قصة

مسرحية الحياة

من أعمال الفنان محمد الشريف.

أنظر ذات اليمين وذات الشمال، فكل شي يقول لك تعال أمعن النظر، سترى بذرة الموت في كل شيء، لا تبتعد كثيراً (فلينظر الإنسان إلي نفسه)! كيف كنت وأصبحت وستكون؟ لا جواب لدى فأنت تعرف نفسك أكثر مني، وتمش عبر الدروب المقمرة وشبح المقبرة أمامك، هناك لوحة تتفحصها جيداً إنها مكتوبة بلغة لا تعرفها ولكنها تقول لك في لهجة صريحة، كنا هنا يوماً قبلكم ثم تقرأ (إن قارون كان من قوم موسي فبغي عليهم)، لا تكمل الآية وتذكر أن فرعون كان في زمن موسى أيضا وتعود أدراجك مثقلا بالهموم.

تمر أمام متجر تسمع صوت لمذياع ومطربة تشدوا (كان يا مكان)، تعرف أن الوقت حان تمر، عبر صفين من المساكين تراها تخرج لسانها لتسخر منك، تشعر وكأنك حشرة ضئيلة قرب هذه الهياكل الخراسانية، تنعطف إلى شارع جانبي يرتفع نداء الحق تتمتم ببضع كلمات وتدلف إلى المسجد، تشعر بطمأنينة وسكون يلف كل شيء، تكمل صلاتك وتخرج بشيء من الهدوء يلفك، تتجه صوب البحر تنظر عبر الأفق الأزرق الممتد تصعد فكرة سخيفة إلى مخيلتك؛ ترى لو يصحوا هذا المارد الأزرق ليغطي كل شيء! فهل هناك سفينة تسع هذه الكائنات؟ تطردها وأنت تفكر في قوم نوح ولكن أين نوح الآن؟

موجة هادئة تداعب رمال الشاطئ تصل قدميك، تعيدك إلى الواقع تنظر في ساعتك إنها السابعة، تعود ليبتلعك الشارع من جديد، وصبي يصرخ: الكواكب، النجوم، الرياضة، الموضة، الفجر الجديد.

تضع في يده قطعة نقود يسلمك الصحيفة، تفتح صفحة الوفيات العدد مئة، تقلبها صفحة المواليد إنهم مائتان! إذا لازالت إرادة الحياة أقوى بالرغم من كل شيء، تقلب الصفحة إعلانات مختلفة؛ عطور، سجائر، حلويات، أفلام، مسرح، لهو، عبث.

تلف الصحيفة ترمي بها في صفيحة القمامة، تعود إلى المنزل مسرعا لأنه اقترب موعد رفع الستار، تتذكر أنك ممثل ولك دور في المسرحية، ترتدي بذلتك تسوي ربطة عنقك، تضع بعض الأصباغ تودع زوجتك وأطفالك، تخرج مهرولا تقابلك لوحة مكتوب عليها مسرح الحياة، تدخل من الباب الخلفي تصعد إلى الكواليس تجد المخرج متجهم الوجه يصرخ بأعلى صوته أين كنت لقد تأخر العرض بسببك كثيرا تعتذر وتكرر الاعتذار، ولكن لا ترتسم علامات الرضا عل وجهه على العموم، يدخل المذيع الداخلي ليقدم المسرحية، يخرج الملك على حاشيته في أبهى حلة يضحك فتزهر الأرض ويفرح الأطفال يكشر عن أنيابه يحل الموت، ويلف المسرح السكون وتطفئ الأنوار وتنزل الستارة على المشهد الأخير.

مقالات ذات علاقة

قصة المحطة 69

محمد النعاس

ورغم ذلك..!

أحمد يوسف عقيلة

كائنات علي الوكواك الحديديّة

محمد المسلاتي

اترك تعليق