المقالة

نبوءات الأرض

المومياء الليبية – وان موهجاج


كانت ليبيا (أرض الخيرات الوفيرة)، وكل (من يتأخر عن الذهاب إليها يندم كثيرا) كما تقول (الأوديسا) والأساطير الأوروبية القديمة، وكانت عرافة (دلفي) لا تتوقف عن ترديد نبوءتها لزبائنها الباحثين عن الثروات والمجد (اذهبوا الى ليبيا) وكانت قوارب الهجرة غير الشرعية وايضا سفن الحرب والمغامرين الاوروبية لا تتوقف عن الرسو على شواطئ ليبيا بحثا عن حياة أفضل وثروات أكثر.

الجفاف العظيم الذي ضرب ليبيا منذ آلاف السنين وناحت على اثره “حوريات اوفيد” لجفاف ينابيع ليبيا مهيلات على شعورهن رمال الطوفان الليبي وتصحر كل ما فيها كان بداية الهجرات الليبية الكبيرة نحو منابع الماء شرقا وغربا وجنوبا، الليبيون لم يركبوا البحر نحو الشمال (رغم ان البحر المتوسط ظل يسمى قديما ولقرون طويلة البحر الليبي)، كانت وجهتهم الاولى (النيل) يقودهم وكما تقول الاسطورة مؤلههم الطفل “امون” الذي القت به من رحمها وهي تحتضر امامهم على رمال الصحراء ربما بحيرة وقبل ان تجف مياهها كي ينقذوه وينقذهم، كان مقمطا بجلد غزال كـ(وان موهجاج) طفل ليبيا الذي حنطه كهنة وسحرة العصر الليبي المطير وكان الطفل العجيب وهو ملقى على الارض يلقي على اسماع العطشى التائهين نبوءات الماء.

الطفل الاسطورة “امون” كانت نبوءاته وعلى عكس كل المتنبئين تأتي من جوف الارض، فما ان حمله العطشى وساروا به حتى غرق في الصمت وتاهوا من جديد، رفعوه عاليا باتجاه السماء دون جدوى، صعدوا به الى اعلى جبل كي تنزل عليه النبوءات وظل صامتا يغمض عينيه الصغيرتين هربا من شمس الصحراء وسرابها، القوا به غاضبين يأسين على الارض فأنطلق لسانه مرشدا لهم الى طريق الماء.

حين وصلوا الى حيث هداهم لم يجدوا الماء، بل مزيدا من الرمل والعطش فألقوا به بعنف وغيض أكبر وانفضوا من حوله متناثرين عبر الرمل والعطش رغم صراخه.

ظل يصرخ وحيدا وسط الرمل ويضرب الارض بقدميه الصغيرتين حتى تفجر الماء وغمره وتلاشى صوته شيئا فشيئا عميقا في النبع، لم يهتموا بصراخه بل بصوت الماء وهو يتدفق من جوف الارض فعادوا حيث لم يكن ثمة إثر للطفل “امون” بل كان النبع، (نبع امون) حيث استقر التائهون العطشى واسسوا وطنا جديدا اسموه (سيوه) وعبادة ومعابد لمؤله حملوه من ليبيا طفلا، ليكبر هناك وتسود عبادته مصر كاملة، يتوج كهنته بقرون الكباش، وتصعد نبوءاته من جوف الارض ولا تتنزل من السماء.

مقالات ذات علاقة

الساسة ومنظومة الأخلاق

آمنة القلفاط

ذكريات طرابلسية (5)

مهند سليمان

في اختلاف النهارات

جمعة بوكليب

اترك تعليق