طيوب عربية

وَمْضات

الأب يوسف جزراوي

The Post War Dreams 2020 Adnan Meatek 32 x 41 cm

(1)
إن لَمْ يَكُنْ الإِنْسَانُ نخلةً
لَنْ يَكُونَ رُطَبًا….
وَإن لَمْ يَكُنْ سُنْبُلةً
لَنْ يَكُونَ خُبْزًا
وَإن لَمْ يَكُنْ شَمعةً
لَنْ يَكُونَ نورًا للآخَرين.

(2)
قُلْتُ لَهُ:
هُوَذا أنْتَ كَما أنْتَ..
فَكَمْ تَشبهُ بِلادِكَ!
فِي الْحَالِ
تَكَدَّرَ وَجْهَهُ وَأجْهَشَ بِالْبُكَاءِ!!.

(3)
أنْتَ يَا هَذَا
لِأَنَّكَ كَذَّبتَ كَثِيرًا عَلَى نَفْسكَ..
سرتَ عاريًا مِنِ الصِّدْقِ
حَتَّى تَبَرَّأَ الْكَذِبُ مِنْكَ!!

(4)
قَالَ لِي:
هل تَأَذِنَ أنْ اسْتَعِيرَ حظّكَ فِي الْحَيَاةِ؟
أَجَبْتَهُ:
يَا لتعَاستَكَ لَوْ فَعَلْتْ!!.

(5)
أفتّشُ فِي جيوبِ الذَّاكِرَةِ
عَنْ وُجُوهٍ
لَمْ أَعُدْ أتَذَكَّرَها
وَأَسْمَاءٍ تَنَاسِيتها
عَنْ عَمْدٍ وَسَبْقِ إِصْرَارٍ…!
ففِي صُنْدُوقِ الذِّكْريَاتِ
بَحَثْتُ لَهُمْ
عَنْ صورةٍ للذِكرَى
وَلَمْ أَجِدْ!
فَأيْقَنتُ بِيَقِين يَقِيني
إِنَّ ذاكِرَتي ثَلاَّجةُ مَوْتَى!!

(6)
يَالهَذَا النّدى
الذَّي يَخْتَلِجُني…
فَكَمْ مِنْ مرّةٍ وَمرّةٍ
اِستَوقَنَي وَاِسْتَعْذَبني
حَتَّى بَلَّلَ اليَبَسَ فِي رُوحِي!

(7)
وَطَني
لا تَبكِ عليَّ
فَقَطْ تَذَكَّر:
كَمْ قُرْبَانًا ذَبْحتَ عَلَى ضَرِيْحي!

(8)
أيُّهَا النّهْرُ
أغبطكَ عَلَى حُسْنِكَ!

(9)
مَفْتُونٌ أنَا بِجَمَالِ الطَّبِيعَةِ…
الَّذي لَمْ يَكُفّ يَوْمًا
عَنْ مُلاَحقَتي!

(10)
لِي بَلَدٌ يُنزَفُ
وَلَا مِنْ وَطَنٌ
تَبَرَّعَ لَهُ بِقِنِّينَةِ دَمٍ!

(11)
البَحْرُ
لَهُ مِنْ تَأَمَّلاتي أسْفَارًا..
بينهُ وبيني لُغَة
لَا يَفهَمُها سِوانا!

(12)
القَمَرُ العراقي
لَا يَزَالُ دمعةً فِي عيونِ السَّماءِ!!
وَمَا القَمَرُ
إِلَّا عِيّنة مِنْ اوجاع بَلدٍ
لَمْ يَعدْ دوحةً
يتراقص فِيْهَا السّلَام!!

(13)
عاتبني:
أَلَمْ أَقُل لَّكَ
لَا تَدْع الخَيل
يَعدو فِي الرّيحِ بِلا فارسٍ.
أجبتهُ:
وأنَا أَلَمْ أحَطك عِلْمًا:
إِنَّ تِلكَ الخُيُولُ فُرْسَانُها حمير!!

(14)
ومَنْ ذا يُجارِيني
فِي كَبَحِ جِمَاحِ كَيدهُم؟
فَتَرَانِي سَهَّدتُ الحُسّادَ
فِي اللّيَالي الدَّاجيَةِ
وَلاَعَبتَهُمْ بِالبَيْضَةِ وَالحَجَرِ…
فَأَنْشَأَتُ مِنَ الْقَاحِلِ
مَوْاسمَ حَصَادٍ…
وَمِنَ السَّحَاب سَلالِمَ رِفعةٍ…!
لَكِنْ …حَذارِي
أنْ تَحْذُوَ حَذْوَي وَتُقَلِّدْنِي…
فأنَا غَيْرُ قابِلٍ للاِسْتِنْساخِ!

(15)
أنَا وَالغُربةُ خَصْمَانِ…
كُلَّمَا تَقَوَّضَ أَحَدُنَا
اِستَقَامَ مَشْيُ الآخَر!؟

(16)
وَجْهَي يَبدُو أكثَر جَمَالاّ
فِي مِرآة دار الْأُوبرا..
لَكِنَّني غَالِبًا
مَا اتركُ ذَلِكَ الَوَجْه
فِي المِرْآةِ…
و أمضِي مُسَرعًا
إِلَى مَسْرَحِ الْحَيَاةِ!

(17)
عَطَشت نَخْلَةُ الْبُسْتانِ
فَفَرَّت بَاكِيةً مِدْرَارًا
إِلَى نَهْرَيْ دِجْلَةَ والفُراتِ…
مُتَوهِّمةً أَنَّهَا تَرْكُضُ
نَحْوَ الْمَاءِ والْحَيَاةِ…!
لَكِنَّ النَّخْلَةَ..
لَمْ تَكُنْ تَدْري
أنَّ النَّهْرَيْنِ
سيَستَلَفَان مِنْهَا دَمعًا
يَرَّتَوِيانِ بِهِ
مِنْ شِدَّةِ الْجَفَافِ!!

(18)
كُلّمَا أقصَدُ الْبَحْرَ
أشعُرُ بِيدّ اللهِ تَستَوَقَّفني!!
فَهُنَاكَ اتَفَحَّصُ مَا مَضى
وأتأمّلُ الْحَيَاةَ بِرُوحِ طِفْلٍ!!
فقُبالةُ الْبَحْرِ
أَدْخَلُ مَخْدَعي
وأَهرَعَ إِلَى الصّلاةِ
فَيَنتابُني الدِفءُ…
وكأنَّ اللهَ تَرَكَ كُلّ شيء
لِيَكُونَ بِكلّيّتهِ لِوَحْدِي..!
يُصْغي إليّ بِانتباهٍ
فَأَنْصَتَ إلَى بَوْحِهِ الصّامت لِي..
وَأتَشَكّرهْ حَتَّى يَبْلُغ الشُّكْر مُنتَهاه..

مقالات ذات علاقة

أتناديني؟

المشرف العام

ذكريات طرابلسية (2)

مهند سليمان

كن وحدك

المشرف العام

اترك تعليق