من أعمال الفنان محمد الشريف.
قصة

عام الكراسي

.. ارتدى بدلته العتيقة ، لمّع حذاءه الوحيد ، وقف قبالة المرآة ،زوجته تساعده لاستكمال أناقته ، اليوم سيباشر وظيفته بأحد دووايين الدولة ، أخيرًا بعد انتظار خمس سنوات منذ تخرجه يحصل على وظيفة ، سيودع التطواف بسيارة والده المهترئة لكسب قوت يومه ، سيكون له راتب شهري منتظم ، زوجته تشاركه فرحته ، قال لها :-
– مارأيك ؟
– أنت في كامل الأناقة .

. مقر الديوان ، ازدحام لافت للانتباه ، يبدو أن كل هؤلاء تم تعيينهم مثله ، شقٓ طريقه ، بعناء سلم أوراقه، انتظر دوره ، سمع اسمه ضمن الأسماء المُنادى عليها ، قال الموظف المختص:-
– ستباشر عملك ، لكن عليك إحضار كرسي تجلس عليه .
دهش ، كيف يكون ديوان الدولة من دون كراسي للموظفين ! تابع الموظف :-
– كل هؤلاء الواقفين لن يستلموا وظائفهم إلاَ بعد أن يحضر كل واحد كرسيه !
تساءل : –
– لماذا ؟ أين كراسي الدولة .؟
ضحك الموظف بصوت عال ، قال :-
– المسؤولون الكبار، الرؤساء الذين توالوا على الحكم يحتفظون بكراسيهم ، حتى صغار الموظفين ، ما من كراسي شاغرة بقطاعات الدولة ، جميعهم يفعلون ذلك على أمل العودة للحكم ، والذين يحكمون ، اًو يعملون حاليًا يحتفظون بكراسيهم بعد الدوام ، بمن فيهم أنا خشية أن يستولي عليها آخرون . السر في الكرسي يا عزيزي !

في البيت ، استفسرت زوجته عن بداية الوظيفة ، قال لها:-
– لم أباشر بعد ، عليّ أن أشتري كرسيًّا ، لن يُصرف لي المرتب إلا إذاأحضرت كرسيَا ، واحتفظت به .
– ماذا تقول ؟
– هكذا قيل لي ، كما أنه عليّ أن أدفع مبلغًا شهريًا لأحدى الشركات الكثيرةالتي تأسست لنقل وتخزين كراسي المسؤولين ، والموظفين ، بمبالغ تتناسب ومستوى المسؤول ، ودرجة الوظيفة ، ودفع أجرة للعاملين على تحميل الكراسي ، وللقائمين على صيانتها ،
صمتت .

انطلق يبحث عن كرسي، اختفت من الأسواق، عرف أنها تباع في السوق السوداء ، مرتبه الذي لم يقبضه بعد لن يسدد ثمن الكرسي لسنوات، يبدو أن الوظيفة طارت من بين يديه ، اغتم قلبه ، رجع إلى البيت ، ولج حجرة النوم من دون أن يرد على تساؤلات زوجته ! أنهكه التفكير ، حين نام زاره ضباب حلم رأى فيه الناس تحلق عاليًا ، تطارد الكراسي السابحة في الفضاء ، هو أيضًا يلاحق كرسيًّا طائرًا من مكان إلى آخر من دون أن يصل إليه !

مقالات ذات علاقة

همسة

ريم العبدلي

الغائب

المشرف العام

قناص

خيرية فتحي عبدالجليل

اترك تعليق