سيرة

للتاريخ فقط (25)

يشرع موقع بلد الطيوب في نشر سلسلة (للتاريخ فقط) للشاعر “عبدالحميد بطاو“، والتي يروي فيها الكثير من الأحداث التاريخية والسياسية.

الشاعر عبدالحميد بطاو عام 1987م وأنا أرقص وسط جماهير مدينة البصرة بالعراق

الحلقة: 25/ لايـصح إلا الصــحيح

ثلاثون ألف دينار هى ملكك وفي ذمتك ونقصت من عهدتك المالية التي استلمتها من المنشأة العامه للنشر والتوزيع والاعلان أين أخـتفت…؟
ياالله… ليس ألفًا أو ألفين أو حتى عشرة آلاف، بل هى ثلاثون الفًا فأين أضعت هذا المبلغ الضخم؟ وكيف يحسب عليك لو لم يكن واقعـًا مثبوتًا من خلال لجنة جرد متخصصة ومحايدة وبصـورة قانـونية؟ هذه أمور مالية لا اجتهاد فيها ولا تخيلات ولا أوهام شعراء.
يا عالم ياناس.. كيف يمكننى أن أخبئ كل هذا المبغ الضخم ولم أحمل في حياتى مبلغًا بهذه الضخامة فكيف ضاع وأين ضاع ومتى ضاع…؟

هـكذا قضيت اكثر من أسبوع أحدق حولى مذهولا وأحاور نفسى وحدى كالمجنون وصرت أدخن بنهم وأصاب بأرق طول الليل وانذهال وحيرة، واشتعلت نار الظنون بين جوانحى وصرت أشعر بحرج مؤلم حين خطر بذهنى أن كل من حولى ربما صاروا يشكون في نظافة ذمتى وصدق براءتى بما في ذلك أسرتى وإخوتى وكل أصدقائى وصرت ملزمًا بأن أفكر تفكيرًا عمليـًا في الطريقة التي أعيد بها لنفسى حقها بتفنيد هذه التهمة المزرية، وكيف أبرئ ذمتى وبدأ أقاربى يحاولون معى الوصول الى حل وكان من بينهم أبن خالتي (نصر امداوى الشلوى) رحمه الله، الذى كان يعمل في شركة المشغولات المعدنية، ولديهم محاسب مصرى لديه خبرة في أمور المبيعات والفواتير، أحضره لي وكنت أيام الجرد حريصًا أن آخذ نسخة من كل محاضر جرد اللجنة التي جردت لي من بنغازي وكانت لدى نسخ من قوائم الكتب التي أحضرتها من طرابلس، وهكذا سلمت للمحاسب هذه القوائم وقوائم لجنة جرد بنغازي وبدأ كخطوة أولى بمراجعة دقيقة للكميات المباعة والمتبقية من الكتب كلها ثم انتقل بعدها الى التدقيق في الأسعار ومدى مطابقتها بين قوائم طرابلس ولجنة جرد بنغازي.. وهنا ضبط الرجل أول خيط يقود لبراءتى حينما اكتشف مدى الكارثة التي تورطت فيها لجنة بنغازي، فقد قدرت تسعيرات للكتب لا تتناسب وتسعيرة مخازن طرابلس ووجد أن هناك كتب مسعرة من مخازن طرابلس بدينارين ونصف وقدرتها لجنة جرد بنغازي في كشوف جردها بربع دينار وهى كمية كبيرةهذه كعينة فقط.

وتحمس محاسب المشغولات المصري وزاد دقة في متابعته لهذه الفروق في الاسعار التي بين قوائم بنغازي وطرابلس، فوجد فروق أسعار تجاوزت الستة عشر الف دينار، وهذا فرق مرعب، رغم ان مبلغ الستة عشر الفًا لم تغطى كل العجز الا أنني شعرت وبثقة أن هناك أمورًا أخرى سيكشفها الله لتكتمل براءتى التي كنت عى يقين منها.. وهكذا انكشفت بقية الكارثة على النحو التالى:
كان العاملون معى يسرقون الكتب كما قلت ويخفونها في بيوتهم بدل أن يرجعون بها من صالة المعرض الى المخزن الذى بشارع (حشيشه) يوم أن انتهى معرض الكتاب الذى أقمته وتم الجرد المفاجئ من لجنة بنغازي نهاية شهر اكتوبر من عام 1986م.
وبعد ثبوت العجز أوقفت عن عملى كما قلت واستلموا هم (العاملين معى) عهدة الكتب من لجنة جرد بنغازي بدلا منى واستلموا المكتبتين (مكتبة الأطفال) التي أنشأتها و(مكتبة الاسطى عمر)، وكانوا يظنون أن الجرد لن يتكرر عند نهاية نفس هذا العام ولن يكون هناك جرد آخر إلا نهاية العام القادم أى بعد أكثر من عام يكونون خلاله قد باعوا هذه الكتب وتخلصوا من وجودها.

وهكذا تشجعوا وأحضروا الكتب المسروقة من عهدتى والتي شكلت جزء من العجز الذى اتهمت به ورصوها في أرفف المكتبتين لبيعها قبل أن يأتى جرد العام القادم، وبهذا يكونوا قد تخلصوا منى بثبوت العجز واستفادوا هم ماديًا من ثمن هذه الكتب (جريمة بشعة تقشعر لها الأبدان).

ولكن لأن الله يريد أن يظهر براءتى قرر فرع بنغازي تشكيل لجنة جرد نهاية نفس العام، وقامت بجرد هاتين المكتبتين فاكتشفت اللجنة أن هناك زيادة كبيرة في الكتب (بين الكمية المسلمة لهم من لجنة جرد بطاو والكمية الحالية التي رصدتها لجنة جرد نهاية سنة 1986م. وقدر مبلغ هذه الكتب المسروقة حيث تجاوز الخمسة عشرألف دينارًا، وهكذا وبدون شك أتضحت الصورة بكل مافيها من بشاعة وخسة (لم يعد هناك ثمة عجز بعد اكتشاف فرق الاسعار وضبط الكتب المسروقه).

وحاولوا تغطية الموضوع وتجاوزه وفي محاولة لاسترضائى قدم لي مديرفرع بنغازي (صالح البرشه) ورقة وطلب منى أن اقدم له كشفًا بأسماء كل هؤلاء العاملين معى ليحيلهم للعمالة الزائدة فرفضت لأن هذا الكأس ذقته مراره كثيرًا ولن أرضاه لغيرى ورفعت شعار والدى (لاتكافي.. لك مكافي) يكفينى نصاعة ذمتي.

عدت بعدها لعملى كمسئول مجموعة العاملين بالمنشأة (بعد أن ألغى الفرع وصرنا تحت سيطرة مكتب البيضاء)
طبعـًا بعد أن تأكدت براءتى ورد لي اعتبارى صرت أحدق في الكتب المرصوصة في أرفف المكتبات وأقول في نفسي لو أن هؤلاء العاملين القساة كانوا يقرؤن من هذه الكتب التي يبيعونها لاكتسبوا أخلاقـًا وثقافة منعتهم من ارتكاب مثل هذه الجريمة البشعة التي كادت تدمر حياتى.

كانت أيام قاسية عانيت فيها الفلس والحاجة والشك والريبة والحرج والحس بالغبن، ولكننى كنت بينى وبين نفسى واثقًامن براءتى وعلى يقين انه لايصح إلا الصحيح.. وقد كان. وإلى الحلقة القادمه التي ساتحدث فيها عن انتقالة سادسه كانت سببًا في قطع صلتى بكل أجهزة هذه الدولة الظالمة.

مقالات ذات علاقة

حوافز ومفارقات كتابة سيرة*

نورالدين خليفة النمر

محاولة القبض على سيرتي الأدبية!؟ (53)

حواء القمودي

محاولة القبض على سيرتي الأدبية!؟ (30)

حواء القمودي

اترك تعليق