قصة

كيف يحيا من يفقد الأمل؟

من أعمال الفنان محمد الشريف.

عاتبته على تأخره؛ فلقد توغل اليأس في طريقه إليها و لولا أنها على يقين أن الله لن يخَيِّب ظنها لكان غول اليأس تمكن منها بل وافترسها.

وجدته كما هو، يكاد من الوهج ألَّا يرى، أضفى حضوره سلاماً حتى اطمأنت. وقعت عيناها عليه فتأملته. مألوفاً كأن لم يغب قَط.

لم تتمالك مشاعرها، وكادت تطير من سعادتها به، تطير فرحاً كطير يتراقص محلقاً في سماءٍ يزعم أنه يمتلكها، و لم يكن يخفى ذلك على من يراها فلقياه جعل السرور يتطاير من عينها كما تقدح النار الشرر.

اقترب موبِّخاً، كيف سَمحت لغول اليأس أن يدنوَ منها، وكيف تاهت عن طريقها إليه وهو الذي لم يكن يفارقها.

همست بصوت مترددٍ كيف لم تفارقني، أفقدني الخوف والحزن البصيرة، فلم أعد أرى لك أثراً. كنت تائهة على هذه الوسيعة، فكيف لي أن أُبصرك.

عاتبها: أتدرين أنني لم أبرح أرضك ولم أغب عن سمائك، فلما غاب نور إيمانك، أظلمت دنياك هكذا؟

تلعثمت بإجابتها لحين تدحرج دمعة سخية من مقلتها، حينها انفكت عقدة لسانها قالت له: لقد تمكن مني الخوف، خوف من كل شيء ومن اللَّا شيء، خوف من السكون والضجيج وخوف من الظلام وخوف من تداول الأيام، خوف من ألا أستطيع فأحتاج فلا أجد. خوف من وصف الخوف ذاته. ولمن سأصف وكيف سأجيد الوصف، ومن سيفهم الوصف. وحينما لم أجد من يتقن لغة الوصف انتابني الحزن حزن على وحدتي وحزن على عزلتي وحزن على انطفاء قدرتي. وهكذا ابيضت بصيرتي خوفاً وحزناً فعجزت عن إدراك وجودك في أفقي فتهت عنك.

توهج مستفهماً: أما كان عليك التمسك بنور الله لكيلا تظلم دنياك؟ ما كان عليك الخوف من الشيء و اللَّا شيء فكل الخوف سراب تقمص شبح الحقيقة.

قاطعته: أدركت أن الخوف سراب وألا أمان أرتمي بحضنه إن لم توقد بقلبي شعلته فيطمئن. ولهذا أبصرتك فاتبعت نورك حتى أدركتك فتشبثت بك ولن تغيب عني مجددا يوماً.

أحاط بها وأهداها أجنحته لتعلو به، تمتم: لن تستطيعي براحاً إن تخليتي عني.

تبسمت له موافقةً: كيف يحيا من يفقد الأمل؟

مقالات ذات علاقة

المطر الذي تنسفه الريح

رضوان أبوشويشة

المتسوِّل…

أحمد يوسف عقيلة

بنت باردو

المشرف العام

اترك تعليق