من أعمال الفنان محمد الشريف.
طيوب عربية

سر الحكم

زيد علواني

Mohammad_Esharif (1)

في احد البلدان كان يعيش حاكم  يحب وطنه وشعبه !!! فسال رئيس وزراءه  كيف نحكم ونجعل شعبنا  سعيداَ ؟

رئيس الوزراء: سيدي السعادة شيء نسبي يختلف مفهومها من شخص للأخر.

الحاكم ( مقاطعا) : الا يوجد  في هذا العالم ,شعبا سعيدا ؟!

رئيس الوزراء: بالمفهوم المطلق ,و حسب علمي لا يوجد  سيدي.

الحاكم (صارخا): أي رئيس وزراء انت ؟!  ابتعثوا لي رئيس الفلاسفة

رئيس الوزراء: امرك سيدي

دخل رجل في العقد السادس من العمر وقور وضيء الوجه  وسمح المحيا، الى قاعة كبيرة هي احدى قاعات  ديوان الحكم  تنشط فيها حركة كثيفة. موظفون  يدخلون ويخرجون ، وأناس يتحادثون في الزوايا .فقاده شخص حسن الهدام الى غرفة سكرتير الحاكم ٬ فالغرفة واسعة دافئة أنيقة التأثيث ٬ يمتد السجاد الفاخر على أرضها بمهابة وقد توزعت عليه كنبات وثيرة ومكتبة ومكتب فاخر يحتل تمثال لرأس الحاكم ركنا منه ٬ بينما ينتصب في زاوية الغرفة القصوى تمثال برونزي آخر لرأس الحاكم  بالحجم الطبيعي تتوسط الغرفة  طاولة مليئة بأجمل الزهور قادمة من مختلف بقاع العالم. وأما السكرتير الذي كان منهمكا بمحادثة تلفونية كان طوله من خمس الى سبع اقدم ، في منتصف الأربعينات، نحيفاً جدا وبأكتاف مقوسه، ورأسه يبدو كبيراً بالنسبة لجسمه كان وجهه ذابلا ومتوترا، كان يرتدي قميص ابيض اللون مع بدله زرقاء غامقة وربطة عنق حمراء اللون فهي تشير الى ان هذا الشخص يحب الترتيب والتخطيط الجيد .لم يعر للرجل بأكثر من نظرة  بطرف عينه فاضطر الرجل إلى الانتظار ساعتين قبل أن يحين دوره في لقاء الحاكم . دخل رئيس التشريفات كان طويل الهامة ونحيلاً ليصطحب الرجل الى الحاكم عبر الباب كان هناك ممر طويل زين بلوحات زيتية بديعة الجمال تصور مراسيم تنصيب الحاكم , اللوحة تخرج عن النسق الواقعي وتميل للتأثيرية من توقيع الفنان هولندي ف.ت الذي قام بعمل لوحات لمعظم ملوك ورؤساء الدول….فتح الحراس الباب للقاعة كبيرة وهي المدخل الرئيسي الذي يدخل منه الضيوف وعبرها ,مضى الى سلم مبهر بمعنى الكلمة فهو يتفرع يمينا ويسارا صعودا الى الطابق الاعلى وعبر نقوش الذهبية والسجاد الاحمر والجدران  يمنح الزائر الاحساس بفخامة والحفاوة ومن السلم هناك ممر قصير يصل  الى قاعة الاستقبال الرئاسية اشار رئيس التشريفات على الرجل ان لا يصافح الحاكم او يلمسه كل ما عليه ان يلقي التحية من بعيد حتى يأذن له الحاكم بجلوس   فتح رئيس الحرس الباب فالغرفة حافلة بتفاصيل بديعة من ستائر الحريرية الزرقاء بنقوشها البديعة الى ثريات الكريستال ولوحات زيتية ضخمة  للعائلة الحاكمة . فوق احد الطاولات الرخامية صحن كبير من الفضة يتصاعد منه عبق الزهور  القادمة عبر البحار. ويلفت النظر الثريات البلورية الضخمة التي توزع الضوء حول الغرفة وتبرز الجماليات المعمارية والديكور .والاثاث تنثر الألوان الكلاسيكية على الأقمشة، وأبرزها الأرجواني المطعم بالذهب والبني والأحمر الداكن إضافة إلى لمسات برتقالية، وجميعها من الحرير الطبيعي، منه السميك والمطعّم ومنه الرقيق الناعم المخطط والمطبّع،. ويعكس الأثاث  أجواء فرنسية آتية من قصر فرساي، مع أكسسوارات برونزية ومذهبة إضافة إلى أبليكات علقت على الجدران تتناغم بإضاءاتها مع لوحات زيتية. كان الحاكم جالسا على أريكة  ذات لون خريفي الذي يتوزع على الاقمشة المصنوعة من الجلد الطبيعي والشاموا والمنجدة بألوان البني والبرتقالي والبرونزي وعلى يساره كان رئيس الوزراء جالسا بتحفظ  وكان حارسه الشخصي للحاكم  (المرافق) وافقا خلفهما احمر الشعر، شاحب الوجه، يبلغ من العمر اربعين عاما قوي البنية ممتلئ الجسد وله شارب كث يرتدي اللباس العسكري وتعلو راسه بيرية سوداء

  كان الحاكم يدخن سيجارة رقيقة جدا وذات طول غير عاد، وعلبتها فضية لا لون آخر بها مكتوب عليها خاص للحاكم, فعمل الرجل كما طلب منه  فأوئم الحاكم براسه عندئذ ارشد رئيس  التشريفات   إلى مكان جلوس الرجل

أصغى الرجل بانتباه إلى الحاكم  وهو يشرح له عن سبب زيارته

قال الحاكم (نافخا دخان سيجارتيه) : الا يمكنك ان ترشدني عن الية للحكم حتى اجعل شعبي سعيدا

الرجل: يمكنك ذلك يا سيدي !!! أذا وازنت بين كل ما تراه عيناك جميلا وبين كل ما تحمله يداك.

الحاكم (في حيرة): لم افهم ماذا تقصد  ؟!

الرجل: هل من الممكن ان نفعل هذا عمليا ؟

الحاكم (واضعا يده على شعره): وكيف ذاك؟

الرجل : اريد ان يحضروا لي ملعقة وقارورة من الزيت

فأشار الحاكم الى رئيس الخدم ان يلبوا طلبه  وعلى الفور اصبحت الملعقة والقارورة بين يد الرجل

أريد أن أطلب منك معروف  يا سيدي أضاف الرجل وهو يعطي الحاكم  ملعقة صغيرة

سكب فيها نقطتين من الزيت . ارجو ان تتجول في هذا الممر و خلال جولتك أمسك جيدا بهذه الملعقة ولا تدع الزيت يسقط منها. بدأ الحاكم يتجول خلال ممر القصر وعيناه مركزتان على الملعقة . وعاد بعد ربع ساعة إلى الرجل

إذا  سأل هذا الأخير ” هل تصف لي النجود الفارسية الموجودة  ؟ هل رأيت التحف على جانبي الممر  ماذا شاهدت  في نهاية الرواق؟

ارتبك الحاكم، واضطر بأن يعترف بأنه لم ير شيئا أبدا . لأن همه كان ألا تقع نقطتا الزيت من الملعقة التي أعطاه إياها الرجل .

فقال الرجل : اعمل لي معروف واعد وتعرف على روائع عالمك

حمل الحاكم  الملعقة وهو أكثر اطمئنانا الآن ، وعاد يتجول في القصر مركزا انتباهه هذه المرة

على كل الأعمال الفنية المعلقة على الجدران والمرسومة على السقف . رأى الجنائن المجاورة ورقة لأزهار وتلك الدقة التي وضعت فيها الأعمال الفنية كل واحد في موقعه المناسب .ولدى عودته إلى الرجل  روى له بشكل مفصل كل ما رآه في جولته . “لكن أين هما نقطتا الزيت اللتان أوكلتك بهما ؟” سأل الرجل … نظر الحاكم  إلى الملعقة فوجد أن نقطتي الزيت قد سقطت منه . قال الرجل عندئذ :

“هنا النصيحة الوحيدة التي يجب أن أعطيك إياها : إن سر الحكم  هو أن تنظر إلى كل روائع الدنيا دون أن تنس أبدا نقطتي الزيت في الملعقة… “

اشطاط  الحاكم غضبا فقال (صارخا): ا تعلم من انا ؟ انا الحاااكم : أ تهزأ بي؟

الرجل (خائفا): معاذ الله يا سيدي كل ما ارد ته هو ابداء النصح .

نظر الحاكم الى حارسه الشخصي نظرة ذات مغزى قائلا: اعمل ما يجب ان تعمله…  ثم استدار راجعا… وبعد برهة  دوى اطلاق الرصاص.!!!

مقالات ذات علاقة

تدللي

فريدة عدنان (المغرب)

ملتقى القاهرة للإبداع الروائي العربي.. أبريل القادم

المشرف العام

معارض الكتب بين الثقافة والتسويق والفولكلور

المشرف العام

اترك تعليق