من أعمال التشكيلية خديجة جيب الله.
قصة

نظـــارةُ أبـي

من أعمال التشكيلية خديجة جيب الله.
من أعمال التشكيلية خديجة جيب الله.

تُبْهِرُنِي دَائِماً نَظَّارَةُ أَبِي بِلَوْنِهَا البُنِيِّ الفَاتِحِ، وَإِطَارِهَا الجَمِيلِ، وَمَلْمَسِهَا الليِّن، وَعَدَسَتَيْهَا الزُّجَاجِيَّتَيْنِ السَّمِيكَتَيْنِ، التي يُنظِّفُها أَبِي بمنديله الأزرق كُلَّ يَوْمٍ، ثُمَّ يَضَعُهَا عَلَى عَيْنَيْهِ فنُدْرِكُ أنَّهُ يُريدُ أنْ يُمْعِنَ النَّظَرَ فِي شَيْءٍ مَا.. وعندما تبدأ نشرةُ الأخبار على تمام الثانية ظُهراً يضعُ أبي نظَّارتهُ (فوق صُحُفه ومجلاَّته) على الطاولة، ويُتابعُ الأخبار بنهمه المُعتاد، مُتسمِّراً على كُرسيِّه البلاستيكيِّ حتى نهايتها. وذات صباحٍ خريفيٍّ لا يُنْسَى غَادَرَ أَبِي البَيْتَ بِصَمْتٍ إلى حيثُ لا عـودة..، نعـم، فَعَلَهَا وَغَادَرَ سَرِيعاً، لَمْ يُخْبِرْ أَحَداً، وَلَمْ يَجِدْ وَقْتاً ليُودِّعَنَا قَبْلَ رَحِيلِهِ، ذَهَبَ مُتَعَجِّلاً بِلاَ أَمْتِعَةٍ، ونَسِيَ نظَّارَتَهُ عَلَى الطَّاولة، وعيُونُ أختي الصَّغيرة تُراقِبُ بَابَ البَيْتِ كُلَّ مَسَاءٍ لَعَلَّهُ يَدْخُلُ عَلَيْنَا بِابْتِسَامَتِهِ السَّاحِرَةِ، وَيَأْخُـذَ نَظَّارَتَهُ مَرَّةً أُخْرَى. 

مقالات ذات علاقة

شحّ السحاب في كفٍّ!

محمد دربي

خشخشة غلاف الحلوى

رحاب شنيب

السّجان يسّتحى عندما يتخذْ ملامح بانوسيّة***  

المشرف العام

اترك تعليق