استهلال:
أعترف بأنني منذ خمسة وثلاثين عاماً تقريباً لم أطالع دواوين الشاعر الليبي الراحل علي الفزاني، وتحديداً من تاريخ 27/11/1980 حين أنهيت قراءة ديوانه “الطوفان آت” الصادر في نفس ذاك العام، والذي ضم خمسة وعشرين نصاً جاءت أغلبها حزينة المشاعر تستمد قتامة أحاسيسها من مرارة وسوداوية واقع حياة الشاعر الراحل وروحه الموغلة في البؤس والشعور بالظلم والألم نتيجة تلك المعاناة المعيشية الصعبة.
وتتأكد ظلامية نصوص الشاعر عند استعراض بعض عناوين قصائد ذاك الديوان المبكر التي نجدها كالتالي: عذاب الطين، الطوفان آت، العانس والزمن الغائب، المعاناة في خندق الليل، مأساة المدينة الثالثة، الحديث مع المطلق، البكاء على الجوكندا، رؤيا في الخلاص، الليل والصحراء، القنديل، نشيد القبور، الشيء المصلوب، البذور تغني، الوحل الذهب، رحلة في هوة الصمت، بريخت يتحدث، المخاض يأتي غداً، أعواد الثقاب المطفأة.
فإذا كانت العناوين تعد غالباً هي الواجهة الأولى والمفاتيح التمهيدية لمداخل متون النصوص الشعرية، فإن كل هذه العناوين، وغيرها لدى الشاعر علي الفزاني، لا تظهر فيها دعوات تشويق القاريء للتعرف على فضاءات الروح الشعرية عنده، ولا ترتدي أزياء المسرة والفرح أو تتزين بألوان البهجة والانبساط، ولا تمد يداً ناعمة للمصافحة، ولا تبسط فراش حرارة الاستقبال وزهو الترحيب بوجه مشرق مفعم بالمسرة والسعادة والأمل، بل عكس ذلك تماماً فهي تقودك بلا استحياء عبر سطور نصوصها صوب المزيد من الأسى والألم والغموض والانغلاق وبالتالي النفور منها وتركها سريعاً ومغادرة عالمها الموحش القاسي. وبلا شك فكل هذا لا يمنع من القول إن بعضها يتضمن العديد من الصور الإنسانية والتجارب العميقة والاسقاطات التاريخية والاقتباسات من روافد الأدب العالمي الذي ينعكس ويتجلي بوضوح في ثقافة الشاعر الراحل الناهلة والمتأثرة بكل تلك الروافد المتنوعة، والتي أعترف بأنني قد تعرفتُ منها مبكراً على العديد من الشعراء والأدباء العرب والعالميين مثل الشاعر العراقي بدر شاكر السياب والشاعر التشيلي “بابلو نيرودا” الملقب بشاعر الحب والجمال والحائز على جائزة نوبل في الآداب سنة 1971، والشاعر الفرنسي “بول إيلوار” الذي يعتبر مؤسس الحركة السريالية في الأدب ومن أبرز أشعاره قصيدة “الحرية”، والشاعر الفرنسي “آرثر رامبو” والشاعر والناقد الفرنسي “شارل بودلير” صاحب الديوان المشهور “أزهار الشر”، والكاتب والشاعر الألماني “برتولت بريخت” وغيرهم.
وقد نشر الشاعر الراحل علي الفزاني الذي يعد أحد رواد الشعر الحديث في ليبيا بجانب الشاعر علي الرقيعي وخالد زغبية ومحمد الشلطامي وآخرين معظم قصائد ديوانه “الطوفان آت” في مجلة “الثقافة العربية” وصحيفة “الأسبوع الثقافي” وجريدة “الجهاد” في ليبيا خلال الفترة من عام 1973 إلى سنة 1975 من القرن الماضي. والقاريء لذاك الديوان يلاحظ أن الشاعر لم يفصح عن أمكنة ولادة قصائده ولا تواريخ كتابتها سوى القصيدة التي حمل الديوان عنوانها “الطوفان آت” والتي ولدت في القاهرة خلال شهر أبريل 1974، كما نجده أهدى قصيدته “القنديل” للشاعر الفلسطيني علي الخليل، وقصيدته “البذور تغني” للأستاذ المعلم الراحل “الصادق بالة” أحد رواد المسيرة التعليمية في مدينة الشاعر بنغازي الحبيبة.
وفي تقديمه لـ”الطوفان آتٍ” كتب شاعرنا علي الفزاني نافذة بتاريخ 18 سبتمبر 1975 في مستهل الديوان يقول فيها (“الطوفان آت” سيمفونية واحدة متصلة الإيقاع والموضوع، كما أحسستُ بها على الأقل، ولعلها قد تطول مادامت قضيتي – وهي حرية الإنسان إينما كان – سيطول بها الأمد.) ويضيف (إنني لم أطو صفحاتي القديمة بعد، فالشاعر كالبحر لا يفقد زرقته وثورته مهما كانت تقلبات الفصول، بل إن الشاعر هو الذي يعطي الفصول تقلباتها ويمدها بالصحو والغيوم والمطر والرعود والنسمات. إن صحارى الفقدان التي أحسستُ بها وعبّرتُ عنها في المدة الأخيرة هي حقيقة معاشة، لكن هذه الصحراء بحاجة إلى طوفان… وأنا أشعر بأن الطوفان آتٍ، وآتٍ قريباً ليغسل وجه العالم من الدم والوحل والطين !!).
إن أجمل قصائد الشاعر بهذا الديوان هي قصيدته “عذاب الطين” لكونها تضمنت نداءات إنسانية وتساؤلات فلسفية وفكرية عميقة أطلقها الشاعر في خاتمتها عبر حوار أحادي صاغه منولوج وجدانه وعقله الباطن مع كتلة الطين، مقراً بكينونة العلاقة معها وما يلاقيه من عذاب وآلام جراء ذلك.
(أيها الطين لماذا يولد الإنسان مرغم؟
ولماذا يكدح الدهر فقيراً؟ ويلاقي الموت معدم؟
ولماذا يصمتُ الحرفُ، ويبقى حوله الخوفُ يدمدم؟
أيها الطين، أجبني، فأنا قد صرتُ طيناً أتألم!)
وقد جاء جرسها الموسيقى مهيباً خافتاً مؤثراً في المتلقي بتنوع المفردات السجعية، يهز أنياط القلب ويدير محركات العقل بقوة، كما يبدو واضحاُ سيطرة العرض النثري السردي على حساب النظم الشعري وإيحاءاته المكثفة.
ظمأ الشاعر إلى الحياة:
اختار الأديب والصديق العزيز الدكتور محمد البدوي رئيس اتحاد كتاب وأدباء تونس عنوان (علي الفزاني: ظمأ الشاعر إلى الحياة) لكتابه الصادر مؤخراً وشرفني بإهدائي نسخة أنيقة منه ممهورة بتوطئة رقيقة يقول فيها (إلى العزيز يونس الفنادي، بكل اعتزاز نتواصل باستمرار عبر الانتاج الأدبي بعد أن تواصلنا أكثر من مرة في تونس وطرابلس. وهذه صفحات عن الشاعر الخالد علي الفزاني وددتُ أن أنشرها في طرابلس ولكن طالت المدة. أدعو لك بالنجاح والتألق، وأدعو لليبيا الحبيبة أن يحفظها الله من كل سوء. بكل الود والتقدير… أخوك محمد البدوي، تونس في 17/12/2014).
وقد جاء الإصدار الحديث في حوالي مئتي صفحة من الحجم المتوسط يستهله المؤلف بإهداء خص به روح الشاعر علي الفزاني وأستاذه القدير الدكتور رضا السويسي، ثم كلمة تقديم لدار النشر قالت فيها المسئولة بها الشاعرة الأستاذة نجاة المازني ( … يسعدنا أن نزرع وردة بتقديم دراسة عن الشاعر الراحل علي الفزاني إيماناً بأن الكلمة أقوى من الرصاصة، وبأن الأدب والثقافة عموماً من أبرز معالم الحضارة، وهو ما يجعل غابات الإسمنت حدائق وجنات ومدناً جديرة بالحياة. ولئن لم يرتو الشاعر من هذه الحياة فشعره يمنحه دنيا جديدة وملكاً لا يبلى).
بعد ذلك يقدم لنا المؤلف تمهيداً اختار له عنوان (علي الفزاني شاعر أرهقه حب الحياة) يشرح فيه دواعي اختياره موضوع كتابه والذي هو عبارة عن بحث أكاديمي أعده لانجاز شهادة الكفاءة في البحث عقب تخرجه من دار المعلمين العليا وقدمه لكلية الاداب والعلوم الانسانية بتونس سنة 1977 لنيل الدرجة الجامعية، ولقاءه اليتيم بالشاعر الراحل ناقلاً لنا سعادة الشاعر الغامرة بأن تكون نصوصه موضوعاً لدراسة تحليلية منهجية تغوص في أعماق القصائد وتبحث في التساؤلات الفكرية وتفتح العديد من الحوارات مع الذات والمتلقي والمتشرك على حد سواء.
وعن مقابلته الوحيدة وحديثه مع الشاعر الراحل علي الفزاني سنة 1990 في تونس على هامش مؤتمر الادباء العرب يقول الدكتور محمد البدوي مؤلف الكتاب (.. لقد كان يتحدث مسكوناً بألم كبير تحسُ وأنت تصغي إليه أن به ظمأ شديداً إلى الحرية والحياة بكل أبعادها. بدا وكأنه لم يرتو بعد من مباهج الحياة). ويواصل (كان مسكوناً بالوطن حد النخاع وكان كما عرفته في شعره مهموماً بأكثر من قضية حضارية وأدبية ووجودية. كنتُ أستمع إليه وأنا استحضر قصائده في “رحلة الضياع” و”أسفار الحزن المضيئة” وفي “القصائد المهاجرة” ومواسم الفقدان” ..الخ، وكأنها كتبت قبل أيام).
ويضيف الدكتور محمد البدوي قائلاً (… كان علي الفزاني شديد الحرص على أن أزوره في بنغازي لاعرفه عن قرب. وكان يقول “عرفتني من خلال قصائدي، والان عليك ان تعرفني في حياتي اليومية والعائلية لتتضح لك الصورة أكثر، وحدثني عن ابنائه وتواعدنا على ان نلتقي في بعض المهرجانات القادمة، لكن شيئا من هذا لم يتحقق ..).
أما عن سبب اختياره قصائد الشاعر علي الفزاني موضوعاً لبحثه الجامعي فيقول (.. لم تكن لي معرفة سابقة بالشاعر ولا بشعره حين عزمت على انجاز شهادة الكفاءة في البحث بعد التخرج من دار المعلمين العليا بتونس. وأذكر أن من أساتذتي من سعى إلى توجيهي إلى دراسات أخرى عن بعض أعلام الكتابة في تونس في مرحلة ما بين الحربين، لكنّ التنقيب والبحث في المكتبة العمومية بمدينتي “طبلبة” جعلني أكتشف هذا الشاعر من خلال ديوانيه “رحلة الضياع” و”أسفار الحزن المضيئة”. وعرضتُ الأمر على أستاذي الدكتور رضا السويسي وكان قد درّس سنوات في ليبيا، فقبل الإشراف على البحث وتم التسجيل في كلية الأداب والعلوم الإنسانية بتونس في بداية سنة 1977….).
وقد برع الدكتور البدوي في اتباع منهجية عميقة لتتبع وتشريح قصائد الشاعر علي الفزاني من خلال اعتماده على الأسلوبية الاحصائية وتطبيقها على قصائد الشاعر في رصد دقة الألفاظ والمفردات اللغوية، وبنية العبارات البلاغية، وقوة قاموسه وتنوعه وثراءه، الذي مكنه من نقل أحاسيسه وأفكاره بكل انسيابية ووضوح. وقد أجاد الدكتور البدوي في تقسيم بحثه إلى أبواب تناول في الأول المقوم الذاتي لتجربة الفزاني الشعرية، استهله بتعريف الشاعر شكلاً جسمانياً وفكراً متفاعلاً مع ذاته ومحيطه الاجتماعي من خلال عنصرين هما الصراع القوي مع واقعه المرير وتصريحه برفضه، ورغبته في الرحيل عن هذا الواقع والتحرر من قيوده الجغرافية والنفسية، وقد استطاع الدكتور البدوي أن يبرز هذه الجوانب باتقان مؤكداً أن الحرمان والوحدة جعلا الغربة ملاذاً يمنح الشاعر الأمان المنشود ويعزز القيم والأفكار التي يؤمن بها وتسكن أعماقه وفكره، كما غاص الدكتور البدوي بعمق في تحليله وتشريحه لقصائد الشاعر وروابطها الصريحة المباشرة أو الرمزية الإيحائية.
وفي الباب الثاني ربط الدكتور البدوي بين المقوم الاجتماعي والسياسي في تأثيره على الشاعر من الناحية المعيشية والإبداعية حيث ظل الشاعر تائهاً وباحثاً عن فضاء يحقق فيه ذاته مثل النساء والأصدقاء والأطفال ثم تفاعل مع مكونات المجتمع كافة، وكذلك الأحداث والمواقف السياسية سواء على الصعيد الوطني أو العربي القومي أو العالمي. ويلاحظ أن الشاعر فيما يخص الجانب السياسي كان ينكر هويته الليبية ولا يترك لها أثراً أو إشارة في قصائده، بل يعتمد على انتمائه الإنساني الواسع والشامل. ويخلص الدكتور البدوي في هذا المقوم إلى (… أن الشاعر بعد أن فشل في تجربته الفردية وقف عند التجربة الاجتماعية وحاله ليست أحسن مما كانت عليه عند البداية، فهو لم يجد حظاً مع المرأة شرقية كانت أم غربية، وحتى الطفولة التي وجد فيها السلام والحنان سرعان ما بدت له بائسة لتأثرها بظروف الحياة الاجتماعية فكان لهذا البؤس أثره في نفسية الشاعر. وهروباً من الوحدة والضياع سعى الفزاني إلى الاقبال على المجتمع والالتزام بقضاياه السياسية وغيرها، لكنه اصطدم بواقع مرير وهزائم متتالية، فلم يجد ما يرضى نفسه وينهى عذابه لأن مختلف الهياكل ارتكزت على قيم متدهورة من شأنها أن تعمق مأساته. وخرج الشاعر من هذه التجربة ممزقاً بين صوت ذاته وصوت الضمير والواجب الوطني والاجتماعي.).
ويرجع الدكتور البدوي السبب إلى أن (هذه الحالة السلبية تعود إلى أن نظرة الفزاني إلى هذه الأمور كانت علوية وسطحية لا تساهم في تفجير الواقع المتردي وتغييره من الداخل، لأنه لا ينقد مختلف الظواهر بصفة عميقة وجوهرية. والأغلب على الظن أن هذا الأمر يعود إلى أنه ينظر إلى الأمور بنظرة الشاعر المتأمل لا نظرة السياسي الملتزم بالعمل الفعلي والميداني.).
ويختم الدكتور البدوي هذا المقوم بقوله (إن الفزاني يلقى المسؤولية على الظروف الاجتماعية والسياسية التي تقيده وتقيد مسيرته، لكنه يتجاوز هذه الظروف ليبحث في مشاكل الإنسان بعيداً عن كل الأطر الجغرافية والحضارية عساه يجد ما يصبو إليه بعيداً عن ظروفه المحلية والقومية).
أما الباب الثالث فقد استعرض فيه الدكتور البدوي المقوم الانساني في تجربة الفزاني ملاحظاً أنها (.. تأخذ بعداً وجودياً لتجسم تجربة الانسان في كل زمان ومكان، بقطع النظر عن الملابسات الجغرافية أو الحضارية أو النفسية.) ويبيّن أن الغاية من هذا هي (البحث عن قيم قارة من شأنها أن تعطي للوجود الإنساني معنى ما)، مستنبطاً عدة روابط من أبرزها مضمون الموت لدى الشاعر وأثره عليه من خلال موت الثائر البوليفي “تشي غيفارا” وهو الرمز النضالي للشاعر، وتعدد مفرداته بمعجم الموت والحزن ومشتقاته، وكذلك وفاة صديقه الشاعر “علي الرقيعي”، وموت الطفل الذي أحس بأنه يمنحه ملاذاً آمناً، كل ذلك جعل الموت هاجسه الذي يطاله شخصياً حين تناول موته قائلاً:
(أموتُ كلَّ ليلةٍ على الورقْ
بالشوقِ والملالِ والقلقْ
أضيعُ، أحترقْ)
وانطلاقاً من الموت ربط الدكتور محمد البدوي هذا المضمون بالحضور الديني في قصائد الشاعر علي الفزاني مؤكداً أن (الناحية الدينية ضعيفة) لدى هذا الشاعر الذي تقمص في بعض قصائده شخصية “سيزيف” كنوع من تبني الاتجاه العبثي في جلد الذات.
وفي الباب الرابع والأخير بعنوان (المقوم الفني للتجربة) تناول الدكتور البدوي جانبي الشكل والمضمون عند الشاعر حيث أوضح أن ارتماء الفزاني في أحضان الفن كان كملاذٍ أو ملجأ يهرب إليه من واقع حياته البائسة والمريرة القاسية. كما بيّن أن مصطلح “الفن” هو المعنى الأشمل لمفهوم الشعر وقضاياه عند الراحل علي الفزاني. وحول هذا المسلك يوضح الدكتور البدوي بأن الشاعر اتخذه تعويضاً له نتيجة فشله في التعامل مع المرأة التي قابلها ولا يريدها بتلك العقلية التي عليها لأنه يبحث عن امرأة وصفها في شعره كالتالي:
(حبيبتي أنا
امرأة مناضلة
امرأة مقاتلة
تجمع الحروف لي، ترشدني للنور
للطريق)
ومثل غيرها من تجارب الشاعر علي الفزاني فقد خفق في تحقيق أي نجاح في تجربته الفنية، وقد أرجع الدكتور البدوي فشل التجربة الفنية نتيجة (.. ارتباطها بمشاكل التجارب الاخرى التي لم يعرف معها الفزاني استقرارا ولا راحة نفسية، بل انتهت به الى الفشل أو ما يشبهه. ويلخص كل هذا في قصيدة “موت السندباد” مشبها نفسه بالبطل الاسطوري ولكن رحلاته الفنية تنتهي الى الموت.)
وفي ختام هذا الباب يعرض الدكتور البدوي الخصائص الشكلية والإيقاعية لقصائد الشاعر علي الفزاني ويتناول القوافي والمعجم اللغوي عنده، مبيناً أن (التجديد في قصائد الفزاني لم يشمل المضامين وحدها بل شمل ما يمكن أن ننعته بالشكل. ويدخل في هذا الجانب ما يتصل بالنواحي الايقاعية وكل ما يمت لتقنيات الكتابة الشعرية، بعيداً عن المواضيع المطروقة).
وفي خاتمة كتابه (علي الفزاني: ظمأ الشاعر إلى الحياة) يعترف الدكتور محمد البدوي بقيمة ومكانة الشاعر علي الفزاني الابداعية الكبيرة مؤكداً أنه (.. لو وضعنا شاعرنا في إطار حركة الشعر في ليبيا لأدركنا مدى مساهمته في حركة التطور الذي عرفته التجربة الشعرية الليبية، ولبرزت قيمته بشكل أوضح فهو من السابقين إلى التجديد مع علي الرقيعي وخالد زغبيه ولطفي عبداللطيف). ويضيف الدكتور البدوي (والسبق إلى التجديد ليس وحده الذي يعطي الفزاني مكانته بين شعراء وطنه بل وكذلك المقارنة بين انتاجه الشعري وإنتاج الكثير من معاصريه، ويمكن أن نجازف بالقول إن شاعرنا علي الفزاني علامة بارزة ومدرسة للجيل الذي سار على نهجه… وإذا كان شاعرنا لم ينل ما هو جدير به من الدراسة فيعود الأمر إلى دور الاعلام في إبراز المواهب الكامنة هنا أو هناك …).
• خاتمة:
لا شك أنه في ظل ندرة الكتابات الجادة حديثاً وقديماً حول قصائد الشاعر الراحل علي الفزاني يبرز مؤلف الدكتور محمد البدوي (علي الفزاني: ظمأ الشاعر إلى الحياة) كدراسة أكاديمية دقيقة عملت على تحليل النصوص الشعرية وتسليط الضوء على جوانب مهمة من إبداع هذا الشاعر الراحل، وبالتالي ستكون إضافة ثرية للمشهد الشعري الليبي والعربي على وجه العموم لما يمثله الطرفان، الشاعر الراحل علي الفزاني من مكانة معتبرة في مسيرة التجديد في الشعر الليبي، والمؤلف الدكتور محمد البدوي من قيمة فكرية اكاديمية تنقب عن الدرر وتهديها لمحبي الأدب والشعر بأسلوب يتجاوز الصنعة اللغوية الكلاسيكية بل يصافح القلوب والعقول معاً بكل سلاسة واستمتاع.
_________________
نشر بموقع ليبيا المستقبل