قصة

ودعوا أحباءكم

من أعمال التشكيلية الليبية مروة التومي

الرابعة صباحاً
بورتا جينوفا، ميلانو ايطاليا

زقاق ضيق بدايةً ثم بنايات متراصفة شيدت على الطراز الايطالي القديم ضوء نافذتي لازال ينير منذ منتصف الليل صوت الساعة المزعج، ثم أخيرا اوراق وقلم حبر قررت الكتابة لك.

لم أنم جيدا حتى هذه الليلة اشتد السواد حول عيناي، باتت الحياة باهتة بلا لون سواء لون الفيتامين C في الكوب قد خفتت الاضواء ورحل ضجيج ميلانو وزحام متاحفها واغلقت مسارحها، انطفئت عاصمة الموضة والتسوق.

يُسمع صدى الإبر إذا وقعت في شارع ما هنا، وكأن الحياة قد توقفت عن الدوران، ميلان أصبحت مدينة أشباح، الجميع قد لزم بيته بعد وقوع الكارثة. قالوا إن نتائج تحاليلي سلبية لست مصابه لكن يتوجب علي المكوث في المنزل وعدم مخالطه اي أحد وان اضطر الأمر للحديث مع أحد يجب أن يكون هناك مسافة متران بيننا على الأقل.

اتبع تعليمات الطبيب، وأنت أيضا يجب أن تقاوم لأجلي خائفة جداً للمرة الأولى أكون بمفردي هنا منذ زواجنا ما يحدث مروع. تنقل جثث ضحايا الوباء بالشاحنات بعد عجز الدولة عن المساعدة رائحة الموت تفشت في كل مكان أطبق الرعب على قلوبنا ربما هذه النهاية حقا.

لكنك قوي وستجتاز هذا الوهن ستحارب من أجل حياتنا، لن ترحل وتتركني اواجه الحياة بلا قلب.

لن أسمح لك بالرحيل، لم نحظى بوقت كافي لازالت هناك أشياء لم نفعلها بعد. لم نتزلج على جبال الألب لم نغص في قاع بحيرة غاردا، لم تأخذني رحلة إلى وادي اورشيا كما وعدتني، لم أصبح أما لأطفالك ستبقى أثار دموعي على الورق حاولت مرارا وتكرارا منعها لكن لم أفلح لست قوية بما يكفي لكنك ستصبح بخير أنا أثق فأنت أقوى مني.

سأكون في انتظارك

المخلصة زوجتك


صفحة اخرى أول السطر

كانت حقا النهاية! منذ ست أشهر ويومان وسبعة عشر ساعة فارقت هذه الحياة، ولم تفارق قلبي لازالت أثارك هنا لم أغادر المنزل أبدا، لكنني كنت أراك هنا أشعر بوجودك صوت أقدامك في الممرات، ضوضاء مفاتيحك عند الباب، صدى مناداتك لي، حتى رائحتك لازالت عالقة في أنفي، هذه الليلة قررت الرحيل نهائيا لم أعد أطيق هواء ميلانو فقد بدأت تضيق علي وكأنها تخنقني بدأت الحياة تعود تدريجيا واجزمنا انه يجب التعايش مع الوباء فلا مفر منه حتى يأذن الله أمراً,

وأنا قررت الفرار من هنا لا أعرف إلى أين لكنني سأبقى أكتب إليك حتى نلتقي.

مقالات ذات علاقة

حُلم

المشرف العام

إلى متى.. ؟

غازي القبلاوي

يوم عادي

رشاد علوه

اترك تعليق