طيوب عربية

كَمْ أغبطهُ عَلَى صدقهِ

من أعمال التشكيلي المغربي خليل بوبكري (الصورة: عبدالمجيد رشيدي-المغرب)

أَتاني صوتٌ ضعيفٌ…
تخنقهُ دموعًا تزُخُ
لكنّهُ اِخْتَرَقَ باب مكتبي!
قطعتُ الحدّيث مَعَ مُتحدّثي
وتطلّعتُ أمَاميَ
بَعْدَ أن شَرَعتُ البَابَ عَلَى مِصْرَاعَيْهِ
فوجدتُ فتاةً دَّميمةُ النَّظْرَاتِ
تسبُقُها رائحة دموعها!
همَّ مُحَدِّثي واقفًا لِيُغادرَ
يسبقهُ غضبه!
سألتُهُ:
أتعرفها؟
أومأ برأسهِ نعم…
ثُمَّ نطقَ قائلاً:
إنّها الفتاةُ
الَّتي حدّثتُكَ عَنْ اِنْتِهَاءِ صَلاحيَتها عِنْدِي!
جلستِ الفتاةُ مضطربةً وتكلمت بانْفِعالٍ
مُتغيِّبةً عَنِ الكِياسَةِ وَرِقَّةِ الطَّبْع وأخلاقِ الحوارِ…
لِذَا سرعانَ مَا نشبَ بَيْنَهُمَا سِجالاً…!
ووسطَ ضجيجِ الْجِدَالِ وصخبَ لِلَّكْمِ بِالْكَلِمَاتِ
أدركتُ مِنْهُ أنَّ تَرَاكُمَ السَّخَطُ
يؤديَ إِلَى الانْفِجارِ في أيّ لحظةٍ…
وأنَّ تنافرَ الطِّباعُ وتناحرَ الأفكارُ
يُثيران الاشْمِئْزاز والتَّكَرُّه
وأنَّ تَفاوَتَ الوعيُ وصراعَ الثَّقَافاتُ…
تُدوِّنُ وَتوطِّنُ نُدُوبًا فِي القَلْبِ لَا تمحَ
فباتَ يشكُو مِنْهَا
وَكَيفَ ذاتَ غلطةٍ
فِي ظرفٍ غيرِ معتادٍ
عرفها فِي علاقةٍ عاطفيّةٍ
طَالت زمنًا
فَاِقْتَرَبَ عُمرُها الافتراضيّ
مِنَ النِّهَايَةِ
لِيَتَحَوَّلَ ربيعُ اختيارهِ الفاشلِ
إِلَى خريفٍ عاصفٍ
وشتاءٍ مُظلِمٍ وسنوات صيفٍ عِجَافٍ!!
واصلتِ الفتاةُ البُكاءَ
واِسْتَعْطَفَتهُ لِيَرْفَقَ بِحالِها…
كَمِنْ يشحذُ الماءَ فِي الصحاري!
لَكِنّهُ رَدَعَ جِمَاحَها اللَّعُوب بِالقولِ:
“لستِ سِوَى اختيار خاطئٍ
ولمّا فَكَّني البَنْجُ
ركلكِ قَلْبِي بِأَقْدَامِ الوَعْي
بَعْدَ أنْ زلَّتْ بِي القَدَمُ بكِ فِي غفلته..”.
وَلَمْ يكتفِ الشّابُ
بِركلهِا مِنْ دربِهِ للأبدِ
إِلَى غيرِ رجعةٍ
بَلْ وجدتهُ يمحقها مَحْقًا….
بِتركهِ فِي وجدانِها لهيبًا
سيظلُّ مُشتعلاً
لآخرَ رمقِ فِيهَا
بَعْدَ أن أَخْطَرَها
بقربِ موعدِ اِرتباطِهِ
مِنْ نصفِهِ الآخرِ
الَّذي وصفهُ بالصحيحِ والأبديِّ!
ربُّمَا لَتَعجّبْ أيُّهَا القارئُ
لكنّني أَنَا أيضًا متعجِّبٌ
مِنْ جُرْأَةِ هَذَا الشّاب وَوُضُوحِهِ
الَّذي فِي الموقفِ الأصعبِ
ربتتْ يدُ التّحدي عَلَى كتفهِ
فصارحها بِالحَقِيقَةِ
كَمِنْ يتقيَّأ طعامًا فاسدًا أكلَهُ!
فَكَمْ أغبطهُ عَلَى صدقهِ مَعَ نفسهِ…
ولئلاَّ يظلُّ قَابِعًا دومًا
فِي بئرِ الاخْتِيَارِ الخاطئ
وَيَغفُو عَلَى مَوَاوِيلِ النَّدَامَةِ
اِستَشاطَ عقلهُ بالوعي
فلَوَّحَ لَهَا قلبهُ
الَّتي حلمت فِي سُكِّناه
بِالوَدَاعِ الأَبَدِيِّ!
وَعَلى الرغمِ
مِنْ أنّها اِستِفاقة مُتأخَّرة
لكنّهُ حسنًا مَا فعلَ…!

مقالات ذات علاقة

الطفل وعالم اللغة الممتع

حسين عبروس (الجزائر)

رواية رام الله- حين تتأوه العتبات

عائشة إبراهيم

جماهيريّةُ الشاعر تميم البرغوثي

فراس حج محمد (فلسطين)

اترك تعليق