دراسات

دراسة نقدية لأسلوب وخصائص شعر الشاعرة أسماء صقر القاسمي

 

الكتابة الشعرية أحوال ، واستقصاء لحالات الجنوح الشعرية التي يمارسها الشاعر فوق وجه الورقة ، فيزيد الزخم عليها إما بحالات الوجع الخاصة التي تعكس صورة مناخه الكتابي الخاصة

أو يُلقي بشعاع يُشكل بصيص نور لظاهرة رصدها بحراكه الكتابي .

إلقاء أحمالنا النقدية وتجهيز مشرط النقد هو حالة استقصائية لمخاض الكتابة التي تتفجر من رحم الشاعرية في أشعار الشاعرة أسماء صقر القاسمي ، وتتقصى أسلوبها في طقوس

تناصية متعددة الأغراض ، والأهداف ، ولأن الكتابة تفجير لأوجاع / أوضاع / مخاضات / الحالة الراهنة وفق شروطها المناخية ، فإنَّ النقد هو بمثابة باحث عن أحوال طقس تلك الكتابة ، وهو المخبر عن الأساليب التي جنحت لها الروح الشاعرة ، وهو الراصد لدرجات حرارة الشاعر داخل النَّص وخارجه ، وهو بمثابة الترمومتر الذي يقيس تمخضات الشكل الكتابي داخل النصوص الشعرية

الشاعرة .. أسماء صقر القاسمي
الشاعرة .. أسماء صقر القاسمي

*أسماء صقر القاسمي *

شاعرة إمارة الشارقة – دولة الامارات العربية المتحدة

تحصلت على بكالوريوس علوم سياسيه واقتصاد

دراسات فى الفلسفه ومقارنه الأديان

رئيسة اللجان العليا للانشطة لنادى فتيات كلباء الرياضى الثقافي

عضو حركة شعراء العالم بالشيلي

عضو شرف برابطة الأدب الإسلامي العالمية

عضو شرف بجمعية دارة الشعر المغربي

عضو اتحاد الكتاب والمثقفين العرب

عضو فخري فى مبادرة المثقفين العرب لنصرة فلسطين

عضوالاتحادالعربي للاعلام الالكتروني

عضو رابطة الفينيق

مالكة ورئيسة مجلس إدارة شبكة صدانا الثقافية

راعية الموسوعة الكبرى للشعراء العرب

1956-2006 لصاحبتها فاطمه بوهراكة

تم تكريمها من قبل الاتحاد العربي للإعلام الالكتروني يناير 2010

نشر لها فى المجلات الورقيه والنتية

لها عمود ثايت فى مجلة بنت الخليج الأمارتبة

(تراتيل فكر)

دواويين شعر مطبوعة

1- في معبدالشجن 2008

2- صلاة عشتار 2009

صادره من دار التكوين بدمشق/سوريا

3- شذرات من دمي 2010

صادر عن أنفوبرانت بفاس/المغرب

باللغتين : العربية والإسبانية

4 – شهقة عطر

مترجم للانجليزية والأسبان

دار التوحيدي بالمغر

ديوان طيرسون الحنين مترجم للفرنسية والانجليزية صادر من دار الرمك ببيروت 20

ديوان توجس الندى تحت الطبع / دار الياسمين الإمارات * ….{قسم السير الذاتية بشكبة صدانا الأدبية الثقافية }

 ***

ظاهرة لفتت نظري كناقدة نظراً لاحتواء نصوصها على مواد حداثية نثرية، كما أنها ترصدُ تمحورات شتى تختلف في نوعية حراكها الشعري، لكنها تحافظ على قالبها الذاتي داخلها ، وتترك الأنا تجول نصوصها فترسم بفرشاتها ألوانها التي ترى بها لوحتها المعنونة وفق معاييرها الشاعرية ، وتضيف عليها مسحتها الخاصة التي لامستها كناقدة كلما مررتُ بعددٍ من نصوصها .

والحقيقة أنَّ هذا يدعم النظرية التي أشرع نوافذها هنا والتي تقول : { النَّص الشعري لابد و أنْ يحتوي الأنا الشاعرة بين كلماته ، ويرصد الذات التي ترى بين معانيه ، ويقرأ الواقعية وفق المسافة بين الاثنتين }

فبأي شكل ستظهر لنا ملامح تلقائية الشاعر و أطباعه ، وستبدو لنا عينه التي ترصد المكان أو الحدث ، وسيترجم لنا الحراك الواقع على مرآة الحقيقة وفق معايير العين الشاعرة والذات المفكرة التي كتبت نصوصها إزاء تلقائية اللحظة الشعرية .

أما الأدوات النقدية لدى الناقد / القارئ / الشاعر / فهى متباينة فكلٌ يملك أدواته وفق تنظيره الأفقي للنَّص ، أي أنَ القارئ يرى بوجهة نظر المتذوق ، والناقد يرى بوجهة نظر المُنظِّر ، والشاعر بوجهة نظر الذاتية خاصته ،لذا هذا التباين سيكون طبيعياً وفق المثلث الطبيعي الذي نسير به وفيه .

الروح الناقدة قد ترصد من زوايا معينة حراك الذات الشاعرة كي تلتقط ملامح وسيمياء هذه النَّصوص للتثبيت على وجود ظاهرة ما ترقى لمستوى التأمل وتقع تحت مجهر التنظير ، فيليق

بها أن نرصدها كسيمياء تعلو ملامح الوجه التَّناصي لشاعرٍ / شاعرة ما .

وهنا في هذه الثلة من نصوص الشاعرة أسماء صقر القاسمي سنرصد ظواهر شعرية طغت على تناصها الكتابي ، واستطاعتْ أن تحافظ على سيمياء ملامحها ، وتبين الخطوط العريضة

التي تقوم عليها نصوصها ، ونحن إذ نفعل ذلك سنستمرُّ في رصد هذا الحراك لشعراء عدة كي نستخرج الخصائص والملامح الشعرية لقصائدهم بغية تعزيز خطى قصيدة النثر أو النصوص النثرية أو كما يحلو للبعض تسميتها بالبلور النثري أو قطع الكريستال .

وحقيقة أحبُّ تسميتها قصيدة نثرية لأن كلمة قصيد ..ليست حكراُ على شعر التفعيلة ، و أحسبنا بلغنا مرحلة التطور الثقافي / الفكري / بحيث أننا لن نجند دراسات من أجل إسقاط

مفردة قصيدة على النثر ، هنالك أشياء أكثر أهمية من إنجاز دراسة على كلمة ، مثل إسقاط مفهوم الإنسانية عن بعض البشر ، ولعمري بعضهم مستعد لإنجاز عشرات الدراسات

لئلا تستحوذ كلمة قصيد على مفهوم النثر ، اللغة تنجب ، والعربية ليست بعقيم ، وسرب البط قبل بتلك البطة السوداء الفارقة ، الخارجة عن عادة الإبداع ، فالشعر بحور ، والنثر محيط .

الرصد لظاهرة التَّصوف لفت نظري في شعر الشاعرة أسماء القاسمي / ثم بعض الظواهر الأخرى تعكس كينونتها الناشطة في الحراك الإنساني / الثقافي / الفكري / ويمكننا أن نلمس

بشدة مدى الوعي الذي تتحلى به الذات الشاعرة في نصوصها ، ونلمس بشدة مدى القدرة على الاستقصائية عن الذات لإيجادها داخل النَّصوص ، ومدى القدرة على النحت فوق

ملامح القصيد بعمق ….هنا سنضع خمسة نصوص تحت الضوء مباشرة نتقصاها بكيفييات مختلفة ، وبأسلوب يختلف بكل مرة لعلنا نذهب بفضولنا النقدي لمناطق أبعد مما قادنا إليها فكرنا أُثناء تملي كتابتها .

نبوءة الريح / للشاعرة أسماء صقر القاسمي :

يا ألمي المصلوب في ظهري

ينحدر صمتك كصراخ يجلد

أمكنة الخواء

المتكئة على خاصرتي

لتمارس لعبة المتاهات في جسدي

الأبواب مغلقة

الأماني موصدة

و تلك اليد المندسة خلف دفاتري

هي من أشعل النار في جحافل شعري

لتتصاعد أدخنة العدم في سماء الذهول

أنا نبوءة الريح المثخنة بالألم

تنمو في وجهي غربة

لا أتبين ملامحها

أعدو نحو الظل

أرنو للمساءات البعيدة

وأسابق أنفاسي من خارج

دائرة الضوء

تتأرجح اقدامي بين

إراداتي وفواصل دربي

أشاهدك الان

أرتب كتب الذاكرة على

رف مكسور

تتساقط أحداثك في نافذة مغلقة الألوان

كم يمكن أن يمكث حزني في الباب

الساعة نسيت عقاربها تحت تراب الوقت

وأنفاسي جرس متعب لا يحتمل خيال المعنى

اترك أصابعي أيها الحبر !!

………………………………..

نقرأُ هنا فكراً يعكس تحورات الأنا داخل تمخضَّات الروح …

غربةٌ تجول أنحاء الروح ، وتأكل بألمها الجســـد

يمكننا أن نقسَّم هذه القطعة إلى ثلاثة أقسام مفصلية “

فالجزء الأول الذي تتحرك به الأنا الشاعرة يقع ويبدأ من هنا :

يا ألمي المصلوب في ظهري

ينحدر صمتك كصراخ يجلد أمكنة الخواء

المتكئة على خاصرتي

لتمارس لعبة المتاهات في جسدي

الأبواب مغلقة

الأماني موصدة

و تلك اليد المندسة خلف دفاتري

هي من أشعل النار في جحافل شعري

لتتصاعد أدخنة العدم في سماء الذهول

الذات الشاعر هنا تتحرك بتلقائية ، وتضع يدها على أماكن الألم بجرأة كبيرة ، وتحدد ببساطة كيفية سريان هذا التيار

البداية في النَّص بجملة {النداء } تعكس مدة قدرة الأنا الشاعرة على التفاهم والتَّعود على قدر الألم الذي يبدو وكأنه من جرعات يومها العادي

تتشربه الروح حتى ليصير جزءاً منها ، فالمناداة هنا ليست إنكارية الضمير ، بل هى قريبة جداً من ذات الشاعرة ..خاصة بتكلمها بصيغة ياء المتكلم هنا

الحراك في المنطقة الأولى من النَّص كان للمضارع ، القائم على الاستقبال والتعليل ,

غير أنَّ فعلاً واحداً ماضياً جاء مقروناً بضمير الخطاب دخل هذه المنطقة ليحدد لنا عاملاً خارجياً ،تؤشر عليه الذات الشاعرة لتعلل به لجوئها لهذا الحراك الشعري المائز الحرف

{أشعل} ….أثارت الوهج و أنهت منطقة النَّص الأولى

في سماء الذهول

المنطقة الثانية أراها تقع هنا وتبدأ بهذا الجزء :

أنا نبوءة الريح المثخنة بالألم

تنمو في وجهي غربة

لا أتبين ملامحها

أعدو نحو الظل

أرنو للمساءات البعيدة

وأسابق أنفاسي من خارج

دائرة الضوء

تتأرجح اقدامي بين

إراداتي وفواصل دربي

أشاهدك الآن

أرتب كتب الذاكرة على

رف مكسور

تتساقط أحداثك في نافذة مغلقة الألوان

هذه المنطقة تتوهج كثيراً ، أولاً بالحراك القوي {للأنا } وثانياً بالقدرة على المواجهة الأقوى وهذا امتداد للمنطقة الأولى

ما يعني أننا أمام نقف أمام نصٍ يتنامى داخلياً ، ويمتد بحراكه للمنطقة الثالثة الخارجية …كيف هذا ؟

الجملة الأولى تقريرية ومحكمة ..جاءت أسمية ، والجمل الأسمية في النثر أقوى وهجاً و إثارة من الجمل الفعلية

لأنها تصنع الرمز بقوة {أنا نبوءة الريح المثخنة بالألم } هذا توهَّج يذهب بنا لخارج النَّص لنتصور شكلها وهى مثقلة بهذا الكم من الجراح

ثم تأخذ في صناعة أفعالٍ تزيد في التنامي الداخلي لمادة النَّص {تنمو على وجهي غربة } وهل الغربة تنمو ؟؟

هذا إنزياح لإنطواء الروح ، وهذه أفعال الأنا المفكرة ، التي تنزوي بعيداً ، وتنطوي عن غيرها ، وهنالك تمادٍ كبير في وصفها ،يُعلل حراك الأنا داخل النَّص

{لا أتبينُ ملامحها } فينتج عن ذلك ردود أفعال قد تكون اضطرارية {أعدو نحو الظل} وما نظنه بالظل الذي نعرفه نحن

ولكن تبرير لحراك الأنا الشاعرة داخل نصها يوضحه ما بعد هذه المفردة :

أرنو للمساءات البعيدة

وأسابق أنفاسي من خارج

دائرة الضوء ….

هنالك أملٍ ، هنالك ضوء ، هنالك تسابق ،

هنالك واقعياً حراك يتجه لقتل الشعور بالغربة برغم وجوده فعلياً داخل الأنا الشاعرة … نلاحظ هنا أن حفاظ الشاعرة على زمام الأنا ، يعكس قدرة رائعة وكبيرة

في الحفاظ على ناصية الكتابة لآخر النَّص / وفي التَّحكم في قوة الفكرة ، فهى لازالت ممتدة ، ولازالت محكمة البناء

تتأرجح أقدامي بين

إراداتي وفواصل دربي

أشاهدك الآن

أرتب كتب الذاكرة على

رف مكسور

تتساقط أحداثك في نافذة مغلقة الألوان

ليس هنالك قلق للذات الشاعرة ، بل ثقة تتزايد ، تتنامى مع حدث النَّص ، مهما تأرجحت هنا …

لكنها تتكلم بقوة أشاهدك / أرتبُ ….ما يعني الرصد الحقيقي للآخر ..هناك تغُّير في الحراك النَّصي بهذا الجزء كما الجزء الأول من النَّص حين تغير الحراك ل{تلك }

الآن يتغير إلى {الكاف للخطاب } في استخدام {أشاهدك }

يرصد هذا الحراك القدرة العميقة لدى الذات الشاعرة على إسقاط الآخر ، ربما هذا ناتج زخم كبير من الثقة بالنَّفس / أو ناتج تفاقم ظاهرة الغربة داخل الأنا الشاعرة

وفي الحالتين تنتهي المنطقة الثانية كما الأولى بإثارة وهج قوي في جملة على نفس النَّسق الأول وهى {في نافذة مغلقة الألوان }

هذه منطقة ثالثة تخرج بنا لإثارة عجيبة ، وهى استكشاف الأنا الأخرى لذات الخطاب ، ومحاولة تعرف ملامحها ، غير أنَّ ذكاء الشاعرة يغلق علينا الطريق بكلمة {مغلقة }….هنا تنتهي المنطقة الثانية في نافذة مغلقة الألوان

فنعود للقراءة في منطقة ثالثة وهى القادمة

المنطقة الثالثة :

كم يمكن أن يمكث حزني في الباب

لساعة نسيت عقاربها تحت تراب الوقت

وأنفاسي جرس متعب لا يحتمل خيال المعنى

اترك أصابعي أيها الحبر

هى منطقة الذروة النَّصية هنا ..تبدأ بسؤال يتملل …ويتساءل ،

{كم يمكن } …..كم ؟؟ ا

الحزن = الألم = الغربة …هذه هى معادلة الذات الشاعرة في نصها

فالمنطقة الأولى تعميم للغربة …والثانية تفصيل لها..والثالثة تساؤل عنها ..

هذا نص محكم البناء

نسيان الساعة وعقاربها ، {تحت تراب الوقت } اختيار عميق لذات تفكر بعمق ، ترحل لفيافي العقل لتنتج مفردات تليق بحدثها هذا

لن يكون هنالك توقيت لخروج الحزن أو الاغتراب داخل الروح ، ببساطة بسبب هذا الاختيار {تحت تراب الوقت }

وتليها جملة {أنفاسي جرس متعب } جرس+ساعة تحت تراب الوقت = امرأة قادرة على أن تفيق في أي وقتٍ تريده

وتسيطر على نفسها بداعي الثقة بالنفس الداعمة لحراك الأنا داخل النَّص …

فهى تتساءل بكم ، ثم تقرر بالزمن الماضي {نسيت } بأنها ساعة غير معروفة التوقيت

ثم جرس الأنا هو الذي يرن هذا كله = حراك قوي للأنا المسيطرة داخل البناء النَّص هنا

اترك أصابعي أيها الحبر !!!

صدمة تتحقق هنا ضد القارئ

لقد خرجت بنا الشاعرة خارج نصها الآن …

فهذه الجملة ألغت بها انسجامنا ، وجعلتنا نفيق من استغراقنا في داخل حراكها النَّصي

أنهت بها الذات الشاعرة حالة الحراك الشاعري ، بدقة و اتقان كبيرين

{اترك } فعل أمر للذات الشاعرة يقوم على صيغة قوية ، فهو لايتعدى بسيطرته مجرد أصابعها الكريمة .

هذه القفلة جاءت قوية ، أثارت الوهج ببساطة كونها آمرة ، كونها تعرف أنها ستزيد اغتراباً ، فهى هنا بهذه القفلة تعيدنا للمنطقة الأولى للنَّص

وهى قراءة نوع الاغتراب الذي فيه الضمير {الأنا }

النَّص ارتكز على دلالات لفظية تعاضدت مع لغة أحسنت فيها الشاعرة انتقاء الألفاظ بعناية تناسبت مع حراكها داخل النَّص

الكتلة التي أمامنا مضغوطة مختزلة بامتياز كبير ، لاتوجد زوائد فيها ـ لايوجد أفعال لاقيمة لها ، لاتوجد حروف لاغاية منها

الرمز اشتغل في أغلب مناطق النَّص وصنع حراك الأنا داخله ، مثيراً بذلك مناطق وهج ثلاثِ .

ما ميَز هذا النَّص إحكام البناء / مجاراة الأنا لحالتها وتعاملها مع حراكها بقوة / القدرة الرائعة في الاحتفاظ بناصية الكتابة حتى آخر النَّص / القدرة على الإمساك بزمام الفكرة وعدم تفلتها

من فكر الشاعرة .

النَّص يعكس خبرة كبيرة للشاعرة في التعامل مع حراك الأنا ، ويعكس روحاً تغترب وتعرف بتنامي ظاهرتها فيها ، لكنها تتعاطى معها بوعي وتفهَم كبيرين لذاتها.

……………………………………..

النَّص الثاني “:

طلاسم الغيم للشاعرة أسماء صقر القاسمي :

ظل يرحل من نوافذي المشرعة

يلهث نحو الضوء

هربا من سديمة

يتفقد أوراق الوقت

يتوسد الخواء

يزلزل الارض تحت أقدام الحالمين

ينصت لهدير الطلاسم في الغمام

هذه القصيدة المسفوحة الدم

على عتبات اللاشيء

تتدلي كالأفكار الرمادية

كالخفافيش الي ترصد وجع الضوء

للقطرات المائيه خطوات مكلومة

كي تكسر أضلاع ا لوقت

كي تتمدد زاوية العتمة في الآفاق

الصدى المنهك

يغزل أحجية الضياع من خيوط العنكبوت

يهرق أحلامه الموؤدة على مذبح السراب

ترك قافية من غبار في مسارب الليل الشاحبة

وتلاشى كغصة في صدر الغياب

الشجر الناسي

لا يتذكر الوان الطيف

وطيور الهجرة ورافة في في مخبئها

خبأت تفاصيل خيالي تحت لحاء مثقوب

ونسيت أصابعي في عش يمامة !!

…………………………………..

حين كتب إيليا أبي ماضي الطلاسم :

جئت، لا أعلم من أين، ولكنّي أتيت

ولقد أبصرت قدّامي طريقا فمشيت

وسأبقى ماشيا إن شئت هذا أم أبيت

كيف جئت؟ كيف أبصرت طريقي؟

لست أدري!

أجديد أم قديم أنا في هذا الوجود

هل أنا حرّ طليق أم أسير في قيود

هل أنا قائد نفسي في حياتي أم مقود

أتمنّى أنّني أدري ولكن…

لست أدري!

وطريقي، ما طريقي؟ أطويل أم قصير؟

هل أنا أصعد أم أهبط فيه وأغور

أأنا السّائر في الدّرب أم الدّرب يسير

أم كلاّنا واقف والدّهر يجري؟

لست أدري!

رصد لنا مُطوًّلة تتحدث عن الحيرة في كنه الحياة ، ومكنون تعايشها ، وفقه تسيير الذات ، هل هو منْ يوافقنا أم نحن منْ نوافقه !!

هل نحن أسرانا أم أننا أسرى للإرادة الكونية ـ مُسيرون ، مخيرون ـ ذاهبون لأقدارنا بمشيئة صادرة منا أم لأنها مشيئة إلهية صادرة تلقاء ردود أفعالنا خاضعة لذات العليا فينا !!

كل هذه الأسئلة المثيرة / المُحيَّرة / سردها لنا نص الطلاسم وساقنا لقياس حالات تكوَّر الذات مع سديمية اللحظة الشعرية بأبعد منتهى .

حين قرأت هذه الطلاسم لأول مرة ، قادني فكري إلى تحري مكنونات الشبق الذاتي / الفكري / الوجداني للشاعر أسماء صقر القاسمي ، وكنتُ كلما قرأتُ لها نصاً أقف بإحساسي

على شبق اللحظة الشعرية لديها فأراها تعبث بفرشاة كثيرة الألوان ، لكنها واضحة المعالم ، ترصد بعين فنانة التقاطة اللحظة ، فتأتي بها من زاوية الرؤيا المشهدية لموضوع النَّص

فالربط بين العنوان / المضمون / المادة الشعرية / ثلاثية لاتفارق نصوصها .

وبخبرتي بالقراءة لها أراها تغزل على مثلث الذات الشاعرة / العين الراصدة لشبق اللحظة / الخارجية الضمنية داخل النَّص / والتي تتغير دلالاتها بحسب موضوع النَّص.

الألوان الشبقية الكتابية لفرشاة أسماء الكتابية تعشق الصراحة التلقائية لكنها تمتنع بطريقة لاتكاد تشعرها ، تعتقد أنك فهمت اللون ولكنك يجب أن تتعمق ، فيأخذك الأسلوب :

بادٍ ويعجزُ خاطري إدراكه ** وفتنتي بالظاهر المتواري

هذا هو نص طلاسم الغيم ببساطة …

النَّص جاء كتلة واحدة متراصة ـ قالب جامد واحد كما يحلو لي تسميته هنا ، إذا أنني أحاول ببساطة أثناء تشريح النَّصوص النثرية أن أرسي التنظير الأفقي لقصيدة النثر

وحين نقول قالب واحد متراص ، فهذا يعني أننا نقف أمام تميز حداثي من ناحية :

أنَّ القالب لايمكن تجزئته ..وسأشرح هذا في هذه الدراسة

أنَّ القالب قد لايتسبب في وهجات نثرية لأنه يعتمد البناء السردي النثري

{وقد رأيتُ أن المغاربة لايحبذون السردية النثرية في نصوصهم ويعدونها عيباً ،

بينما المشارقة يسردون بالنثر بأسلوب نثري جذاب يحرك الوجدان ،ويثير الفكر كما الوهج الرمزي داخل النص وهذا باعتقادي بناء نثري كأي بناء آخر

إذا أنَّ البناء النثري إذا جاء كله خالياً ، فارغاً من الفعلية التي تضيف الحركة / الإثارة / تسوق القارئ ورائها / فإنه يصبح مملاً ، ومررتُ بكثير من هكذا نصوص

تقرأها بدون إحساس ، بل أنك تراها كتلة من الغموض المطلسم فلاتفهم منها شئ سوى أنك مررت برمز وبتوهج ولايمكنك أن تصف المضمون وماذا قال }

أنَّ القالب يتنامى داخليا بنفسه فيا سبحان الله حين أشرحه سترون كيف تسلم الكتلة لبعضها بتنامٍ لايمكن فصله عن بعضه في البناء

أنَّ القالب ينتهي بدهشة أو صدمة قد تكون واحدة فقط ..وهذا ليس شرطاً كونها واحدة ولكن على الغالب تذهب بك هذه النَّصوص إلى دهشة أخيرة تقف بك بآخر محطة في النَّص

لتتسبب في الوهجة المثيرة ، والتي قد تأخذك لخارج النَّص ، أو تبقيك داخله مع قناعة ونتيجة .

هذا بالنسبة لكوننا سنعمل على قالب بكتلة واحدة

تبدأ الشاعرة هنا في رصد الحراك اللاشعوري تتحرى الكتابة / وجدانية اللحظة / شعوريتها / تخرجُ الأنا لتمارس طقسها الخاص فلا تنتبه لما ستكتب لكنها تسير صوب الآخر {النَّص}

وبالنسبة لي كناقدة أضع النصوص تحت ضوئي الخاص ، ليس لي خط معين سوى خبرتي التي رصدتها من ثقافة نقدية وباحثة في مجال النَقد والتفحص و الأدوات التي أعمل بها

هى ملكة نقدية فكرية ناتج دراستي الطويلة وغير خاضعة لتنظير معين ـ فالنقد الذي يقنن أدواته ويتوقع أن يصنع مدرسته باستقلالية تامة لايمكن أن يسير إلا جزءاً يسيراً من الزمن

والسبب أن التنظير يتطور كحالات الكتابة الإبداعية ، والأجيال تتطور كذلك .

نحن ضد القراءة النَّصية التي تقول : النَّص ولاشئ غير النَّص

لكننا مع القراءة التناصية التي تستقرئ الذات ودلالات النَّص و أجزاء المادة داخل الكتلة المرصودة وكذلك نحن مع القراءة التداولية والتي تعتمد القياس هذا بذاك إذ أنَّ الشئ بالشئ

يُذكر ، وكما بدأنا النَّص هذا بقراءة لطلاسم إيليا أبي ماضي .

هذه هى الكتلة الآن :”

ظل ٌيرحل من نوافذي المشرعة

يلهث نحو الضوء هربا من سديمة

يتفقد أوراق الوقت

يتوسد الخواء ….

يزلزل الارض تحت أقدام الحالمين

ينصت لهدير الطلاسم في الغمام

هذه القصيدة المسفوحة الدم

على عتبات اللاشيء

تتدلي كالأفكار الرمادية

كالخفافيش الي ترصد وجع الضوء

للقطرات المائيه خطوات مكلومة

كي تكسر أضلاع ا لوقت

كي تتمدد زاوية العتمة في الآفاق

الصدى المنهك

يغزل أحجية الضياع من خيوط العنكبوت

يهرق أحلامه الموؤدة على مذبح السراب

ترك قافية من غبار في مسارب الليل الشاحبة

وتلاشى كغصة في صدر الغياب

الشجر الناسي

لا يتذكر الوان الطيف

وطيور الهجرة ورافة في في مخبئها

خبأت تفاصيل خيالي تحت لحاء مثقوب

ونسيت أصابعي في عش يمامة

تبدأ النصَّ بجملة تقريرية أسمية ,والتقريرية عرفتُ أنَ بعض الشعراء لايحبذ البدء بها ،لأنها تقود للإخبار ، ولكني شخصياً أعتبرُ التقريرية مثيرة ومتسببة في حالة وهجية بعدها

والجملة النثرية الأسمية تعادل الفعلية في النثر ، والسبب أن الأسمية تثير الرمز والوهج معاً ، والفعلية تثير الرمز أكثر شئ ، وقد تثير الوهج

ثم تبدأ في السرد على الفعلية بالجمل المتلاحقة الأفعال هذه :

يلهث نحو الضوء هربا من سديمة

يتفقد أوراق الوقت

يتوسد الخواء ….

يزلزل الارض تحت أقدام الحالمين

ينصت لهدير الطلاسم في الغمام

نلاحظ التتالي هنا أثار الحركة ـ وحقق عامل المجاراة ، هنا أدخلت الشاعرة بحنكة نصها داخل العمومية النثرية لأنها تسببتْ في المجاراة ، والمجاراة إحدى أدوات النثر ، وتعني أن يذهب بك الشاعر وراء تزاحم الفعلية وتتالي الصبِّ الفعلي لحركة الأفعال إلى الذهاب معه لآخر مايريد ، فهنا قالت تتاليا:

يلهثُ / يتفقد / يتوسد / يزلزل / ينصت / كلها حركة + بحث القارئ لاستكشاف اللحظة = مجارة الشاعرة وراء حرفها

تقف بنا هنا لجملة تقريرية ، تلسعنا بها فتقول :

هذه القصيدة المسفوحة الدم

على عتبات اللاشيء

هذه صدمة ولكنها لاتتركنا ننصدم …تأخذنا وراء المجاراة فتغزل هذه الجملة وتصلها بالتي تليها أفعالاً ، فكأنها هنا تصل الخيوط النَّصية ببعضها ، كمن يخيط ويصل الحلقات الفعلية ببعضها

ولكم أن تجربوا القراءة ، فستشعرون أنكم توقفتم ثم عدتم للوصل رغماً عنكم ـ ولازالت تمارس علينا المجاراة فتصلنا لأول فعل بعد التقريرية :

تتدلي كالأفكار الرمادية

كالخفافيش الي ترصد وجع الضوء

للقطرات المائيه خطوات مكلومة

كي تكسر أضلاع ا لوقت

كي تتمدد زاوية العتمة في الآفاق

الصدى المنهك

نلاحظ هنا المجاراة بدأتْ بالفعلية ، ثم بالفعلية الجارة للاسم ، ثم للتبريرية ، والتبريرية إذا لم تكن طويلة فهى مقنعة ، و إذا لم تكن تعني وتقصد التبرير فهى نثر ، وليس بوح خاطري

وهنا ذكرتها الشاعرة على النثر

كي تكسر أضلاع الوقت

كي تتمدد زاوية العتمة في الآفاق ….فقد أثارت هنا الفكر وراء هذه الانتقاء المميز للمفرادت التناصية ,

وتشبك هذه بتلك كما المرة الأولى :

يغزل أحجية الضياع من خيوط العنكبوت

يهرق أحلامه الموؤدة على مذبح السراب

ترك قافية من غبار في مسارب الليل الشاحبة

وتلاشى كغصة في صدر الغياب

يُسلم هذا البناء لما بعده ، في سلاسة خبيرة للشاعرة وتلقائية ، وحين نقرأ بدون تفصيل وتقطيع لهذا للنَّص فسنجد أننا لايمكننا أن نقسم النَّص لمناطق مفصلية كما فعلنا في نصِّ {نبوءة الريح } فهنا التقسيم المفصلي يخدش كتلة النَّص ، ويفككها أكثر ما يجعلها هكذا متراصة كقالب واحد …لأن البناء يتنامي داخلياً يسلم لبعضه بدعة ويحقق المجاراة وراء أسماء القاسمي

هنا نقرأ : يغزل / يهرق / ترك /تلاشى /

نلاحظ هنا أنها كتلة تتنامي بسرعة كبيرة ، ونلاحظ أنها عندما اقتربتْ من نهاية الكتلة بدأت تتخلى وتترك التنامي لنتجهز نحن للقادم ـ فقد تُلقينا لإحدى دهشاتها ، أو تسبب لنا صدمة خارج النَّص كما فعلت بنا في نص {نبوءة الريح } ….فتعود بنا بتقريرية مرة أخرى وتقول :

الشجر الناسي

لا يتذكر الوان الطيف

وطيور الهجرة وارفة في في مخبئها

خبأت تفاصيل خيالي تحت لحاء مثقوب

ونسيت أصابعي في عش يمامة

التقريرية مرة أخرى بجملة أسمية …إذاً نحن نرصد في النص ثلاث {عقد } وصلت النَّص ببعضه ، غرز أوصلته ببعضه ، حتى لا ينفرط عقدها المتين ..

تعمدت بذكاء أن تصنع له {تكات } أو {حلقات} تصله بأوله …هذا نصٌ مدور …

عاد للالتفاف على نفسه من جديد

الشجر الناسي لايتذكر اللون أسمية + طيور مهاجرة أسمية بالعطف على ماقبلها + خبأت فعلية + ونسيت فعلية = عقدة كبيرة أقفلت النَّص بقوة و إحكام .

تقنعك أنها ذهبت بك لآخر النَّص رغماً عنك ، تبدأ القراءة حتى تنتهي هنا لهذه المنطقة لتصل لقناعة الشاعرة وكما ترسمها هى بفكرها .

في هذا النَّص :

الحيرة دلالة عكست الذات الشاعرة وحراكها الباحث عن الآخر ، والذي ترصده ريشة قلمها في تحورات كتابتها الآنية ، ترسم احتيال اللون على دلالة المساحة التناصية في نصها :

لدينا هنا كلمات تدلل على احتيال اللون :

الضوء {له لون }

أوراق { لها لون }

رمادية {لون }

الدم {له لون }

العتمة {لها لون }

الشجر {له لون }

الشاحبة = شحوب {لون }

= ألوان الطيف !! {جملة ذكرتها الشاعرة ي النَّصْ تلقاء روحها }

هذه معادلة الرؤيا لدي أسماء القاسمي ، لون + لون + لون + إلى 7 ألوان {هل هذه صدفة أم فكر يعمل باتقان }

رصدتها الشاعرة لتحورات الأنا داخلها و انعكاساتها فأعطت القراءة لهذا السر الجميل الذي هو طلاسم لغيم ينتظر

الهطول / الاستكشاف / النزول …

نأتي ببعض دلالات الجماد المهمة داخل التناص :

الظل / نوافذ/الأرض /طلاسم /….= إطلالة كاملة للذات المشرعة على الحياة

ودلالات الحيوان أكرمكم الله :

الخفافيش العنكبوت / الطيور / اليمامة = تفقد لأحوال الاستكشاف للشاعرة وتصورات الأنا داخلها

وقد تكون دلالات ومضية لحراك الشاعرة الحقيقي في حياتها ، فهى ترى خفافيش / عناكب / وكذلك طيور ،/ يمام

وهنالك تعاكس لروح الشر والخير هنا بوضوح وهذا في حياتنا كلنا .

دلالات تدل على الحركة المحسوسة الجامدة وتصوراتها الدلالية

مشرعة / سراب / هرب /خطوات /منهك /موؤدة / مذبح /غصة / مثقوب = دلالات البحث داخل حراك الأنا الشاعرة في الخارج

دلالات أخرى تدل على أفعال و أسماء فيها حركة العنف العضوي والمعنوي :

تكسر /يتوسد الخواء / يزلزل / مسفوحة الدم / وجع اللحظة /المنهك / الضياع /مذبح السراب / نسيت أصابعي .= مدى معانا ة الأنا في الحياة والبحث عن مخارج الضوء

مرابط الزمام في النَّص :

الجمل الاسمية الثلاث

1/ظل يرحل من نوافذي المشرعة.

2/هذه القصيدة المسفوحة الدم

على عتبات اللاشيء .

3/الشجر الناسي

لا يتذكر الوان الطيف

يقع سطر ذروة الزمام بطريقة ذكية في أسلوب أسماء صقر القاسمي كالعادة بمنطقة خارج النَّص

فهى بذكائها تحملك لخارج النَّص إلى منطقة الطلاسم كلها هنا في هذا السطر بالذات :

خبأت تفاصيل خيالي تحت لحاء مثقوب

ونسيت أصابعي في عش يمامة !!!

لازلت أقول إنه السهل الممتنع إذا راق لك الفهم ، وتوارى عنك دقيق المعنى .

…………………………………………………………….

النَّص الثالث للشاعرة أسماء صقر القاسمي :

صومعة الليل :

المساءات طويلة طويلة

تسرق لحظات العمر

فى صومعة ليلي

أنا و محبرتي والشموع

نسامر أسطورة ريح ارتدت

تكوثر حزن الحروف

وصنعت من السراب حدائق معلقة

ورتلت على جروحي آيات الأمل !

يشاكسني الأرق ليحتل ما تبقى

من غربة

تشكلت على جدران روحي

يلملم أشتات صحوتي

المتناثرة على رصيف الأحلام

ويعيد صياغة تفاؤلي !

كينونتي تفر مني..

ترسم التساؤلات على المكان

والأزمنة

المكان لا ينقصه إلا كل

شىء

أعتكف في زاوية من

زمنٍ يتمتمُ بنوره على سطح ذاكرة مرايا

لم تتعرف على خارطة

وجهي!!

حلمي يصلبني مسيحا على شرفات

عَلَّنِي أعرُجُ إلى سماء توحي لي

برؤى كتبت بلغة جديدة

تتساقط حروفها على ورقة صاغها

القدر

ليعتري اسطرها صهيل يهزم الصمت

فتسكب تمتمة البوح على أفق الزمن

المتبعثر

في هذا النَّص نقرأ الرؤيا المفتوحة للنَّص وقد لمسنا حالة وجدانية تعيشها الشاعرة في بؤرة عميقة نابعة من عمق الذات داخلها ….

فتأتي على العنوان / لتعكس معادلة المضمون بإسقاطات بلورية ناصعة البياض

ومن يدرك ويعرف أبجديات الليل في شعر أسماء القاسمي سيفهم لماذا تلجأ الذات الشاعرة لتوثيق علاقتها بلغة السكون والصمت والظلمة ، التي تفرُّ من ضوء الاستكشاف البشري لها

فهنالك تنشأ الرؤيا ويتحرى المعتزل بطريقته في أشياء اللغة والكلمات لينشئ عالمه الخاص والذي لاتتكلمه إلا لغة أهل السماء .

صومعة الليل = صومعة الحكمة = لغة التأمل والصمت .

حراك الشاعرة داخل النَّص أعتبره في أنضج حالاته الشعرية ، حيث أنها في هذه القصيدة تخبرنا بوضوح عن الاعتزال والتصوف والبحث الوجداني في أشياء الكون

اللغة تعاضدت هنا مع اللفظ ، فأنتجت دلالات لفظية قد ترقى لمستوى أكبر من الذي أخبرتنا به الشاعرة

الرمز توهَّج في أكثر من منطقة ميزناها بوجود علامة التعجب {!} وهذا أعتبره ضرورة يجب أن يأتي عليها النقاد في قصيدة النثر ، حيثُ أنَّ علامات الترقيم تعتبر لغة إشارية تعبر عن مضمون الدهشة والاستغراب والاستفهام والتعجب ، وتفصل بين الجمل بشئ من هذا وذاك من الفواصل الإملائية .

القفلة حققها النَّص بامتياز عندما عبث بأشياء الكلام وجاء على وتيرة الحدث فاختار منها ما تماشى مع مادة التناص ليضعه لنا كنهاية لدهشة الحدث داخله

البناء جاء وفق التصاعد المتنامي الوتيرة ، بذات استخدمت اللغة من العلو للعلو ، حتى إذا هبطت عادت فصعدت لوتيرة النَّص بإثارة جديدة

سنرى الكثير من الدَّوال هنا في هذا النَّص.

يشاكسني الأرق ليحتل ما تبقى

من غربة

تشكلت على جدران روحي

يلملم أشتات صحوتي

المتناثرة على رصيف الأحلام

ويعيد صياغة تفاؤلي

هنالك امتداد وجداني يتسرب لهذا الجزء المتصل بما قبله ، فصلته الشاعرة بكلمات أخرى لتشده أكثر إليها ، فإذا هبط قليلاً لعمق النَّص ومارس سريالية الذات داخله

عاد وارتفع بوهج أثار منطقة مشعة من حلو الاختيار للفظ وجميل المعنى أو انتقل بنا لطرح تساؤل قد يكون عميقاً ، وقد يكون من السهل اصطياد إجابته …

في اختيار الشاعرة للفظة {يشاكسني } سنلاحظ أنها أتت على المضارع ، لتمديد فترة استقبال الفعل ، بحيث أنها كلما مارست الفعل {نسامر } جاءت دالة الفعل {يشاكسني } كي

تغشى هذا التسامر ، وما الأرق إلا شغب ينتاب الروح حين يطول بها السمر ، فتأنف أن تستجيب له ، لكنه بفعل فاعل {يتغشى } الكيان الروحي لوجدان الشاعرة {فيحتلُ } باقي غربتها

وهنا مدلول {فضفاض } جاءت به الذات الشاعرة لتعلل حراك الأنا وفق ميكانيزمات حراكها ، فهى حجة {النكوص } داخل قوقعة الغربة ….

وثَّقت لها بما جاء بعدها من فعل {تشكلت على جدران روحي } لتعلل تبريرية حراكها النأئي بعيداً عن ذوات البشر ..فالروح لها جدران ، مايعني هنا ألاَّ أحد يستطيع أن يتجاوز إلا بإرادتها هذه

العزلة التي هى في صومعتها ،

معتقدة أنها لاتصحو إلا قلَّما ندر ، فهنالك أحلام ضائعة ، متناثرة ، {وهذا مرَّ بنا من قبل في نصوصها السابقة }

استخدامها لكلمة {رصيف } يومئ لنا أنها لازالت أحلامُ على البر ، ولم تصل بعد لمبتغاها في التحقيق .

استخدامها لكلمة {يلملم / متناثرة } يومئ بأنها في صراع مع الوقت وتحاول بقوة أن تعيد صياغة الكثير

استخدامها لكلمة {أشتات} يومئ لنا بأنها كثيرة ، ومتفرقة الأزمنة والأمكنة …

استخدامها لكلمة {يعيد } يومئ بقوة الروح الشاعرة وشخصنتها لكل شئ ، ومدى تمسكها بخيط الأمل

استخدامها لجملة {يعيد صياغة تفاؤلي } يضع حراك الأنا في قمة التَّوهج هنا ، وقد أثارت الفكر و حركت عوامل أخرى في معادلة التضاد بالجزء السابق

فهنا حين كتبنا معادلة الحراك بالجزء السابق كانت كأنها تقول لنا :

ليل + محبرتي +أنا = جروحي التي تخصني

هنا في هذا الحراك كأنها تصنع بلسمها بنفسها :

يلملم +يعيد +صياغة تفاؤلي = دوائي الذي أداويه لروحي

ومثل هذه الذات المترفعة والتي تتشرنق في وحدتها ، وتتحرك وفق عزتها ، وعزلتها ـ وقوة روحها فعلاً قادرة على مواكبة أي حدث بروح قوية ، وقادرة على مداواة أنآها بكل ثقة ودون الحاجة للغير …. ولعلنا هنا نستقرئ دوال أخرى وهى أن المضمون بدأ ينعكس على فعلية العنوان هنا في تحرك قوي وواضح وبدأ يقوم بإسقاطات حقيقية في روح التَّناص

فصنع معايير العزلة وبلسمها .

حراك الأنا هنا :

الياء في {يشاكسني }

الياء في {روحي ْ}

الياء في {تفاؤلي }

الياء في {صحوتي }

نلاحظ هنا لغة خاصة أقرؤها بكل وضوح :

يشاكسني × روحي …أي أن الروح هنا تتلقى ضريبة المشاكسة بأي شكل وهى تدرك أنها تقاوم بقوة وواقعية

تفاؤلي × صحوتي ….التفاؤل هنا ضرورة واقعية إذا استطاع الإنسان أن يلملم شتات نفسه

وقد أدركت الشاعرة هنا الفعلين قبل أن نتحدث عنها {يلملم /يعيد } بكلمة صياغة أحكمت القدرة والمقدرة على الاحتفاظ بميكانيزمات دفاعها الشعوري بما ساقه اللاشعور لها

دالة الأفعال هنا :

المضارع :

يشاكسني / ليحتل ..وهنا جاء المضارع على التبريرية للفعل ليحتل كي يبرر الحراك الذي قبله

يلملم / يعيد / وهنا جاء على التقريرية بحقيقة لابد منها .

نلاحظ الماضي هنا في {تشكلت } وكأنها تحدد موضع الألم أو المرض لتعود وتصنع له بلسمه التي تراه مناسباً لها

كينونتي تفر مني..

ترسم التساؤلات على المكان

والأزمنة

المكان لا ينقصه إلا كل

شىء

أعتكف في زاوية من

زمنٍ يتمتمُ بنوره على سطح ذاكرة مرايا

لم تتعرف على خارطة

وجهي!!

التصادم الداخلي للأنا مع الذات أصعب انواع التَّصادم ، وهذا لأنه يريد أن يأخذ الذات الشاعرة لحراك الأنا ، بينما الأنا تتعبد في ملكوت الليل ـ تحاول إملاء شروط تعبدها ، لكنها لاترغم محبرتها

على تلقف الريشة لتكتب دونما تريد ، هنالك ببعض المرات تخرج الأنا رغماً عن محاولات كبتنا لها { وهذا رصد لميكانيزمات الدفاع في سيكولوجية النَّفس } {فهنالك لاشعور يفرُّ منا ليتحدث بنفسه ورغماً عن حراكنا نحن لرصده } هنا تخبرنا الشاعرة بهذا الرصد …

كينونتي = طبيعتي الذاتية التي لايعرفها سواي

تفرُّ مني = تخرجني دونما إرادتي

ترسم = ترصد / تخطط / تستوحي …..

التساؤلات على المكان والأزمنة = مكانها صومعة التعبد ولها الحق هنا في الاتيان به مفرداً

أما الأزمنة فأعتقدُ انَّ الشاعرة أتت بها لتعلل {النكوص } للماضي والحاضر والمستقبل …..

فإذا رأينا أن الليل صومعة الحكمة التي تأوي إليها ، فهو المكان الخاص بتعبدها فإنها هنا بقدر ما تعطيه ذاتها ، بقدر ما تجرد عنه كل شئ ، وهذا أراه مفارقة كبيرة في النَّص

إذا سألك شخص هل ينقصك شئ ؟ ستجيبه لاينقصي شئ إلا كذا ..على سبيل المثال وتحدد ما ينقصك إذا نقصك شئ فعلاً

أما إذا كان لاينقصك شئ ، فسوف تجيب تلقائيا بالنفي لتقول له لاينقصني شئ .

هنا عمدت الشاعرة لأسلوب استثنائي أثارت فيه الوهج والتساؤل فهى تقول : المكان لاينقصه إلا كل شئ !!

أي أنه مكان مجرد لاشئ فيه سواي …وهذا هو الليل بطبيعته .

ولعلها هذا يبرر ويعلل مجئ ما بعدها بقولها :

أعتكف في زاوية من

زمنٍ يتمتمُ بنوره على سطح ذاكرة مرايا

لم تتعرف على خارطة

وجهي!

فهنا النأي بعيدا له حالة إسقاطيه تبريرية وجودية ، تسير وفق معادلة تعليلية الرؤيا ، لها ملامح تنظيرية ، وببساطة الليل لاينقصه إلا كل شئ

فهو إذاً لاشئ = نكرة والنكرة موغلة في الإبهام ، والإبهام يعني قاع = قمة الغموض .

أعتكفُ : فهذا منحى طبيعي طالما هى تتعبد في صومعة الحكمة والصمت وثراء الروح فهى إذا معتكفة والذات المعتكفة تنبثق الأفعال منها متصوفة تلقائيا لا اصطناع فيها

فالعزلة / السكون / الاعتكاف كلها مدلولات تقع على دوال المعنى الحقيقي للتصوف

ردة الفعل للذات الشاعرة هنا ، هى ناتج أفعال حقيقية لما تراه من ممارسات واقعية / أعتكف في زاوية من زمنٍ يتمتم بنوره على سطح المرايا .

ولعلها هنا عكست هذه الواقعية بالتمتمة {كونها في عزلة لاتستدعي أن تتحدث بصوت عالٍ}

أما جملة على سطح ذاكرة المرايا ، فأنا أراها إنزياحاً لما تصقله تجربتها وتبوح لها به روحها التي تقرأ ملامح الواقعية بشئ من الصبر ـ فتستحيل الرؤيا إلى طيفية تتمتم لها مجريات الحدث

أما دلالة {لم تتعرف على خارطة وجهي } فهى دلالة على قمة الغربة ، شعورها بأنها مغتربة عن زمانها ، متعبدة في صومعتها ، ووحدتها ، بالتأكيد تعكس دلالات الحراك لمعنى دالة الأنا

على دالة المضمون ، هنالك تسرب روحي لروح الشاعرة داخل النًص أضافت عليه إيقاعاً نغمياً من الحزن العميق والحديث الشجي الخافت اللحن .

رصد حراك الأنا

الياء في {كينونتي }

الياء في {مني }

الياء في {وجهي ْ }

هنا تظهر لي معادلة توافقية :

كينونتي + مني + وجهي = أنا الشاعرة

هو إذاً شعور بالغربة حقيقي تعيشه الذات الشاعرة نضع أيدينا عليه في بعض دوال النَّص ،

ويقال أن دالة الأسلوب والمضمون تعبر عن تحرك الشاعر الفعلي في منطقة لاشعوره داخل تناصه ليوصلنا بمعانيه إلى أشرعة الشعور خاصته وهذا ما حصل هنا

بالضبط

دوال الأفعال

المضارع :

تفرُّ / ترسم = هنا نقرأ تعليل فعلية الفرار للرسم أي تفر لترسم

/تنقص / أعتكف = تعني ضدية الحاجة لممارسة فعلية الاعتكاف ، فهى بالفعل تنقصه عللت بالنكرة على الليل ، ومنه انطلقت لمرحلة الغموض و الإبهام بدون رادع لها

/ يتمتم /لم تتعرف “:هنا ترصد بأنها غريبة هذا الزمن الذي يتمتم لها بما تراه هى بروحها لكنها برغم كل ما تراه لازالت تمارس النأي بعيداً في غربة زمن لاتتعرف ملامحه على وجهها .

ربما هنا الذات الشاعرة توصلنا لفكرة وهى أنها تتعبد الليل وتقيم في صومعة السكون نتيجة لما يحصل هنا من حراك شرحناه عن انتقائها لمفردات هذا الجزء ، هنالك نكوص تبريري

منها يبرر لجوء الشاعرة إلى التصوف والاستلقاء بروح الأنا المعتزلة ، بعيداً عن رصد حراك البشر لها .

حلمي يصلبني مسيحا على شرفات

عَلَّنِي أعرُجُ إلى سماء توحي لي

برؤى كتبت بلغة جديدة

تتساقط حروفها على ورقة صاغها

القدر

ليعتري أسطرها صهيل يهزم الصمت

فتسكب تمتمة البوح على أفق الزمن

المتبعثر

إذا تذكرنا عملية {الصلب} فإننا نتذكر فوراً قصة المسيح عليه السلام ، ونتذكر أنه هنالك إسقاطات على فعلية الصلب له ، فبغضِّ النَّظر عن كونه {شُبه لهم } ولكن فعلية الصلب وقعت

كونه تعرض لهذا الفعل من الغدر ومحاولة الإقصاء له والنأي به بعيداً ، ونتذكر معاناته عليه السلام مما دُبِّر له…..

هل يمكن لمتعبد في ليل الحكمة وملكوت الصمت أن يشعر بهذا التدفق العقلي من الأفكار التي تتوارده وتكتنف وجع روحه ، فيغترب لمزيد من النأي ، في ذاته التأملية ؟

هنا تمارس الشاعرة هذا الإسقاط الميكانيزماتي لتأتي على دوال كثيرة تحرك وفقها المضمون على دالة العنوان ، ليعكس لنا أسلوب الشاعرة وطريقتها :

حلمي صلبني مسيحاً على شرفاتِ …..

تُسقط هنا دالة العنوان ببساطة {صومعة الليل } على دالة المضمون ، فتحيلها لتعليل واضح يبرر حالة النأي ، ألا وهى واقعية الواقع ومعاناة الذات الشاعرة من الظلم الآني لها .

فأحياناً النائين بأفكارهم والبعيدون عن الذوات هم أشخاص تصوفوا العزلة نتيجة الظلم {المعرفي } لهم وبهم ، هنالك قد لاترقى الأفهام والعقول لمستوى تفكيرهم ، وحبهم وتعبدهم

وتوحدهم ، فأغلب الظن أن هذه الصفات لاتنتج إلاَّ التكامل الإنساني لدى هؤلاء الأشخاص ،

عَلَّنِي أعرُجُ إلى سماء توحي لي

برؤى كتبت بلغة جديدة

تتساقط حروفها على ورقة صاغها

القدر

تتسبب هنا في إنزياح كبير في دالة المضمون ، وتتقمص بمهارة قصة صلب المسيح ـ حين رفعه الله ، بقولها { علني أعرج } والعروج هنا روحي ـ نابع من التعري والصلب تجاه الهواء

المفتوح على الشرفات ، والعروج لاتدخله إلا الأرواح المتسامية بالفضيلة ـ فلا يمكن للأرواح الفاجرة أن تعرج ،

استعمال الشاعرة للفعل {توحي } يسير وفق معادلة تلقائية ، فالعروج يأتي بعده فعل الوحي والرؤيا بما يحصل ، وهذا نابع من التسامي ، والتسامي نابع من قمة التصوف ، لأن

التصوف يحمل في معناه العروج إلى المقامات بالدرجات .

وتحصر هنا النتيجة الحتمية لهذا العروج فهو ينتج عن وحي ، وهذا الوحي جين يأتي تتساقط حروفه على ورقة صاغها القدر

كأنها هنا تقنع وتستكين وتهدأ للنتيجة ، الطبيعية للذات الشاعرة داخلها / فالرضا بالقدر وبما نبع عنه هذا الاغتراب هو نتيجة طبيعية يرصدها حراك الشاعرة بأي حال من الأحوال

وبرغم كل ما ذكرته هنالك .

ليعتري أسطرها صهيل يهزم الصمت….

هنا تعليلية واضحة لما بعد ما سيحدث ، والصهيل صوت عالٍ يخترق الصمت و أحجية السكون .

وهنا كذلك تنهي كل هذا الحراك بقناعة ويقينية خاصة :

فتسكب تمتمة البوح على أفق الزمن

المتبعثر

و إذ انسكبت تمتمة البوح ، فقد ترجمت كل معاناة الشاعرة ، على وجه الزمن الذي هى فيه والذي لاتراه إلا متبعثرا

ونلاحظ هنا أنَّ الشاعرة أعادتنا لأول النَّص حيث تركت مد التأويل مفتوحاً ، فضفاضاً ، لأن كلمة متبعثر أعطت دلالات كثيرة المعنى فهى تعنى أنها ستعود لهذه الصومعة من جديد

وتتعبد فيها وتتحدث أشياء الزمن و الأحلام وتلملم ما ضاع منها وترسم خطوطها ..وتقوم بكل ما قامت به من أفعال في النَّص ، وهذا يعطيها صفة {التلازمية } و{الاستمرارية }

لأن التعبد ليس حالة آنية ـ والتصوف ليس حالة عشوائية ، والشعور بالاغتراب ليس حالة طارئة تطرأ لمجرد كتابة نصِّ ثم تذهب لحالها .

كينونة الشاعرة تتفحص أشياءها بعمق يسرد وجع الحالة الوجدانية خاصتها ، أشعرها متفردة حتى في طباعها عن باقي المحسوسات التي تعيش بالقرب منها من ذوات شاعرة أخرى

الدوال هنا

حراك الأنا :

الياء في {حلمي }

الياء في {يصلبني }

الياء في {علني }

الياء في {لي }

= الأنا

حراك الذات الأخرى وهى كما نراها هنا :

توحي {هى }

تتساقط {هى }

حروفها {هى }

أسطرها {هى }

تسكب {هى } ….

=الشاعرة

كل هذا مقابل :

يعتري {هو }

= القدر

دالة الأفعال هنا :

يصلبني = الشعور بعدم التأقلم أو التكيف مع مرارة الواقعية هنا

أعرج = يعكس مدى الرغبة في تحقيق أشياء و أحلام كثيرة

تتساقط = يعكس الترجمة الآنية لفعل التمنى والترجي {علني }

ليعترى يعكس التبريرية للحاجة للتحقيق لكثير من الأحلام

فتنسكب = تعكس النتيجة التي تخفي في باطنها معادلة الملل من نفس الروتين والطريقة واللا تغير خاصة بعدها تأتي بكلمة المتبعثر

وكما ذكرت هنا تعود بنا لأول النَّص لنعود لنفس قصتها أو سيرتها الأولى ، مساءات طويلة طويلة ……………

في هذا النَّص وضعنا أيدينا على التَّصوف كظاهرة تتوشح نصوص الشاعرة أسماء صقر القاسمي …

……………………………………………………………..

النَّص الرابع للشاعرة أسماء صقر القاسمي :

ضجيجُ السكون :

في هيكل أسراري الممسوس

بشهقة المواسم

ثرثرات مبتلة بمواويل الشجن

يستبيح ضجيجها سكون الإصفاء

لهديل السهد

عمر غارق في اللاوعي المطلق

تتحشرج تأوهاته في ارتباك الأنا

يقرأ في مرآة العيون الباكية تفاصيل

يوم منعدم !!

أرنو قليلا لليل المتشح بديجوره

متكئاً على جدار مرارة الأيام

يقطف أضواء نجوم ضلت طريقها

في هلامية المتاهات

يرتشف قلبه الجريح بقايا حلمي المسلوب

القابع في أقاصي

الأمس / اليوم /الغد !!

ذات شجن

سكنت لغتي ورحلت للمجهول

أقتفي أثر حدسي

متأبطة منفي روحي

أحاول الإحتماء بنفسي

و رصد الحكايا المتعنكبة على

رئة الوقت !!

قرأتُ في صحائف الأفق أن

كل الدروب تقود إلى تخوم الخيبات

الهاربة

من كف السراب المخمور

وأن تباريح القيثار

أشعلت رأس الأحلام شيبا

وأن الريح لم تعد تمتطي

الأشرعة السوداء

وأن مدن الملح

ذابت على شواطئ الشمس

وأن المطر

لم يعد يمارس طقوسه تحت

ظل الغمام !!!

في هذا التناص نقفُ وسط ضجيج السكون ، لنستمع إلى الضَجة التي تصدرها طبيعة الكون ، بصوت الكونية الأم ،

فهنا نشاهد مستعرضاً طبيعياً لدفقٍ متتالٍ لكل طبيعي في أنثيال

يصبُّ بتدفقٍ منهمر لصور كونية جميلة سمعتها الأنا {الشاعرة} بسمعها وانصتت لها بإصغاء شديد .

والحقيقة أننا إذ قرأنا أكثر من مرة في أشعار أسماء القاسمي نجد أنَّ هنالك إصغاء ذاتي ، لأشياء نصوصها ، فعلاوةً على أنها تتحدثها ، وتتكلم على لسانها فكرتها ، فهى كذلك تسمعُ

أنين هذه الأشياء ، أو إيحاءات مكنونها السيكولوجي ، فتأتيك بوصف {تلازمي } نابع من بنيوية الصورة و إطار لوحتها ، كي تتكون اللوحة لدى القارئ أو الذات المتلقية بكل تشكلاتها ، ما يعكس

لدينها فكرة عن روح محبة للفن والشكل والتركيب ، وتعشق التدقيق في مدى مواءمة صيرورة الأشياء لها ، من عدمها .

أحسبُ أن الذات الشاعرة حين تكتب حالاتها فإنها تتشكل في هيئة عراجين مختلفة الطور الكتابي بسرعة زمنية مدهشة ، فنحن حين نكتب تختلف أطوار الكتابة بين فينات منفصلة المزاجية تبعاً للحالة الطقسية للأنا الشاعرة ، ولذات الخطاب ، ولأشياء الزمكانية ، هذا يظلُّ محصوراً ضمن زمنية نمرُّ بها ، ثم تتغير هذه الطورية الزمنية مع تقدُّم حالات الكتابة فتدخل طوراً آخر بسبب تزايد عامل الخبرة ، وتغيُّر أطوار الزمكانية وكورزمونات الشخصية ذاتها ، إذا أنَّ الخبرة ، الاطلاع ـ الإغراق في ثقافة الذات مع محيطها الخارجي كلها عوامل تشدُّ من أزر التواصل

مع الحراك الخارجي والذي بدوره يزيد من زخم الحراك الشعري للشاعر ، فنحن متفقون أنَّ الشاعر تلازمه أطواراه اليومية بشكلٍ ما ، بحيث تطفو معالم شعره فوق السطح لتوضح وتخبر

لنا عن شخصيته الشعرية إن لم نقل حتى معالم شخصيته الحقيقية .

فالكتابة معاناة تتجسَّد ، تتحرى ، تنبش ، وتنكش ، وتبحث ، وترصد وتكتب ، هذه الكتابة مهما كان نوعها هى كتابة {استقصائية } تترجم أحاديث الأشياء للأنا الشاعرة ، فتقوم بالتالي بنقلها لنا بطريقتها التي تراها بها ، و أياً كانت الطريقة فهى ترجمة {حسية } للذات الشاعرة و خلفية لها ، ورؤيا تصويرية لمدى المقدرة على امتلاك أدوات الكتابة من عدمها .

كما أنَّ الاستقصائية الذاتية لحراك الأنا ، هى مرآة عاكسة لمكنون اللاوعي الذي تعيشه نحو داخلها خارجها ، تلتقطه بحسب خبرتها ، قد يكون ثمرة لصورة شعرية ناضجة ، أو غير ناضجة

فهذا يعود لمدى الزخم الثقافي للذات الشاعرة .

نحن في كنهجنا لتشريح هذا النَّص سنقوم بتشريح آخر من نوع مبتكر ، فنحن هنا رصدنا أكثر من خطً منحنٍ لشعر أسماء القاسمي ، وتحرينا الذات الشاعرة ، ومارسنا عليها الاستقصاء

والتحليل حتى دخلنا في صيرورة المكنون الطبيعي لكينونتها ، ونقدياً قمنا بتشريحِ لأكثر من نصِ وفق رصدنا للحراك النقدي لحركة النقد ، لكننا كذلك تدخلنا بمشرطنا الخاص ، فلكل ناقدِ

مشرطه ، هنا سنقوم بعملية عكسية في تشريح النَّص ، وهذا لأننا مررنا بهذا البناء النَّصي في قصيدتها {نبوءة الريح } وقسمناه لمناطق متنامية تنتهي بدهشات وشرحنا هذه الدهشات

المثيرة لمناطق الوهج في النَّص تصاعدياً حتى بلغنا مع الشاعرة ذروة الكلمات التصاعدية المثيرة لمناطق الدهشة .

هنا في هذا النَّص سنقوم بالعكس ، حيث أنَّه من النوع المقطعي المتنامي ، قامت الشاعرة بكتابته متراكماً فوق بعضه ، كعادة أي شاعر يكتب الكتابة ساعتها / لحظتها / لتسقط في

رحم الورقة كيفما كانت ، والحقيقة أن تلقائية المشهد الشعري واللحظة الكتابية هما اللذان يحددان انسيابية الكتلة ويجعلانها تسير وفق ما أرادها الشاعر ، و هذا أعتبرهُ من أهم ميكانيزمات النَّص التي تضعه في مرتبة التَّناص الصالح للقراءة / للفهم / للتعاطي / للتفاعل معه .

إذا نظرنا للنَّص وقمنا بتقسيمه وفق معايير التنامي المقطعي فإنه سيكون بهذه الطريقة :

التقسيم المقطعي للنَّص …..بحسب مناطق الوهج والإدهاش .

في هيكل أسراري الممسوس

بشهقة المواسم

ثرثرات مبتلة بمواويل الشجن

يستبيح ضجيجها سكون الإصفاء

لهديل السهد

عمر غارق في اللاوعي المطلق

تتحشرج تأوهاته في ارتباك الأنا

يقرأ في مرآة العيون الباكية تفاصيل

يوم منعدم !!

أرنو قليلا لليل المتشح بديجوره

متكئاً على جدار مرارة الأيام

يقطف أضواء نجوم ضلت طريقها

في هلامية المتاهات

يرتشف قلبه الجريح بقايا حلمي المسلوب

القابع في أقاصي

الأمس / اليوم /الغد !!

ذات شجن

سكنت لغتي ورحلت للمجهول

أقتفي أثر حدسي

متأبطة منفي روحي

أحاول الإحتماء بنفسي

و رصد الحكايا المتعنكبة على

رئة الوقت !!

قرأتُ في صحائف الأفق أن

كل الدروب تقود إلى تخوم الخيبات

الهاربة

من كف السراب المخمور

وأن تباريح القيثار

أشعلت رأس الأحلام شيبا

وأن الريح لم تعد تمتطي

الأشرعة السوداء

وأن مدن الملح

ذابت على شواطئ الشمس

وأن المطر

لم يعد يمارس طقوسه تحت

ظل الغمام !!!

يقولُ الدكتور زياد محبَّك في تقسيم أنواع البنائية في قصيدة النثر ، أنَّ البناء المقطعي المتنامي :

{القصيدة مؤلفة من مجموعة مقاطع أو قصائد نثر قصيدة أو ومضات متراكمة، تنتظمها وحدة الرؤية أو الموقف أو الحالة أو الشعور} {زياد محبك / قصدية النثر }

فنحن أمام ومضات متراكبة ، تجمعها وحدة المضمون ، والفكرة ، والعنوان ، ولكنها تسير وفق إحداثيات مدهشة للذات ، تتحرك بناء على تنقلاتها بين أشياء العنوان / النَّص ثم تتصور لنا

مشهداً منها وتهب لمشهد آخر في ذات المعنى فتتصوره ، وهنا في هذا النًص لدينا أربعة مشاهد واضحة المعالم والرؤيا ، تتقصى فيها الذات الشاعرة مكنون أشياء الزمنكانية فيها

وعنونة الأشياء التي يحلها المكان ثم تترجمها وفق حراك الأنا / الآخر / بدوالٍ المعنى والأسلوب واللغة والعنوان والمضمون وهذه كلها دوالِ يعتمدُ عليها أي نصٍ شعري ، لكني أنظر كذلك في دالة المشخصاتية التي أعتبرها أهم دالة ، وفق حراك التناص الذي يقول بأن التَّناص = النص + القارئ+ الشاعر

وكذلك دالة العامل الخارجي وتأثيره على داخلية البنية النَّصية من حيث انعكاسه داخل النَّص ، أي انَّ كل نصِ هو ناتج حراك خارجي للذات الشاعرة ، وداخلية كل نصِ تخبر ما كان من يوميات الشاعر التي عاشها وعبَّر عنها

تنازلياً أرى أننا يجب نقرأ الدهشات ، فإذا لم نصل إلى مكنونها فهذا يعني أننا لسنا أمام دهشة ، كما أنَّ الدهشة فعلُ يحصل ، تسأل عنه حين يحدث ، وهنا الفكرة

فأنت حين تتحدث في حديثك العادي قد لاتتوقع إنتاج دهشة ، أو مردودها على مُحدثك ـ لكنك حين تراها ترتسم على ملامحه تضع يدك عليها ، وتفكر في دالتها ومضمونها بحيث تعود

لحديثك لترى المدهش فيه ، وهكذا يفعل محدثك .

إذاً علاقة القارئ والشاعر هى علاقة تبادلية بين المتحدث / المُنصت أو المستمع ،لنر الجزء الأول من النَّص:

في هيكل أسراري الممسوس

بشهقة المواسم

ثرثرات مبتلة بمواويل الشجن

يستبيح ضجيجها سكون الإصفاء

لهديل السهد

عمر غارق في اللاوعي المطلق

تتحشرج تأوهاته في ارتباك الأنا

يقرأ في مرآة العيون الباكية تفاصيل

يوم منعدم !!

نبدأ تنازلياً من الدهشة هنا :

يوم منعدم !!

يقرأ في مرآة العيون الباكية تفاصيل

تتحشرج تأوهاته في ارتباك الأنا

عمرٌ غارقٌ في اللاوعي المطلق

لهديل السهد

يستبيح ضجيجها سكون الإصفاء

ثرثرات مبتلة بمواويل الشجن

بشهقة المواسم

في هيكل أسراري الممسوس !

إذاً هى دهشة بامتياز ، لأنها عادت بنا لتسلسل منطقي للحدث من أوله ، فعكسنا حراكها بالتدريج حتى عدنا لأول {سبكية } الحدث ،ـ وليس بالضرورة أن تعود بنا الدهشة لتسلسل منطقي جدا وبامتياز ، لكنها تظهر بأي حالِ من الأحوال ،بأنها ضمن بناء متنامٍ تصاعدي ، وهذا يُثَّبت على نوع البناء ، ثم يقوم بإظهار ظاهرة النمو {المتنامي } داخل النَّص حتى نستفيد

من هذه التجربة كونها ظاهرة غزلية تصاعدية في سلسلة النَّص ، فهى {غرزة } بإبرة {تحيك } قطعة صوفية تريدها بمكنون عنوانها لتعبر عنه بدقة رسمها وهندستها .

الدوال الدَّالة هنا :

الأفعال “

المضارع / يقرأ …ويعكس استقصاء الفكرة ومضمون البحث وهذا يعطي الأداة الدَّالة = اللغة والأسلوب .

تتحشرج / يعكس طريقة التَّناول هنا للفكرة المتنامية التي بيننا ن والتي ترجمتها الشاعرة بطول التأمل لتعطي علامة = حراك الأنا وهذه أهم دالة في النَّص كما أسلفتُ آنفاً {المشخصاتية }

يستبيحُ / يعكس هذا الفعل قدرة الشاعرة {الأنا / المشخصاتية } على سلب المحتوى من الإناء الذي ينضح فيه = سبر أغوار مشهدية الصورة .

الأسماء :وقد لاحظنا أن جموع التكسير هنا لها حظوة كبيرة

سنقوم بالتركيز على الجموع هنا كدالة يمكننا أن نستقصي فيها ، وعنها ، وعليها ، وهذا بسبب زخم الجمع هنا إذْ لايمكن تجاهله :

العيون / تفاصيل /تأوهات /ضجيج /ثرثرات / مواويل /المواسم /أسراري .

نلاحظ أنها كلها جموع تكسير ، ولعل جمع التكسير هو أقرب أنواع الجمع كدالة نتقصى بها عن البيئة ، فأغلب أسماء البيئة الطبيعية حولنا هى لجمع التكسير ، وحتى جمادات هذه البيئة

على الغالب تقع ضمن جموع التكسير ، كما أنَّ هنالك سقوط عميق الانعكاس في سريالية النَّص من خلال دلالات الجمع هنا ، نلاحظ العيون كمدلول {حسي ، لفظي } يؤدي غرض البحث

والتحليل و{الالتقاط } فأي ترجمة تأتي لوضعية الكتابة تكون بواسطة هذه الحاسة ، ثم تفاصيل لسبر الأغوار ،تواجهها تأوهات ، قد تشهد ضجيجاً ثرثرات / مواويل / مواسم .

هذا كله بحراك الأنا يصبُّ في هكيل أسرارها الممسوس بفعلية وزمكانية هذه الأشياء .

حراك الأنا داخل هذا الجزء :

الياء في أسراري

اللاوعي = الأنا

ارتباك الأنا

وهنا الأنا تخرج كلها ظاهرياً في نص أسماء القاسمي ، فهى بقصائد أخرى تتلفع بردتها ، وتجول النَّص متلفعة بردة التَّصوف ، أو الاستكشاف ،أو الإخبار بالتقريرية ، لكنها هنا تخرج مباشرة

عارية من لحاف داخليتها ، لتذهب خارجاً داخل تناصها وتتحرك بوضوح كالشمس داخل أشياء التناص .وهذه مفارقة في نصوصها .

كل هذه المساحة يجمعها هيكل أسرار الشاعرة الممسوس ، وكأنها تضفي عليه فكرة المسَ ، فالمس طائفٌ يطوف الإنسان ومن ثم يغير عليه الأحوال ، وهكذا هى تراها صورة معكوسة

في هيكل أسرارها الممسوس ، فهنا تظهر لنا الكتابة كأنها طائف لطقس المس الإبداعي والهوس الكتابي .

الجزء الثاني من النَّص :

أرنو قليلا لليل المتشح بديجوره

متكئاً على جدار مرارة الأيام

يقطف أضواء نجوم ضلت طريقها

في هلامية المتاهات

يرتشف قلبه الجريح بقايا حلمي المسلوب

القابع في أقاصي

الأمس / اليوم /الغد !!

نشرحَّه تنازلياً لنتتبع مسار الدهشة من منبعها وكيف وصلت لهذه النقطة :

الأمس / اليوم / الغد

قابع في بأقاصي بقايا حلمي المسلوب

يرتشف قلبه في هلامية المتاهات

يقطف أضواء نجوم ضلت طريقها

أرنو قليلاً لليل المتشح بديجوره

متكأ على جدار مرارة الأيام

هكذا رتبناها للتوافق مع حراك اللغة في دالة المضمون ، فجاءت مرتبة منطقياً لما تريد الشاعر إدهاشنا به أو الدخول به لمنطقة الوهج ،تستحضرُ هنا الزمكانية كلها ، فاليوم / أمس / غدا

كلها ظروف زمان ، لكنها تحددها بمكانية {اللاوعي } فتدخل في سبر أغوار الذات هنا ، تستشعرها متاهات ، تتحرك بدافع التبريرية لخروج الأنا من داخلها إلى داخل النَّص ، وهنا تراها غير ملتحفة كما تركتها بالجزء الأول فلا زالت تعتاد وتصطاد طعم المرارة مستضيئة بالنور الذاتي ، متعللة بأنها تشارك الليل أحزانه لكنها تتغلب عليه فيها ، فتحدث حالة التعاكس هنا ، وتسرد لنا

سرها الخاص بأنه لديها حلمها {المسلوب } ولكنه يقبع في أقاصٍ بعيدة الماضي والحاضر والمستقبل ، وهنا تطرح لنا مخاض الأنا الذي تتمرره وتعيشه ، فهو مخاض عاش فيها وحلم سُلب

منها لم يتحقق …من الممكن أن يكون فعلياً موجوداً لكنها تختار لفظة ذكية بقولها {قابعاً } في {أقاصي } فهنالك احتمالية لحدوث فعلية كبيرة هنا .

هنا تقع منطقة البدء في الصعود للذروة حيث يتنامي الحدث بقوة بداية من هذه السبكية المتنامية المقطعية ، نلاحظ أن الأفعال بهذا الجزء اعتمدت على :

دلالة المضارع :

أرنو: فعل مضارع يحمل مضموناً كبير المعنى ، فهو يعكس روح الأمل بقلب الأنا الشاعرة .

يقطف : فعل مضارع دلالته البنيوية اللغوية تدلل على وجود زخم وزاد لرحلة الحلم ، ولعل الشاعرة وُفقتْ في اختيارها أضواء النجوم للدلالة على الأحلام الكبيرة جداً

يرتشف فعل مضارع يرى حراك الأنا ممزوج بالحسرة لأنها تدلل على لفظة الحسرة بقولها {بقايا حلمي } وهذا يعكس {خيبة الأمل }

هذا الجزء يحمل آمالاً و أحلاماً كبيرة بررتها الشاعرة في ميكانيزمات الدفاع عن روحها أي عن حراك الأنا فهى ميكانيزمات تحمل حيل دفاعية كالحيل الخداعية التي تمثل الإسقاط والتبرير

والحيل الهروبية التي تترجم الأحلام والطيران لأعالى الخيال أو الخيبة والنكوص .

دلالات الأسماء / الجمع مرة أخرى يحضرنا هنا :

النجوم / الأضواء / الأقاصي / المتاهات/ الأيام..ونلاحظ كما المرة الأولى أنها امتداد لقاموس البيئة الطبيعية ، كما أنها تعكس حراك الأنا المتحررة في حريتها ، فهى تتناولها

في تناصها دون قيد أو شرط .

ولا يفوتني أنها لازالت تمارس تصوفها للآن في نصوصها ، فكل ألفاظها ممتدة من طبيعة خلق الخالق ، ولا تسرد في نصوصها أشياء الإنسان وصناعاته أو إبداعاته ، ما يعني أنها تحيا بيئة

التَّوصيف و أشيائها .

دلالة الأنا في هذا الجزء :

نلاحظ في هذا الجزء أنها تحركت وفق مثلث طبيعي

الانا في ياء المتكلم {حلمي }

الهاء دلالة ال{هو } في {قلبه}{ديجوره }

التاء دلالة ال{هى } في {ضلت }{طريقها }

وهذه المنطقة كما أسلفتُ الذكر تحمل الأحلام والطريق والذات ومشقاتها ، وهى مآة عاكسة جداً للوجدان و{المشخصاتية } الحقيقية .

الجزء الثالث من النَّص :

ذات شجن

سكنت لغتي ورحلت للمجهول

أقتفي أثر حدسي

متأبطة منفي روحي

أحاول الاحتماء بنفسي

و رصد الحكايا المتعنكبة على

رئة الوقت !!

نلاحظ استمرار الذات الشاعرة في إحداث الدهشات وهى تتصفح أشياء الضجيج في حلة السكون ، وهذه الأشياء بعد الانتهاء من النَص سنقوم باستعراضها في متصفح الطبيعة الذي

كعادته لايتغير لدى أسماء القاسمي فكل قصائدها مسترسلة من طبيعة الكون الوجودي إلى طبيعة الكون السماوي ، وهذه أشياء المتصوفين عادة ….

لنعكس المضمون تنازلياً حتى نصل لبؤرة الدهشة ونرتب هذا من تحت الدهشة فصاعداً

أحاولُ الاحتماء بنفسي

ورصد الحكايا المتعنكبة على رئة الوقت

متأبطة منفى روحي …

أقتفي أثر حدسي

سكنت لغتي ورحلت للمجهول

ذات شجن !!!

حسناً لقد وضعنا يدنا على الوهج ذات شجن وعلى الدهشة رئة الوقت .

وهذا الأسلوب ابتكرته شخصياً لتتبع طريق الدهشة في مضمون النَّص ، كما أنني أتعرف أكثر على أشياء العين النقدية ، بمعنى هل هو فعلاً نصٌ متنامٍ داخلياً وخارجياً !!

نعم هذا النَّص كذلك ـ إنه يتنامي داخلاً وخارجاً ، والجميل أن الشاعرة تحيكه بإبرة من ذهب أناملها ، قطعة تقلبها على كل الوجوه تعطيك ذات الدلالات والألفاظ والمعاني ، نحن للان تنازلياً

قرأنا النَّص ، ثم اننا نحاول بأسلوبنا الخروج عن المألوف النقدي ، لأنَّ النقد إبداع ، حرفنة القراءة المنصتة جيداً للحرف ـ، وليس التنظير بأدوات يراها غيرك ولاتفهمها أنت ، يجب أن نقرأ المقطوعات جيداً وننصتُ للموسيقى جيداً فيها ، فهذه سيفونات شعرية لها لونها الخاص بشاعرها .

هنا الشاعرة تعود لميكانيزمات الدفاع عن نفسها ، هنالك الآن ميكانيزمية الحيل الاستبدادية ، وهذه تعني الاحتماء بالذات / أو التوحد /أو الرضا بالتقوقع فيها أو داخلها .

فهى تبحث عن أمان لها ، وتحتمي بتقوقعها لكنها بذات الوقت تمارس حراكها بحذر متأبطة {منفى روحي } وهنا قمة التوحد للأنا ، وقمة التَّصوف كذلك فالذات المتوحدة متصوفة جداً

على الأغلب ، تقتفي أثر حدسها ، إذا أنها تدرك أنه لاخيانة لحدسها عليها ، كونها متأبطة روح وحدتها ، لذا لن يحدث انفلات للأنا خارجها ـ لكنها لاتترك روح الاستكشاف ، باللغة ، بالروح ،

بالأنا ..لديها الكثير هنا متعللة بالخروج منها مع قيد الشرط {خروج مشروط } بسبب حالة شجن سكنتها .,

هنا تنعكس بيئة الشاعرة ، وحراكها في حياتها ، ما يعني أن تتحرك وفق معايير تحددها شخصية الأنا داخلها ….التنامي هنا في هذا الجزء يوصلنا لقمة الذروة وقد اقتربنا من نهاية النَّص

فتحنا باب التأويل كثيرا هنا على مصراعيه كون الشاعرة ألزمتنا الذهاب معها فهذا الجزء مفتوح جداً ،وحراك الشاعرة فيه قوي ، وما راق لي فيه أن التنامي الداخلي حتى حين شرحناه صاعداً هبط بسريالية عميقة اللغة و أعطى نفس الدوال الضمنية بجمالياتها كلها دون أن نفقد أي مكوَّن داخل التَّناص هنا .

الدوال هنا :

للمضارع والماضي ،

أحاول / فعل مضارع يدل على حراك الأنا ووجود الأمل ورؤية مأمول لديها ، فلو لم يكن هنالك هدف لما كان هنالك محاولة..وهذا انعكاس للحاجة × الغاية

أقتفي / فعل مضارع يدل على تتبع حدس الروح في محاولة لعدم الوقوع في المغالطة وهنا تتحرك ميكانيزمات الدفاع فهذه ميكانيزمية للاستبدال والحراك نحو الآخر وتعكس حال من التوحد لديها .

ثم الحراك للماضي وهنا لأول مرة نرصد للماضي حراكاً بالنَّص :

سكنت / رحلت …هنالك مغادرة ، ما يعني انعكاس لروح العناد والإصرار لدى الشاعرة ومحبة البحث والرصد للآخر .

دلالة الأسماء :

الحكايا ..رصد لوجود الجمع بهذه المنطقة .

لدينا هنا دلالات جديدة تشمل رئة الوقت / المتعكنبة / وهى دلالات تدل على شدة التوغل في المتاهات والغموض ووجود عوائق قد تصادف طريق الأنا ، وبرغم أنها قد تكون واهنة ولكن

بأي حال هى تعكس خوف الأنا من الوقوع في شرك الاصطياد ، فالتوحد لابد من تأبطه هنا لأنه منفاها الوحيد .

رصد حراك الأنا هنا :

التاء في {سكنتُ }{رحلتُ } تاء الفاعل

المتكلم الأنا ضمير في {أقتفي}{أحاولُ }

وهنا أرى حراك الأنا يلتحف بجبة التصوف بوضوح لأننا هذه المرة وفي هذا النَّص نضع أيدينا على حراك تصوفي توحدي ، متعبد في ملكوت الأنا والمنفى .

الجزء الرابع في النَّص :

قرأتُ في صحائف الأفق أن

كل الدروب تقود إلى تخوم الخيبات

الهاربة !!

من كف السراب المخمور

وأن تباريح القيثار

أشعلت رأس الأحلام شيبا

وأن الريح لم تعد تمتطي

الأشرعة السوداء

وأن مدن الملح

ذابت على شواطئ الشمس

وأن المطر

لم يعد يمارس طقوسه تحت

ظل الغمام !!!

يبدو أنَّ الشاعرة تصل هنا لنتائج تقريرية ، خبرية عن كل ما صدر من حراك داخل التَّناص ، فهى تؤكد حقائق في هذا الجزء بطبيعة أنها وصلت للذروة وغامرت متأبطة أناها بقيد مشروط

مقتفية حدسها ، ترصد كل مشاهد الصورة ، ترتب الإطار للوحة النَّص ، تتحرك بأناها خارجها ، تتركها تتحرر وفق رؤيتها الخاصة

لنبدأ في إحداثيات التنازلية لنعرف مدى القدرة على حياكة دهشة تصاعدية ومدى التنامي الداخلي الذي نحصره هنا :

المطر لم يعد يمارس طقوسه تحت ظل الغمام

مدن الملح ذابت على شواطئ الشمس

الريح لم تعد تمتطي الأشرعة السوداء

تباريح القيثار أشعلت الرأس شيباً

من كفِّ السراب المخمور

قرأتُ في صحائف الأفق أن

كل الدروب تقود إلى تخوم الخيبات

الهاربة !!

حذفنا أن لتستقيم الدهشة في دلالا لتها ، والحروف زوائد المعنى .

نلاحظ أنا أما صفِّ دهشات = استكشافات = أخبار تقريرية = نتائج حاسمة .

كلها بدأتْ بجمل توكيدية بأنَّ ، ثم أنها أرادت إزالة منطقة الغيوم ، والسكون ، لتحدث الضجيج المكشوف بحراك الأنا ـ المتوحدة فيها

وهذا الجزء هو ذروة النَّص ، الذي أثبت لها أنَّ البناء محكم متنامي مقطعي وفق أربعة أجزء تتراكم فوق بعضها متسببة في إنزياحات ووهجات ومناطق ثالثة خرجت بنا ن النَّص ـ لكنَّ الشاعرة هنا على غير عهدي بقفلات نصوصها لم تخرج بنا لخارج النَّص ، بل بحراك الأنا جلست معنا وقالت لنا لاتذهبوا خارجاً و أنا هنا فإليكم هذا الصبِّ المتتالي من الدهشات ،

لاحظتُ هنا انَّ هنالك فكر يعمل في هذا الجزء ، فهنالك اشتغال فكري تأملي باحث وكاشف وراصد ومُخبر ،

جمل تحمل في مجملها فلسفة الحلم والواقعية لنراها هنا :

المطر {حقيقة } الغمام {حلم }

الشمس {حقيقة } مدن الملح {حلم }

شيبا {حقيقة } تباريح القيثار {حلم }

كف السراب {حلم }

كل الدروب {حقيقة } الخيبة {حقيقة }

الدوال هنا للحراك الكلي

دالة الأفعال :

الماضي لأنه جاء بتقريرية و إخبار

قرأتُ …ليعكس نتيجة حراك الشاعرة من أول التناص لآخره

أشعلت ..ليعكس طول الأمل ومشقة الانتظار.

ذابت …ليعكس خيبة الأمل والركون للواقعية .

تقود ..فعل مضارع يدل على حقيقة سبقتها بكلمة كل …وهى انعكاس لقناعات داخلية في ذات الشاعرة وفيها فلسفة فكرية جميلة ….

يمارس / تمتطي / نلاحظ التوافقية هنا بين الفعلين فالممارسة امتطاء لروح الاستكشاف .

نلاحظ النفي في لم تعد /لم يعد / وهى أفعال مضارعة تعكس حقيقة الاستكشاف والاقتناع والتقريرية بعدم الجدوى .

دالة الأسماء :

لازلنا في منطقة الجمع هنا ،

طقوس / غمام / مدن / صحائف / خيبات / تخوم /تباريح / الأحلام / الأشرعة / شواطئ

كلها دوال طبيعية تنعكس على مضمون الفكرة ـ فصنعت لغة استمرت في ممارسة السريالية داخل التناص ، فكانت تصعدنا جملة وتهبطنا قاعاً في النَّص

كما أننا عرفنا الكثير هنا عن روح الشاعرة وقمة توحدها وتعلقها بالطبيعة وحبها لحرية الروح ، وصمتها الذي يستقرئ السكون فيسمع ضجيجه ويترجمه بحرفية جميلة وماتعة الاحساس

رصد حراك الأنا :

كان الحراك لمناطق ال {هو } {هى } وال{أنا }

يمارس …{هو }

تمتطي / تقود /أشعلت / ذابت / {هى }

قرأتُ {أنا } وهى تقريرية عالية متصدرة لأنها بدأتْ بها هذا الجزء .

حقيقة تشريح هذا النَّص ممتع جداً و قد ألقى ظلالاً كثيفة على روح الشاعرة ، و ألزمنا قراءة الكثير عن محبوباتها من الأشياء الساكنة المتحدثة بلغة الضجيج الروحي الذي قرأته الأنا

داخلها فترجمته بروعة حرف ، ورقي روح ، وجمال نثر ، وبهاء وجدان ـ وحضور فكر ,.

……………………………………………………………….

النَّص الخامس للشاعرة أسماء صقر القاسمي :

عائشة “

تحالف الذكرى

نسيج الوقت في نبضي

أعانقُ وجد أشواقي لأنوار النبوة

هنا تتزمل الأقدار

فتخرج نهدة حيرى

شوقا لأم المؤمنين

شفاء قلبي عائشة

لها من عيوننا

قبلة الأحداق في شفق المنام

لها كل بسمة طائشة

تشفي جراح العمر في كل الأنام

قمر يساهره حبيب الله

شمس ابتسامتك التي تتكلل الآفاق

رونق بهجة الأيام

مولاتي

خذي روحي وضميها إلى أيامك القدسية العليا

فوجهك لي حنان الأم والأملاك في الدنيا

سأحبسُ دمعتي فيك

وأشربُ من بهائك مهجة الأحلام

لأنك أمنا الروحية الإلهام

لك مني سلام الورد في الشرفات

لك مني صلاة تملأ الأوقات

يغار الفرس من معناك سيدتي

مجوسهم وجوه النار

تخاف من ابتسام الماء في الأسماء

لهم كل الدخان الأهوج الاعمى

ولي من قلبك الميمون طعم الثلج في شفتي

سيقتلهم جحيم الحقد في الأيام

تبارك اسمك الزاهي على سمعي

فاسمك ذائب ٌبدمي

ظاهرة التَّصوف في نص عائشة :

حين نقرأُ عائشة نضع أيدينا بقوة على الروح الصوفية في أشعار الشاعرة الكبيرة أسماء صقر القاسمي ، فالتصوف واضح من خلال تمييزنا للبنية الروئوية للنَص ، وتتوزع البنية الرمزية على

الدلالية اللفظية والتصويرية السيميائية للبناء التناصي في قصيدتها عائشة ، حيث جنحتْ الشاعرة إلى اللغة الحركية العميقة لتأتي قاع القصيدة بحركة سريالية تبحث في لب الصوفية

داخل النصوص ، فلم تبتعد بهذا عن النهج الأدونيسي الذي كتب في تشكلات اللغة و إيقاع المعنى فخلق أجواء الصوفية في كثيرٍ من نصوصه .

كما أننا لن نبتعد عن تذكُّر منهج ت. س. إليوت حين تحدث عن أهمية القرب الخطابي الشعري من لغة الحياة اليومية والتي يعيشها الشاعر في طقوسه الخاصة من خلال حراكه الحياتي .

الواقع أننا في هذا النَّص نضع يدنا على مسحة أساسية درجت في شعر الشاعرة أسماء القاسمي ، والتي لابد و أنها متلازمة الميكانيزمات التي لابد منها في أي لغة نصية أو نقدية عند تشريحها .

التَّصوف بنظري إنعكاس لظاهرة الإنعزال الروحي للشاعر ، فهى ظاهرة تُترجم أحاسيس الشاعر لاشعورياً في {سيكولوجية } كلماته التَّناصية ، وليس من اللابد أن تكون لدى كل الشعراء.

فقد قرأتُ نصوصاً كثيرة تكاد تفرغ من محتواها الفكري ـ فتقرأ فيها ما يركز على الظواهر {البهرجية } للكلمة ، والتي تقع ضمن إشكالية الحراك الثقافي للشاعر ، فما كل شاعر مثقف ، وماكل المثقفين بشعراء ، لذا من السليم أن ننصف القراءة حقها في التَّعرف على فسيولوجية الإخراجات للكلمة داخل النَّص والتَّناص النقدي .

وهذا أقفُ عليه وبشدة خاصة بعد تغير المفهوم النقدي لدى الكثيرين ،

إذ أنَّ ترصُّد حالات الكتابة النسائية الواعية غابت عن كثير من النَّقاد ، وخشية تحُّول الأدب النسائي إلى مادة لممارسة النقد على اللاتي يرفعن شعارات الكتابة

الإيروسية في نصوصهن ، أو يرفعن شعارات الظاهرة الثقافية التي ترصدها عدسة الناقد الحقيقي فتقع على مفهوم {العهر الثقافي } فيصبح ألاَّ فرق بين هذه الميكانيزمات ، كون المرأة

الكاتبة / الشاعرة / تكتب على هذه المنهجية الدلالية .

وهنا بشدة أقول يجب أن نفصل بين الكتابة المسؤولة ، واللامبالية ، بين الكتابة التي تعكس الأدب النسائي بقوة الحرف ،ـ و أخلاقيات المبادئ الثقافية النابعة من جوهر ديننا الإسلامي

وبين الإباحية الدلالية في كروزمونات الألفاظ المنتقاة ،ـ لذا أنا أرفض وبشدة إضفاء مسمى الشعر الصوفي على الكتابة التي تمثل هذا الجانب

و أدين بشدة كل من يضيف هذه المسحة الطاهرة الشريفة النابعة من القلوب القريبة من الذكر / المحبة للكلمة البكر الشريفة / على كل من يمارسن الكتابة النسائية الفاضحة التي تنحى منحى الإيروسية القريبة من الشرح المُسهب .

إنَّ التَّصوف بقدر ماهو ظاهرة نسائية / رجالية / شاهدناها في كثير من النصوص لكني أتمنى أن تكون متلازمة حسيَّة فعليه بين النَّص والشاعر ، فلن تنتقل صفة كروزمونات الشاعر

إلا بهذه الطريقة الواضحة ، من خلال تعاطي واضح للألفاظ والمفردات الدلالية والتماس الحالة حقيقة من خلال وضع اليد النقدية ومشاهدة العين على تناص الشاعر في أكثر من حراك نصي وشعري …هنا نرصده فعلاً ، ولايجب أن نطلق هذه الصفة جزافاً على أي شاعر .

هنا نكون قد أنصفنا الكتابة النسائية على وجه الخصوص و ألزمنا الكثيرات بالكتابة الالتزامية ، وهذا إذا أردنا فعلاً أن نؤسس لحراك نقدي يرى القلم النسائي بصورة محايدة لامُجاملة .

الدلالات الكروزمونية {المباشرة }في ظاهرة التَّصوف لدى الشاعرة أسماء صقر القاسمي من خلال لغة التَّناص في نصِ عائشة خصوصاً :

أعانقُ وجد أشواقي لأنوار النبوة

تتزمل الأقدار

شوقا لأم المؤمنين

شفاء قلبي عائشة

لها من عيوننا

قبلة الأحداق في شفق المنام

لها كل بسمة طائشة

تشفي جراح العمر في كل الآنام

قمر يساهره حبيب الله

شمس ابتسامتك التي تتكلل الآفاق

رونق بهجة الأيام

مولاتي

خذي روحي وضميها إلى أيامك القدسية العليا

فوجهك لي حنان الأم والأملاك في الدنيا

سأحبس دمعتي فيك

واشرب من بهائك مهجة الأحلام

لأنك أمنا الروحية الإلهام

لك مني صلاة تملىء الأوقات

ولي من قلبك الميمون طعم الثلج في شفتي

تبارك اسمك الزاهي على سمعي

فإسمك ذائب بدمي

كأن الكون صار معي

نحن إذاً نضع أيدينا على أكثر من 90% من مساحة التَّناص رصدنا فيها حراك الأنا الشاعرة وهى تتصوف العشق بطريقة رابعة العدوية …غير أنه تصوف في روح امرأة معروفة بالطهر

بالعفة / الخلق / برفعة النسب / بتبرئة القرآن الكريم لها لفظاً صريحاً في آية حديث الإفك .

2/ الرصد الزمكاني للحراك التَّناصي :

وهذا يتصدر اللغة التناصية للشاعرة حيث ألزمت نفسها بكتابة هذا القصيدة بهدف تسخير قلمها لعائشة {رضي الله عنها و أرضاها } ضد كل من يترصد هذه الروح الطهر

وفي التَّصوف العذري لايرضى المتصوف على منهجه الحقيقي أن يمسَّ أي كائن قدسية صوفيته ، أو يحاول انتهاك حرمتها ، فهى برأيه موروث مقدس لايجوز لأحد أن ينال منه

وتسخير الشاعرة أسماء القاسمي قصيدها لعائشة نابع من حراك سيكولوجي / وجداني / تصوفي / في حب عائشة ، وليس مجرد عنوان رفعته ، فحملته هنا بقصيدة ، وبالنسبة لي

كناقدة ترصد باجتهاد الحراك الذي أُقيم لرصد الأقلام للدفاع عن سيدة العفة عائشة أرى أنَّه يجب أن نميز بين الحراك الإبداعي النَّابع من حالة وجدانية / إبداعية ، وبين الحراك الذي يعكس

سيكولوجية الشاعر نفسه / فهنالك فرق عظيم وكبير يقع تحت المجهر النقدي ، إذْ لابد أن نعي ما نكتبه فالظاهرة ليست كالحالة الفردية بجميع الأحوال .

الزمن رصدته الشاعرة بتوجيه حراك لفظي دلالالي أول النَّص مفاده أنها ترد على شخصية مسيئة للسيدة عائشة رضي الله عنها و أرضاها

فهذا في نظر الشاعرة كأنه يمثل اقتراباً من الروح التي تتصوف منها العفة وطهر الذات فيها .

المكان تراه الشاعرة بين رصدها لكلماتها فهو حديث صحف و مجلات و تناقل أحاديث بالعالم الحقيقي والافتراضي .

مع العلم أن هنالك رصد زمكاني لألفاظ أخرى داخل النَّص .سنقوم بالتعريج عليها لاحقاً ، لكننا هنا وضعنا أيدينا على هذا الحراك كي نؤسس له لاحقاً في وجهات نظر نقدية أخرى .

ثالثاً الدَّوال في جو النَّص

الدالة والمدلول داخل النَّص لابد منهما لأنهما يشكلان صورة الحراك الظاهري / الضمني داخل الفكرة

ويقول الناقد جيرار جينيت (Gérard Génette) أنَّ الفكرة والعنوان هما أول دالتين على {العنوان ومقدمة النَّص } أي أننا يجب أن نربط بين هاتين ولا أرى أي إبداع في هذه الأداة فأي ناقد

لابد و أن يعرج بطبيعة الحال على العنوان أو يتناول فكرة التقديم كيف تصدرت بنية المشهد التصويري / الباطني / داخل مساحة النَّص

ويرى جيرار جينيت {ويكيبديا سيرة جيرار جينيت } أن عنصر اللغة و الأسلوب لابد من ضمهما لتكوين برمة المشهد كله ، فكيف ونحن هنا نقوم بتشريح اللغة …؟؟

دالة العنوان لعائشة / وعائشة اسم واضح لسيدة وزوجة للنبي {صلى الله عليه وسلم } دللها ب{عائش} {عليه الصلاة والسلام } والرمزية هنا ليست للاسم ولكن للشهرة ،

كونها العائشة التي صار حديث الإفك ، وكونها الشخصية المعنية بالحراك التناصي الذي بطبيعة الحال لم يكن الأول من نوعه وقتذاك الحديث ،

الإسقاط هنا يتحدث عن عائشة ببداية الفكرة وتجربة المضمون فتبدأ الشاعرة بالحراك تقديماً له بصدارة المشهد فتقول :

تحالف الذكرى ..

فالتحديد لمناسبة النَّص ألقى الإشعاع في دالة المفهوم منذ البداية ..وسار على نسقها وفق بنية متراصة البناء والفكرة ، هنالك تنامٍ في روح النَّص ، سنتعرض له ، نحن أمام كتلة

تتنامي وفق سريالية العمق هنا ، كون الشاعرة تتلذذ بالمدد الشريف لها وتسترسل ضمن حراك بنيوية النثرية هنا .

الكتلة انتقائية ، سلسة ، والقالب هذا مشهور جداً يكتب عليه أغلب شعراء النثر ،

فهو يأتي في تلقائية ، يتنوع في الدلالية الرمزية ، واللفظية الدلالية ، يُحدث الوهج وفق الهرم النَّصي ، تصاعدياً ، تتخلله الجمل الاسمية والفعلية سيان بينهما

إذا أن كثافة الحراك داخل الكتلة تعطي المزيد من الزخم بالتنوع الدلالي هنا .

نلاحظ هنا التَّصوف كممارسة فعلية :

أعانق وجد اشواقي لأنوار النبوة

هنا تتزملُ الاقدار

أعانق / وجد / أشواق / أنوار / = تتزملُ

هذا الاختيار ذكي للفعل تتزمل ، كونه أتى على الفكرة كلها واحتواها في كورزمونه الخاص ، ضم كل الدلالات فيه وداخله ,{والتَّزمل} التغطية بمعناه اللغوي ، وقد ورد في الحديث النبوي الشريف حين دخل على زوجته خديجة وقت نزول الوحي قائلاً لها {زملوني زملوني } فهنا انتقاء الفعل جاء بدلالة صوفية محضة وخالصة ، صادر عن حراك {أنا } عاشت التَّصوف ـ بطريقة عشقها للبيت المحمدي من خلال محبة لعائشة رضي الله عنها و أرضاها

شوقا لأم المؤمنين

شفاء قلبي عائشة

لها من عيوننا

قبلة الأحداق في شفق المنام

لها كل بسمة طائشة

تشفي جراح العمر في كل الأنام

هنا تتوضح معالم الدوال النَّصية للصوفية داخل الحراك التناصي ، فالشاعرة تمارس حبها الصوفي من خلال شخصية إسلامية معروفة بالعفة والطهر والشرف والنقاء …

تأتي {شوقاً }/ لتُلقي بظلال المعنى الوارف لبنية الكلمة ، فالشوق على طبيعته {حراك وجداني عظيم }، ولكن على {صوفيته }هو أعظم من مضمونه ومعناه خاصة وقد دعمت الشاعرة

هذا الحراك بما جاء بعده من جملة تقريرية لارجعة فيها : {شفاء لقلبي عائشة } فهذا الاستخدام عزَّز من فكرة الدَّال والمدلون ضمن بنيويات الكلمات الظاهرية والضمنية ، وهنالك امتداد

توكيدي يعزز ويبرر سبب هذا الشوق ، ونية الشفاء بها كرمزية صوفية هنا استخدمتها الشاعرة بامتياز لغوي ذكي :

لها من عيوننا قبلة الأحداق في شفق المنام !!

لها كل بسمة طائشة

وهذا ما يمكن أن يطلبه {المريد } الصوفي من التَّصوف ، أن يكون متسلسلاً في سلسلته لمن هم أصل لمنهجه ، ثم يضيف عليه الصبغة ليسير وفق إحداثياته ، فيملك عليه الروح والقلب

والوجدان والمشاعر والأحاسيس ، ويستشعر كل هذا في سعادته وهنائه ، فلا يتردد في إضافة كل شئ و إسباغه عليه كونه يمدهُ بسبب التصوف فيه …

قمر يساهره حبيب الله

شمس ابتسامتك التي تتكلل الآفاق

رونق بهجة الأيام

جيرار جينيت يتحرك وفق اللغة / الأسلوب / وهنا نتحرك وفق هذا مع إضافة دوال أخرى وهى العنوان / التقديم / لكننا سنحشر الكثير ، فاللغة دالة ضرورية تتحدث خطابية الشاعرة ويومها

وطقسها الروحي ، وهى في نظري دالة ناطقة تترجم حراك {الأنا الحيوي السيكولوجي داخلها }، ومن ثم هذا الحراك يسير وفق{ دوائر } تضعها فيه الشاعرة ،ليحقق مسارات ورؤى خاصة بها

فهى في كل مرة توثق للصوفية …تأتي عليها {ببنيوية سريالية عميقة داخل النغمة الجوانية للتناص }وتعودها ببنيوية دلالية عميقة الإيقاع في طقس تصوفي

قمرٌ يساهره حبيب الله

…تلك نزعة صوفية كبيره تدعو للحذو ..للتقليد ..للعشق لذلك القمر البشري …و أي قدوة لنا هنا في رسول الله {صلى الله عليه وسلم غير حبِّ عائشة }

مولاتي

خذي روحي وضميها إلى أيامك القدسية العليا

المباشرة هنا تصريحيه ..دلالية خطيرة على التوحد الصوفي ، في الذات الأخرى المقصودة بالنَّص ، وبين ذات الشاعرة ، وهذه الكروزمونات كأنها وراثية منها و إليها حتي لتهون الروح في سبيلها تصوفاً في حبها ..لتصل الأنا لدرجة وهب الروح لها …والتأمير عليها ، وبرغم المكانة الاجتماعية الكبيرة للشاعرة كونها من طبقة الأمراء ، لكنها تقبل بأن تضيف عليها صبغة الموالاة لعائشة ، وتقبل أن تتبعها حباً و إخلاصاً واهبة الروح في سبيلها…

خذي روحي ..أمر فيه ترجٍ واستجداء

وضميها …توسل بالانغماس في الذات الأخرى

إلى أيامك القدسية العليا / تقديساً لمكانتها السامية منذ تزوجها الحبيب {صلى الله عليه وسلم } ولكن نلاحظ كلمة العليا ..وكأن هنالك استرشاداً بها ، ونهجاً على نهجها .

فهذه قمة الصوفية في شعر أسماء القاسمي

الأسلوبية لابد أن تكون معبرة عن طقوس الشاعر ، وحياته ، والخطابية هى المرآة العاكسة التي تُظهر كل شئ مواجهة بوضوح يبدو أن أسلوب الشاعرة يتجه للحراك الصوفي

ونحن نعرفُ وندرك علاقة البنت بأمها ـ فهى هنا تراها كالأم ، لكنها لاتشبهها بها ، إنما تتعدى التشبيه من مرحلة التَّصور الظاهري إلى الانعكاس السيكولوجي ـ فتعطيها حراكاً مباشراً

بدون تشبيه ، بل بمتلازمة الأمومة لها فتقول مخاطبة إياها :

فوجهك لي حنان الأم والأملاك في الدنيا .

فهنا على مستوى الدلالة هنالك علاقة تعويضية بين الشاعرة والروح عائشة ،

وعلى مستوى النَّص هنالك علاقة صوفية تنشأ ، فهذا حبٌ صوفي على اليقين

وعلى مستوى السيكولوجية هنالك علاقة تلازمية طردية ,تفوق الاحتياج ، والتعويض وصولاً إلى التقوى بها ونلاحظ هذا هنا بالضبط :

سأحبس دمعتي فيك

واشرب من بهائك مهجة الأحلام

لأنك أمنا الروحية الإلهام

فإذا كان التَّصوف يحمل في مضمونه مفاهيم الاقتداء بالآخر / التقوي به / النهل من منهجه ، فهذا يعطيه زخماً كبيراً كونه علاقة تتميز بالتلازمية المطَّردة ، أي أنَّ الشاعرة لم تكتب النَّص

لمجرد الرد على من أراد المساس بروح عائشة الطاهرة ، قدر ماجاء ليوثق هذه العلاقة ، فتتحول إلى علاقة لها مثاليات وقيم ومبادئ وثقل قائمة عليه .

لك مني سلام الورد في الشرفات

لك مني صلاة تملأ الأوقات

الدالة تتجه إلى مضمون التوثيق لأواصر المدد ، فالسلام تحية ، والورد محبة ، والصلاة شكر ، لكنها لاتقف عند الصلوات الخمس ، فقد تجاوزت بالدَّالة هنا إلى كلمة {تملأ} لتصنع بها حراكها القائم على استقدام

المدد …..ولعن كل من يتعرض لها بأية صفة ، فلا تتردد هنا في تعرية من تعرضوا لروح عائشة فتذكرهم جهاراً نهاراً :

يغار الفرس من معناك سيدتي

مجوسهم وجوه النار

تخاف من ابتسام الماء في الأسماء

لهم كل الدخان الأهوج الاعمى

و “

سيقتلهم جحيم الحقد في الأيام

وهذا التعريض بهؤلاء ليس الغرض منه مجرد ذكر من هم ، قدر ماهو النيل منهم والاستهزاء بهم والتذكير بمصيرهم والتَّشفي بطريقة نهايتهم

أما الشاعرة الكبيرة أسماء القاسمي فهى ترى أنَّ لها طريقتها في التلذذ بذلك العشق الصوفي لعائشة على وجه الخصوص :

ولي من قلبك الميمون طعم الثلج في شفتي

هذه إحدى نتائج التَّصوف …التي تظهر على سيمياء الملامح الخارجية وعلى بنيوية التناص هنا

ثم تمارس الشاعرة المزيد من التذوق بقولها :

تبارك اسمك الزاهي على سمعي

فاسمك ذائب بدمي

كأن الكون صار معي

وهذا خليط نسميه في بلوغ التَّصوف بالمراتب ، يعني بلوغ المراتب من كثرة التمازج بالآخر ، والانغماس فيه ، والتأثر به ، ولو لم تكن للشاعرة خلفيات صوفية حقيقية في الإنفراد الذاتي

والاغتراب عن البشر ، والتوحد مع الذات العليا ، والانشداد إلى ذوات البشر النزيهة والاقتداء بها ، لما كتب اللاشعور هنا في هذا التَناص كل هذا الحراك ، ولما رصد قلمها هذه الصوفية العميقة النَّفس لروح الشاعرة ،

فهى هنا في آخر النَّص تنهي بالزهو ـ، والانتصار ، وقمة التلذذ بالتصوف الذي استمعت به ، وامتعتنا بقراءة هذا النَّص الشريف :

تبارك اسمك الزاهي على سمعي = تشكيل لحراك الجوارح لدى الشاعرة ، فالصوفي يعتمد حراكه على الاستماع والتلذذ بما يسمعه ممن تصوفات تزهو لها روحه ويطرب لها سمعه

فاسمك ذائب في دمي = تشكيل لحراك التمازج الروحي بالروح الطهر عائشة رضي الله عنها و أرضاها

كأن الكون صار معي = تشكيل للصورة النهائية ، والراحة النفسية التي ترتسم للشاعرة بعد مرحلة عروج صوفي طويل في الاستمتاع بحب عائشة ثم الامتزاج فيه ثم لحتي تصير الروح للروح ..وهذا قمة التَّصوف لدي الشاعرة الكبيرة أسماء القاسمي

خصائص أسلوب الشاعرة أسماء القاسمي :

وهذه هى خلاصة الدراسة التي توصلنا إليها بعد تشريح لمساحة كبيرة من كمِ أسلوبها ونصوصها ، نصل إلى عرض هذه النتائج .

1/ الاستقصائية الباحثة :

وهذه خاصية نابعة من الذات المتعمقة في ديجور الوجود الآني الذي نعيشه ، والذي تربطه بالكينونات التي حولنا ، فتحاول أسماء القاسمي في نصوصها أن تتلمس ذاتية الأشياء

وقراءة جماديات الكون الذي حولها ـ في محاولة لإيجاد عامل الربط بينها ، وفي كل مرة من النصوص السابقة وبحسب تحليلنا للتأشيرات التي وضعناها عليها من دلالات تسوق القارئ لفهم أكبر و أكثر ، نجدها تتقصى ، وتبحث ، وتتوصل لإجابات وتساؤلات كثيرة ، تومضها في قصائدها بدهشات تسلم لقناعاتها المبنية على واقعية متفحصة للعالم الذي حولنا ،

ولعل من أسماء الاستقصائية محاولة لفك طلاسم الغيم وماهيتها / محاولة لقرءاة الروح الطهر في عائشة / محاولة لاستدراج معالم لصومعة الليل ,

وشعر الشاعر إذا خلا من هدف ، صار بلا قيمة ، فالنَّص الذي لاتتذوق طعم الإثارة فيه ، يسقط بمجرد الانتهاء منه ، والنَّص الذي لاتشتهي فيه البحث وراء سؤال الشاعر داخل بحثه

لايثير فكرك ، بل يجذبك بهرجه ثم يتلاشى في لحظته ، وفي قصائد الشاعرة نجدها ولابد تزرع عوامل مثيرة للوهج والإثارة والجذب ، تكرُّ وتفرُّ بين بينيات النَّص لتبحث هنا وهنالك ، تصنع هذا في نسيج محكم ، مثيرة مرة السؤال ، ومرة التعليل ، ومرة إجابة لحد القناعة .

2/ الذات التأملية :”

ولعل الذات الشاعرة كعادتها هى ذاتٍ تأملية بأي حالٍ من الأحوال ـ لكن الاختلاف يقع بين الذوات في نقظة التأملية والاستكشاف معاً ، وهذه الميزة لمسناها بوضوح في أشعار أسماء

القاسمي ، فهى تقرأ بعمق كينونة الآخر ، تستدرج الملامح إليها ،تبين هذه الملامح بألوانها المائية شفافة كما تراها الصورة الراصدة النابعة من كثرة حراك الأنا في نصوصها ، وربما هذا نابع من كونها فنانة مُحبة للفن التشكيلي ، فهذا يسوق حراكها الذاتي / الوجداني / التأملي إلى صنع مناطق لونية في أشياء نصوصها ، فتعطيها سمة اللون ، وتسبغ عليها طبيعة الشئ

وتضيف إليه مسحة من كنهها ، فتجعلنا في آنٍ نرصد لأكثر من حراك واحد داخل نصوصها ، وهذا لاينفي أن هنالك قدرة عالية من الذات الشاعرة على سبر الأغوار لأشياء نصوصها ، فهى حين تكتب قصيدتها عائشة ، تتقصى لونية الطهر وكينونته وتعطيه ملامحه وتُسبغ عليه من طباع الشخصنة الحقيقية فتراها صورة جلية وواضحة نابعة من تأمل وتقصٍ معاً .

3/ الذات المفكرة والفلسفة الخاصة بها :

في نصوص أسماء القاسمي نلاحظ أننا نتلمس خطوطاً عريضة لفكر يقرأ الواقع بزاوية معينة ، وبفلسفة خاصة ، ويرصد الانبعاثات الصادرة منه وعنه ، فيعطيها المزيد من الدلالات والرموز ويضفي عليها

أكثر من سمة وقناعة وتعبير وصورة , ولعل هذا يقودنا إلى أنها تلتزم نظاماً فكرياً خاصاً بها ، فالذات التأملية إذا جنحت للتَّصُّوف مالت واعتزلت رأت رؤيتها الخاصة بمنطق معين ، وهذه فلسفة خاصة تكمن في قاع أي نصٍ لأي شاعر ولكن هل تظهر وتطفو على سطح نصوصه أم لا؟؟؟ و إذا حدث هذ ا في نصوص أسماء القاسمي فإنها تطيل المكوث الفكري

بين أحضان الواقعية التي ترصدها برؤيا خاصة ، ومما لمسناه في أقوالها بعضاً من المقولات التي تعكس فكرتها التصوفية ،والتأملية ، والفلسفية العميقة لديها ، والتي تعزز من كونها تفكر بصورة ممتدة العقلانية الفكرية هو ما نراه في نصها طلاسم الغيم نقرأ هنا فكر في قولها /

هذه القصيدة المسفوحة الدم

على عتبات اللاشيء

تتدلي كالأفكار الرمادية

كالخفافيش الي ترصد وجع الضوء

للقطرات المائيه خطوات مكلومة

كي تكسر أضلاع ا لوقت

كي تتمدد زاوية العتمة في الآفاق

الصدى المنهك

وكذلك هنا نجد أنه يمكننا أن نقرأ لفكر واعٍ منفتح على أبواب الرؤيا الضمنية للأشياء :

الشجر الناسي

لا يتذكر ألوان الطيف !!

وهنا في نصها نبوءة الريح تتوضح معالم الفكرية النابعة من عمق الذات التأملية :

تلك اليد المندسة خلف دفاتري

هي من أشعل النار في جحافل شعري !!

و هنا فلسفة خاصة “

قرأتُ في صحائف الأفق أن

كل الدروب تقود إلى تخوم الخيبات

الهاربة

وهنا بؤرة تقرأ بفكر :

كم يمكن أن يمكث حزني في الباب

الساعة نسيت عقاربها تحت تراب الوقت

وأنفاسي جرس متعب لا يحتمل خيال المعنى !!

وهنا في نصها ضجيج السكون :

عمر غارق في اللاوعي المطلق

تتحشرج تأوهاته في ارتباك الأنا

يقرأ في مرآة العيون الباكية تفاصيل

يوم منعدم !!

وهذه منطقة فكر مرة أخرى

ذات شجن

سكنت لغتي ورحلت للمجهول

أقتفي أثر حدسي

متأبطة منفي روحي

أحاول الإحتماء بنفسي

و رصد الحكايا المتعنكبة على

رئة الوقت !!

إذاً لديها ذلك المخزون الفكري الذي بناء على تجارب مخاضية وسنوات خبرة من النأي والاعتزال تكونت فكرتها عن واقيعة ترصد / تقرأ / ترى بعين فنانة وفكر متفحص يدقق في كينونة الأشياء ويبعث الحياة داخلها ببعث مسحة حية عليها ، و إضفاء سبوغ معين فوق ملامحها ما يجعلك تتأمل طويلاً وفي تؤدة ما تكتبه ، فهى تعكس مضامين لأشياء قد لاتصادفنا في كل

النصوص هكذا قراءة ، ونحن نعترف كنقاد أن الشاعر يكتب بحسب جوانيته ، فهنالك من يتعمق للقاع ، وهنالك من يتعمق لنخاع القاع ، وهنالك من يطفو على سطح أشياء الشعر ، ويكتفي ببهرجة المفردات وتشكيلة النَّص فقط .

4/ الذات الفنانة :

وهذا نلاحظه من المسحات اللونية التي تضيفها لمشهدية قصائدها ونصوصها ، فهنالك حراك لوني بكل نصٍ ، وهنالك بطبيعة الحال لوحة عن كل نصٍ ، وقد رصدنا كذلك حراكاً تلقائياً انسيابياً ينساب عبر دلالات نصوصها فيعطي نوصها التلقائية ، والبساطة ، والنعومة ، كما يرصد أشياء الكون والطبيعة خصوصاً وهذا واضح من ملامح كل نصٍ شرحناه هنا أنَّ الطبيعة عامل أساسي في تكوينات النصوص ودوالها ودلالات معانيها ، عدا المفردات التي نجها تضيف للون مسحته ، وتعطيه أكثر دلالية على معناه بإضافة صبغ أخرى عليها …قد تكون ألوانها شفافة ببعض المرات وقد تكون رمادية لتعكس مسحة الحزن الحقيقية بحياتها …نرى هنا بعض الألوان في نصوصها :

أشعلت رأس الأحلام شيبا

الأشرعة السوداء

تتدلي كالأفكار الرمادية

الشجر الناسي

لا يتذكر ألوان الطيف

هذه القصيدة المسفوحة الدم

تتساقط أحداثك في نافذة مغلقة الألوان

اترك أصابعي أيها الحبر

وهذا فقط ليس معناه أن تعطي للأشياء قيمتها اللونية في شخوص ذاكرتها ، ولكنها تقودنا لمعنى آخر وهو أنَّ الشعر مرتبط بالفن ، وأنَّ الفن هو سريالية الشعر العميقة ، في البحث

عن كنه الذات و تصريف الأنا داخل الحراك التناصي بأي نص يكتبه الشاعر .

5/ الذات المتصوفة :

والذات المتصوفة في رأيي الشخصي لاتجنح للتصوف إلا بعد مخاض عميق من التأملية والفكرية القائمة على القراءة الواعية للواقعية التي نعيشها ونكيفها وفق ظروفنا وحياتنا

ويميل الكثير من النقاد إلى الرأي الذي يقول أن أسلوب الشاعر هو تعبير بوجه آخر عن حياته ، و أراه إسقاطاً قد يكون مباشراً ، وقد يكون ممارساً للامباشرة فلا يقع في السرد ، بل

يجنح للرمزية ، و إثارة الفكر بالأسئلة ، والذات المتصوفة دائماً تبحث عن العزلة ، وتقرأ بفكر خاص أي شئ ، وتنبع رؤيتها للأشياء من فارق المعايشة مع أشياء أخرى ، أي أنها تنكث الغزل

لرؤيا الطبيعة للأشياء وتقوم بغزلها وفق تصوفها ووفق الأفق الذي تراه مناسباً لارتفاع سقفها ، وحيث أنها تميل للبقاء وحدها فهى ذات متوحدة ، تطيل المكوث في صومعة الحكمة التأملية ، الفكرية ـ لتمارس طقس التصوف ، ونلمس هذا مع مسحة حزنٍ عميقة ورنة شجية البوح بنصوص الشاعرة أسماء القاسمي ـفهى تتحدث نفسها من خلال حراك الأنا داخل مادة التناص في نصوصها ، وتتركها تجوب سريالية النص فمرة تجوبه بقيد مباشر ومرة تجوبه بلا مباشرة ومرة تقبض نفسها عليها ، لتطلق سراحها وفق شروط الأنا الشاعرة ، ولعل في تشريح النصوص السابقة ما يشير لدوال حراك الأنا الشاعرة / الأنا المتصوفة / الأنا القارئة للآخر بوضوح شديد .

والتصوف في نظري نزعة روحية ، نابعة من التسامي الأخلاقي ـ والإنساني على وجه الخصوص ، فهو ينأى بصاحبه نحو هوة عميقة من الحزن الذاتي النابع من عمق القراءة لأشياء الكون

والمتصوف الشاعر تجد نصوصه ذات مواد طبيعية ، تتحدث أشياء الطبيعة ، أو تتطرق لأرواح لها دلالات صوفيه أو تأثير ديني مباشر ، وتجد نصوص الشاعر المتصوف تتطرف للطهر ، وللشفافية في ممارسة وقراءة أشياء اللغة بلذة تستمع بطعم الألم بطريقتها :

يا ألمي المصلوب في ظهري

ينحدر صمتك كصراخ يجلد

أمكنة الخواء

المتكئة على خاصرتي

وهنا نقرأ العزلة عن البشر :”

خبأت تفاصيل خيالي تحت لحاء مثقوب

ونسيت أصابعي في عش يمامة

وهنا نقرأ التوحد في أشياء الكون والتقرب من كيونتها :

ظل يرحل من نوافذي المشرعة

يلهث نحو الضوء

هربا من سديمة

يتفقد أوراق الوقت

يتوسد الخواء

يزلزل الارض تحت أقدام الحالمين

وهنا تمارس قمة التصوف :

أعانقُ وجد أشواقي لأنوار النبوة

تتزمل الأقدار

شوقا لأم المؤمنين

شفاء قلبي عائشة

لها من عيوننا

قبلة الأحداق في شفق المنام

لها كل بسمة طائشة

تشفي جراح العمر في كل الآنام

قمر يساهره حبيب الله

شمس ابتسامتك التي تتكلل الآفاق

رونق بهجة الأيام

مولاتي

خذي روحي وضميها إلى أيامك القدسية العليا

فوجهك لي حنان الأم والأملاك في الدنيا

سأحبس دمعتي فيك

واشرب من بهائك مهجة الأحلام

لأنك أمنا الروحية الإلهام

لك مني صلاة تملىء الأوقات

ولي من قلبك الميمون طعم الثلج في شفتي

تبارك اسمك الزاهي على سمعي

فإسمك ذائب بدمي

كأن الكون صار معي

بهذه الدراسة نكون قد أنجزنا قراءة شاسعة المساحة لقصائد السامية الشاعرة أسماء صقر القاسمي ، وقد شرحناها تشريحاً تنظيريا ونقدياً لعلنا بهذا ننفع غيرنا ، ممن يعشقون النقد

ويتذوقون لذة تشريح النصوص ، كما أننا رأينا أهم سمات وخصائص الشاعرة السامية أسماء صقر القاسمي ،داعين الله أن نكون قد وُفقنا في تسليط الضوء على ثلة من قصائدها وعلى أسلوبها النثري وعلى خصائص البنائية في نصوصها والواردة مرافقة لكل نص تم تشريحه هنا .

_________________________________________________________

ملاحظة : هذه الدراسة إنجازية فكرية نقدية لايوجد أية مراجع تم الاستناد عليها سوى التعريفين المرفقين بالدراسة و أمامهما إشارة المصدر واضحة

هنالك مرفقات لاحقة بهذه الدراسة سأدرجها لاحقاً

مقالات ذات علاقة

قصيدة النثر في ليبيا*

رامز رمضان النويصري

ليبيا واسعة – 37 (كـدوة)

عبدالرحمن جماعة

ليبيا واسعة – 14 (كوشة)

عبدالرحمن جماعة

اترك تعليق