سيرة

محاولة القبض على سيرتي الأدبية!؟ (36)

ولأن (الخُطْيفَة) حكاية الحكايات…

من أعمال التشكيلية السورية ريم يسوف (الصورة: عن الشبكة)

يالهذا الربيع اللعوب، شمس حامية، ريح متربة، سحب ومطر، يمكن بهكذا طقس مجنون لا يمكنني إلا اللعب مع الكلمات، والبحث عن معنى الجوهر.

كأن (الكورونا/ كوفيد 19)، مجرد يقظة من كابوس هذا العيش، وخطواتي تحاول اللحاق بي، تطامن وجعي، غضبي، إحساسي المتفاقم بالغبن، وأقول (لا بأس يا حواء) ولكن ثمة مفاجأة الربيع ، وككل عام سأسمع صوتها، وأبحث عنها، لأتملى خفق جناحيها، طيرانها القريب من الأرض، ثم ذاك الانزلاق المذهل في انخطافة تأخذها عاليا، هي (الخُطْيفة/ طائر السنونو) صديقة طفولتي، وحكايتي العجيبة التي مازال وجعها حارّا يقرص قلبي، تلك البنت “حـوا: التي ابتهجت لوجود تلك (الخطيفة) في (دار حناها/ جدتها)، أخيرا ستحظى بملامسة ذاك الريش اللامع وستلمس المنقار وتنظر في تلكما العينين، كانت تمني نفسها أنها ستضمها برفق لقلبها، ولكن ذاك الركض والهروب واستماتة في اللحاق بها، والتوقف المفاجئ، وأخي “محمود” يمسك بذاك الجسد الأسود اللامع ثم ببساطة يرميه ويخرج، فما الذي حدث أيتها (الخُطْيفة) لماذا غادرتني كنت سأعطيك نبض قلبي، مضغت ورق التوت وصببت عصيره في منقارك لتنهضي (هكذا قرأتْ البنت “حواء” في الف ليلة وليلة، عن الغراب الذي مضغ ورق توت ووضع عصيره في منقار غراب ميت فنهض)، فوق سطح (حوشنا) في هدأة المساء انتظرت نهوضك وذرفت دمعا أغرق جسدك اللامع ولم تنهضي، حفرت في تراب السانية حيث شجرة التوت السوادي قبرا، وهناك وضعتك ورششت الماء وباقة من زهر الليمون لتعطر رحلتك، وكلما جاء الربيع وسمعت ذاك الصوت، يتوقف نبض قلبي فجأة، وأشعر بذاك الألم القارص وأبكي.

عاما إثر عام، وعشر إثر عشر، خبأت الحكاية في قلبي وقلت سأخبرها لكِ وأنا أمشّط شعركِ، وأضفره في جديلة وأربطها بشريط أحمر، وحين تكبرين لاشكَ ستهددينني بإفشاء السر، لابأس يا (بنتي) لقد آثرت عالم (الهيولي) وبقيت روحا سابحة، وتركتني في دنيا ( النبذ والحرمان).

ذاكرة تخطيء العدّ….

أراجع ما أكتب بعد نشره، لأكتشف أن تواريخا تختلط، ربما أكتب عن لقاء بأشخاص وأحداث، فأخطئ العدّ وأنسى التاريخ، قد يكون الفارق شهورا أو أيام وربما العام ذاته… وربما مراجعة مجلدات لصحف كتبت بها مثل صحف (الجماهيرية/ الطالب)، لأتأكد من تاريخ ما، ولكن ها هي (كورونا) تحبسنا وتعزز عشقنا للكسل والعطلات الطويلة.

 فما الذي سترصده الحكاية والسيرة والقبض عليها، ربما في جراب الحكاية، هذه التي برجها الجوزاء وحين تندلق فهي لا تترك فرصة حتى لأخذ شهيق وزفير، هكذا سيجدني الاستاذ (يوسف الشريف) مدير إدارة التدريب في المؤسسة الوطنية للنفط، أسبقه إلى مكتبه وأطلب قهوتي من صاحب المقهى، وسيحاول مرة وأخرى بطريقته التي يعرفها كل من يصادقه ولكن لن تجدي معي كل وسائله، وأظنه استسلم لهذه الطبيعة الشرسة التي تجعل بنتا من برجي المحارب ترابط عند مكتبه، تقرأ أو تخربش أو تتبادل حديثا مع مديرة مكتبه، ولكن سيكون الصراع على حكاية (النقد) فهو أصرّ على (حواء الناقدة) ولم يهتم وأكاد أقول (رفض الشاعرة)، كنت قد نشرت قصة بعنوان (عــو) في مجلة الفصول الـ4، وأظنها أول كتابة أنشرها بها، ثم قراءة في مجموعة (حاجز الحزن) للمبدعة “نادرة العويتي”، وأيضا قراءة لقصتين من مجموعة قصصية للكاتب (أحمد إبراهيم الفقيه)، وقراءات لقصص نشرت في المجلة للكاتب “عبدالسلام شهاب”، ولـ”عمر الككلي” و”يوسف الشريف”.

مجلة الفصول الأربعة
مجلة الفصول الأربعة

ولكن تلك الشاعرة لم تستسلم، و في صيف 1992م، جلبت مجموعة من أوراقها جمعت بها قصائد جديدة كتبتها، طلبت فنجان قهوتها وتركت الأوراق بين يديّ الأستاذ “يوسف الشريف”، وقبل أن تسلمه تلك الأوراق قالت له:

– لو مزقت هذه الأوراق وحذفتها بسلة المهملات، لن أدّعي أني شاعرة.

وظللت أحاول عدم اللامبالاة وأنا أرتشف قهوتي، وأراقب حذائي وأنظر تلك السلة التي ربما ستكون اوراقي ممزقة وراقدة في قعرها، هل أستطيع أن أصف تلك اللحظة، حين انتهي ذاك (القارئ القاسي) من تعذيبي ونظر إليّ، الأوراق لم تتمزق ولم ترمَ في سلة المهملات لكن ربما ثمة كلام ووووو:

– أنتِ شاعرة ياحوا …؟؟؟

نظرت إليه وظلّ يتحدث عن نص صغير.. كيف جاءت الشاعرة بالخارج لتمزجه في بوتقة الروح وليظهر في قصيدة صغيرة ….

ألملم خيوط الشمس
أنسج عباءة
شتاءٍ آت
قد
لا تكون فيه معي….

وأيّ شراسة وألم تصفعين به مدينتك طرابلس، وأنت تقولين :

طرابلس
لن أحبك
سأمزق صدرك بأظافري
وأبصق
على وجهك الصفيق
البردُ يأكلني
وأنتِ
تسفحين شمسك
للغرباء.
…..

وكان المبدع يوسف الشريف حينذاك رئيس تحرير لمجلة الفصول الـ،4 وهكذا كتبت توطئة سميتها (قبل القراءة)، ونشرت هذه النصوص باسمي الذي صار معروفا “دلال المغربي” وبنفس العدد نشرت الشاعرة “رؤى أحمد”، و بعد عددين تقريبا ستنشر تلك القراءة لنصوصي ونص “رؤى أحمد”، قراءة الشاعر والكاتب (سالم العوكلي)، والذي اعتبرته (العرّاب) الذي دشنّ بقراءته لنصوصي تلك  هذه الشاعرة، وليكون العدد الخاص بالمشهد الشعري الليبي من (1970/1990م) والذي سأنشر به نص (قداسة) و(عندما يشتهي النخيل)، وستظل علامة الجرأة ملازمة لقصيدة “دلال المغربي”، والتي قلت عنها ذات مرة:

– أظن أن الكتابة باسم مستعار منحتني فضاءا من الحرية، ربما كنت فقدته لو نشرت نصوصي باسمي الحقيقي.

ولكن سيصرّ صديقي (أحمد الفيتوري) على اسمي الحقيقي، حين شاركت بملف الاختلاف بمجلة (لا)، رفض أن ينشر مشاركتي بذاك الاسم المتعارف عليه، وصار نقاش ونشرت تلك المشاركة باسم (حواء القمودي).

هامش مهم جدا ….

أخبرت صديقاتي وأصدقائي، من يتابعن ويتابعون هذه المحاولة في القبض على السيرة الأدبية، أن ذاكرتي صارت تنسى او تخلط بعض الهوامش بالمتن وهكذا، حين أردت إرسال صور لمجلة الفصول ووجدتُ أن اسم (حواء القمودي) كان مع كل ما نشرت من (قراءات)، العدد (56) حيث قراءتي لقصص “نادرة العويتي”، وأيضا قراءة في قصة (آدم وحواء) لـ”يوسف الشريف” و(مسارب الحب في أحراش الفداحة) لـ”عمر الككلي”، ثم العدد (62) وقراءتي لقصص في مجموعة (امرأة من ضوء)، …

وللذاكرة أحكامها في زمن (كوفيد 19).

مقالات ذات علاقة

عاشق السندبادة

رامز رمضان النويصري

في الذاكرة (الإعلامي المرحوم فتحي العريبي)

المشرف العام

للتاريخ فقط (7)

عبدالحميد بطاو

اترك تعليق