المقالة

من يمكنه الدفاع عـنّا؟

2019 Ink on paper Adnan Meatek 32 x 42 cm

كل ما هناك أننا كنا نكتب مقالات تنبض بهموم الوطن وباسم مستعار، ننشرها من وراء الاستار عبر فضاء الانترنت، تتلقفها صحف ليبية معارضة تصدر بالخارج، وفي ليلة مظلمة حالكة السواد، وجدنا أنفسنا خلف قضبان سجون القذافي، لتبدأ جلسات التحقيق والعذاب، اليوم نحمد الله ان بعضا منا كتبت له الحياة ليروي تفاصيل تلك المحنة، لكن الخسارة جسيمة، بعضنا لا يقوى على السير دون عكاز، وصارت العظام تنوء بحمل الجسد.

تتزاحم تنهدات طويلة تخرج من اعماق الصدر، نريد نفض الغبار عن احلام طالما راودتنا، ألا ما أثقل الاغلال، نقولها بنبرة تثير في النفس احزان موغلة في الالم، ونظرة واجمة تائهة في الفضاء الازرق.

مضت سنوات على تلك المحنة، لكن من حقنا ان نعرف من كان المسئول الاول عن ما جرى؟.. انه في الحقيقة: فرنسا..!! هل هذا يكفي؟.. اليس من حقنا مقاضاة فرنسا والرئيس الفرنسي السابق “نيكولاي ساركوزي” بسبب تعاونه غير المشرف مع القذافي، عن كل مل لحق بنا من الآم، وما كابدنا من معاناة السجون؟

الآن تبين بما لا مجال للشك، دور شركة Amesys الفرنسية التي قدمت النشطاء السياسيين على طبق لجلادهم، ففي عام 2008 شحنت نظام تجسس Eagle” ” الي ليبيا وأرسلت مهندسيها لمهام أعمال التشغيل والرقابة، ساركوزي نفسه يقول في تصريح له في ديسمبر 2007م ”أستطيع أن أشهد على التعاون بين الأجهزة الفرنسية والأجهزة الليبية خلال السنوات الأربع التي كنت فيها وزيراً للداخلية”، الكاتب والصحفي ”جوزيف كيروز”. يؤكد على هذا المعنى في مقالة له بعنوان: (ساركوزي – القذافي: الصيّاد والطريدة) بتاريخ 2011/10/ 10.. ويكشف حجم التعاون الامني الوثيق بين الرجلين. يقول: “وفور عودته ثانيةً الى وزارة الداخلية، في مايو 2005، قرّر ساركوزي أن يتصل بالنظام الليبي مستفيداً من خروج القذافي من حصار دولي طويل. كثيرون حاولوا أن يثنوه عن المغامرة بصداقة مع عقيد متقلّب المزاج وغريب الأطوار، يقرّر أمراً في الصباح ويعدل الى نقيضه في المساء، مخابراته متورطة بتفجير طائرة “أو ت أ” التي أودت بحياة مئة وسبعين إنساناً 1989م، إلاّ أنّ ساركوزي كان قد حسم أمره في اتجاه علاقات وطيدة، ليس لأنه اقتنع بتغيير في سلوك العقيد، وإنما ليقينه من انعدام قدرته على معاودة ما سبق أن فعله طوال سنوات من تمويل الحركات الإرهابية حول العالم وتفجير الطائرات المدنية وتكديس أسلحة الدمار الشامل، لقد بات منذ اواخر 2003م، على أثر ضبطه بالجرم المشهود، أي محاولة إقامة مشروع نووي بمساعدة الباكستاني عبد القادر خان، قطّاً بلا مخالب. فلا بأس إذاً من انتهاز فرصة إعلان توبته أمام الجميع لملاقاته في منتصف الطريق. ولعلّ ما شجّع ساركوزي على المضي في عقد صداقة مع القذافي شعوره بأنه تأخّر قليلاً في صياغة مشروعه المستقبلي مع العقيد. فها هو طوني بلير يسبق الجميع ويزوره في خيمته في مارس 2004، ماحياً جريمة لوكربي (1988م) من سجل العقيد الأسود. وتبعه برلوسكوني عارضاً خدماته على أنواعها.

كفى تضييعاً للوقت. لا بدّ من الاتصال فوراً بالقذافي، فأُرسل زياد تقي الدين، رجل الأعمال “الفرنسي – اللبناني”، كما تطلق عليه الصحافة الفرنسية، على وجه السرعة الى طرابلس للوقوف على طلبات الزعيم الليبي. ولم تمضِ أيام معدودة حتى كان مدير مكتب وزير الداخلية، كلود غيان، في ذلك الحين، يستقبل مبعوثين رسميين ليبيين. أما غرضهم، بحسب التقارير الرسمية، فكان التعاون الجاد في جميع ميادين الأمن.. وعلى أي حال، بتنا نعلم اليوم، بفضل “لوموند” أنّ جهاز “دي إس تي” طلب من “جيوس”، الشركة الفرنسية المتخصصة في تدريب عناصر أمنية، أن تتولى تأهيل “القوّات الخاصة الليبية” منذ عام 2005. وفي نهاية 2009، أقرّ كلود غيان، في مقابلة مع “لو نوفيل أوبسرفاتور”، بأنه التقى مرتين أو ثلاث في مكاتب وزارة الداخلية “موسى كوسا”، المسئول عن المخابرات الليبية في ذلك الوقت. هذا في حين تقوم مخابرات القذافي بمساعدة أجهزة غيان.. بمطاردة معارضي النظام الليبي وزجّهم في أقبية التعذيب الجهنمية. وعلى هامش هذا التعاون الأمني الوثيق بين الفرنسيين والليبيين، ازدهرت الصفقات المالية بين الطرفين، إذ أوصى السيد غيان ببيع الليبيين معدّات تنصّت على المكالمات الهاتفية. فسارعت شركة ” أميزيس ” الفرنسية لتلبية طلب مدير مكتب الوزير. وظفر السيد تقي الدين بهذه الصفقة مقابل ترتيب زيارة لـ ” غيان ” إلى بلاد العقيد).

ابريل 2018.. كشف موقع “ميديا بارت” الفرنسي، مرة اخرى عن العلاقات الحميمة التي سادت بين القذافي وساركوزي. وقال الموقع: “إنّ ساركوزي خَدَمَ مصالح القذافي ما بين عامي 2005 و2011، ملخِّصاً هذه الخدمات في خمسة مجالات. اولها: “تزويد نظام القذافي ببرنامج تجسس رقمي، سمح باعتراض الرسائل الإلكترونية ومراقبتها واعتقال أصحابها”.. وهنا تحدّث الموقع عن مفاوضات زياد تقي الدين، ممثلاً لعبد الله السنوسي (مدير استخبارات القذافي وصهره)، سنة 2007، مع مكتب وزير الداخلية الفرنسي وشركة “أميسيس”، حول شراء أجهزة حرب رقمية لصالح ليبيا، وتتضمّن أجهزة تجسّس على كل فضاء الإنترنت في البلاد.. وأكّد الموقع أن برنامج التجسس الرقمي “إيغل” هو الذي “سمح للعقيد الليبي باعتراض الرسائل الإلكترونية، ثمّ مراقبتها واعتقال أصحابها، وأيضاً تعذيب المنشقين.. وهذه الحقائق أكدتها منظمات غير حكومية، مثل هيومان رايتس واتش، التي اكتشفت أدلة على التعاون بين فرنسا والنظام الليبي، في مكتب السنوسي”.

 ساركوزي المتهم فيما لحق بنا من تعذيب وإهانة وحجر وتنكيل، من كان يقوم بالتشغيل هم فرنسيين من داخل مقر الامن الخارجي الليبي، وعندما تم تحرير طرابلس، في 29 أغسطس 2011، دخل صحفيون من صحيفة “وول ستريت جورنال” المبنى الذي يراقب فيه النظام الليبي الاتصالات. وقد عثروا على أدلة مكتوبة باللغة الإنجليزية تحمل شعار “اميس Amesys “.

وفي عام 2011، كشفت صحيفة وول ستريت جورنال كيف أن شركة أميسي قامت بتركيب نظام مراقبة إلكتروني شامل مكن نظام القذافي من تحديد واستهداف النشطاء الليبيين والمعارضين السياسيين. وفي يناير 2013، ساعدت كل من الفيدرالية الدولية وLDH في رفع دعوى مدنية في فرنسا وتقديم شهادتهما أمام المحاكم الفرنسية، خمسة ضحايا ليبيين تقدموا بالشكوى نيابة عن زملائهم يتهمون الشركة بالإبلاغ عن اتصالاتهم عبر الإنترنت وقد وتعرضوا للاعتقال والتعذيب. وحتى الآن، لم يُتهم أحد بالتواطؤ مع التعذيب من قبل الوحدة الفرنسية المتخصصة في الملاحقة القضائية للجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب، المسؤولة عن التحقيق في القضية.

 نأمل ان نجد في دولة ليبيا، وفي قياداتنا الرشيدة، ووزارة الثقافة، مساندة لجهودنا، وحث المنظمات الحقوقية المؤيدة لمطلبنا، وحث المحاكم الفرنسية على تسريع تحقيقاتها القضائية واتخاذ خطوات ملموسة لتلبية حاجة الضحايا الليبيين إلى العدالة. وانه حان الوقت للقيام بكل ما من شأنه اتمام مرحلة التحقيق بأسرع وقت ممكن.

أطبق الصمت، خاطرنا بأرواحنا ومصير اسرنا من بين فكي الكماشة الشرسة، فضحنا ترهات النظام وألاعيبه، وكنا نافدة ليبيا على العالم الخارجي، وبالكلمة المكتوبة من وراء الاستار انجزنا الكثير، واضطر النظام في كثير من المواقف الى مراجعة ما يفعل، وانه ملزم بالنظر في احتياجات الناس، حدث ما حدث، لننتهي الى ما نحن عليه اليوم، نفق مظلم وننتظر بصيص نور في اخر النفق، مرة مرارة العلقم، وكأن كل شيء تحطم في لحظة عابرة، والفكر في مقاضاة فرنسا ساركوزي، علنا نجد الطريق لرد الاعتبار، او على الاقل العلاج على حساب فرنسا، ولكن من يمكنه التطوع للدفاع عنا ؟.. نتأمل مؤازرتكم

الجمعية الليبية لسجناء الانترنت

مقالات ذات علاقة

محمد صدقي: الأغنية الليبية الحديثة الأم كانت بصوته

زياد العيساوي

أغنيات من بلادي

فاطمة غندور

قراءة الأدب

محمد الترهوني

اترك تعليق