سيرة

للتاريخ فقط (9)

يشرع موقع بلد الطيوب في نشر سلسلة (للتاريخ فقط) للشاعر “عبدالحميد بطاو“، والتي يروي فيها الكثير من الأحداث التاريخية والسياسية.

عبدالحميد بطاو: الصورة المرفقة وجدتها بصفحة الصديق محمد الشختيرية؛ التقطت لنا في فترة الاستراحة بين الجلسات وفيها من يسار الصورة السنوسي ادهان من الزاويه و على اللافى من طرابلس ومحمد الزنتانى من الزنتان وضو نجاح من قصر اخيار ورجب الهنيد من درنه وعبد الحميد بطاو من درنه.. والذي خارج القفص المحامى كامل المقهور.

الحلقة: 9/ أناشـيدنا وهــتافـاتنا ونحن مكبـّلين تـهز كل أهل طرابلس فيلوحون لنا بأيديهم

لا شك أن جيل السبعينيات الذى ولد في عصر القذافي والذى انكوى بنار العسف والظلم والاعتقال غير المبرر والبقاء في الزنزانات دون محاكمة تصدر احكامًا محددة تنهى معاناتهم، هذا الجيل الذى فتح عيونه على القهر والعسف والقمع والفقر والجوع والمعاناة التي امتدت على مدى أكثر من أربعين عامـًا

لاشـك أنــه الآن يتسـاءل: هل عصر المملكة الليبية كانت ليبيا فيه جنة الله على الأرض، وكان كل شيء فيه على ما يرام؟ أم كان هو أيـضـًا بـه ظلم وعسف وسجن وطغيان بوليسي؟

ولكى نكـون منـصفـين لابد لنا أن نقول رغم (كتيبة القوة المتحركة) التي كانت تعسكر في قرناده بالجبل الأخضر بعدتها وعتادها، والتي كثيرًا ما اقتحمت مظاهرات الشوارع وشتتها بالهراوات والرصاص في بعض الأحيان، مثل ما حدث في صدامات 14 يناير1964م ببنغازي التي قتل فيها الطلبة (البيجو) و(بن حريز) ورغم حركات الاعتقالات التي تحدث بين الحين والحين، ومحاكمة الأحزاب السياسية كحزب البعث قبلنا، وحركة القوميين العرب، إلا أنني أستطيع أن أجزم أنه كان هناك ثمة عدل وضمانات وشكل قانوني لكل ذلك ولابد لنا حينما نقيم عصرًا أن نقيمه من خلال كل المعطيات التي كانت متاحة له والظروف المحيطة به في ذلك الحين وندرس بحياد وتجرد مبرراتهم ولعل عصر المملكة كانت فيه الدولة الليبية في مرحلة تأسيس، ولذلك كانت لها مبرراتها لتواجه مثل هذه التحركات بكل ذلك الحسم، ونحن لابد لنا أن نكون عمليين وواقعيين في تقييم تلك المرحلة ولا نتعاطف معها وأيـضـًا لا نغـمـطها حقـها، فنحن نكتب ما نكتبه الآن في ظلال التاريخ وهيبته (ولن نقول إلا ما عشناه في عصرنا، وبكل صدق وتجرد فنحن نقول شهادة تاريخية بكل ثقلها).

شدني بهذه المناسبة ما رواه السيد (جمعه الوازنى) صحفي وإعلامي، من المرج، خلال سهرة ببيتي عن حضوره رغمًا عنه ومشاهدته لعملية تنفيذ حكم الاعدام في الشهيدين (دبوب) و(بن سعود) في تلك الظهيرة السوداء بداية شهر أبريل 1977م، وكيف رأى أرجل دبوب النحيفة ترتعش بشدة في الهواء قبل أن يسقط عنها (صباط الاصبع)، ثم تتصلب وقد جللها الموت.

كذلك روى لي الصديق الشاعر الراحل (عبدالعظيم شلوف)، كيف كان يشاهد تلك الأحداث الرهيبة ويرى الناس من حوله يبكون في صمت وهم يتلفتون حولهم متوجسين خائفين، وكيف أنهم تركوا الجثامين تتأرجح في حبالها حتى المساء وتنفيذ الشنق في الشهداء: الشويهدى، والمخزومى، ولياس، وفنوش.

إضافة الى تنفيذ حكم الإعدام رميًا بالرصاص في أكثر من أربعين ضابطًا تم وسط ساحات معسكراتهم وبأيدي رفاقهم رغمًا عنهم في تلك الأيام السوداء (ولازال بعضهم الآن يتباكون على أيام القذافي ويقولون يا يوم من أيامه).

دعونا الآن نواصل حديثنا، وقد توقـفـنا في الحلقة السابقة عند اقتراب اليوم الأول في محاكمتنا وهو يوم 15 ـ 1 ـ 1968م، حيث أيقظونا فيه في ساعات الصباح الأولى وأخرجونا جميعـًا في الساحة التي أمام إدارة السجن وأكدوا حضورنا جميعًا من خلال ذكر كل اسم وإثبات وجود صاحبه، وبعد ذلك أحضروا القيود وشبكوا كل أثنين في قيد وأركبونا في سيارات مغطاة بالحديد كالمصفحات وتحركوا بنا ليجتازوا شوارع طرابلس الى مكان المحكمة.

كانت في كل سيارة كوة صغيرة للتنفس كنا نتفرج من خلالها بالتناوب على طلبة وشباب طرابلس ومواطنيها وهم يقفون على الأرصفة يلوحون لنا بأيديهم متجاوبين معنـا ونحن نضرب حديد السيارات الراكضة المذعورة بقيودنا، منشدين بصوت واحد هز كل شوارع طرابلس التي مررنا بها في ذلك الصباح الحماسي الساخن:

إذا الشعب يومـًا أراد الحياة
فلابـد أن يسـتجـيب القدر

ولابـد لليــــل أن ينـجـلـي
ولابـد للـقـيد أن ينـكـســر

ولكن قـيدنا لم ينكسـر، بل فتحوه عن أيدينا بأيديـهم المرتعشة انفعالا وارتباكـًا ضباط الشرطة قبل أن يدخلـونا في القفـص الفسيح الذى أعد خصيصـًا لنا بصالة مركز البحوث الجنائية الذى كان مقامًا خلف فندق الودان، وقد رصت به كراسي بعددنا جلسنا عليها وكان آباء وأخوة بعضنا ومعهم بعض المخبرين يجلسون وسط الصالة كجمهور وأمامهم منصة تقابل منصة هيئة المحكمة هي منصة هيئة المحامين التي جلس عليها بعد قليل مجموعة من المحامين المتطوعين الذين قدموا أنفسهم للدفاع عنا مجانـًا، ولابد لي من ذكر أسمائهم لأنني أكتب تاريخـًا وهؤلاء كانوا مشاركين في لحظات مواجهة العسف والصمود مثلنا تمامـًا في تلك الأيام كان رئيس هيئة المحامين:

(1) الأديب المحامي كامل المقـهور.

(2) الشاعر المحامي على صدقي عبد القادر.

(3) المحامي ابراهيم الغويل.

(4) المحامي محمود نافع.

(5) المحامي محمـد سليم.

(6) المحامي ميلاد أقناو.

وبعد ان استرحنا في القفص وتبادل الكثير منا الإشارات مع أقاربهم بدأ حضور هيئة المحامين بحقائبهم ومعاطفهم السوداء المميزة وساد الصالة لحظات صمت في انتظار إطلالة القاضي ومستشاريه والادعاء.

سنتوقف هنا لنتحدث في الحلقة العاشرة عن أجواء التحقيق والحوار مع المحامين والاقارب، وما حدث خلال جلسات المحكمة من المفارقـات.

فإلى الحلقة العاشرة إن شاء الله….


الصورة المرفقة وجدتها بصفحة الصديق محمد الشختيرية؛ التقطت لنا في فترة الاستراحة بين الجلسات وفيها من يسار الصورة السنوسي ادهان من الزاويه و على اللافى من طرابلس ومحمد الزنتانى من الزنتان وضو نجاح من قصر اخيار ورجب الهنيد من درنه وعبد الحميد بطاو من درنه.. والذي خارج القفص المحامى كامل المقهور.

مقالات ذات علاقة

محاولة القبض على سيرتي الأدبية؟! (1)

حواء القمودي

في ذكرى ميلاد شاعر الثورة والحزن الـ70

المشرف العام

شريفة القيادي سيرة المُبدعة الليبية

فاطمة غندور

اترك تعليق