترضُ بهِ أيضًا أن يُضيفَ إليها من ابتكاراتِهِ الخاصّة، وفي مقدّمتها شيفرتُه الخاصّة! إلى ذلك، قد لا أراني مُجانبًا للصوابِ إذا قلت: إنَّ العواطفَ وحدَها لا تصنعُ أدبًا، مع التنويه بأننا لم نلتقِ بربّةِ الخيال أو ربةِ الجمال في تلك الصور، إلّا في ما ندر، وكلتاهُما مِن السّمات الأساسيّة التي لازمت مفهومَ الإبداع، لكن، في المقابل والحقُّ يُقال، نراها تتقنُ فنَّ العباراتِ الُّلغويةَ والمفرداتِ الأدبيّةَ على نحوٍ لافت، والكلامُ في هذا المجال قد يَطولُ فأقولُ: تحفلُ لغةُ “نبضات ضمير” بتناصاتٍ أدبيّةٍ، وصورٍ فنيّةٍ مُتعالقةٍ بلغة الكتاب المُقدّس والقرآن الكريم، ألفاظًا وجُملاً ومَجازًا وجرسًا، كذلك، ثمّةَ تناصّاتٌ جميلةٌ متأثرةٌ بأسلوب الخنساء، وأبي العلاء المعرّي، ونزار قباني، وجبران خليل جبران، والسيَّاب، وبعضِ أدبائنا المَحليين!
وبالنظر إلى ما يَعرِضُ لهُ الكتابُ مِن واقع، فقد نجدُ أنفُسَنا أمامَ سؤالٍ مشروعٍ يتبادرُ إلى الأذهان وهو: هل الأديبُ مُجرّدُ مُصوِّرٍ يَحملُ آلةَ تصويرٍ فوتوغرافيّ على عاتقهِ لتصوير الواقعِ كما هو، ليس أكثر؟ الإبداع والمُبدعُ يحتاجان إلى القلب الكبير، جنبًا إلى جنب الذهن المتوهّج والإرادةِ القويّة، لأنه يبحث دائمًا عن كلّ ما هو جديدٍ ومُبهِر، كما أنّه يَبتعدُ عن المحاكاة والتقليد، ويبتكر ما هو متميِّزٌ وجديد! الإبداعُ الفنّيُّ نشاطٌ اجتماعيٌّ وجدانيٌّ وذهنيٌّ معًا وفي آن. من هنا كان الفنُ وما زال قادرًا، بطريقته الخاصّة، على المواجهة والتحدّي وتجاوزِ العقباتِ بُغيةَ تغيير الواقع، وأحسَبُ أنّ مَن يُقاربُ ثنايا “نبضات ضمير” بما يشتملُ عليه من خواطرَ أدبيّةٍ، يستطيعُ أن يتبيَّنَ مدى ارتباطِها بكيان الكاتبةِ نفسيًّا ووجدانيًّا واجتماعيًّا، وما تَعنيهِ مِن دلالاتٍ واضحةٍ جنبًا إلى جنب مشاعرِها وأحاسيسِها وذوقِها، التي تبدو فيها طافحةً بصدقِ العاطفةِ وحرارةِ التجربة ومرارتِها على المستوى الشخصيّ. ومع إدراكِنا التامّ لمدى صدقِها وواقعيتِها، فهي نابعةٌ من صميمِ الأعماق، الأمرُ الذي أكسبَها قيمتَها وحيويّتَها، عِلمًا بأنّ الصدقَ وحدَهُ لا يكفي، فالصدقُ يُطلبُ مِن الأنبياءِ لا من الأدباء! ومعَ اهتمامِنا وتعاطفِنا الذي قد يَصلُ حدَّ التماهي أحيانًا مع الكاتبةِ لأسبابٍ أو دوافعَ متعدّدةٍ، فإنّنا أو بعضُنا على الأقلّ، كان يَطمحُ لو أنَّ الكاتبةَ لم تكتفِ أو تتوقفْ عند شخصنةِ الأحداث، أي على المستوى الشخصيّ فحسب، إنّما حبّذا لو كانت تجاوزتها إلى أبعدَ من ذلك، كأنْ تُلامسَ وتداعبَ أيضًا ولو في بعضِ جوانبِها، خواطرَ الإنسانِ وأفكارَهُ وهمومَ المجتمعِ على المستوييْن الفرديّ والجمعيّ على حدّ سواء، وذلك تأكيدًا للتعبيرِ عن الرؤية المُعاصِرةِ للفنّ! بمعنى؛ أنَّ فعلَ الكتابةِ يُفترضُ أن يكونَ وثيقَ الصّلةِ بما هو معاصرٌ للإنسان في كلِّ مكان. من هنا، رُبَّ سائلٍ قد يسألُ: تُرى هل تجاوزت الكاتبةُ نفسَها لجهةِ حياتِها الخاصّة؟ هل أتت القارئَ بكشفٍ جديد ووعيٍ تامّ لحياتِهِ على أرض الواقع، لأجل التحرّرِ والانعتاقِ مِن ذلكَ الواقع الرّاهنِ المَعيش؟ فالقارئ وبحقّ، يبحثُ عن تربةٍ خصبةٍ فيها آليّاتُ الكتابةِ الفنّيّةِ، من أبعادٍ دلاليّةٍ وترميزٍ وتمويهٍ وإيهام، يبحثُ عن القيمةِ المُضافةِ مِن كلِّ فنّ، وفي الوقتِ نفسِهِ عن الانفعال وهو التطهير وعن التفاعل، عمّا يمكنُ أن يحرِّكَه وجدانيّا وذهنيّا، بغيةَ إثارة السؤال أو التساؤل أو التأمل والتفكير في أقلِّ تقدير. لكنَّ واقعَ الحالِ يُثبتُ أنَّ الكاتبة آثرَت الاكتفاءَ بالبوْح الذاتيّ على كلِّ ما عداه، لأجلِ ذلك كلِّهِ، أحسبُ أنّ القارئَ يُفضّلُ بالمُطلق لو أنّ الكاتبَ لا يتعجَّلُ، بل ينتظرُ حتّى تختمرَ عجينتُهُ كما يجب، ولا يَبقى مجالٌ للتساؤل: تُرى هل نحن نكتبُ أكثرَ ممّا نقرأ! إلى ذلك، يلحظُ المرءُ أنّ الكاتبةَ تشعرُ بغربةٍ اجتماعيّةٍ ونفسيّةٍ قاسيةٍ في المجتمع، على الرَّغمِ من كثرةِ النَّاسِ مِن حولِها، غربةٌ لا يعودُ سببُها لكونِها امرأةً أبدًا، إنّما لأسبابٍ خانقةٍ وظروفٍ موضوعيّةٍ قاسيةٍ وصعبةٍ تحيطُ بها، قد يَنوءُ الإنسانُ العاديُّ بحَمْلِها، مع أنّها تميلُ كثيرًا لجهة المرأة، وتتعاطفُ مع بناتِ جنسِها على نحوٍ لافت، وقد يبدو للقارئ مِن حين لآخرَ أيضًا، أنّ الكاتبةَ لم تستطع بعد التخلُّصَ أو التحرّرَ مِن شرنقةِ ما يُسمى “الرّجُل الشرقيّ المتسلط” ومِن “العبوديّة للرجل”، وما إلى ذلك مِن عباراتِ زمنٍ قد مضى وانقضى إلى غير رجعة! وإذا كنّا نلتفتُ إلى الماضي بعين، وننظرُ إلى الحاضر بالأخرى، فما كان أحرانا أن نتطلعَ إلى المستقبل بكلتيْهما!
مهما يكن، فالقيمةُ الجوهريّةُ لأيِّة آثارٍ أو إصداراتٍ، على الرَّغم من أيِّ خلافٍ أو اختلافٍ أو نقاش يُثارُ حولَها، أنّها تَظلُّ منجزاتٍ إبداعيَّةً، طبعًا بدرجاتٍ مُتفاوتةٍ نسبيّا، بكلّ ما للكلمة من معنى، فلا أحدًا يولدُ كاتبًا أو شاعرًا! وأختُمُ بالقول: لا شكَّ أنّ “نبضاتِ ضمير” هو باكورةُ نتاجِ الكاتبة، لذا فهي الخطوةُ الأولى، لكنّها خطوةٌ جريئةٌ على درب الآلام، حيثُ عذاباتِ الحروفِ والكلماتِ، في مشوارٍ قد يطولُ مسافةً ويتّسعُ مساحةً، وعندي ثقةٌ وأملٌ بأنّ غدًا سيكونُ أكثرَ فرَحًا وإشراقًا وإبداعًا، نشدُّ على يديِّ الكاتبة أملًا أن يكونَ هذا القطرُ أوّلَ الغيثِ ثمّ ينهمرُ، ونحن بالانتظار لقطف الثمارِ معًا في قادم الأيّام، فقُدُمًا إلى أمام، وشكرًا.
مداخلة رياض مخول: بعدَ قراءاتٍ كثيرةٍ متعدّدةٍ لنصوصٍ الكاتبةٍ عدلةَ في إصدارٍها الأوّلٍ، والّتي نشرَتْ جميعَها في الملحقِ الأدبيِّ لجريدةِ الاتحاد، اسمحوا لي أنْ أستغلَّ هذه الندوة لأعرّجَ على ظاهرةٍ خطيرةٍ مُقلقةٍ؛ فبعدَ مُشاركاتٍ في ندواتٍ أدبيّةٍ وثقافيّةٍ وفنيّةٍ، لمستُ أنّ الفكرَ النقديَّ أو التوجيهيَّ؛ المسموع أو المكتوب، يَضيع أحيانًا في متاهةِ المُجاملاتِ والعلاقاتِ الشّخصيّة، فلا نسمعُ أو نقرأ إلّا لغة إنشائيّة، بعيدًا عن الموضوعيّةِ والعُمق في الدّخول إلى أعماق النّصّ البنويّة الشّكليّة والفنيّة والمحتوى. دعونا نتخلّص من ذلك، ونشجّع الكتابة بموضوعيّةٍ ونقدٍ بنّاء، يُفيدُ الكاتبَ ويقودُهُ إلى إغلاق فجواتِ الضّعفِ في كتابتِهِ، وإبراز المقوّماتِ الفنيّةِ الجماليّةِ والمعنويّة، كي نوقف- إذا استطعنا ذلك- كثيرًا من الفوضى الكتابيّةِ والنّقديّةِ الّتي تجتاحُ هذا الزّمانَ الرّديء..
الكاتبة “عدلة” في إصدارها الأوّل، عرضتْ لنا نصوصًا تتميّزُ بجَماليّةٍ خاصّةٍ، أظهرتْ مِن خلالِها قدرةً كتابيّة مُدهشة، بعباراتٍ موجزةٍ مُكثّفةٍ بالاستعاراتِ الحيّةِ النابضةِ بالحركةِ والحياة، حيث استطاعت أن تجمعَ عوالمَ مختلفةً واسعةً في النّصّ الواحد، بدْءًا مِن حياتها العائليّةِ الخاصّة ومِن مُحيطِها الصّغير، إلى محيطِها العامّ البعيدِ الداخليّ والخارجيّ سياسيًّا واجتماعيًّا، والكاتبة في هذا الإبداع لها مفاتيحُها الخاصّة، وقد استعانت بها بأساليبَ وطرائقَ متعدّدةٍ جماليّةٍ، وبما أنّ الجماليّة حالةُ مشاركةٍ أو تعاون بين العمل الأدبيّ الفنّيّ والمتلقّي، وتعتمدُ أساسًا على التّفاعل نتيجة ما نشعر به من متعةٍ واكتشافٍ، أو ارتياح أو قلق بتأثيرات هذا التّفاعل، هكذا يستطيع المتلقّي، القارئ اليقِظ أنْ يستبطنَ ويفهمَ أبعادَ أيّ نصٍّ، مِن خلالِ ربْطِ الدّلالاتِ اللّغويّةِ، والهندسةِ الجدليّةِ للجُملِ، وما تحويهِ مِن صورٍ جَماليّة. يقول محمّد مندور:” التّحدّثُ عن المبنى والمعنى كالتّحدّث عن شفرَتَي المِقصّ، والتّحدّث عن جودةِ أحدِهما كالتّساؤل عن أيّ الشّفرتين أقطع!”
نجدُ في نصوص عدلة التحامًا واضحًا في الشّكل والمضمون، في جدليّةٍ لغويّةٍ معنويّةٍ ومَبْنَويّة في ترتيبِ الجُمل،وهندسةٍ إيقاعيّةٍ تقتربُ إلى لغةِ الشّعر في صورٍ استعاريّةٍ عميقة. تكتب عدلة في النصّ الأوّل ” فاتنة حبيبتي الصّغيرة”: “اليوم الّذي فارقتْ نفسك الحياة، فارقتْنا الابتسامة والبهجة والسّعادة”. مِن فاتنة كان استهلالُ عدلة، وكانت صرختها الإبداعيّة الأولى، فانفجرت إبداعًا وصرختْ في ألم: “انفجري يا مفردات واكتبي يا نفسي، اكتبي ما يحلو لك عن ذلك اليوم المشؤوم الّذي مرّ في شتاء هذا العام في نهاية كانون”.
فجعت الكاتبة برحيل مفاجئ لأمّها أثّر فيها كثيرًا، حيث بدا واضحًا في أغلب نصوصِها، فمِن النصّ الأوّل، وتحديدًا في الصّفحات الثّلاثين الأولى، نجد سيطرةً لمعجمٍ تعبيريّ واحد (موتيف الغياب) مشحونًا بالألم والحزن، لكنّ الكاتبة تنتفضُ في نهايةِ كلّ نصّ، وتحوّلُ ذلك إلى رؤيةٍ تفاؤليّةٍ، تستعيدُ فيها قوّةَ الحياة والانتصار على الضعف.
ومن أمثلة التعابير الدّالّة على “الغياب”: التّلاشي، تلاشت، اختفى، تاهت، طريق بلا مخرج، توارى، توارت، محطّتي خالية، غيابك، ترحل لترحل، تغيب لتأتي، تغطّى، يغلّف، الغروب، الرحيل، الاحتجاب، الفراق، المغادرة، التّناثر، التّواري، الجمود، الذّوبان، الحجاب…الخ.
ومن يتابع سائر النّصوص بعد الصّفحات المذكورة يجد أنّ هذا المعجم التّعبيريّ قد زال كليًّا وحلّ محلّه المعجم التّفاؤليّ الّذي ينتشي بالتّجدّد والتّحدّي في فرح وأمل. ومن أمثلة ذلك: “ستنمو، أجل ستنمو، ستكون بذورٌ ويكون بستان” وأيضا: “وراء كلّ خريف ربيع يبتسم”.
والملاحظ أنّ الكاتبة تنوّع في أسلوبها، ويظهر أنّ “الالتفات” ظاهرة بارزة في جميع النّصوص، حيث تنتقل من عالمها الخاص لتتّصل بالعالم الجماعيّ الأوسع، وتتحوّل من خطاب إلى آخر، وتتّخذ الطّبيعة الحيّة والجامدة جسرًا في إيصال أفكارها ومشاعرها، وهكذا يظهر “الأنا المتغيّر” في أغلب النّصوص: “أنا لست أنا كلّ يوم”. ” أنا لم أرفع شعار الاستسلام بعدُ؛ لأنّ النّجم في داخلي”. “أيّها الأمل الغافي على كتف حريّة الضّمير، حان وقتك لتنهض”. “انتعلت جرأة الجنديّ بثقة أرز لبنان”. “انتفضت سمكة من قاع البحر وأخذت تحلم بعالم بلا حدود”. “كيف سيعرفون زوال جمرة ملتهبة إن لم يكتشفوا من فوقها الرماد”. “كيف سيعرفون أنّ في التّراب بذرةً حيّةً”.
أمّا الاستعارة فقد جاءت عفويّة تحمل دِلالاتٍ وأبعادًا تتعدّى حدود الخيال،تمتزج بالواقع في فنيّة خاصّة موحية. والصّور الفنيّة في أغلب الجمل ترتكز على الاستعارات، والاستعارة حسب تعريف جاستون بلاشر هي صورة “إنّ الصّورة نبتة تحتاج إلى أرض إلى سماء وإلى جسم وإلى شكل”. وهذا فعلًا ما نجده في استعارات الكاتبة، استعاراتها لها أرض خصبة وسماء كريمة في كواكبها وغيومها، في ليلها ونهارها، وبحر وفصول متعاقبة، وصحراء يمتدّ فيها الزمن ويقصر: “البحر يعطش كما الصّحراء، الصّحراء تتنفّس ماء البحر المالح، ويبقى كلاهما يبحثان عن الماء للارتواء”. “الغربة غربة حجر”. “حاصرهما صمت الغياب اللّعين”. “هل يذوب الشّوق أم يتجمّد”.
ولنسمع/ ولنقرأ معًا بإمعان: “عذرا أيّتها الغزالة الصّفراء.. لا ترسلي شعاعك، فأنا لست بردانة… هي عاصفة الظلم قويت على كلّ ثياب العدل والإنسانيّة، فبت أبحث عن رداء يلائم عواصف القهر؛ ليقيَنا من جور الباحثين عن دموع اليتامى ليعجنوا بها طحين تفاهتهم، ليغمسوا خبز حقدهم بزيت لؤمهم… أنت يا طفلة الحريّة لا تخافي، ويا براءة الأطفال، لا تشعري بوحدة؛ فأنا مثلك أحبّ البحر، أعشق صوت الغمام، أتنفّس من هدير النّهر، أغفو على لحن الغربان، فخريف يعاقب خريفًا، وحلم يصارع كابوسًا، وبينهما مرجان يستصرخ أسماك القرش وحيتان القاع، وبنفسج يملأ البستان بأريجه رغم ثورة البركان… علا صوت النّاي بلحن الآهات، في كلّ بحر ملفٌّ للذّكريات”.
إنّنا نجد في هذه الاستعارات الإيقاعيّة المركّبة الحيّة عوالم مختلفة متجانسة حينًا، ومتضادّة حينًا آخر في هندسة جدليّة عفويّة، تتحرّك فيها الألفاظ والتّعابير في انسياب وجدانيّ عاطفيّ جيّاش في نغم شاعريّ، لتكوّن شبكة مفتوحة من العلاقات والثّنائيّات الّتي أرادت من خلالها إبراز كثير من مفارقات وتناقضات هذا العالم، بدءًا من المحيط الضيّق ووصولًا إلى المحيط الأبعد والبعيد بأبعاد دِلاليّة رامزة موحية.
وقد وُفّقَت الكاتبة في توظيف الموسيقا الداخليّة- التّنغيم- في هندسة إيقاعيّة معبّرة، وهذا ما زاد من جمالية التّراكيب الاستعاريّة، كما كان لتوظيف التجنيس بكلمتين متجاورتتْن أثر موسيقيّ بارز في إثارة القارئ وبثّ الدّهشة فيه: “أحزانها ألحانها”. “الجنين والحنين”. “القلق والأرق”. “الأشواق والأشواك”. “تسمع صدى الصّوت من ذاك السّوط”. أملي أن أكون في هذه المداخلة قد ألقيت الضوء على بعض مقوّمات نصوص الكتاب، آملا في القريب العاجل أن أفيَه حقّه في دراسة تفصيليّة واسعة، تشمل توضيحات لسدّ بعض الثّغرات البسيطة في بعض نصوص الكتاب، ننتظر إبداعًا جديدًا منك يا عدلة.
مداخلة حسام برانسي: احتفاءً بكتاب نبضات ضمير للكاتبة عدلة شدّاد خشيبون: يا مْعَمْدِه الكِلمِه بالمَحبِّة/ بصِدقِ المَشاعر عَمَّدِكْ رَبّي/ عمْ تِغِرْفي مِن نبعِةِ الإحساسْ/ وْبِعْقُولْنا الإبداع بِتْصُبّي/ فِكْرِكْ يا عَدله مِسْبَحِةْ ألْماس/ وِمْنَقّيِه حَبِّه بَعِدْ حَبِّه/ وْقَلبِكْ نَقي بِيحِبّ كلِّ الناس/ لا بْتِحِقْدي وْلا بْتِعِرْفي تْخَبّي/ وْشُو بْتِفْرَحي عَا طنّة الاجراس/ وِبْتِفْرَحي أكثرْ بَعِدْ بِكْثير/ لمّا الصّليبْ يْعَانِقِ القِبّه.
ع كْتابْها الليْله نْزِلْنا ضْيوف/ والحَرْف بالإبداعْ حَيّانا/ وَصَبِّ الوَحي فوْق السّطورِ حْرُوف/ لمْعِة فِكِرْ نوَّرْ مْحَيّانا/ وْحَتّى شموخ وْعُنفوان نْشوف/ وْنَفحِة قداسِه بْرُوح مَلقانا/ شرْحِت خبايا القلب عَ المَكشوف/ وْأخدَت مِنِ جْبال البْقيعه شْموخ/ وأخذت قداسِه مِن عُرس قانا.
قَريت الكتاب وجَمَعِت غَلّه/ حتّى الفِكِر ما يْعيش بالقِلّه/ وعَ قدْ ما قلّبِتْ بالاوْراق/ فَزّ الوَحِي مِنْ مَضْجَعُو وَقالْ لي/ شُفِتْ بِعْيونَكْ لمعِةِ الأحداق/ مِثِلْ الـْ كأنّكْ خاشِعْ تْصَلّي/ شو قَريت؟ قالْ لي، مِن زَمَنْ توّاق/ اسْمَعْ حَكي مَوْزون مِتْجَلّي/ وْبَلّشِتْ اِقْرا، وِالوَحي مِشتاق/ يُقطُفْ زَهِرْ تَا يْعَرِّمِ السّلّه/ وْلَمّا انْتهيتْ، بْلَهْفِةِ العِشّاق/ باسْ الِكْتاب وَقَبِلْ ما يْوَلّي/ قال لي بْتواضُعْ وْبُلُطُفْ أخلاق/ ما دام عِنا هيك في كُتّاب/ مْنِقدَرْ عَ أعْلا سَمَا نْعَلّي .
مداخلة عدلة شداد: في بستانِ مَحبّتِكم زرعتُ أفكاري، فارتوَتْ مِن دفْءِ كلامِكم، ومِن خِلالِكم كانَ نبضُ الضّميرِ قوّيًا، وكانَ المولودُ ضميرًا يَنبضُ بأملٍ مُتوارٍ خلفَ حكاياتِ لبنى وسعاد، وآهات بثينة وسلمى، ودمعاتِ خولة واستغاثة نورس وهزار. كانَ الضّميرُ ربيعًا في الخريف، وصيْفًا في الشّتاء، فكتبَني بمدادِ آذار المرأة والعطاء، وأيّار شهر الدّمعةِ والابتسامة. مولودةُ شتاءٍ أنا، وغيماتي ليستْ خلّب، فهي صادقةٌ، وصِدْقُها في رِعدةِ كانون وسَيْلِهِ، وحين قرّرتُ أنْ أجمَعَ نصوصي في كتاب، أتى العنوانُ وحدَهُ لا مُنافِسَ لهُ، فأسرعتُ لعلبةِ خيطاني التي ورثتُها مِن أمّي الغالية، وطرّزتُ الغلافَ، ففي كلِّ غرزةٍ نبضةُ ضميرٍ، ودقّةُ قلبٍ وشكرٍ وعرفانٍ لهذه العظيمة، فلها نبضُ روحٍ لا يَنضبُ لا ولن يموت.
فإنْ كنتُ قد اخترتُ قماشَ الكتاب أسوَدَ اللّون، فقد تمّ اختيارُ ألوان الأمل لتزيّنَهُ، فلكَ أيّها القارئُ تقعُ عمليّةُ بحثٍ لترى الأملَ في كلّ نصٍّ. عميقُ شكري لكلّ مَن غيّبَتْهُ الظروفُ ومَنعَتْهُ مِن مُشاركتي، وأخصُّ بالذّكر صديقتي ورفيقتي الكاتبة هديّة علي، فقد غيّبَتْها وفاةُ اختِها اليوم.
الصّديق فؤاد نقّارة والغالية سوزان اعتذرا، ليقوما بترتيب أمسيةٍ في النّادي للأديب سهيل عيساوي، فلهُما عميق شكري، وحباهما الله بالصحّة والعافية. عميق شكري للشاعر رشدي الماضي الذي فاجأتي بترتيب موعد هذه الأمسية، فهنيئًا لنا به وهنيئًا للبادية بشموخه. أستاذي في جامعة حيفا د. فهد أبو خضرة؛ شرفٌ كبيرٌ لي أن تكونَ نجمَ أمسيتي، فخورةٌ جدّا بكَ واعتزازي بشموخك أكثر وأكثر من الأعماق، لك باقة شكر وامتنان. وباقة شكر لد. محمّد خليل على هذه القراءة الثّاقبة، وعلى تذليله لمواعيده وحضوره، ليلقي الضّوء على نبضات ضميري. وشكري للشّاعرة آمال عوّاد رضوان على تشجيعِها الدّائم، وإصرارها على إخراج هذه النّصوص على شكل نبضات ضميري. الصّديق الأستاذ رياض مخّول الذي عانق النّبضات، وألقى الضّوء عليه من نواحٍ عدّة، شكرًا من أعمق الأعماق أستاذي العزيز. الصّديق الشّاعر الزّجال حسام برانسي الذي أراد أن يُعبّر بطريقة فنيّة مُغايرة، شكرًا لحضورِك ولإلقاءِ الضّوء بهذه الطّريقة الرّائعة، من الأعماق أشكرك. شكرًا لمنتدى الحوار الثقافي البادية وللأخ أمين قاسم على كرَم الاستضافة والَضّيافة. شكرًا لصديقاتي العسفاويات والكرمليّات ما أغلاكم، فقد سكنت أثناء تعليمي في جامعة حيفا في عسفيا، ولي فيها ذكريات جميلة. ما أسعدني بكم إخوتي وأخواتي الأعزّاء، والشّكر الأكبر لكلّ واحد منكم لكلّ مَن خطط وذلل صعابَ الوصول ليكون معي، وحين فكّرت بالشّكر لم أتردّدْ ثانية بتطريز النّبضات كهديّةٍ رمزيّةٍ لكلّ واحدٍ منكم، وكأنّي بها أقول: ضعْها في النّبضات وستسمعك النّبضات. بارك الله بكم وألف شكر لحضوركم من كلّ حدبٍ وصوْبٍ. وأخيرًا، شكر خاصّ للرائعة آمال عوّاد رضوان على تشجيعِها الدّائم، ليبقى الضّميرُ نابضًا لنا، وأجمل النّبضات والشكر لكلّ من كتبَ وتعذّر عليه الحضور!