متابعات

رحلة البحث عن «روح» ليبيا بين الكتب

بوابة الوسط: محمود الغول

عن بوابة الوسط
عن بوابة الوسط

وقفت تتأمل الأرفف القليلة، التي تحمل عدداً لا بأس به من كتب، غير أن الحيرة اعتلت وجهها، فثمة سؤال بل أسئلة تتقافز من عينيها بحثاً عن «مجيب»، غير أنها لم تتلق رداً، «فلا حياة لمَن تنادي»..

هذا هو حال «أمل رمضان» الليبية الوحيدة التي صادفتها على مدار يومين هي مدة رحلتي بين الكتب وقاعات العرض والأجنحة في معرض القاهرة الدولي للكتاب، الذي انطلق في السابع والعشرين من يناير الماضي، ويستمر حتى العاشر من فبراير الجاري..

أمل شابة في أواسط العقد الثالث من عمرها، سألتها عما تبحث عنه، فقالت إنها من طرابلس وهي في زيارة للقاهرة، فانتهزت فرصة إقامة معرض الكتاب كي تشتري بعضاً من الكتب الليبية، خاصة في الشعر الذي تهواه.

حين قابلت أمل كنت في القاعة الرئيسية للمعرض، التي تضم أجنحة مختلف الدول المشارِكة، وفي هذا تفننت كل دولة في عرض مختلف إصداراتها من الكتب والمطبوعات والمشاريع الثقافية فيما يخص المرأة والطفل ومجالات أخرى متخصصة، غير أنني لاحظت أن الجناح الليبي كان بسيطاً للغاية، فلم يعرض سوى عدد محدود من إصدارات مجلس الثقافة العام، فضلاً عن عدم وجود أي شخص مسؤول بالجناح كي يرد على استفسارات الزوار.

متحسرة، قالت أمل: «نحن نواجه أزمة حقيقية في مجال الثقافة والإعلام، فتقريباً ليست هناك إصدارات جديدة رغم أن ليبيا بها الكثير من الكتاب والمثقفين والأدباء… ربما بسبب الظروف الحالية التي تمر بها البلاد، لكن في النهاية نحن نواجه أزمة… ورغم أن القنوات الفضائية باتت كثيرة العدد، لكن معظمها يفتقر إلى المصداقية، فكل فضائية تتحدث بلسان أصحابها، وهذا الأمر يدفع بنا لمشاهدة قنوات أخرى مثل (العربية) بحثاً عن المعلومة والخبر».

رحلت أمل بابتسامة خجولة، بعدما تمنت لبلادها مستقبلاً أفضل، وبقيت أنا أتابع الجناح الليبي، الذي لم يحظ بكثير من الرواد، إذ زاره على مدار ثلاث ساعات قضيتها في الجناح اثنان فقط تصفحا بعض الكتب ثم رحلا.

دور النشر
ومن الجناح الرسمي، انتقلت إلى الصالات التي تضم دور النشر، وهناك وجدت صعوبة حتى وصلت إلى رواق يضم قسماً مخصصاً لإصدارات المجلس العام للثقافة، وكان به فتاة مصرية تتولى عملية البيع والرد على استفسارات الجمهور، فضلاً عن مسؤول من المجلس وهو أمير عبد الجليل، الذي تحدث عن مشاركة المجلس في نسخة هذا العام من المعرض.

قال أمير: «يضم جناح المجلس هذا العام نحو 110 عناوين، بينما هناك قرابة 280 عنواناً لم نتمكن من إحضارها للعرض هذا العام، والإصدارات تتنوع ما بين العلوم والآداب والتاريخ والسياسة».

قلت لأمير: إنني لاحظت أن أسعار الكتب مرتفعة، خاصة في ما يتعلق بإصدارات دور النشر الخاصة، فهناك كتب يصل سعرها لأكثر من 150 جنيهاً مصرياً، وقلت له أيضاً إن المعرض يعد فرصة لنشر الثقافة الليبية والكتاب الليبيين الذين تعرضوا لعملية «تغييب» حرمت العالم العربي من الاطلاع على مؤلفاتهم، فأكد كلامي، غير أنه كشف لي أن معظم إصدارات المجلس تباع بأسعار منخفضة نسبياً.

وهنا تدخلت الفتاة المصرية، وقالت إن حركة الإقبال من الجمهور ضعيفة، وأشارت إلى أن أسعار الكتب تتراوح بين 10 و30 جنيهاً مصرياً لكتب الأدب من شعر وقصة ورواية، أما كتب الدراسات التاريخية والأدبية فيتراوح سعر الواحد منها بين 45 جنيهاً و100 جنيه مصري.

ملحن قانوني
أيضاً التقيت في المكان نفسه الدكتور عبدالجليل فضيل البرعصي، وهو رجل مبهر بكل ما تحمله الكلمة من معانٍ، فهو أستاذ في القانون كما أنه فنان بامتياز، إذ لحن مئات الأغاني، كما له من المؤلفات العديد.

«الاستقرار يساوي الإبداع»، هكذا قال البرعصي متحسراً على حال الوطن، مشيراً إلى أن الظروف السياسية التي تمر بها ليبيا حالياً حالت دون تمكن الكثير من الكتاب الليبيين من طباعة أعمالهم وهو ما يعد ظلماً لهم.

وقال إنه شخصياً لديه خمسة كتب لم تطبع بعد، والمثير أن للدكتور البرعصي اسماً فنياً، وهو عبد الجليل خالد.

ويرى البرعصي أن غياب التمويل وتراجع إيرادات النفط أحد الأسباب الرئيسية لأزمة سوق النشر في البلاد، فضلاً عن استهداف المطابع، التي دُمِّر كثير منها خلال الفترة الماضية، مشيراً إلى أن مكتبة جامعة قار يونس في بنغازي تعرضت للحرق نتيجة الاشتباكات التي دارت بجوارها، وهو ما تسبب في احتراق مئات الآلاف من الكتب والدراسات والرسائل العلمية.
وهنا تدخل أمير قائلاً:«إن عناية الله وحدها أنفذت الذاكرة الرقمية للجامعة، التي تضم شهادات التخرج والدرجات العلمية التي حصل عليها الدارسون».

وعاود الدكتور البرعصي حديثه، فقال: «الناس في زمن الحرب يبحثون أولاً عن الأمن»، ومع ذلك فالليبيون متعطشون للثقافة، و«من وقت لآخر ينظم بعض الأطفال معرضاً للكتاب، ويقبل عليه الناس.

وللبرعصي في معرض الكتاب هذا العام عدد من الكتب منها: «القانون الليبي وجرائم الصحافة والنشر» و«نشأة حقوق الملكية الفكرية وتطورها»، أما الكتب التي لم تطبع بعد فعددها خمس منها «الموسيقى العربية والأفريقية وآثارهما في موسيقات العالم».

وخلال تجولي بين رفوف جناح المجلس العام للثقافة لاحظت تنوع الإصدارات ما بين الأدب والدراسات والتاريخ والكتب المترجمة، مثل «أسفار شمال أفريقيا» و«الليبيون في جيش قرطاجة» و«الصحافة الليبية – دراسة حصرية تحليلية وببلوغرافيا 1866 – 2003» و«عمر المختار وغراتسياني – حرب الواحد والعشرين شهراً» و«علم اجتماع المسرح» و«الإبل في الشعر الشعبي» و«فلسطين في الشعر الليبي» و«المنسي في الطين» و«اتجاهات القصة القصيرة في ليبيا».

دار الفرجاني
حطت بي الرحال في المساحة المخصصة لـ«دار الفرجاني»، التي تعد صاحبة المشاركة الأبرز بين دور النشر الليبية في نسخة هذا العام من معرض الكتاب، فلاحظت اكتظاظ الأرفف بكثير من الكتب، التي تنوعت ما بين الأعمال الروائية والشعرية والدراسات الأدبية والتاريخية، لكن تبقى الأعمال المترجمة هي درة التاج بين هذه المطبوعات.
إذ تحرص الدار على ترجمة أهم وأبرز ما كتبه الرحالة والمستشرقين عن ليبيا، خاصة في العقود البعيدة الماضية، مثل «نحو فزان» و«برقة المهدأة» والكتابان لرودولفو جراتزياني و«حياة اليهود في ليبيا المسلمة بين التنافس والقربى» لهارفي جولدبرغ و«دروب العطش – استكشاف الصحراء الليبية» لـ أرديتو ديزيو و«سر الصحراء الكبرى – الكفرة» لـ روزيتا فوريس.

وعن ترجمة هذه الأعمال، تحدث أسامة الفرجاني، وهو أحد أصحاب الدار، قائلاً «إن (الفرجاني) تعنى بكل ما كتب ويكتب عن ليبيا، خصوصاً الكتب النادرة التي تكشف ما خفي من تاريخ وتراث ليبيا».

وفي ما يتعلق بسوق النشر والتوزيع في ليبيا، أوضح لي الفرجاني أن انخفاض العملة يعد أحد الأسباب الرئيسة التي أثرت في عملية الطباعة، مشيراً إلى أن انخفاض قيمة الدينار مقابل العملات الأخرى خاصة الدولار، في مقابل ارتفاع أسعار الأوراق ومستلزمات الطباعة، تسبب في وجود صعوبة لدى دور النشر في طباعة الكتب.

«نحن نتعامل مع الكتب بحب الهواة، ولا ننظر للأمر من منظور تجاري بحت»، هكذا قال الفرجاني، موضحاً أن الدار تعنى بطباعة الكتب التاريخية التي دونها رحالة زاروا ليبيا في مختلف العصور، وهو ما يعني مبالغ مالية تدفع في الترجمة وحقوق النشر إضافة لتكلف الطباعة، التي عادة ما تتم في بيروت بلبنان.

وعن المشاركة هذا العام بالمعرض، قال أسامة الفرجاني إن معرض القاهرة للكتاب يعد بمثابة ملتقى للثقافات ودور النشر من مختلف بلاد الدنيا، كما أنه يعد فرصة لنشر الثقافة الليبية بين غير الليبيين.

لكني قلت له إنني ألاحظ عدم وجود إقبال كثيف على ما تعرضه دور النشر الليبية من كتب، في ظل عدم تواجد مكثف لليبيين، وكذا قلة الزوار غير الليبيين لأجنحة دور النشر الليبية، فقال إن الإقبال ليس سيئاً لهذه الدرجة، وإن أيام المعرض ممتدة وهو ما يعني أن كثيراً من الزوار سيأتون ويتصفحون العناوين ويختارون منها ما يستهويهم، خصوصاً وأن المكتبة تعرض العديد من العناوين المهمة لكبار الكتاب الليبيين.

وتضم قائمة عناوين دار الفرجاني المشاركة في المعرض روايات «نساء أويا» للمتوكل طه، و«ليبيا التي لا نعرفها» للدكتور علي عبد اللطيف إحميدة و«المنهج العذب في تاريخ طرابلس الغرب» لأحمد بك النائب الأنصاري و«الخديعة» لصلاح الحداد و«أسطورة البحر – رواية الروح» لفريدة المصري ورواية «حبروش» لعبدالرحمن شلقم ورواية «طريق الكراكي» لحمزة الحسن و«حوليات الخراب» لعمر الكدي و«سجينات» لعمر أبو القاسم الككلي و«حكايات من البر الإنجليزي» و«خطوط صغيرة في دفتر الغياب» لجمعة بو كليب.

أما في ما يتعلق بما يقرأه الليبيون حالياً، فقال الفرجاني إن 90% من زبائن مكتبات الفرجاني من الفتيات، وأن كتب التاريخ والأدب هي الأكثر مبيعاً.

مقالات ذات علاقة

عقيلة في أمسية قصصية بمركز وهبي البوري

مريم العجيلي

حيفا ولاجئةٌ في وطنِ الحداد!

المشرف العام

صندوق الرمل وسط دائرة الضوء مجددا

مهند سليمان

اترك تعليق