المولوية (الصورة عن الشبكة)
طيوب عربية

الصوفية الإلكترونية.. هل تعيد التجارب الروحية على الإنترنت تشكيل الحياة الدينية

الجزيرة نت

عمران عبد الله

رغم أن الممارسات الروحية الصوفية ليست جامدة، وأعيدت صياغتها في حقب زمنية مختلفة لاستيعاب التغييرات الاجتماعية والتاريخية، شكل الفضاء الإلكتروني تحديا كبيرا للتصوف التقليدي الذي يدور حول علاقة الشيخ والمريد الشخصية والمباشرة.

المولوية
المولوية (الصورة عن الشبكة)


ويبحث روبرت روزنال أستاذ دراسات الأديان في الفضاء الإلكتروني كمجال بديل للتواصل وبناء المجتمع الصوفي افتراضيا، ويناقش -في كتابه الجديد “الصوفية الإلكترونية-الإسلام في القرن الحادي والعشرين” الصادر عن دار وان ورلد للنشر- الشبكات الصوفية على الإنترنت، معتبرا أن صفحات الويب الصوفية هي أشكال بديلة عن النصوص الصوفية ومنصة جديدة للتجربة الروحية.
ويكمل روزنال -الذي يعمل أيضا مديرا مؤسسا لمركز الدراسات الإسلامية العالمية بجامعة ليهاي بولاية بنسلفانيا الأميركية- قائلا “صفحات الويب، بطبيعتها، معقدة ومتحركة مثل السوائل، فهي بصرية وسمعية وبها روابط تشعبية، وهذه الأشياء تتغير دائما، ويتم إنشاء صفحة ويب لتعود وتتغير تماما بعد ستة أشهر.. ومثلما فعلت المطبعة من قبل، فإن الإنترنت يعيد تشكيل الحياة الدينية في القرن الحادي والعشرين”.
وفي غياب هذا الاتصال المباشر وجها لوجه “على الأرض، يتساءل روزنال هل سيتسنى إنشاء روابط روحية بديلة على الإنترنت؟ وهل غرف الدردشة مفيدة للتعلم الروحي؟ وهل يمكن لصفحة ويب أن تحل محل الاتصال الفردي مع الشيخ، أم أن الشيخ سيصبح افتراضيا أيضاً؟ ومع استمرار تطور التقنيات الرقمية، هل يمكن أن تصبح بيئات الإنترنت أماكن حقيقية للممارسة الدينية؟
ويقول روزنال إن هناك تقليدا دينيا رقميا سريع التوسع، لكنه يلفت النظر لقلة الأبحاث عنه، ويقول “رغم وجود بعض الأبحاث حول الإسلام السيبراني وخاصة استخدام شبكات الجهاديين المتطرفة للإنترنت، فإن الوجود المتنامي للمجتمعات الصوفية لم يحظ باهتمام علمي كبير”.

الصوفية الإلكترونية في الغرب

يوفر الفضاء الإلكتروني قنوات جديدة للتواصل، لكن مجتمعات الصوفية الأميركية لم تنغمس كثيرا في الثورة الرقمية بعد بحسب الكتاب الجديد، ولا يزال هناك توجه متحفظ في تعاملهم مع البيئة الإلكترونية، وتردد واسع في التخلي عن مقاليد التوجيه والإرشاد التقليدية وخوف من السماح لوسائل الإعلام الرقمية بأن تعمل بحرية جامحة ودون قيود.
ومع ذلك يتوقع روزنال أن هذا التردد لن يستمر طويلا، وبالنظر إلى المستقبل يتنبأ المؤلف بأن تقوم معظم مجتمعات الصوفية الأميركية بتوسيع نطاق استخدامها للفضاء الإلكتروني، مدللا على ذلك بوجود سوابق تاريخية لذلك، وتوفر الموارد لدى الصوفية مما سيدفعهم إلى الاستفادة من وعود وإمكانيات “الويب 3.0” (مصطلح لوصف مستقبل شبكة الويب العالمية).
ويلفت المؤلف النظر إلى أنه في الوقت الحالي لا تحتوي الغالبية العظمى من مواقع الصوفية على مساحة نقاشية أو منتديات ومساحات تفاعل ودردشة مفتوحة، وبدلا من ذلك يرصد روزنال وجود مساحات ثابتة إلى حد كبير في اتجاه واحد مع حدود محددة للمشاركة.
وفي أفضل الأحوال تستخدم الوسائط الرقمية الحديثة فقط لدعوة المريدين للمشاركة في المجتمع الصوفي وطرق الصوفية واقعيا وليس عبر الفضاء الإلكتروني.
ويؤكد روزنال أن التوتر والغموض والقلق الذي يحيط بهذه الأسئلة الجديدة عن الصوفية الإلكترونية يفسر جزئيا سبب تأخر الصوفيين الأميركيين نسبيا في تبني الثقافة الرقمية بالكامل.
وحتى البحث السريع في غوغل -يقول الكاتب- يلاحظ أن الصوفيين يتخلفون عن الجماعات الدينية الأخرى في الولايات المتحدة وفي جميع أنحاء العالم من علماء ودعاة وإعلاميين وحتى “الجهاديين” الذين أثبتوا أنهم أكثر استعدادا للانغماس في مواقع إلكترونية افتراضية أكثر. 

الإنترنت ونقل المعرفة الدينية

يرى روزنال في كتابه أن وسائل وتقنيات الإعلام المتعاقبة من الثقافات الشفهية إلى المخطوطات المكتوبة بخط اليد، ومن المطبعة إلى الراديو، والأفلام وغيرها عملت على تغيير الطرق التي يجري من خلالها نقل وتوثيق المعرفة والسلطة الدينيتين.
ويعتبر أن الوسائط الرقمية تحفز وتسهل التواصل وفي الوقت ذاته تعيد تكوين الهويات الفردية والجماعية عن طريق تغيير كل من شكل ووظيفة الاتصال، إذ يغير الفضاء الإلكتروني كيفية نشر المعرفة الدينية والتفسير العقائدي والتعامل مع النصوص المقدسة. 
وينقل روزنال في كتابه ملاحظة الباحث والأكاديمي المغربي نبيل الشعيبي الذي يرى أن الأهم من دراسة كيفية تغطية وسائل الإعلام الدين واستخدام الطوائف الدينية لوسائل الإعلام الحديثة، هو كيف تولّد التحولات في الوساطة الدينية أشكالا وأساليب جديدة للتواصل التعبدي وبالتالي تكوّن سمات شخصية دينية جديدة.
ونظرا لوجود سجل حافل وطيد من الصوفيين الذين يتأقلمون مع الابتكارات الإعلامية الجديدة، فهناك قدرة تنبئية كبيرة يوفرها النظر لماضي الصوفية، إذ اجتذبت تقنيات الوسائط السابقة الصوفيين، وستوفر الوسائط الرقمية منصات قوية لمواجهة المنتقدين (مثل الوهابية) بقوة وفعالية دفاعا عن التقاليد الصوفية، ولكن -هذه المرة- مع انتشار أوسع وتأثير أعمق. 
وبوصفهم جماعة أقلية مزدوجة في الولايات المتحدة اليوم (قطاع صغير نسبيا من المسلمين داخل الأقلية المسلمة الأميركية) فإن الصوفيين مهمّشون وضعفاء بشكل خاص، وفي هذا الوضع غير المستقر والمتوتر سيوفر الفضاء الإلكتروني رافعة مهمة الصوفية الأميركية.
وإضافة لذلك تسمح الوسائط الرقمية للصوفيين بالوصول إلى جمهور جديد وكبير، وبسرعة أكبر وبتكلفة منخفضة ستدعم المستخدمين المحترفين للخروج من قبضة منافذ الوسائط التقليدية مثل الناشرين والشركات.
وداخل المشهد “المائع” للفضاء الإلكتروني، يتوقع روزنال إعادة صياغة أنماط الخطاب، بما يسهم في تبسيط التواصل بين مجتمع الصوفية مع توسيع نطاق انتشارها الخارجي غير المقيد بالحدود الوطنية أو الحدود بين الجنسين أو الحواجز الجغرافية أو احتكار النخب الدينية التقليدية.
وكما يقول ستيوارت هوفر أستاذ الدراسات الإعلامية والدينية بجامعة كولورادو، فقد مكّن عصر الإعلام الجماهير وغيّر ذلك جذريا الأسس التي تنشر بها الآن المعاني والرموز الدينية والروحية.

الدين الرقمي

يقول المؤلف إنه يهدف من كتابه لتوثيق الطرق التي يعيد بها الصوفيون الأميركيون تخيل أنفسهم وبناء هويتهم وتقاليدهم في الفضاء الإلكتروني، كما يبدو تأثره واضحا بأفكار هايدي كامبل مؤلفة كتاب “الدين الرقمي” التي قدمت دراسة نقدية لعلاقة الأديان الخمسة الأوسع انتشارا في العالم بوسائل الإعلام الجديدة وتكنولوجيا الاتصال من الهواتف المحمولة وألعاب الفيديو إلى المدونات والحياة الافتراضية.
وتناولت كامبل في كتابها كيفية تأثير وسائل الإعلام الرقمية على الدين وتشكله في سياق القرن الحادي والعشرين، وتعرضت خلاله “لألعاب الفيديو الإسلامية”، وأشارت إلى أن الدراسات التي أجريت حتى الآن أكدت أن الإنترنت “يسهّل كلا من عمليتي إضعاف وتعزيز السلطة الدينية على حد سواء”.
وتخلص كامبل في كتابها إلى أنه رغم أن تأثير الإنترنت قد يضعف الدين كمصدر لبناء الهوية، فإن الوسائط الرقمية يمكن أن توفر بالفعل موارد بديلة للهوية الدينية تتوافق مع المجتمعات الحديثة والمعولمة، كما أن الإنترنت يساعد مستخدميه المتدينين على إيجاد حلول لمشكلات “الحياة السائلة الحديثة” التي يعيشونها.

مقالات ذات علاقة

الشفق في المقهى القديم!*

إشبيليا الجبوري (العراق)

النفس عالم

هاني بدر فرغلي (مصر)

الردة في فنزويلا

نعمان رباع (الأردن)

اترك تعليق