من أعمال الفنان التشكيلي علي الزويك
قصة

شاهد عيان

ZWIK_01

من وراء اللوح الزجاجي السميك، الفاصل بيني وبين الشارع المبلل أخذت أراقبها وهي تحاول العبور إلى الضفة الأخرى، لكن الأعداد الكبيرة من السيارات المسرعة كانت تعيقها. تتقدم قليلاً ثم تتراجع مفسحة الطريق لهذه

الوحوش المعدنية. ملابسها المبللة تلتصق بجسدها الهزيل. قطرات الماء تتخلل وشاحها وتسيل عبر عنقها، ثم تتلاشى في طيات ثوبها القطني القديم. بعد انتظار طويل تتراجع حتى جدار المقهى لتستند عليه محتمية من المطر. اقتربت من النافذة بوجهي، لكن البخار الطالع من أنفي وفمي حجب الرؤية، فظهرت امامي شبحاً بدون ملامح. مسحت على اللوح البارد بكفي لأحدث مساحة شفافة أستطيع أن أرى من خلالها.


كانت ترتعش تحت القماش المشبع بالمطر حتى أنها لم تعد تقوى على الوقوف. اتكأت قليلاً على الجدار البارد، ثم جلست القرفصاء واضعة رأسها بين كفيها. أصابعها الشاحبة مزينة بخواتم فضية، وبقع قديمة من الحناء. مدت ساقيها، فخرجت أصابع قدمها اليمنى من ثقب في الحذاء. مالت برأسها إلى الأمام حتى استقر بين ركبتيها. علقت خواتمها بخيوط الوشاح فبقيت يدها على رأسها، واليد الأخرى سقطت على الأرضية الباردة. جسدها لم يعد يرتعش، لعله شعر بالدفء أخيراً. الضجيج يزداد في هذا الوقت المتأخر من النهار، والمشاة يسرعون إلى بيوتهم قبل حلول الظلام. البخار الساخن ودخان السجائر يعتّم زجاج النافذة، ويفصل بيني وبين الشارع من جديد، فأعود إلى مقعدي الدافئ وأطلب فنجاناً آخر من القهوة، بدون سكر هذه المرة.

مقالات ذات علاقة

حكايات مرحة *

رضوان أبوشويشة

برقٌ آخر

محمد دربي

شقاء ميت

حسين بن قرين درمشاكي

اترك تعليق