دراسات

هل حقاً الإسلام في الأسر؟

في يومِ ما قَبِلنا بأن ” في الحاجة تكمن الحرية ” وسلمنا بذلك، دون أن نتساءل، ودون أن نتذكر بداهة أن الحرية هي أُسُّ الحاجات كلها وأهمها، وها نحن اليوم نكابد ما ترتب عن انسياقنا مع ذلك الوهم الذي زرع في أذهاننا وفُرض علينا بآليات الترغيب والترهيب، وعن لهاثنا المحموم وراء الحاجات التي تداخلت معانيها واختلطت قيمها، حتى غامت وتلاشت مقاييس التمييز بين الضروري منها الذي لا يمكن تجاهله ولا الاستغناء عنه لكونه ضرورة حيوية، والكمالي الذي يمكن تعويضه بغيره وحتى تجاوزه، ذلك اللهاث الذي استمرأناه حتى غدا ديدنا لنا وعادة مكتسبة أضيفت إلى عاداتنا التي لا يمكننا ادعاء أنها حسنة كلها.

الكاتب الراحل الصادق النيهوم (الصورة: عن الشبكة)

وكانت أسوأ العادات جميعاً فقد نسيناً ونحن نغرق في طوفانها، الحرية كقيمة لا تدانيها حتى الضرورات الحياتية المباشرة سمواً وأهمية، وذلك لما لها من مكانة أساسية إزاء وجودنا الآدمي والوجود في عمومه وما يؤسسه من معان وقيم، لينحصر وجودنا في بعده السطحي (الواحد) الضحل، وتختزل معانيه وقيمه في التبجح بالمظاهر المبتذلة والانتماءات الأكثر ابتذالاً، فما عدنا ننتمي إلى آدميتنا وإنسانيتنا، بل إلى رتبنا ووظائفنا وقبائلنا وأزقتنا وقرانا وأيديولوجياتنا، وبالخلاصة إلى كل ما يجسد الرؤى الظلامية والعدمية. لننتهي من ذلك إلى أن نغدو أعداء لأنفسنا ولبعضنا البعض ولحريتنا أيضاً.

وإذا ما عنّ السؤال عما هي العلاقة بين السؤال (هل حقاً الإسلام في الأسر؟) وبين الحديث عن كون الحرية في الحاجة، فالجواب، أو بالأحرى إن محاولة الجواب، تنطلق من كون القولين يقومان في أرضية واحدة ويتفرعان عن البذرة نفسها، وإذا خلص بنا قول أن (في الحاجة تكمن الحرية) إلى (المؤتمر الشعبي) كمحجة أخيرة وخلاص نهائي من كل ما يجئ عن الافتقار للحرية وللحاجة من إشكاليات ومآزم، فإن قول أن (الإسلام في الأسر) يخلص بنا إلى الجامع كتجسيد لتلك المحجة وذلك الخلاص النهائي.

وإذا لم يغب عن أذهاننا أن الذي فرض علينا أو أقنعنا (فلا فارق في الحقيقة) بأن في الحاجة  تكمن الحرية، استحوذ على حاجاتنا وحريتنا معاً، وأوهمنا  بأن كل من ورث مالاً أو أرضاً أو عقاراً (من بيننا)  وكل من تميز بشيء من ذلك اكتسبه بعرق بجبينه، أو بما أتاحته له معارفه وجهوده، هو من يستحوذ على حاجاتنا ومن يحتكرها دوننا وهو بالتالي من يسلبنا حريتنا، لننقلب من ثم إلى أعداء لبعضنا البعض بل ولأنفسنا وذلك بتغول أنانياتنا وخضوعنا للنزوعات الاستحواذية التسلطية المتدنية، فإن محاولتنا استنطاق ادعاء أن (الإسلام في الأسر ) تستحضر ذلك كله، لتحاول القول أن أياً من الذين يحاول هذا القول بكل ما يسوقه من مسوغات ومبررات، وهم تحديداً الفقهاء والمفسرون والشارحون، لم يحاول أن يفعل برسالة محمد صلى الله عليه وسلم ما فعله عزرا الذي يسمى (كاتب الوحي) وأحبار اليهود برسالة موسى التي أفرغوها من جوهرها وأفقدوها حقيقتها وحولوها إلى أيديولوجيا عنصرية ظلامية عدمية مناقضة كلياً لما جاء به موسى عليه السلام، أو ما فعله ألد أعداء عيسى ورسالته، شاوول الطرسوسي، الذي صار بعدما حور دين المسيح عليه السلام إلى نسخة إضافية من أيديولوجيا عزرا (ببولس الرسول)  ومازال المسيحيون يعدونه أهم من كل حواريي المسيح، بل ولا يقل أهمية عن ابن مريم نفسه.

كتاب الإسلام في الأسر

لقد كان جديراً بالاعتبار ومستحقاً التأكيد القول بأن اليهودية والمسيحية في الأسر، وأنهما مكبلين بين أسوار برج بابل، تلك الأسطورة التوراتية التي صيغت أساساً بهدف التزوير والمغالطة والسفسطة باسم الدين.

إن أياً من فقهاء الإسلام ومفسريه وشارحيه، لم يحاول أن يقترف في حق رسالة محمد صلى الله عليه وسلم ما اقترفه أحبار اليهود وكهنتهم وربيوهم في حق رسالتي موسى وعيسى، وإذا نحن اكتفينا بإدراج جهودهم واجتهاداتهم، وما أصابوا فيه وما أخطأوا في هذا الاتجاه المنحرف وأوَّلناها “وبافتراض حسن النوايا ” هذا التأويل فإننا في الواقع نسيء الفهم، وإذا جاء ذلك من مفكر يضايقه، ويؤكد أن (سوء الفهم مشكلة لا تُحْتَمَل) فلا بأس من أن نعيد قراءته، آملين ألا تكون قراءته عن إساءة فهم متعمدة، فلا يُعقل أن يفوت “النيهوم”  أن (تهافت الفلاسفة) وكذلك (تهافت التهافت) على ما كان من تناقض ظاهر بينهما، إنما كُتِبا وكل من منطلقه الخاص ولغته وبراهينه لتأكيد الإسلام لا لنفيه ولا لأسره في برج بابل، ولا أن يفوته أيضاً أن الإسلام غير قابل للأسر، ذلك أن الذِكْرَ الذي يقول الخالق تعالى في حقه (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9) سورة الحِجر، وكون الذكر محفوظاً فذلك معنى عدم إمكانية أن يؤْسَرَ الإسلام، أما من لديه القابلية ومن قد يؤْسَر في برج بابل وفي متاهة ما بين الحاجة والحرية، فهو المخلوق الذي ميّزه خالقه بالوعي وبالحرية، وهو أيضاً من بإمكانه بالذكر أن يقي نفسه من الأسر، وأن يتحرر منه إذا ما وقع أو أوقع فيه قسراً.

لتحميل كتاب (الإسلام في الأسر) .. اضغط هنا

مقالات ذات علاقة

ليبيا واسعة – 4 (قصع)

عبدالرحمن جماعة

جماليات السرد وبناء حكاية قصة من يسمع قصة المطرة الأولى لعلاء الدين كويدير

عبدالحكيم المالكي

التواصل الثقافي بين ليبيا / والجزائر: أعلامٌ ووثائق من العهد العثماني

عمار جحيدر

2 تعليقات

يوسف البخبخي 13 ديسمبر, 2019 at 16:35

قراءة نقدية شيقة لنص اعتمد الانحياز والتهويل منهجا. نص اثار لغطا فى غياب لمنهجية علمية تقارب الافكار فى سياقها التاربخي.

رد
المشرف العام 14 ديسمبر, 2019 at 07:32

نشكر مرورك الكريم.. مودتي

رد

اترك رداً على يوسف البخبخي