المقالة

مصدر الشر والظلم عند أبي الخير الغدامسي*

بوابة الوسط

ثمة جدل معروف في علم الكلام (اللاهوت) الإسلامي حول مصدر الشرور الحادثة في العالم. هل هي من الله أم من أفعال البشر. من أفعال العباد. الرأي التقليدي يرى أن الله يخلق البشر ويخلق أفعالهم، وهذا يعني أنهم مجبرون على إتيان الأفعال الشريرة وليسوا مخيرين بحيث يأتونها بمقتضى إرادتهم الحرة.

لكن المعتزلة، من باب مبدئهم في العدل، يرون أن أفعال العباد، خيرة كانت أو شريرة، هي من فعلهم ولا دخل لله فيها، ومن هنا أهمية الثواب والعقاب. فليس من المنطق أو العقل أو الأخلاق أن يعاقب العبد على فعل شرير ارتكبه غصبا عنه، أو يثاب على فعل خير كان مقدرا له. فالله، بما أنه عادل بطبيعته، لا يجبر الإنسان على فعل الشر، أو الخير، ولا يرتكب الظلم. بل يذهبون إلى القول في تعابير لا يرضى عنها الكثيرون، أن الله واجب عليه فعل الخير وليس بقادر على ارتكاب الظلم لأنه مناف لطبيعته، مثلما أن ماء الشرب من طبيعته إرواء الشارب وليس زيادة ظمئه.

في هذه الرؤية يلتقي أبو الخير الغدامسي، بتعابيره الصوفية، مع المعتزلة. سنركز في هذا المقال على موقفه، أو رأيه، من الفقر والظلم. فهو يرى أن مصدرهما البشر ولا علاقة لهما بالله. فالله يقول على لسان أبي الخير (أو أن أبا الخير يقول على لسان الله): “أنا العدل” ص53**. وبما أنه عدل فيستحيل صدور الظلم منه. ويقول:
“وقال لي: من قال ‘‘ الفقر حق‘‘ سلبني. ص 118
وقال لي: لو كان الفقر حقا لنسبت نفسي إليه، ولكني الغني” ص 119
أي أن الله الغني لا يمكن أن يصدر عنه الفقر. ثم يقول:
“وقال لي: الفقراء خصمائي يحسبون الفقر مني وأنا ليس مني شيء” ص122. أي ليس منه شيء من أفعال العباد. ويقول:
“وقال لي: الفقر قسمة لا تكون من لدني”.ص123.
فمن أين يأتي الفقر إذن؟.

يقول الله على لسان أبي الخير الغدامسي:
“وقال لي: الفقر سليل الطاغوت” ص123.
أي أن الفقر ناتج عن الطغيان والظلم الناتجين عن أفعال العباد. والقول أن أفعال الظلم التي يأتيها الظلمة (=الحكام) هي من تقدير الله وهم مجبرون عليها، تبرير للظلم وإعانة له ودعم. واتكاء الظَلَمة على الله أمر شنيع:
“وقال لي: الظلم الذي يتكيء عليَّ فادح.
وقال لي: الظلم الذي يدعيني أبرأ منه أمام الخلق حتى يعود مقطوعا لا أصل له” ص129.
والله يتأثر بالظلم ويستاء منه ويستحي:
“وقال لي: الظلم الذي ينال الخلق في خبزهم ينالني في عزتي” ص128.
“وقال لي: وجعة المظلوم تدخل عليَّ بلا إذن فلا أكاد من حيائي منها أجد وجها ألاقيها به” ص129.
“وقال لي: الظالمون حرب على اسم العدل” ص130.
“وقال لي: الظالمون جيوش الطاغوت” ن. ص.

* الشيخُ بِلْخير، عبد الرحمنِ بنُ محمّد البُستاني الغد امسي (1848- 1954)
** الاقتباسات مأخوذة عن: “كتاب الحديقة، وهو سفر الخلافة” متن الشيخ بالخير الغدامسي، حاشية أبو الحارث موسى بن إبراهيم، المؤسسة العربية للدراسات والنشر 2015.

مقالات ذات علاقة

مرة أخرى..من يرد على “وناس”

جمال الزائدي

إنه زمنُ الصورة

أمين مازن

جيل ورسالة

يونس شعبان الفنادي

اترك تعليق