سيرة

محاولة القبض على سيرتي الأدبية!؟ (30)

في هذه الوحشة: التي اسمها حياة….

ومن سيرتي الأدبية، ها أنا أصل إلى حلقتها الثلاثين أو كعدد هي 30/٣٠… بين اعداد تعودت يدي الصغيرة كتابتها ثم تبدلت باعتبارها كتابة بالهندية وليست العربية، كما تغيرت اسماء الأشهر كوننا نقف ضد ما هو تغريب وغربي، فصار يناير / أيّ النار او أين النار؟

ثم فبراير / النوار ومارس / الربيع، وأبريل شهر الطير ومايو شهر الماء ثم يونيو يغدو الصيف ويوليو/ ناصر فأغسطس/ هانيبال يعني حنا بعل، وسبتمبر اظن الفاتح ونوفمبر / الحرث وديسمبر (شن اسمه نسيته).

الذكريات صارت تظهر لي، كلما كتبت حلقة من هذه السيرة تظهر حكاية مخبأة، ومن الحكايات احتفال (ثكنة عشرة مارس) لا أدري هل بعيد المعلم أم الاحتفال بتفجر ثورة الفاتح العظيم، المهم هو احتفال و تجهيز مسرح في الساحة كي يتم الاحتفال وخاصة أن المطرب الشاب “عبد الله الأسود” سيتوج الاحتفال، ولهذا حضرت جميع الطالبات لحضوره وكانت الساحة مكتظة، والصف الأول من الكراسي إدارة المدرسة المدنية والعسكرية وضيوف، وانتهت المراسم الأولى وصعد المطرب الشاب على خشبة المسرح كانت اغنية الافتتاح أو ربما الأغنيتين كانتا وطنيتين، بعدها بدأت موسيقى ناعمة وبدأت الطالبات في التمايل وبدأ المطرب الشاب “عبد الله الأسود” في الغناء، وفجأة وبقفزة واحدة كان مدير الإدارة المدنية للثكنة فوق الخشبة ليقفل المايكروفون بيد الشاب المغني وليختفي صوته وتصرخ الطالبات ثم ينزل المطرب الواعد غاضبا.

الشاعرة: حواء القمودي
الشاعرة حواء القمودي.

أمّا حكايتي الثانية التي بزغت وطالبت بنصيبها من الظهور، حين كنا بأحد الحصص التي خارج الفصل في قاعة كبيرة، و عادة أحبّ أن أجلس في المقاعد الأخيرة، حين جاءت طالبة معنا وهي مشرفة على النشاط الطلابي وسألت هل هناك من تريد المشاركة في مسابقة أدبية، والمشاركة في القاء قصيدة في قاعة (الفتح)، اختبأت ولكن صوت صديقة لي ارتفع باسمي وهي لا تدري بوجودي ظنت أنني خرجت، وبدأت رحلة البحث عني بين الفصول وليتم اكتشافي صامتة اقرأ في آخر القاعة، تلكأت في الموافقة لكن تلك الطالبة أكدت لي أن عودتنا ستكون مع نهاية اليوم الدراسي، وهكذا وجدت نفسي في تلك القاعة الفسيحة وعلى المنصة شباب مؤكد هم من المثابة الثورية، وبدأت الاحتفال والمسابقة بعد ادراج اسم الثكنة، ومن ضمن المسابقة ألقاء بيت شعر والحرف الذي ينتهي به يبدأ به المتسابق التالي، وأظنني القيت ذاك البيت الذي ينتهي بحرف الطاء من قصيدة عن سقوط الأندلس (ما بال ثوب الجزيرة ينسل من الوسط)، بعدها بدأت المشاركات الشعرية، ولم يكن معي شيء إلا الأوراق والأقلام التي أدونا بها فانكببت أكتب، كتبت قصيدة عن المولد النبوي، عن الظلام الذي يكتنف البشرية والمرأة وكيف جاء النور، و حين وضعوا الميكرفون أمامي بدأت بإلقاء النص (قصيدة شعر حر) وكان الصمت والاستماع والتصفيق المدوّي، والذي لم أحظَ به إلا هذه المرة اليتيمة، أمّا ذاك النص فاحتفظت به تلك الطالبة، وبعد ثلاثين عاما التقينا وقالت أن هذا النص مازال بحوزتها وأنها ستعطيني إياه ولكن …. لم نعد نلتقي وضاع رقم هاتفها.

ديوان أبو القاسم الشابي….

باكراً جدا التقيت “أبو القاسم الشابي” وأحببته، ربما لأن منهجنا الليبي يحتوي على نصوصه ونلتزم بحفظها، ولكن الأجمل هو ديوانه كاملا والذي اشتراه أخي الكبير وهكذا وجدته بين يديّ باكرا.

الشاعر أبوالقاسم الشابي أرشيفية عن الشبكة

هو الذي صدر عن دار العودة بتقديم الناقد الكبير عز الدين اسماعيل، كانت قراءة دراسة هذا الناقد وتقديمه للديوان أول اطلالة لي على (النقد) إن صحت التسمية، أمّا الديوان فكان رحلة وسفر وحكاية تجديد في اللغة الشعرية والصور وأيضا الخروج عن ذاك الإطار المتعارف عليه للقصيدة العمودية، لكن روح تلك البنت “حـواء” حلّقت مع أجواء القصائد التي ترنمت بالطبيعة وجعلت منها موطنا للحب والطهر، ربما قصيدة (إرادة الحياة او نشيد الجبار) هي زينة ذاك الديوان الجامع ولكن قصيدة (صلوات في هيكل الحبّ) كانت مع قصائد أخرى عن غربة الروح الشفافة وقسوة هذا العالم هي ما يجعل من هذا الديوان أني لا أنام حتى أتزود من نصوصه بتلك الشحنة الروحية، أما تلك الترجمة لحياة الشاعر والتي كتبها شقيقه “محمد الأمين الشابي” فهي تجعل الدموع حكاية وجع أذرفها على هذا الشاعر النبيل الذي تآكلت الهموم قلبه و تصدت لقصيدته الحديثة تلك الأفاعي التي تنهش من يحاول التغيير، هكذا سيموت باكرا جدا جدا ولكنه ترك ثروة شعرية و معنى للتحدي.

ولهذا استغربت جدا كيف وأنا أكتب عن هؤلاء الذين منحوني ذخرا من اللغة والتجربة، كيف غفلت عن الشابي وايضا عن “جبران خليل جبران”، والذي لن أذكره إلا مرتبطا باسم تلك الأيقونة (ميّ زيادة)، باكرا تعرفت على هذا الفذ جبران وعلى مدرسة المهجر، وووو… كيف أنسى (أجاثا كريستا) وقصصها المفعمة بالتشويق ولكن قبلها عرفت (المغامرون الخمسة) وربما سيظل اسم (تختخ) الأرسخ… وماذا ايضا يا “حواء”، وأنت تهربين من هذه الأجواء وتحاولين القبض على سيرة تقولين أنها أدبية، لكن ها أنت مازلت في ظل سيرة البنت التي تبحث وتحلم، تقرأ وتذهب باتجاه النار…..؟؟؟؟؟؟

حين ضحكت البنت العاشقة….

الحب ذاك الشعور الذي يأخذني، هو ما كانت عليه بنت الرابعة والعشرين في العام 1986م.

معلمة في مدرسة وكاتبة صغيرة تحاول الأمل وأن تشارك في حلم التغيير، ربما كانت مثالية اكثر من اللزوم حين كتبت مقالتها عن روايات عبير (حكاية بنت اسمها عبير) هكذا كان عنوان المقالة، ولكن يوما ما ستنتبه أن هناك الكثير منهن يرممن القلب ويسقين عطش الروح بحكايات (عبير) بل صرحت إحداهن انها ومنذ نزعها من مقعد فصلها الدراسي بالصف الرابع ابتدائي كي تخدم أخوتها، نسيت الكتاب وشكله وكادت تنسى القراءة (وهي المتفوقة) ولكن روايات عبير أعادتها لعالم الحرف والقراءة، وكانت هي تحب ومع صديقتها ذهبت حيث حبيبها فلم تجده، عبرت الشوارع حيث لحق بها ووقفا في ظل يتحادثان وصديقتها تحرسها، وحين عادتا إلى محطة الحافلات شعرتا بالجوع فدخلا محلا انيقا للحلويات وبه شباب أنيقون استقبلوهما بابتسامة، (أنا نحب المقروض) وهكذا كان ولا تدري كيف انطلقت ضحكتها صاخبة ربما لأن نشوة الحب مسكرة، أحد الشباب ظل واقفا ينظر إليها مندهشا ثم قال:

– مازال في ليبيا من يعرف يضحك…؟؟؟؟

نعم كنت أنا تلك التي صهلت ضحكتها وواصلت طريقا ظنت أنه الحياة.

طرابلس
الإثنين 27يناير 2020 – بعد العصر
الساعة الثالثة و27 دقيقة

مقالات ذات علاقة

محاولة القبض على سيرتي الأدبية!؟ (14)

حواء القمودي

محاولة القبض على سيرتي الأدبية!؟ (52)

حواء القمودي

الذكرى 25 لرحيل عاشق الوطن

المشرف العام

اترك تعليق