ورثني أبي محفظة ورثها عن جدي بما تحويه من إبرة وسلك تستر عورة طارئة ومقص صغير وزر معطف أو قميص ومهماز صغير وثلاثة جنيهات ,محفظة رائحتها من رائحته ,لاشئ يشبهها, لكم أسعدت سنين طفولتي ,دائما في مرأها ابتهاج كبير حين تخرج من جيب سترته الملاصق لنبض القلب ,فتجود بقرش أو نصف قرش ,لم تكن مجرد محفظة كانت البيت كله يحمله أبي على مقربة من نبضه, بها عشنا عشرا ت السنين , تميمة سحرية كانت كافية ,لأننا نعيش يومنا ونتطلع إلى يوم جديد … ضيقة ,متهرئة ,مضمخة بالعرق , لكنها اتسعت لنا كل تلك السنين , محفظة لايحملها من بينناإلا هو لكنها ,اتسعت لنا جميعا بحجم وطن ,كانت الشاهد على آمالنا ,وآلامنا ,ودموعنا ,ودمائنا منها ,اشتريت حقيبة كبيرة لتستوعبني أملا يتشكل في كتب ,وكراسات ,وألوان ,ومسطرة ,وممحاة ,وقلم رصاص ,أكتب ,وأمحو ,وأرسم ,وألون حتى أتمكن أن أرسم بالمسطرة الخط المستقيم ,كل واحد من أقراني مدين لمحفظة أبيه, كلها تتشابه في الغوث والإبهاج ,واليوم تنزوي مهملة في غرفتي تقابلها حقيبة كبيرة مريبة بأرقام وأسرار, نقود وأوراق وسلاح, وكل الحقائب مثيلاتها لاتبوح بما تحويه ,لكل واحدة أسرارها (مخدرات – متفجرات- صكوك – معاملات مشبوهة- حقائب متسعة ومحصنة), لكنها لاتتسع إلا لنفسها, بلا رائحة وبعيدة عن القلب, يصحو أبناؤنا كل صباح يحملون حقائبهم على ظهورهم , ويصحو آخرون يحملون حقائب موت يلقونها على الناس , وتزداد حقائب أخرى في الوزارات ,ومحفظة أبي تنزوي أمامي ,لاتحوي إلا إبرة وسلكا ومقصا ومهمازا ,لكني احتاجها فقد اتسعت العورة ياأبي
المنشور السابق
المنشور التالي
سالم العبار
سالم على العبار
مواليد بنغازي عام 1958م، درس الحقوق بجامعة بنغازي قاص وناقد وإعلامي – يكتب القصة القصيرة والدراسات النقدية والبرامج الإذاعية.
صدر له الكتب التالية:
1- تجليات مهرة عربية (قصص قصيرة).
2 – منشورات ضد الدولة (قصص قصيرة).
3- خديجار (قصص قصيرة).
4 – اللعبة (قصص قصيرة ترجمت للغة الفرنسية).
5 – ملامح البطل في القصة الليبية القصيرة (دراسة).
6 – مقالات في التراث (دراسة).
7 – دراسات في الأدب (دراسات نقدية مع كتاب اخرين).
8 - لغة الجسد (دراسات في النقد مع كتاب عرب).
9 – على هامش المتن (رؤى فلسفية).
تناول كتاباته العديد من النقاد العرب والأجانب من بينهم الفرنسي (ادجار ويبر) ونجيب محفوظ وغيرهم من النقاد من تونس والمغرب والعراق وسوريا ومصر وليبيا وترجمت بعض قصصه للغة الكردية.
مثل ليبيا في عديد المهرجانات الثقافية في العراق ومصر والمغرب وفرنسا.
كتب العديد من البرامج الإذاعية أشهرها برنامج ما يكتبه المستمعون الذي اكتشف من خلاله عديد المواهب الأدبية التي تشكل حاليا حضورا بارزا في الساحة الثقافية الليبية.
أسس صحيفة أخبار بنغازي عام 1996 م ومازالت تصدر حتى الآن وبتمويل ذاتي من الصحيفة نفسها - من مؤسسي اتحاد كتاب ليبيا فرع بنغازي عام 1979م.
ترأس رابطة الكتاب الليبيين - ترأس تحرير مجلة الثقافة العربية ومجلة الفصول الأربعة - نشر انتاجه القصصي والأدبي بالصحف والمجلات العربية والليبية.
مقالات ذات علاقة
- تعليقات
- تعليقات فيسبوك