لا أدري لماذا سُميت تلك الألة المُوسيقية بالقانون؟ ألعلاقتها بالقانون المدني؟ ألدورها في تنظيم العزف؟ أمسمي فقط؟ كلاهما نغماتِه تنشد الحياة لا الهلاك، ألهذا نُسمي ما يُنظم حياتنا: لائحة أو قانون؟ أحياناً لا يُنظمانها بل يعقدانها، عموماً، القانون يُنظم حياة المُجتمعات البشرية، و يشعر الناس بالأمان، فهُناك من يسهر عليهم – و يُحافظ على حياتهم – و أملاكهم – و حُقوقهم، ماذا إن غاب القانون؟ حقيقة الأمر، الشىء يُعرف بضدِه، و العكس صحيح، فالشتاء يَخبرنا عن الصيف، و الخريف عن الربيع، و هذه أحدى أوجه الحُصول على معرفة، فإذا عَرفنا دولة القانون، سَنعرف دولة اللاقانون، فدولة اللاقانون ليس لأهلها رؤية لأمسهم – أو يومهم – أو غدهم، إنهم يعيشون اللحظة و فقط، قياساً بالأثر الثقافي الشعبي” أحييني اليوم و أقتلني بكرة“، إنها دولة لا حياة فيها، فالحياة مُتعة، و أين مواطني هذه الدولة منها! إذن هي دولة يسُودها اللاشيء – العدم، و للإشارة إليها سنطلق عليها “دولة الفانُون”.
المطار حَال أهلهِ و دولتهم، قياساً بالأثر الثقافي الشعبي “الربيع من فم الباب أيبان” و حقيقة الأمر، و لتعلم مدى التنظيم و الإنضباط: أنظر إلى حَال شوارعها – و حركة سير المركبات – فكثرة المطبات – و إغلاق ممرات المُشاة بالسيارات – و السيرعكس الإتجاه – … و زحمة الطرق – يُدلل بالتأكيد على تنظيم الدولة – و على الترابط السلوكي بين الهيئة الحاكمة – و مواطنيها، فالسلوك العام بالإمكان تأويه للتعرف على رؤية تلك الهيئة لمواطنيها، و العكس صحيح، فالرقص دائماً يترافق مع الطبل و الزمر، إذن لماذا الحاجة لقانون المرور؟ يحتاج الإنسان إلى فترة من الزمن ليستوعب سُلوكِه، فتتحسن مهارات القيادة لديه – و استخدامه للطريق – و مُعاملته للسائقين الأخرين، فيظهر مُستوى عالي من آداب المرور، ولكن الأمر ليس مُتوقف على هؤلاء السائقين فقط، فالأجيال تتعاقب على استخدام الطرق، و ستحتاج أيضاً لفترة زمنية لتستوعب سلوكها و ترتقي به، إن ترك الأمر على عِلاته فستسُود الفوضي و تؤمتها العشوائية، ألهذا السبب تحتاج مُعظم الدول إلى قانون للمرور؟ و من يحتاجه هل هو السائق – أو الطريق – أو الشارع – أو السيارة – أو المشاة – أو السكان بالجوار؟ القانون يجب أن يشمل الجميع، و إلا ستبذر بذور الفوضي.
تتوافر بالقاموس اللغوي لكل شعوب العالم كلمات مثل: أجلس – قف؛ تقدم – توقف … أضافة لمعناها، فهي فعل أمر، كذلك تحوي القواميس اللغوية: نعم “للسماح” – و لا “للمنع”، فهل الحاجة لتنظيم السلوك العام مُتأصلة في النفس البشرية أو في المُجتمعات البشرية؟ و إن كان كذلك، لماذا نري ما نري؟ و لماذا لم تتجذر الحاجة للقانون في مُجتمعنا؟ فحتى العصابات الإجرامية تحتاج إلى من يُنظم أعمالها – و يُلجم نشاطها.
تُختزل الحاجة للقانون في المصلحة العامة للدولة، لذا تُبني دولة القانون على المصلحة العامة، فهي البوتقة التي تنصهر فيها المصالح الشخصية لصالح المصلحة العامة، و الكفاءة هي معيار اختيار العاملين بشتي فئاتهم، بما فيهم رئيس الدولة، فتوزيع المسئولية – و تنوع الأشخاص القائمين عليها من أسس مقومات الدولة، و اللوائح و القوانين المُنظمة للحياة هما سبيلاً للرقي و التقدم، فهي دولة تؤمن بالخِبرة العلمية المُحكمة، فالشهادة العلمية وحدها لا تفي الغرض، و رعاياها بشر يحترمون أنفسهم قبل إحترامهم للآخر، و المواطن له إلتزام مُقدس إتجاه ذاته – و إتجاه الآخرين، لذا تزرع الأمن و الآمان، ليس في مواطنيها – و لكن في أبنائهم – و في الأجيال المُتعاقبة، فينعمُون جميعاً في رغدٍ من العيش، فهي دولة عمادها الحكمة، و الاستماع للأخر، و الإنصات له، مما يستثير المرء لبناء حجة مُفعمة، قد يتبناه الأخرون، فالحياة ملىء بالمشاكل، و لا يوجد سبيل واحد لحلها، بل سبل مُتعددة، فالصبر الجميل على الآخر، يفتح أفاق غير منظورة، لهذا تتعدد بدولة القانون الألوان – و الأشياء، فالاختلاف سُنة من سُنن الحياة.
أما دولة الفانُون فتُبني على أسس المصلحة الشخصية، هادمة اللذات – و مُفرقة الجماعات – و الخِلان – و مُشردة العائلات: حتى عائلة الحاكم المُتسلط، هي دولة الشهادات! – و حامليها من أكياس الهواء الساخن، فالمُناقشة مع أحدهم، أو فتح الحديث معه – معركة – ستخسرها بالضربة القاضية من أول كلمة تنطقها، فهو الذي اخترع هذا العالم – و لربما اخترعك أنت أيضاً، استمع فقط – تلك هي ماهية المُناقشات بدولة الفانُون – تجدها في المقاهي – و الفضائيات، و بيئة العمل – ليس لها قيمة مُضافة، إنها هواء ساخن فقط! تجد بهذه الدولة شخصاً ما، رئيساً لحزب، و في ذات المكان و اللحظة، رئيساً لتحرير مجلة أو جريدة، و نقيباً لنقابة مهنية و … – و … – و … – أو أن يطلع شخصاً ما في أحد المؤسسات العامة، بعضوية و رئاسة الكثير من اللجان، بطل المؤسسة العامة، في المساء تراهم في برامج الهواء الساخن في الفضائيات – أو تسمع عن نشاطات كولستهم، إنهم حقاً سوبرمانات هذا العصر، من يستطيع مُجاراتهم؟ حتى خِلانهم لا يستطيعون، فهم السوبرمان الذي يعمل عشرات المِهن – في ذات المكان و الزمان “ليس سوبرمان نيتشه بالتأكيد”.
تنتهج دولة الفانُون بعلم أو بغير علم، مبدأ سيادة القطيع، فتزرع في مواطنيها الحقد و البغض، فيحرقها و يحرق أهلها، فمن مُفارقات دولة الفانُون أن أملاكك مُصانة إن كان لك ظهراً: عائلة – قبيلة، و إلإ … الدولة أم الأيتام و الأرامل و المُعوزين ليس لها سند … وامعتصماه … فأملاكها خاصةً الأراضي – و المباني! … و لا يعتدي عليها غريب، فقط أهل الأرض الذين باعوها للدولة سابقاً لهم حق الإعتداء المُقدس، فهي سِهماً من أسهم المُحاربة للعائلة فيما مضي من تاريخ مُشرف! و مواطنيها قطيع من البشر، لا هم لهم إلا إظهار أنفسهم، و إيثار رابطة دمهم – و خلانهم – و مواليهم – و عبيدهم – و ما يدين لهم بالولاء و الطاعة، و أهم مواردها الجَهالة، فترف الجَهالة فيها جعل المشاكل الحياتية لمواطنيها بحراً يتباها فيه الجاهلون بالقدرة على السباحة، و يُجسد هذا اللوائح و القوانين فيها، فتمر عليهما … لا يتغيران – و إن تغيرا فيستجلبان من بيئة ليست بيئتهما، فيؤصلا الجَهالة و التخلف، فتطفو المشاكل، و شعار تطبيقهما “عليكم مش علينا“، فدولة الفانُون للأخيار الذين يحملون معاول … فهل أنت منهم؟ لا مجال للعمل و الإبداع، و إن فعلت سينقمُون عليك حتى تكرهه، فالعمل للعبيد، و إن أتبعت مِلتهم لن يرضو عنك، فأنت في الأصل لست منهم، لأنك إن عملت بما يُرضي الله و ضميرك، فسيقول الجميع “أنت اللي قتلت بابايا“.
الكل يتبجح بشهادته العلمية، فهي حق بيولوجي: كالهواء – و الماء – و الأكل – و الشراب – و …، فالتعليم كمالية حياتية، فالعلم يمارس على أرض الواقع في ابسط صوره، فقد فُرغت المؤسسات التعليمية من محتواها – و هدفها … و ما الضير في ذلك؟ … ففي آخر الأمر: منصب – و طاولة – و كرسي ، و توقيع – و ختم، و قليل من العنطزة – و على قول أهل مصر “رقصني يا جدع” … إنها بالفعل سلوكيات تجسد “انتحار المعني” أليس بين الضدين شعرة! إذاً هم – و بتفوق: جيراناً للنجاح، فكيف إذن لفاشل من التمكن من القيادة؟ في أية مُعترك حتى و إن كان بواباً لعمارة! هل هو أفضل جاراً للناجحين؟ اللوم و العذر دائماً قائم بهذه الدولة، فغياب العقل الجماعي للمُجتمع منح المُصلحون فيها إجازة قصرية طويـــــــــــــــــــــــــــــــلة المدى!
و على الرغم من الممارسات و السلوكيات الشائنة بدولة الفانُون، إلا أن بعضاً من العرف يُضبط الحياة فيها، و يجعلها مُيسرة، رغم صُعوبتها، يقال: أبن أبيه يُنصفك، أما أبن الجيران فيظلمك، الحل هو أن تصبر عليه، فهل سيتطور العُرف ليصبح قانوناً؟ هذا التساؤل قد يكون خاطئاً، فالعرف هو منطقة رمادية بين طرفي مسطرة: القانون “الوجود“– و اللاقانون “العدم“، و هذه المنطقة لن تتطور أبداً، ستبقي أبد الدهر، ما سيتطور هو سلوكيات قاطنيها – أو عابريها، فالأجيال تتعاقب على المرور – أو المكوث بهذه المنطقة – أجيال تبني – أجيال تدمر، و أخري بين بين، و يُحدد كتابة التاريخ بموضوعية – و ما سترثه الأجيال من القيم الأخلاقية اتجاه سيرها – أو – مكوثها بمنطقة العُرف، فدولة الفانُون لا تكتب تاريخها، لذا يتكرر دائماً، و بصور مُختلفة على مدار الأجيال، كأن هناك دورة حاكمة لتاريخها، فعادة ما تجتر الأجيال تاريخها بعلم أو بغير علم، و ترجع إلى نقطة الأصل، حيث بدأت … هناك ضوء نهاية هذه المنطقة، هل رأيته؟ … إذن إذهب إليه!
يقود الإعتياد على السلوكيات الخاطئة و الفساد بأنواعه إلى التقوقع، فتحمي القوقعة: أربابها – أشخاصاً – و سلوكاً، فيصعب اختراقها، كما أن قاطني القوقعة كالأحياء الدقيقة، تنتج بعد مدة من الزمن كفايتها من مُضادات لتقاوم مُحاولة التخلص منها، أما مُواجهة واقع الحال و دراسته ستقود إلى التغيير فالتطوير، الولايات المتحدة الأمريكية على سبيل المثال: مُتطورة قياساً بأمسها، إلا أنها مُتخلفة بالتأكيد عن غدها، فالتطور سُلوكاً و تقنيةً لا يأتي بالصدفة – أو يهبط من السماء بالمظلة، إنه تعب السنين، أختزل في مواطني دولة القانون حتى كاد أن يكون جينة وراثية!ً، فهل نقود النفط بإمكانها أن تفعل العجائب؟ التطور حالة فكرية، فهل يُشتري التطور؟ اخرجت الإرادة العامة و الرؤية للحياة المُجتمعات البشرية من صندوق التخلف، فهل التطور حتمي؟ وهل بإمكان المُجتمعات البشرية بدولة الفانُون العبور للحياة – للوجود؟ ما يحير المرء الأن: هل التخلف عيب جيني؟ خلل في المُورثات الجينية أو طفحاً جلدياً، تتوافر الكثير من النظريات العلمية لأسباب التخلف، هذان السببان ليس منهما! السبب الثاني بالإمكان مُعالجته، إية كانت الأحياء الدقيقة المُسببة له، أما الأول فيا لطيف ألطف بنا – يا رحيم أرحمنا! و زدنا من البترول – و مشتقاته – حتى ترث الأرض و ما عليها، اللهم آمين.
قياساً بالمسطرة التي طرفاها دولة القانون – و دولة الفانُون، فأغلب الدول تقع على طرف دولة الفُانون، و الأخري في منطقة الوسط بين الدولتين، على سبيل المثال: الولايات المتحدة مُتخمة بالظلم الإجتماعي – و … – و السياسي، فالمواطن الأمريكي لا يستطيع أن يرشح نفسه ليس للرئاسة، بل كعمدة لأحدي القري، المال هو من يتكلم في أمريكا، و يسُود المشهد الإجتماعي و السياسي، فهو السيد، تجده جالساً على الكرسي واضعاً رجلاً على رجل و يدخن السيجار الكوبي، فلماذا زُج بأمريكي أسود في السجن مدي الحياة لمجرد سرقته قطعة بيتزا من طفل صغير على شواطيء أحد الولايات الأمريكية؟ يقال أن ذلك يرجع لتطبيق القانون السيء السُمعة “ثلات جنايات و تزج في السجن للأبد” يقال في الولايات المتحدة الأمريكية: “القانون أتان” و الأتان هي أنثي الحمار “ليست سُبة” أنها فقط توضح القدرة، و القدرة ها هنا المال، فتوكيل محامي له تبعاته المالية، لذا فغالبية نزلاء السجون من الأمركيين السود، الولايات المتحدة الأمريكية أداة لعُصبة المال المُهيمنة على المشهد الإقتصادي العالمي، إذا قل المال كثرة سيول الدم، فكيف تكون الولايات المتحدة دولة قانون إلا إذا نظرنا إليها بسطحية.
سوف يأتي جيل ينحت بأظافره تاريخه و يخرج من الدائرة المُغلقة للتخلف الأخلاقي – و الحضاري، فالمُجتمع لا يستطيع أن يتطور إن لم يكن له إلتزام أخلاقي، بعض الدول نستحسن سلوكيات مُجتمعها مثل: سويسرا و السويد، إن غصنا قليلاً قد نجد ما لا يسرنا، فما دام “عُصبة المال” لا “عُصبة الأخلاق” تسيطر على هذا العالم فستجد موقع دول العالم التي نستحس سلوكيات مجتمعها وسط بين طرفي مسطرة دولة القانون – و دولة الفانُون، هذا ليس تشاؤماً، فسعي الإنسان نحو الحرية، الحرية بقيمتها الأخلاقية لا المادية يجب أن يكون المِعيار الأساس للتطور، و هذا ما يوضحه لنا تطور المُجتمعات البشرية و غلبة البُعد الإنساني فيها، فكلما سعت البشرية حثيثاً نحو واقع أفضل يُظهر إنسانيتها، و أبتعدت عن الطرف المُظلم – دولة الفانُون، تأتي الأزمات، فمن تسبب في الأزامات المالية؟ هل هي صُدفة؟ جشع فردي! – أم أن عُصبة المال أرادت التحكم بالدفة، هل هي فعلاً لوي ذراع؟ ذِراعُ من؟ و ماذا يريدونه أن يفعل؟ يوماً ما ستُساء و جوههم جميعاً، و تظهر الإجابة المُفعمة!
قياساً بتعريفات الأمم المتحدة، دولة الفانُون ليست دولة، و استخدام كلمة “دولة” لوصف مُجتمعها السياسي هو فرضاً و ليست مُسلمة، فشروط الأمم المتحدة بذاك التعريف “شروط النسيب الكاره” دعنا منها! فهل بإمكان دولة الفانُون أن تكون دولة؟ و إن تجاوزاً في واقع أفتراضي! دولة الفانُون هي دولة بالتقابل – كما في العلوم الهندسية، فعلى سبيل المثال: أليست ليبيا تقابل بعض من دول جنوب أوربا؟ خاصة أيطاليا، فهل ليبيا دولة بالتقابل؟ كذلك و قياساً بنظرية الإنجراف القاري، ألم تكن أمريكا الشمالية – خاصة الدولة الأمريكية – الولايات المتحدة، جزءاً من ليبيا؟ إذاً ليبيا دولة مُكملة – أو دولة مُتممة للولايات المتحدة الأمريكية! هذا يحتاج إلى دراسة لإثباته، شر البلية ما يُضحك يا وطـــــــــــــــــــــــــــــن! أكلوك لحماً و يريدون أن يرمونك عظماً، فمن منكم بلا حجر فليرميهم بذنب، نعم … نـــ نــ نــ نـعم أليس كل شىء معكوس! لا – لا – لا تصححه أسلوبياً – … قم بذلك سلوكياً!
شحات – 2/6/2014