المقالة

هل حقا الارض بتتكلم عربي؟

بوابة الوسط

قد يتبادر إلى أذهان البعض أن المقصود بالسؤال أعلاه ما عرف على بـ”إثارة صحفية ” وهذا ما لا يتوخاه السؤال ولا من اختاره ليكون عنواناً يتصدر رأيه. ويقيناً ليس المقصود به أيضا استفزاز القراء أو بعضهم على الأقل. لكنه سؤال عنّ لي، كما قد يعنّ لأي شخص آخر، وأنا أتجول متسكعا في شوارع طرابلس خلال الأيام القليلة الماضية من خلال صور عديدة تعثر بها بصري وذائقتي الجمالية ممثلة باليافطات المعلقة على أبواب المحلات التجارية والمقاهي والمطاعم بأسماء أجنبية في معظمها كتبت بالأبجدية العربية الأمر الذي يجعل المرء في حيرة من أمرها ومدفوعا للتساؤل عن السبب في التجاء أصحاب تلك المحال إلى إطلاقها على محلاتهم في مدينة يفترض أن تكون عربية والحرص على كتابتها بأبجدية عربية ليس سهلا قراءتها فما بالك بفهمهما حتى على من يجيدون التحدث بلغة أجنبية

وحتى لا يساء فهمي أؤكد أن لا علاقة لسؤالي وحيرتي بانغلاق آيدولوجي وليس مدفوعا بتعصب لقومي وللغتي ولثقافتي وكره للآخر- الأجنبي – ولكن الحرص على فهم ظاهرة منتشرة حد الاستشراء أعتبرها شخصيا غير صحية حضاريا لشعب يتكلم لغة عربية غنية وفصيحة المفردات والأوصاف وخصبة الألوان والإبداع وجميلة الإيقاع. ألا يحق لي ولغيري التساؤل أولا ًعن السبب الذي يدفع صاحب محل تجاري مثلا إلى ازدراء لغته بتجاهلها قصداً وكأنها لغة لا تملك مقومات التسويق التجاري القادر على لفت اهتمام المشترين وأبصارهم واستقطابهم إلى محله واقتناء منتوجاته في مدينة يعلم مسبقا أن نسبة صغيرة جداً من سكانها تجيد لغات أجنبية

ثانياً لماذا يصر على كتابة الاسم الأجنبي بحروف أبجدية عربية فيأتي مشوها ومحرفا وصعب الفهم على من يحاول قراءته؟
الحقيقة أنني لا أود الخوض في تحليل المشاعر الكامنة وراء هذه الظاهرة لأن ذلك مهمة موكلة للمتخصصين في علم التحليل النفسي وما يعنيني شخصياً هو ألا يتعثر بصري بمطبات على شكل لافتات ويافطات لا تلفت اهتمام المهتم إلا بإساءتها للذوق العام وللغة الأجنبية المراد إغواء المشترين بها وللغة العربية بتعريضها لإساءة ليست في حاجة لها. أليس من الأولى والأفضل لأصحاب تلك المحلات تجنب كل ذلك الهراء وكتابة الأسماء الأجنبية بأبجدياتها إن كان لابد لهم من فعل ذلك!
هذه الظاهرة تبدو وكأنها رد فعل مساو في القوة ومعاكس في الاتجاه لما كان سائداً في حقبة الحكم العسكري المقيت من حرص مبالغ فيه حد الاستهجان على تعريب المصطلحات الأجنبية المستخدمة في الإعلانات واللافتات والدعايات التجارية بمفردات ومصطلحات عربية تسيء للغة العربية وتجعلها مدعاة للسخرية والاستهزاء شعبياً. الأمر الذي يجعلنا نبدو وكأننا شعب على غير وفاق مع المنطق والمعقول أوكأننا على غير وفاق مع أنفسنا ولغتنا وتاريخنا وواقعنا وعلى خصومة مع الفن والجمال ونسيء تماما فهم ما يعنيه مصطلح أومفهوم “الذوق العام”.
هناك فرق كبير بين السعي لتعلم لغات أجنبية واستخدامها والاستفادة منها في تطوير ذواتنا وبلادنا وثقافتنا ولغتنا وبين تحويل واجهات محلاتنا التجارية إلى يافطات غير مفهومة لغوياً وفي نفس الوقت قذى للعين ومسيئة للذوق العام في مدينة عربية القلب واللسان وتفتخر بتاريخها وبانفتاحها على ثقافات العالم.

مقالات ذات علاقة

مكتبة المنزل

مصطفى بديوي

مانقرأه دُعابةً في السيرة

نورالدين خليفة النمر

عالم “أحمد يوسف عقيلة”.. “خراريف ليبية” لا تنتهي

المشرف العام

اترك تعليق