حوارات

الشاعر: إدريس بن الطيب/ ما هو الوطن الذي تريدون؟

الشاعر الليبي: أدريس ابن الطيب

ما هو الوطن الذي تريدون؟

هناك حالة هادئة من استنشاق الأوكسجين

حاورته: خلود الفلاح

الشاعر: إدريس بن الطيب

قراءته من بعيد ومع أول أمسية شعرية له هنا في بنغازي بعد عودته من مهمة رسمية، استمعت إلى نصوصه فتسلل الي شيئاً من الصدق المبتسم بهدوء على القصيد رغم الضجيج والنزف غير قابل للالتئام.

صدر له: تخطيطات على راس الشاعر/ العناق على مرمى الدم/ كوة للتنفس.

 

كل شئ يبتدي بالارتباك

ليشرب من نضارتنا تورده

ويكبر مستمداً من جسارتنا أغانيه

-اللقطة الشعرية لديك، كيف تفلت من قبضة اليومي المتكرر والمتوثب؟

عندما يحاول الطفل أن يزرع بذوره في حطام الطين لكي يثور مزدهراً بأحلام موردة، فلا يجب أن يخشي الارتباك. فكل شئ يبدأ –حقاً-  بالارتباك، خلق الكون، حمى القصيدة، رجفة الحب عند فتاة عاشقة، تثاؤب الزهرة في الفجر قبل تتفتح لتغسل أطرافها بالندى، ثم تكبر الأشياء مثلما تستطيل شمس النهار عندما يبلغ الحلم.

ولذلك فاليومي المتكرر قد يزخر بشعر كامن فيه بالقوة علينا فقط أن نلتقط ما فيه من دفئ ليصبح شعراً قائماً بالفعل، علينا استنطاق ما هو عابر لكي يقول لنا ما فيه أن ندفع إلى البوح بسريرتها تلك الأشياء التي نمر بها و لانراها و يا لروعتها أحياناً عندما تحمر وجنتاها خجلاً إذ يدغدغها اهتمامنا غير المتوقع.

يا يوسف الولد الجميل

لم أعطك الوطن الذي قد تستحق

لكنني أعطيته الولد الذي قد يستحق

-هل من الممكن أن تصف لي ملامح هذا الوطن؟

أتمنى أن أتمكن من طرح هذا السؤال على كافة الأطفال في العالم. ما هو الوطن الذي تريدون؟.. لأنني أعرف جيداً ما هو الوطن الذي يستحقون وما يستحقونه لا يشبه ما يعيشون، وطن يزخر بالخير والألعاب والحرية و الكرامة، وطن قيمة الطفل فيه أعلى من قيمة الحكومة ويعلن الحداد الرسمي عندما يبكي الأطفال أو يجوعون، وطن يمسك به الأطفال في أيديهم ويحبونه إلى درجة أنهم يتصورونه (مصاصة) عندما يلعقونها بنهم تصبح أيضاً بالوناً وأغنية.

بصمة خاصة

-الممارسة الشعرية السبعينية تميزت بقصيدة الحس الوطني والنضالي لكنها اتهمت في ذات الوقت بأنها لم تأتي بالجديد إذ كانت نقلاً عن تجارب شعرية عربية. مار أيك؟

القصيدة الشعرية الليبية في السبعينيات تميزت بالفعل بقوة ارتباطها بالواقع و قضاياه انطلاقاً -دون شك- من الذات الفردية للشاعر لكنها كانت ذاتاً متموضعة في سياق موضوعي الزمان و المكان، وهي قصيدة لم تتنازل مطلقاً عن مهمتها الجمالية في خلق كشف فني جديد بالصلة مع القصيدة العربية عموماً، لكنها لم تكن نقلاً ولا صدى لأحد إلا بقدر ما تؤثر النقطة الأكثر تطوراً في الأقل تطوراً في خارطة الشعر العربي.

إن قصيدة الشلطامي و الجيلاني طريبشان و محمد الفقيه صالح.. وغيرهم من شعراء السبعينيات لم تستنسخ أحد و قدمت بصمتها الخاصة ضمن بصمات أهم الشعراء العرب.

-ديوان الإهداءات (العناق على مرمى الدم) نتاج تجربة خاصة تأملت فيها العالم الخارجي ربما بشكل مبالغ فيه، وربما لا.. و في المقابل حمل (كوة للتنفس) رؤية مختلفة. هل فروقات الزمان والمكان لها دورٌ في تحديد شكل العمل الإبداعي؟

(العناق على مرمى الدم) هو فعلاً ديوان نتاج تجربة خاصة، وبحكم طبيعة هذه التجربة فأنها تعكس نفسها في علاقة تعويضية وطيدة بالعالم الخارجي وبهمومه وآلامه وآماله، والاهداءات في القضايا بيانات للتعبير عن مواقف وهو أيضا ديوان عالي النبرة تقترب القصائد فيه أحياناً من الصراخ في محاولة لإيصال الصوت عبر الجدران إلى حيث يجب أن يصل.

في (كوة للتنفس) هناك حالة هادئة من استنشاق الأوكسجين، حالة تأملية تعتمد على الدفقة السريعة و النص المكثف في شكل سردي أحياناً و في شكل باطني أحياناً أخرى.

نعم فروقات الزمان والمكان لها أعمق التأثير على تعيين الحالة الشعرية في نص معين، بل إنها تؤثر أحياناً حتى في موسيقاه الداخلية و الخارجية.

فالأمر بأكمله هو إعادة خلق للعالم بعد استبطانه و مروره عبر الذات أبنة الزمان و المكان.

 

لأني ولدت -أكاد ولدت- بعجز أحاول أن أتقيه

فطعم المرارة أكثر ما عرفته شجوني

فالموت يسرق ما أكتنزته الأيادي من الابتهاج

ليس من أحد يضمد ما يعاني..

-ثمة آلام نازفة في هذه المقاطع. أتتفق معي في هذه الرؤية؟

نعم أتفق معك في أن هناك آلاما نازفة هنا، بل إنني أيضاً أعبر عن إعجابي بقدرتك على الالتقاط ولا أعتقد أنك تريدين سؤالي عن السبب فلعله معروف لديك.

متماسك،

وعلى لساني أزهرت أنشودة جذلى

وهذي مريم المدهوشة العينين

ترمقني من الفجر البعيد

-قصيدة التحليق صوب الشاطئ نشرت مرتين بالعربية ومرة بالإيطالية هذا التكرار في النشر هل يرجع الى أنها تمثل فسحة من أمل تنشده؟

هذه القصيدة جاء نشرها مرتين لامر يتصل بضرورة وجود النص العربي محاوراً للنص بالإيطالية، لكنها تمثل بعصافيرها و فراشاتها حالة من الأمل المقاوم لأنها أصلاً كتبت في السجن الانفرادي.

 

-كتبت الشعر العمودي وكنت من فرسانه، ثم بدأت أنفاس جديدة في الظهور. هل يعد ذلك من مستلزمات الحداثة؟

الإخلاص لروح التجربة الشعرية نفسها هو الذي يمكن أن يدفع بها الى التطور مرحلة اثر أخرى، أنا لم أكتب قط بناء على وصفة (نظرية) جاهزة، سواء كانت وصفة تقليدية أو وصفة حداثواية لأنني أعتقد أن الشكل الشعري المختلف هو حالة التعين للمضمون الشعري المختلف وأعتقد أن مفاهيم (مسبقة) وذات طابع نظري اجتهادي، لم يكتمل بعد قد سببت حالة من التشويش لبعض الشعراء الجدد مما أدى بهم أحياناً الى الكتابة مستنسخين تجارب غيرهم و متشابهين تشابهاً شبه كامل.

طفلاً في الستين

-الفقه،علوم اللغة، مقرئ.. هذه التربية الدينية كيف شكلت الشاعر لديك؟

تنوع مصادر ثقافتي من واحة الجغبوب إلى مدينة استوكهولم، ومن دراسة الفقه والتجويد إلى دراسة الصحافة في فنلندا، زودني -كما عبرت أختي مرة- بما يشبه الرأس العربي والرأس الأوروبي في جهاز استقبال القمر الصناعي (ساتالايت)!!

-مرحلة الطفولة دائمة الحضور وقد تكون السبب في انتهاج المرء سلوكاً معيناً. ماذا تحمل الذاكرة من تفاصيلها؟

إذا كان على المرء أن يحافظ على الطفل الموجود فيه أطول فترة من عمره، فان مهمة الشاعر أصعب في الحفاظ على ما هو طفولي فيه. الشعر ذاته طفولة، الدهشة شعر، و للتغلب على إجهاد الذاكرة حين يتقدم العمر عليك أن تجعل حتى من ذكرياتك الجديدة ذكريات طفولية.

إن شراسة الواقع و خدوشه و جراحاته هي فقط ما تبقى على وجنتي الطفل حتى حين يكون طفلاً في الستين.

الغربة عن الذات تفرز نصاً غير قادر على التحاور. هذه الغربة تتعلق أحياناً بمسألة الحرية. ما رأيك؟

الحرية أساساً وعي الضرورة وبقدر القدرة على التواصل والتحاور بين الشاعر والمتلقي بقدر ما يفرز النص هوية شعرية تتجاوز وتؤسس وتضيف.

الذات المغتربة عن نفسها ذات تضمر شيئاً فشيئاً و لا تستطيع أن تخلق شيئاً هاما الا بقدر ما تعبر هذه الذات عن اغترابها بإخلاص لروح التجربة الشعرية و استبطان حقيقي لمجاهل أزمة الاغتراب، أن الحرية -في هذه الحالة- تصبح متمثلة في ما تستطيع ذات الشاعر أن تضيف جديداً.

-كيف يمكن توصيف موقع المثقف في ظل المشروع الثقافي على المستوى المحلي؟

هل هناك مشروع ثقافي على المستوى المحلي؟ ما هي ملامحه؟ و هل المقصود المشروع الثقافي الرسمي أم ماذا؟.

مقالات ذات علاقة

الفقيه… وحياته مع الابداع الادبي والفني

المشرف العام

فاطمة الحاجي: هناك كثير من النقاد يتلصصون على الكتابة النسائية!

المشرف العام

تهاني دربي: أرفض أن أكون أداة في يد من يملكون السلاح

محمد الأصفر

اترك تعليق