قصة

لا يحدث إلا لسومرست موم

من أعمال التشكيلي عمران بشنة
من أعمال التشكيلي عمران بشنة


في نيس، بدا من الصعب العثور على حجز فندقي، بعد جولة بحث استطعتُ الحجز مبدئياً، في نزل صغير، وقبل أن أقدم جواز سفري، تحدث الموظف مع مسن يجر حقيبة. بدتْ علامات الخيبة على وجهه لرفضي مشاركة المسن لغرفتي. لا أعرف لأي سبب فعلتُ هذا، رأيتُ المسن يجر نفسه مغادراً، للحظات أحسستُ بتأنيب الضمير، فلا وجود لفنادق بغرف شاغرة والليلة باردة جداً ولا تزال في بدايتها. ركضتُ وراء المسن عارضاً عليه مشاركتي الغرفة ولم يتقبل اقتراحي بترحاب، بدا حزيناً إلا أنه عاد باستسلام، دفع نصف المبلغ، وفي الغرفة استطعتُ دفعه للحديث، لدي موهبة في هذا، أخبرني بأشياء عن نفسه، ثم هز رأسه بحزن وأكد أنه اقترب من اقتحام هوليوود وفشل لسبب لن أصدقه.

“ما هو؟”. سألته.
“قبل سنوات كنتُ جائعاً، فوجدتُ فرصة للعمل”. قال متذكراً: “التقيتُ بمخرج أمريكي، قدم لي دوراً كوميدياً، من المفترض فيه أن أشرع في النباح أمام حسناء عارية”. لاحظ دهشتي، فابتسم مضيفاً: “أعدتُ ذلك قرابة خمسين مرة، لم يُعجب المخرج بأي أداء قدمته، في النهاية قدم لي مبلغاً جيداً وصرفني، منذ تلك الليلة أخذتُ أحلم بالمخرج وهو ينهرني أمام الحسناء العارية لأقدم أفضل أداء، أظل أنبح حتى يتمزق حلقي بنباح يملئ الأجواء في الأستوديو”.
حيال صمتي وحيرتي، فضل الضحك، فضحكتُ معه. موقف غريب. تعشينا معاً شطائر كان يحملها في حقيبته مع علبتين من المشروب، تحدثنا في أشياء مختلفة، اعترفتُ له بكل الأمور المخجلة التي اقترفتها، أنصت كالقسيس، مضى الوقت سريعاً، فأحسستُ براحة بالغة أسلمتني لنوم عميق.

بين اليقظة والحلم، شعرتُ بشيء ما يطرق بعنف داخل رأسي، ثم سمعتُ بوضوح متزايد نباحاً عالياً يشق عتمة الغرفة، رفعتُ رأسي متطلعاً ناحية مصدر الصوت، رأيتُ المسن مواجهاً الجدار، متشبثاً بيمناه على حافة السرير، وينبح بقوة غريبة، بدا نباحاً حقيقياً، عالياً ومتواصلاً، أفلتُ ضحكة ودعوتُ في سري ألا يكون معدياً ومع مرور الوقت بدأتُ أعي جيداً مأسوية ما كان يحدث أمامي. لاحظتُ أن جسده ازداد إنهاكاً وإن كتلاً من العرق انبثقتْ فوق جبينه وهو يحاول التقاط أنفاسه بين اللهاث، شاداً على السرير مستمداً منه القوة، استغربتُ من عدم استيقاظه، شعرتُ بالشفقة العميقة تجاهه.
عندما استيقظتُ باكراً، لم أجده في الغرفة، فقط نباحه ظل يطرق بعنف داخل رأسي.

مقالات ذات علاقة

بوك عمر

يوسف الغزال

كتاب العلوم

مقبولة ارقيق

الوهم

أسماء مصطفى

اترك تعليق