المقالة

مجانبة الهدف

بوابة الوسط

بداية السبعينيات، قرأت في مجلة «الآداب» البيروتية الشهيرة، قصة لافتة للكاتب المصري سليمان فياض.

لا أذكر اسم القصة الآن، لكنني أذكر أنها تتحدث عن شخص يستيقظ صباحا ويقوم بالشؤون المعتادة استعدادا للذهاب إلى عمله، فيكتشف حالة غريبة تعتريه، وهي أنه عندما يمد يده لتناول شئ ما تقع يده قبل أو بعد هذا الشيء، ولا تقع أبدا على الشيء نفسه!.

يذهب إلى طبيب عيون، فيخبره الطبيب أن هذه ظاهرة بدأت تبرز مؤخرا، وأنها مجهولة السبب وأعطاه نظارة معينة للاستعانة بها. حين يخرج من عند الطبيب يلاحظ وجود كثيرين يرتدون نفس نوع النظارات التي أعطاها له الطبيب.

تنتمي هذه القصة إلى ما عرف آنئذ بالأدب الحزيراني، الذي انبثق بعد نكسة، أو هزيمة، العرب أمام إسرائيل في يونيو (حزيران) سنة 1967.

لقد أصابت هذه النكسة، أو الهزيمة، المفاجئة الذات العربية المبالغة في تقدير قوتها في النواة منها، ولذا ظهر أدب، بالذات في ما يعرف بدول الطوق، يعج بمشاعر المرارة والإحباط والسخط وخيبة الأمل.

لقد جرحت الذات العربية جرحا واسعا وغائرا، وجرحت حركة التحرر القومي العربية جرحا محرجا ومخجلا ومحبطا يشكك في طموحاتها بمستقبل زاهر عماده التحرر والتطور المستقل.

الشخص في القصة يخونه تقديره للمسافة التي بينه وبين الشيء المراد تناوله، والدولتان العربيتان اللتان تصدتا للقيام بعبء تحرير فلسطين واستعادتها (وهما مصر وسوريا) خانهما تقديرهما لقوة العدو (إسرائيل) وإمكانياته الفعلية وارتباطه بالدولة المتزعمة للإمبريالية (أميركا) التي تعتبر إسرائيل قاعدة عسكرية متقدمة لها في التصدي للمد السوفياتي وضبط حركة الدول العربية.

من حوادث سوء التقدير الكبرى التي ترتبت عليها فواجع في المنطقة، احتلال العراق في عهد صدام حسين الكويت سنة 1990. لأن صدام حسين راهن، في ما يبدو، على عدة نقاط أبرزها نقطتان:

1) عدم إقدام أميركا على توريط قواتها في حرب غير خاطفة بعيدة عن حدودها قد يطول أمدها، بسبب درس الهزيمة التي كانت قد منيت بها في فييتنام سنة 1975. 

2) عدم سماح الاتحاد السوفياتي، الذي كان في طريقه إلى الأفول حينها، بتدخل عسكري أميركي في بلد قريب من حدوده. [وبالمناسبة، كان هذا تقديري أنا أيضا].
يبدو أن سوء التقدير هذا يتحكم في الذهنية، أو العقلية، العربية.

ونحن إذ نقول هذا لا ننطلق من مسلمات ميتافيزيقية تؤمن أن ذهنيات الشعوب والأقوام جوهر معطى مرة وإلى الأبد، ولا من مواقف عنصرية، منطلقة من هذا المبدأ ذاته، تقسم الشعوب إلى شعوب ذكية وشعوب غبية، وإنما ننطلق من أن جملة من الظروف التاريخية المكتنفة مسيرة شعب أو قوم ما تحدد أفق تفكيرهم وتقديرهم للأمور كجماعة، بحيث يبدو هذا الأفق والتقدير، بسبب تمكنهما من النفس والعقل، أن الفكاك منهما متعذر وأنهما خاصية ملازمة للأمة المعنية.

من جانبنا نعتقد أن التخلص من هذا القصور في التفكير والتقدير والتدبير ممكن، وإن لم يكن ثمة ما يبشر بذلك!.

مقالات ذات علاقة

ماذا تبقى من الكيان؟!

عبدالباسط أبوبكر

حصان البحر الذي فينا

محمد قصيبات

الرايس عيشة سيدة البحر التي لا تخشى أمواجه العاتية

المشرف العام

اترك تعليق