من أعمال التشكيلي معتوق أبوراوي
قصة

وحشة

من أعمال التشكيلي معتوق أبوراوي

( و )

… توقّف.. اتَّكأ على عصاه بكلتا يديه.. أخذ يُحدِّث نفسه:
ــ رحلوا وبقيت قنابلهم.. تلك القنبلة الملعونة أَلْقَوها على أبي.. أو ربما على جَدِّي.. لكنَّها لم تنفجر.. دفنت رأسها هناك.. في الحقل.. احتفظت بأحشائها القاتلة.. انتظاراً لتلك اللحظة التي هَوَت فيها فأسي على الأرض.

كان منطقهم هكذا: (إن لم تقتل الأب.. قتلت الابن يوماً ما.. أو ربما قتلت الحفيد.. المهمّ أن تقتل أحدهم).

لكنني لم أمت.. صحيح أنني فقدت بصري.. لكنني لازلت حيّاً.. وها أنا أقف متوكّئاً على عصاي.. إن كان مُجرّد الاتكاء على عصا دليلاً كافياً على الحياة!

( ح )

… كان يسير ببطء.. مُتلمّساً بعصاه حوافّ الطريق.. سمع من خلفه وقع خطوات.. الْتفت.. سأل:
ــ ما هو الوقت الآن؟
ــ إنه الشروق.
ــ كيف هي الشمس؟
ــ مثل كل يوم.. تطلع من الشرق.. وتختفي في الغرب.
ــ لم أقصد هذا.. إنما قصدت… … أين أنت.. هل ذهبتَ؟
… تلاشى وقع الخطوات.

( ش )

… سمع ضجّةً قادمة من بعيد.. صفير.. وأجراس دراجات.
ــ الطريق.. الطريق يا العَمَى.
ــ ما هو الوقت الآن؟
ــ غروب.
ــ كيف هي الشمس؟
ــ تسلّم عليك!

… اختلطت الأصوات برنين الأجراس.. وابتعدت.
ــ إنهم دائماً في عجلة من أمرهم.

( ة )

ــ كيف هو القمر؟ والنجوم؟ السماء صافية هذه الليلة.. أليس كذلك؟
ــ لا أدري.. وَسِّعْ.. وَسِّعْ.
ــ لا تدري؟! ألا يُمكنكَ أن ترفع وجهك إلى السماء لتعرف ما إذا كانت صافية؟ أين أنت؟ ألا تسمعني؟ أرجوكم.. توقَّفوا قليلاً.. تمَهّلوا.. أتوسَّل إليكم.. حدِّثوني.. منذ زمن طويل.. منذ تلك اللحظة التي ضربْتُ فيها الأرضَ بفأسي لم أَرَ الشمس والقمر.. والسماء الْمُرصَّعة بالنجوم.. حدِّثوني عن البحر حين يشتاق إلى دفء الأرض.. فيرحل غيوماً تَمسح اليباس.. وعن الجداول الراكضة في المنحدرات.. والسنابل الضاحكة في الحقول.. وماذا عن القُبّرات المتوّجة.. والحمام القادم من الجنوب؟

… ومضى يسترجع صورةً للكون.. حتى غيّبه الليل.. وظلّ صوت العصا المتحسّسة يُسمَع واهناً في الظلام.

***
(19955)

مقالات ذات علاقة

امرأة من بنغازى

سعد الأريل

العجوزان

محمد المسلاتي

فتات الخبز

خيرية فتحي عبدالجليل

اترك تعليق