دراسات

كوثر نجم.. بين الفجر والغيوم!؟*

الشاعرة كوثر نجم (الصورة: عن الشاعرة والباحثة فاطمة بوهراكة)

(ولا تكتفي السيدة “كوثر” بذلك بل توضح في جلاء ما ينتظر المرأة الليبية، من حيث أن لها دورها الإنساني العظيم في تربية النشء وإعدادهم ليكونوا مواطنين صالحين، ولا يقلل من هذا الدور الانساني إلا انعدام وجود الفرص والأغلال التي تقيدها وتبعدها عن القيام بواجباتها ومحاولة استرداد حقوقها المغتصبة التي جعلتها مواطن من الدرجة الثانية) رحلة القلم النسائي الليبي- شريفة القيادي- ص92

ترى من هذه الـ(كوثر) التي تجأر بصرخة مدوية عما يحيق بالمرأة الليبية من إجحاف وظلم؟، ومتى؛ في العام 1959م بعد سنوات قليلة من نيّل بلادنا ليبيا استقلالها؟ سنتابع الحكاية ونعرف من هي (كوثر نجم: شاعرة الظل والنسيان).

نافذة على الشاعرة كوثر نجم

البداية كانت بمنشور كتبته الشاعرة المغربية “فاطمة بوهراكة”، والتي تسعى لإصدار (موسوعة الشعر النسائي الفصيح)، حين كتبت منشورا في يوم 11 مايو 2020م، متسائلة عن (الشاعرة المصرية، الليبية كوثر نجم: شاعرة الظل والنسيان)، ومنحت معلومات عنها وعن ديوانيها الصادرين لتنهي منشورها: (ليدخل مسارها التوثيقي منعطفا غامضا لم يحل، بعد سواء من قبل المصريين الذين يجهلونها، أو الليبيين الذين يتحدثون عنها باقتضاب شديد).

وحين قراءتي المنشور وقراءة بعض الردود الواردة ومنها إشارة الدكتور “يوسف أوغليسي” لكتاب المبدعة “شريفة القيادي”، حينذاك تذكرت بصورة غائمة أني قد قرأت عن هذا الاسم في كتاب الأستاذة “شريفة القيادي” (رحلة القلم النسائي الليبي)، ولكن ما كان جليا أنّ ديوان الشاعرة (فجر وغيوم)، وقبل أيام من كتابة المنشور قد عبر بين يدّي وأنا أبحث في مكتبتي، وهكذا بدأت رحلتي مع الشاعرة التي كما قالت عنها الباحثة “بوهراكة” (شاعرة الظل والنسيان).

وكما يحدث عادةً، سيختفي ذاك الديوان الصغير بمكر شديد، وبما أننا في شهر رمضان الكريم، ولا يستقيم المزاج إلا بعد شرب القهوة، فإن ثلاثة أيام مرّت قبل أن أجده مختبئا ومحتميا بين مجموعة من الكتب ولا أدري لحظتها ما هو التعليق الأول الذي جرى على لساني، ولكن حقا احتضنت ذاك الديوان الصغير وكان قربي أيضا كتاب “القيادي” (رحلة القلم ……).

ولكن ما كان هامّا بالنسبة لي وبعد قراءة ما كتب على الغلاف الخلفي للديوان، هو أن أرسل المعلومات الواردة وبعضا من نصوص الديوان إلى الصديقة الباحثة والمنقبة “فاطمة بوهراكة”، ولأتفرغ بعدها لقراءة الديوان، ديوان (فجر وغيوم)، والذي صدر عن (دار لبنان للطباعة والنشر – بيروت) الطبعة الأولى ١٩٦٥/1965م، بعنوان (هذه المجموعة) كتب “علي أحمد أبو زقية” يقدم هذا الديوان مفتتحاً الحديث عن (الشعر العربي الحديث، ذلك الشعر الذي بدأ يعرف بميزاته وينعت بخصائصه، فهو إذ يتحرر من التزام الوزن والقافية مقتصرا على التفعيلة المطلقة، لا يهيم بذلك تائها في دنيا غائمة) ص5، (وإنما يعانق أساليب تصويرية وتمثيلية حية، وجدت في الشعر الحديث مجالا رحبا لخصوبتها ونموها) ثم يكون الحديث عن تجربة الشاعرة “كوثر نجم” والتي (بدأت انطلاقا من المشاعر والخواطر الذاتية والحقائق المقررة، مع التزام لقواعد الشعر التقليدي) ص6، ويأتي بنموذج من هذا الشعر، ولكن لن تظل حبيسة في (قواعد الشعر الخليلية التي حبست مشاعرها، وجمدت معانيها) ص7، لكن ستنطلق (إلى معانقة قضايا الناس، وتعايش نضال الجماهير متلاحمة معها أكثر فأكثر) ص7.

وأظن أن هذه المقدمة يمكن إدراجها كدراسة عن الديوان وأيضا الإعلان عن (الشعر الجديد)، والذي من مزاياه كما عبّر عنها (على أبو زقية) في نهاية هذه المقدمة بأن معظم قصائد هذا الديوان (ينتظم في نهج الشعر العربي الحديث، التي أخذت شاعرتنا تسير فيه بخطى ثابتة وروح شاعرية صادقة تعيش الحياة وقضايا الناس البسطاء بعمق، وتعبر عنها بحرارة وصدق في أسلوب تصويري أخّاذ، قوامه السلاسة والوضوح) ص14.

الأمل الذي لا ينطفئ

(فجر وغيوم) ديوان بحجم صغير حوى بين دفتيه إحدى وعشرين قصيدة، تمثل تجربة شاعرة من الجيل الجديد، تحاول تلّمس دروب الإبداع مذ كانت طالبة بكلية دار العلوم في القاهرة، حيث نجد لها قصائد بتاريخ (1953/1954/1955/1956/1957)، وسنجد روح تلك الشابة المتوثبة سواءا فرحا أو شجنا، تقول في قصيدة ( أمّاه..) والتي كانت بتاريخ 1953م:

أماه أين نأيت؟
في أي روض ثويت؟
أماه أين أراك؟
فالبعد ينهش نفسي (ص19)

وكانت قصيدة (الربيع) 1954م، والتي نسجتها على الشكل التقليدي، قصيدة تتقافز طربا بقدوم الربيع:

ولّى الشتاء ببرده وغيومه
أهلا بعيد النور والإلهام….
في دفئه عطف وفي لمساته
سحر يفوق روائع الأنغام

وفي قصيدة ( أنا حُرّ) 1955م، سنجد. روح الشباب التي تتحدى معلنة:

ها هي الأغلال تهوي
وإليها لن أعود
…….
سوف أحيا في حياتي
أنا لا أرضى الجمود
إنني يا دهر حرّ
كيف تغريني القيود؟
…….
سوف أشدو وأغني
بدمي لحن الوجود ..

ولكن قصيدة (الحرب) 1956م، تشهد تطور تجربة “كوثر نجم” الشعرية، لأنها اختارت مغامرة الشعر الجديد، وهذا ما أشار إليه الكاتب “على بوزقية”، في المقدمة أن الشاعرة حين تحررت (تدريجيا من قواعد الشعر الخليلية) استطاعت أن تجعل من هذه القصيدة التي (تعالج قضية الحرب متأثرة بالعدوان الغادر الذي تعرضت له مصر وهي في نشوة فرحتها بتأميم القناة) (نجحت الشاعرة في تخليص هذه القضية العامة من الجمود والتقريرية) ص7. والقصيدة تبدأ بتصوير حياة الناس العادية:

قبل الغروب
في روعة الشفق الطروب
والشمس تبسم للوداع
والأفق ينظر في التياع
والكون يبدع في بهاء
متوسلا أن تستجيب
فلا تغيب (ص29)

والجميل في هذا الديوان هو تأريخ القصائد والذي يشي في المتن أن الشاعرة تريد أن تضع تجربتها بتعثرات البداية والتي عادة ما تكون باتباع الخطوات السابقة، وأيضا انتهاج الشكل التقليدي للقصيدة العربية، ولكن رويدا رويدا تظهر الشاعرة، ونلمس تلك المحاولة في البحث عن الصوت الشعري الخاص بها من خلال هذا الشعر الجديد (الشعر الحر) الذي منح فضاءا أوسع للتعبير عن الذات الشعرية بتنوع القوافي واستغلال امكانات الصورة الشعرية، وسيظهر هذا في عدة قصائد في الديوان مثل (همسات حائرة – 1956م) ص32، وثلاث قصائد بتاريخ 1957م، وهي: (أين أحيا ص36- بنت الحياة ص38- نداء الحياة ص43) وقصيدة (نجوى – 1958م- ص50).

 ولكن هذه الشاعرة وكما رصدت الكاتبة “شريفة القيادي” في كتابها (رحلة القلم النسائي الليبي) أنها كتبت (في أول انطباعاتها المنشورة بقولها: إنني حديثة عهد بالبيئة الليبية، ولكنني قررت عن طيب خاطر الانتماء إليها وبنفس الروح تفاعلت مع ما أتيح لي الإحاطة به من ظروف أهلها)، وكان عنوان هذه المقالة التي اقتطعت منها القيادي هذا الجزء (النصر للمرأة) والتي نشرت في صحيفة (الرائد) في اغسطس1959م، ولكن قبل هذه المقالة وفي بداية العام تحديدا في (10 يناير 1959م) نشرت الشاعرة “كوثر نجم” قصيدة بعنوان (كفكفي الدمع فما تجدي الدموع) على الصفحة 3 من صحيفة (الرائد)، وهذه القصيدة نشرت في هذا الديوان بعنوان (كفكفي الدمع) ص 69: 74. وهي قصيدة عن الطفلة (امعيتيقة) والتي كانت ضحية سقوط طائرة تدريب أمريكية من قاعدة (هويلس) على أحد مزارع (سوق الجمعة)، وهي قصيدة غاضبة تبدأ بوصف تلك الطفلة في لحظة انهيال التراب على جسدها الغض:

امعيتيقة الحلوة يعلوها التراب
عينها الألأة
 اليوم رماد
قلبها الأبيض ذو الخفق الطروب
حدثيني كيف أضحى اليوم فحمة
حدثيني واحبسي الدمع، فما تجدي الدموع
حدثيني، إنما يحرق قلبي
همنا العاجز
مشلول الذراع ….

وتواصل صبّ حمم الألم والإشارة للظلم والفقر والذل الذي يستجدي الحياة:

أي طعم للحياة؟
ها هنا والناس
أحزان تسير
ودبيب الخطو هياب حقير
هاهنا، والظلم أفراح تطير
فوق أشلاء بلادي
وشجون كالتي تفري بلادي.

وتظل تحفر في الوجع وتوشي بالصور الحزينة ثوب قصيدتها كي تؤجج الغضب:

اسألي القلب الكسير
اسألي العش الحقير
اسألي الأسمال في ليل الشتاء
اسأليني واسألي المليون عن
خبز الشعير
ودموع وحصير ….
كفكفي الدمع،
 ففي الدمع هوان
ولقد آن الأوان
لانتزاع النصر
من أيدي الزمان .

dav

في كتابه (صور من الشعر الليبي المعاصر)، يشير الشاعر والناقد “خالد زغبية” في تناوله لتجربة الشاعر “محمد المطماطي” حيث يقول: (هناك جانب آخر من القضية التي يناضل من أجلها الشاعر.. إن هذا الجانب يتمثل لنا في قصيدته (معيتيقة) ص 54، ثم ينبه إلى أن (قصة معيتيقة) .. (كانت وحيا صادقا حيا لشعرائنا الشباب فعبر عنها: علي الرقيعي، وعلي صدقي عبد القادر، وحسن صالح، ومحمد المطماطي، وكوثر نجم.. وهذا الموضوع الواحد تناوله كل من هؤلاء الشعراء بطريقته وأسلوبه الخاص فهو موضوع مشترك شأن غيره من الموضوعات الوطنية والقومية والإنسانية) ص57.

والشاعر “زغبية” في كتابه هذا  تناول تجربة الشاعرة “كوثر نجم” ويرى (أن “كوثر نجم” الشاعرة المناضلة ارتبطت بقضايا الجماهير العربية في ليبيا، إلى جانب ارتباطها بالقضايا العربية الانسانية) ص87، واعتبر الشاعرة ممن حملوا (مشعل التجديد في الشعر العربي المعاصر، إلى جانب الشعراء المعاصرين في ليبيا)، وفي تناوله لديوانها الأول (فجر وغيوم) أنها (لم تضع له هذا الاسم اعتباطا)، (إنها ترمز بالفجر إلى فجر الثورة وفجر الحرية وطريق النضال من أجل الوصول إلى الغد المشرق) ص89.

وكان من المواضيع المشتركة الإنسانية التي تناولتها الشاعرة هي كفاح شعب الكونغو ونجد في مقدمة الديوان إشارة لهذه القصيدة (وفي الكونغو حيث لايزال الاستعمار العالمي يتآمر على مقدرات وثروات الشعب شعب هذه البلاد، كانت شاعرتنا تعيش مع الشعب نضاله البطولي بقيادة زعيمه الخالد “لومومبا” ص12. في كتاب الشاعر الفلسطيني “معين بسيسو”، (عطر الأرض والناس في الشعر الليبي المعاصر) يقول عن قصيدتها هذه: (فهناك وفي الأرض الأفريقية هناك في الكونغو، من كان دمه هو الجواب ومن كانت جراحه هي أسلحته… هناك حيث ينتصب “لومومبا” وسط حقول الجراح والنجوم يدافع عن حرية شعبه ويسقط تحت ضربات معذبيه:

رفع الراية ثوار
 “بالوبا”
نفخ البوق
” كارنجا”
رنت الأصداء في غينيا ومالي
هبت القارة في وجه المجازر
مرحبا بالحرب من أجل السلام…) ص89

وهذه القصيدة كتبتها الشاعرة عام 1961م، وهو نفس العام الذي كتبت فيه قصيدتها الأسيانة الجارحة بوجعها عن الشاعر الليبي الكبير “رفيق المهدوي” والذي تزامنت ذكرى أربعينيته مع (ثورة الشعب التونسي الشقيق، ونضاله لتحرير بلاده من قاعدة الاستعمار الفرنسي (بنزرت)، فتجاوبت شاعرتنا معها بحرارة وإخلاص) ص13، وتبدأ الشاعرة قصيدتها بهذا النداء الموشى بالأسى:

يا ثائر القيثار هل مات النغم؟
هل طفت فوقك أمواج العدم؟
كلنا ندعوك أضنانا الألم
من سكوت وبكم (ص 89)

وتواصل النداء:

يا رفيق لم يكن
إلا رفيقا
لبني الشعب ونارا
بل حريقا
يأكل الطغيان
يصليه الحمم
من بيان وكَلِم
صادق النبرة
عملاق القمم (ص90)

لتواصل القصيدة انهمارها في مقطع ثانٍ يبدأ بالنداء:

يا رفيق
لست أبكيك
بدمع ونحيب
إنما نحييك ذكرى لا تغيب
تبعث الإقدام فينا
والشّمم (ص92).

ولتنهي قصيدتها عن حادثة (بنزرت) ولتؤكد أن غياب شاعر مثله يترك ذاك الفراغ الموحش، فمن مثل رفيق يستطيع أن يصدح بالحق:

هذه بنزرت في يوم الخلود
وقوافينا جمود
أين أبياتك
 تمضي وتعود
تلهب النار
فتحتاج السدود
تضع المجد
 على هام الجنود
فإذا الأرض لنا
كل شبر ملكنا. (ص 93)

ورأى الشاعر “خالد زغبية” في هذه القصيدة (يا رفيق) أن الشاعرة (تمزج التجربة الذاتية بالتجربة العامة… إنها تربط بين نضال رفيق الوطني، ونضال الشعب التونسي لإجلاء الاستعمار عن قاعدة بنزرت) ص101، وكذلك (وفي هذه القصيدة أيضا تشير الشاعرة إلى مفهوم الشعر الحقيقي وموقفه الاجتماعي والحياتي، …… ولكن الشعر نضال وتمرس بالحياة وارتباط بقضاياها) ص101.

والأستاذ “زغبية” يرى في الشاعرة “كوثر نجم”: (الشاعرة التي تتجاوب مع الأحداث والقضايا الوطنية والقومية والإنسانية وهي مع الشعراء المعاصرين الليبيين تضع لبنة جديدة في بنية الشعر المعاصر) ص87.

نداء المعركة (فلسطين من النافذة الليبية)

هذا هو عنوان الديوان الثاني للشاعرة “كوثر نجم”، والذي كما رصدت “القيادي” في كتابها: (اشتمل الديوان الآخر على سبع عشرة قصيدة، نشرت بعضها في جريدة (الرائد) على فترات) ص78، وذكرت أيضا أن الشاعرة قد غيّرت عناوين بعض القصائد (أما في ديوانها التالي فقد وردت قصيدة (جراح شعب) بنفس العنوان وقصيدة (من أجل الحياة) بعنوان مغاير هو (هل مسنّا الجنون؟)). وقد أرسلت لي الاستاذة “فاطمة بوهراكة” بعض قصائد من الديوان الثاني، وانتبهت أن قصيدة (في ذكرى النكبة) والتي افتتحت بها الشاعرة ديوانها الاول قد وردت في الديوان الثاني بعنوان آخر هو (خواطر فلسطينية).

وكأن الشاعرة حين أعادت نشر قصيدة افتتحت بها ديوانها الأول، تؤكد مع الشاعر “معين بسيسو”: (يطل صوت الشاعرة “كوثر نجم”، يطل من النافذة الليبية على الأرض المحتلة على فلسطين التي تمتد يدها عبر الأفق الليبي بديوان قصائدها (فجر وغيوم)، هذا الديوان الذي يتصدره (الجرح الدامي) الذي ينزف خلال أبيات القصيدة الأولى من الديوان -في ذكرى النكبة- والذي تتصدى فيه الشاعرة لقضية ذلك السؤال التاريخي الذي يطرحه الجيل الثاني من أجيال النكبة على الجيل الأول، جيلنا نحن، وجيل الشاعرة ومرة ثانية:

ماذا سأخبرهم إذا سأل الصغار
أمي… ألي وطن أنا مثل الرفاق؟) ص 83

وقد أوردت الكاتبة “شريفة القيادي” في كتابها قصيدة للشاعرة “كوثر نجم” لم تنشرها في أيٍّ من الديوانين، وقد نشرت القصيدة في جريدة الرائد بتاريخ 3- مايو 1959م، والقصيدة بعنوان (إلى ابنتي)، وهي قصيدة متميزة وتضج بتلك الروح الثورية، تبدأ بحنو ورقة لتتصاعد وتيرتها حتى تبلغ الذروة في مقطعها الأخير:

صغيرتي لأني أحبّ أن أراك تبسمين
قريرة العيون
سعيدة الفؤاد والجبين
لأنني أود أن أراك تنعمين
بالعيش بين قوم
هانئين آمنين،
سأشرع البيان
يحطم الطغيان
ويرسم الطريق
 في جلال
لموكب الأجيال
كي تنتهي حكاية
الجياع والعراة
وتثمر الأغصان
لزارع الأغصان. ص 80/81

الصور: عن الشاعرة والباحثة المغربية فاطمة بوهراكة

حالمة في وجه الإعصار

(كانت من أوائل المنادين بإعطاء المرأة الليبية حقوقها السياسية والاجتماعية أسوة بالرجل)، حين قرأت هذه العبارة في الغلاف الخلفي لديوان الشاعرة “كوثر نجم” (فجر وغيوم)، ظننت في الأمر مبالغة لأن تاريخ الرائدات الليبيات اللواتي نادين بأن تأخذ المرأة الليبية حقوقها ربما بدأ حتى قبل ذاك البيان الذي قرأته السيدة “صالحة ظافر” في (الراديو الايطالي العربي) عام 1949م، ونادت فيه بتحرر المرأة من ربقة الأغلال الاجتماعية والخروج إلى الحياة لتنهل من العلم. وفي دراسته عن الشاعرة، أشار الأستاذ “خالد زغبية” أنها: (اهتمت بالقضايا الوطنية متمثلة أيضا في المناداة والوقوف بجانب قضية المرأة الليبية، ومنحها حقوقها السياسية والاجتماعية، وذلك بما كانت تكتبه من مقالات وما كانت تقدمه من أحاديث وبرامج في الإذاعة والصحافة) ص88.

ولكن حين قرأت الصفحات التي رصدت بها (القيادي) نتاج الشاعرة وتنبيهها (والسيدة “كوثر نجم” معروفة بأنها شاعرة، على أنها لم تركن لهذا الجانب فحسب بل أنها فيما يبدو حاولت أن توجد مكانا للمرأة الليبية الحديثة في المجتمع الذي تعيش فيه)، وتواصل (ويتسم إنتاج السيدة “نجم” في مقالاتها التالية بالصدق والإخلاص) ص81، أيقنت أن ما قرأت لم يكن مبالغة لأن الشاعرة “كوثر”   كما نبهت “القيادي”: (فقد صارت ليبية بحكم المعايشة والاختلاط والمحبة، وهي منذ عشرين سنة تعيش على الأرض التي خطت من أجلها خيرة ثمار تفكيرها، وأنجبت لها خير الأبناء، وساهمت في الحركة التعليمية مدرسة في كلية المعلمات) ص78. وتعرض لمقالاتها والموضوعات التي طرحتها والحقوق التي طالبت المرأة الليبية بنيلها، ثم (وفي مقالها (المرأة الليبية وحق الانتخاب) تستبق السيدة “كوثر نجم” الزمن فتتحدث عن صاعقة تزلزل المجتمع الليبي، ألا وهي مطالبتها بدخول المرأة إلى البرلمان، وتقول بأنه ” ليحق لنا أن نتساءل أو نسأل هؤلاء عن نصيب المرأة الليبية في مناقشاتهم، فإننا لا نريد أن تسيطر الرجعية على نوابنا الكرام فيتناسوا أن شعبنا ليس كله رجالا”) ص 86/87.

وقد نشر هذا المقال في صحيفة الرائد في العدد 167 السنة الرابعة، السبت 18 يوليو 1959م، 12 محرم 1379، ص4. وتعلق الكاتبة “شريفة” بعد عرضها لهذه المقالة: (على أن الكاتبة “كوثر نجم” لا تضع في اعتبارها ردود الفعل القاسية التي تصدر عن الرجل الليبي عندما يرى بوادر تغيير في الأفق مما يؤدي بنصفه من الجنس الآخر للتغير والتبدل وانتهاج سلوك آخر مختلف)، وتخبرنا بأن الرد أو ردّ الفعل على هذا المقال جاء بعد شهر من تاريخ نشره (إذ تنشر (جريدة الليبي) في عددها الصادر في يوم الخميس 6 أغسطس 1959م، في صفحتها الخامسة في زاوية (أدب.. فن.. اجتماع)، مقالا لأبي العتاهية تحت عنوان (الأحلام لا تعالج القضية) ….) ص 88، وتعرض ما جاء في هذه المقالة وطبعا كان لمس ذاك الوتر أن من يريد التصدي لمعالجة قضايا مجتمع ما (لأن المجتمع هو الصعيد الذي يعمل فيه المصلح.. وان جهل أوضاعه كان عمله نوعا من العبث) ليواصل (هذا ما حدث بالضبط للسيدة “كوثر نجم” محررة ركن المرأة بجريدة (الرائد) الغراء، إذ تصدت لعلاج قضية المرأة الليبية وهي حديثة عهد بالبيئة.. ولم تعرف من واقع المرأة فيها إلا صورة غامضة مبهمة لا تساعد على دراسة عميقة متزنة فانجرت بذلك تتحدث عن حقوق المرأة الانتخابية) ص 88/89.

ويواصل شرح حال المرأة الليبية (المرأة في المجتمع الليبي مخلوق ضائع وكرامة مهدورة وشخصية متلاشية.. إن انقاذها من الظلام لتحقيق شخصيتها كإنسانة أولا وفرض احترامها كعنصر بارز حي فعال في تقدمه وازدهاره الذي تعيش فيه يجب أن يتخذ اتجاها أما التحدث عن حقوقها السياسية ودخولها البرلمان فهو خيال وشطط وبعد عن الواقع لأن المرأة لم تتميز بعد بفارق بسيط عن الحيوان الأبكم) ص 89، وسيكون ثمة ردّ على هذا المقال بجريدة الرائد (وبتاريخ 22 أغسطس 1959 بمقال طويل حافل عنوانه (النصر للمرأة) وتقول في ردها على أبي العتاهية: (حقا… إني حديثة عهد بالبيئة الليبية ولكنني قررت عن طيب خاطر الانتماء اليها وبنفس الروح تفاعلت مع ما أتيح لي الاحاطة به من ظروف أهلها) وتتساءل: (ولماذا انفجر ثائرا حين مطالبتي بمنح المرأة حق الانتخاب والترشيح ان الجواب واضح ومعروف وهو انه ككل الرجعيين الذين يستمرئون تلك السيادة الوهمية التي تحققها لهم أوضاعنا على حساب اهمال المرأة وهضم حقوقها الطبيعية، لم يطق ان يتخيل دخول المرأة البرلمان لأنها حينئذ سوف تتزع عنها تلك الاغلال التي قيدها بها الرجل منذ قرون عدة وهو لا يطيق الا ان يراها كما يصفها خياله العبقري – حيوانا أبكم- لاوجود لها ولا شخصية ولا كرامة)ص 90/91. وتنهي الكاتبة شريفة القيادي الجزء الخاص بالشاعرة نجم: (ولكن هذه الحادثة لم تعد تجعل الطريق ممهدا أمام السيدة “كوثر نجم”، إذ كتبت بعدها مقالات معدودة نشرت آخرها في سبتمبر من نفس العام وبعد ذلك طوى الصمت السيدة الشاعرة فلم تعد تحبر أوراقها للجريدة، واكتفت بنشر ديوانين هما (فجر وغيوم) ثم (نداء المعركة))ص 92.

دليل المؤلفين العرب الليبيين ….

في المقدمة التي كتبها الأستاذ “طاهر محمد الشويهدي” عن (دليل المؤلفين العرب الليبيين)، ونبّه للجهد الذي بذل لإعداد هذا الدليل: (أخذنا على عاتقنا مسئولية إصدار دليل للمؤلفين العرب الليبيين، بحيث يشتمل على المؤلفين القدامى والمعاصرين الذين توفرت معلومات عنهم، منذ الفتح الاسلامي لليبيا، وحتى سنة١٣٩٦ه (١٩٧٦))، ويورد ما يلي: (وبالنسبة للمؤلفين المعاصرين، فقد تم حصرهم من واقع المعلومات المذكورة في الببليوغرافية الليبية، وكتب النقد الأدبي المتعلقة بليبيا، وردود بعض المؤلفين على الاستبيان الذي أعد لهذا الغرض وأرسل إلى هؤلاء الذين تيسر لنا معرفة عناوينهم.. بالإضافة إلى الاتصالات الشخصية والهاتفية بالمؤلفين ومعارفهم). ويضيف (وفي الوقت الذي نتقدم فيه بهذا العمل العلمي الرائد الذي استغرق إنجازه مدة تقرب من الأربع سنوات؛ وأسهم فيه بجهود ثمينة بالتقدير مجموعة من الموظفين العاملين بإدارة مشروعات داري الكتب في طرابلس …)، وعلى الصفحة٣١٩/ 319، ورد اسم الشاعرة “كوثر محمد نجم” (٢٢٨/ 228) وفي هامش الصفحة الببليوغرافية الوطنية الليبية: ٢٧٦/٢٧٥.

 فجر وغيوم :١٤

مقابلة شخصية مع المؤلفة.

وفي (الكشافات) وكما ورد في المقدمة (ويتضمن الدليل بالإضافة إلى قائمة بالاختصارات، وكشافات رتبت بالاسم الأول ثم باقي الاسم، وبالمؤلفات، وقائمة ببليوغرافية بالمراجع العامة، ومراجع المؤلفين وردت بالدليل، وقائمة بأسماء المؤلفين الذين لم نحصل على معلومات كافية عنهم، كذلك قائمة بمؤلفين لم نتأكد من كونهم ليبيين).

وفي الكشافات التي تبدأ من الصفحة (٣١٥/315) والتي تبدا بـ(كشاف المؤلفين مرتبا هجائيا حسب ورودهم بالدليل وعلى الصفحة (٥٢٢/522) سنجد في حرف (ك) الاسماء التالية:

كامل حسن المقهور

كريم الدين البرموني المصراتي

كوثر محمد نجم.

وأمام كل اسم: رقم المؤلف، ورقم الصفحة.

ثم في صفحة (كشاف المؤلفين مرتبا هجائيا حسب شهرة المؤلف) ص٥٢٧/527، وفي حرف (ن) ص ٥٤٨/548، لم أجد اسم شهرة الشاعرة (نجم) والذي سيكون بعد لقب (النايلي) وقبل لقب (نصر) باعتبار حرف (الجيم)، والغريب أن كل الأسماء الواردة في الدليل موجودة في (كشاف المؤلفين مرتبا هجائيا حسب شهرة المؤلف) حتى المؤلفين الذين جعلوا لهم قائمة (بالمؤلفين الذين لم يتأكد اعتبارهم من المؤلفين العرب الليبيين) والذي يحتوى على سبعة عشرة اسما ليس من بينهم اسم الشاعرة (كوثر محمد نجم) أو الشاعرة (هيام رمزي الدردنجي) والتي لم يسقط اسمها في هذا الكشاف فقد ورد في حرف (د) على الصفحة ٥٣٦/536.

الدردنجي-

هيام رمزي

رقم المؤلف ٣٤٥/345

رقم الصفحة ٤٩٦/496

ثم في (كشاف بعناوين الكتب) ص ٥٥١/551، في حرف (ف) ص٥٧٠/570. وعلى الصفحة ٥٧١/571.

عنوان الكتاب: فجر وغيوم – رقم الصفحة٣١٩/319

وعلي الصفحة ٥٧٩/ 579 حرف (ن) سنجد اسم (نداء المعركة – ٣١٩)، وفي (مراجع الدليل).

أولاً: قائمة مراجع لمؤلفين ليبيين وردت بالدليل ص ٥٨٥/585، وعلى الصفحة٥٨٦/586

رقم ٤١/41؛ سنجد: كوثر محمد نجم – فجر وغيوم.

(النصر للمرأة).. في معنى الانتماء…!؟

قد يبدو هذا التساؤل غريبا، لكن حكاية الشاعرة “كوثر نجم” حفرت في عمق هذا السؤال، ما معنى أن تولد في بلاد وتعيش في بلاد أخرى وتتحصل على جنسيتها، ولأن الشاعرة “فاطمة بوهراكة” هي من فتحت باب السؤال عن (شاعرة الظل والنسيان) وبحثت وكما ذكرت فقد ساعدها لفيف من الأصدقاء والصديقات وكان للدكتور “يوسف اوغليسي” من الجزائر الشقيقة فضل تنبيهها وإحالتها لكتاب المبدعة الليبية (رحلة القلم النسائي الليبي)، والتي جعلت مدخلا هاما للحديث عن الشاعرة “كوثر نجم”: (كان من العوامل التي أدت إلى إحداث لون من الحركة والتأثر في واقع الحياة النسائية الثقافية في الخمسينات وتنشيط الكتابة الصحفية ولفت الأنظار إلى عوالم حياتية جديدة قدوم السيدة كوثر نجم المصرية الأصل)، ورغم هذه الإشارة إلى الأصل فإن الباحثة طالبة الماجستير حينذاك “شريفة القيادي” رصدت كل مقالات السيدة “كوثر” والتي كانت معنية بقضايا المرأة الليبية وعبرت عن ذلك قائلة عنها: (حاولت أن توجد مكانا للمرأة اللبيبة الحديثة في المجتمع الذي تعيش فيه حيث انها- والقادم من مجتمع أو نظام آخر يلاحظ أكثر من المنتمي المقيم في المجتمع المعين- لاحظت ما عليه المرأة الليبية من ظلم وما يحيق بها من اجحاف وطمس لشخصيتها)… (ويتسم انتاج السيدة نجم في مقالاتها التالية بالصدق والإخلاص)، ص81.

وتواصل “بوهراكة” بحثها لتكتب منشورا في يوم 16 مايو الساعة 4:15م: (“كوثر على نجم” (شاعرة مصرية – ليبية) في اتصال مطول بابنتها الدكتورة “وسام علي أبوزقية”، التي أشكرها على إضاءاتها الوافية وإخلاصها الكبير لوالدتها الشاعرة..)، و تنهي منشورها (مسار حافل بالإنجازات الشعرية والتربوية منذ نهاية الخمسينات وحتى يوم وفاتها رحمها الله سنة 2012م، سنتعرف عليه في موسوعة الشعر النسائي العربي الفصيح إن شاء الله تعالى).

وفي يوم 20 مايو الساعة 3:57م تكتب منشورا تبدأه: (نافذة من (موسوعة الشعر النسائي العربي الفصيح) إكرام إنطاكي (شاعرة سورية مكسيكية) من مواليد دمشق .. لأكتشف أن الدولة المكسيكية قد اعتبرتها مواطنة مثلها مثل بقية المكسيكيين فتوجتها بجائزة الأدب).. وتواصل (في المقابل نجد “كوثر على نجم” (شاعرة مصرية – ليبية) ما إن أعلنت عن الخبر حتى شكك بعض الأخوة في ليبيا حصولها على الجنسية، وعليه يسعدني أن أقدم دليل انتمائها لليبيا قبل أن تؤسس الجمهورية الليبية نفسها)، وتضع صورة/ وثيقة مع منشورها هذا.

وفي ذات اليوم 20 مايو الساعة 6:39م يشارك الدكتور “عبدالله مليطان”، هذا المنشور مع كتابة منشور يحي فيه (سعي الشاعرة المغربية الاستاذة “فاطمة بو هراكة” لإنجاز معجم للشاعرات ومحاولاتها التدقيق والضبط) ويعلق على ما كتبت من حصول الشاعرة “كوثر نجم” على الجنسية الليبية: (إلا أن الشاعرة الراحلة “كوثر نجم” التي نشرت أشعارها في ليبيا وتزوجت من القاص الراحل الأستاذ “علي أبوزقية” ستبقى شاعرة مصرية، لأن شهادة الجنسية التي منحت لها بناء على طلبها الذي تقدمت به إلى السلطات الليبية المختصة بمنح الجنسية ليست إلا ورقة تنمح /تمنح/ وتسحب وفق إجراءات إدارية يسعى لها الشخص لتفادي مسألة التعقيد في إجراءات الإقامة…. لكنها سحبها ومنحها لا معنى ولا قيمة له إلا في الإطار الإجرائي الإداري).

ويأتي الدكتور “مليطان” بأمثلة عن شخصيات ليبية بعضها ولد وأقام في بلاد غير ليبيا، ولكنه ظل ليبيا مثل المبدع الكبير “على مصطفي المصراتي” والكاتبتين “نادرة” و”صبرية عويتي”، وغيرهم من المثقفين والكتاب الليبيين (إن الشاعرة “كوثر نجم” التي شاءت الأقدار أن تتزوج من مثقف وكاتب معروف، وتنجب أولاد وبنات لهم قيمة ومقام وتنشر شعرها في ليبيا هي شاعرة مصرية لا ليبية)، ويذكر في منشوره ريادة ديوان (في القصيدة التالية أحبك بصعوبة) كأول ديوان مطبوع لشاعرة ليبية (والتأريخ لمولد الشعر الليبي النسوي بغير هذا مغالطة كبرى، لأن الجنسية ورقة في نهاية الأمر أما (الليبية) فهي شأن آخر).. ليؤكد في نهاية منشوره (مؤكداً على نحو شخصي وبدافع الاعتزاز بوطني أن تكون شاعرات العالم كلهن ليبيات).

وأثناء قراءتي لبعض الردود استرعى انتباهي رد الكاتب المبدع “مفتاح قناو” وهو محام ومستشار قانوني/ حيث يقول: (لكن يا أستاذ “عبد الله”.. لو السيدة “كوثر نجم” طلبت الجنسية وتحصلت عليها فعلا فإنها تعتبر ليبية، فلا الأستاذ المصراتي طلب الجنسية المصرية، ولا الأستاذ بن موسى طلب الجنسية السورية، ولا تجوز المقارنة).

سنحرس الضياء

بعيدا عن الانتماء والهوية، يري الكاتب والناقد “يوسف القويري” في مقالة بعنوان (الشعر والضوضاء)، وبلغته المتقنة ومنظاره الدقيق، يرى أن: (الشعر إحساس وأداء.. فلكي نعبر عن شيء لابد أن نكون مشغولين به، مهتمين بأمره) لأن: (العنصر الذاتي في الفن عموما عنصر بالغ الأهمية.. فالذات المبدعة تمنح لمادة العالم المشوشة المتنافرة المبعثرة وحدة وتركيزا واشعاعا وصوتا) ص٨٦/86، ولأن ثمة ديوان كما يقول: (صدر أخيرا، ففي هذا الديوان -الذي يشبه لوحة الرسم البياني- تعالج الشاعرة “كوثر نجم” إحدى المسائل الصعبة المطروحة أمام الشعر العربي الحديث: كيف نعبر عن قضايا المجتمع الكبرى من الداخل تعبيرا نابضا لا تخنقه الشعارات ولا حدة التقرير السياسي) ص٨٧/87. ومن خلال قراءته لقصيدة (سنحرس الضياء) وهي التي ختمت بها ديوانها (فجر وغيوم) يجيب عن السؤال المطروح: (ضمن قصيدة هي (سنحرس الضياء) قدمت الشاعرة “كوثر نجم” جزءا من الاجابة، فهي لم تصب اللعنات على المستعمر وتتوعده بالويل والثبور وعظائم الأمور، ولم ترفع شعارا كثير الضوضاء ثم تصمت، إنما هي تتغلغل إلى أسرار الموقف الفني وتضيء أعماقه وتكشفها وتسكبها صورا نابضة بالمغزى) ص٨٨/88.

أمّا الشاعر “خالد زغبية” الذي اهتم بقضية (الشكل الجديد، والمضمون الجديد) فهو يدلل على أن: (قصيدة (سنحرس الضياء)… حيث تصور الشاعرة فيها نضال الشعب الفيتنامي ضد الاستعمار، وفي هذه القصيدة  يلتحم الشكل الجديد  بالمضمون الجديد أروع التحام معبرا عن التجربة في الشعر العربي المعاصر أروع تعبير، وفيها أيضا يلتحم الفن بالحياة التحاما صميميا رائعا، فالفن لا يمكن عزله عن الحياة، ولا يمكن حصره في جانب واحد ضيق) ص١٠٣/102.

السيدة “وسام على أبو زقية” أجابتني عن تساؤل الشاعرة والباحثة من المغرب الشقيق “فاطمة بوهراكة” عن سر الغياب، غياب شاعرة (الظل والنسيان- كوثر نجم).. (…. من قبل المصريين الذين يجهلونها)، قالت: (يتساءل الكثيرون أو يستغربون، كيف لم يكتب عنها في مصر، فالإجابة بسيطة لأنها منذ التخرج (1957م) لم تذهب إلى مصر، ولم تتواصل مع أحد هناك، وكانت صغيرة السن ذات عشرين ربيعا).

ولأن روح الشاعرة “كوثر نجم” تؤكد إننا (سنحرس الضياء) وفي ديوانها الأول (فجر وغيوم) قصيدة عنوانها (وطني) ص٤١/41، وتاريخ كتابتها ١٩٥٧/1957م، سأقول مع الشاعر الفلسطيني “معين بسيسو”: (…. فليس غير الالتحام بالناس وبالأرض هو الذي يحدد قسمات وجه الشاعر ويلقي بألق النجوم على جبينه) ص 90.

وطني

وطني يمتد مع الافقِ
في الروابي المزهرات
في السهول الحانيات
في القفار الموحشات
في الجبال الشامخات
قلبي يحتضن خطى البشر
ويرفرف فوق الأخطار
يشدو للفرحة والظفر

وطني يا أرض الإنسان
وطني في كل الأزمان
لك مني حس الإنسان
يهفو لأخيه الإنسان
بفؤاد ودادٍ وحنان
يشدو لحن الحب
الأسمى
فيحرك ركب الأمجاد.


هوامش:

*/ العنوان اقتراح ابنة الشاعر السيدة “وسام على أبو زقية”.

0/ كوثر علي محمد نجم، مواليد القاهرة 1937م، ليسانس لغة عربية ودراسات إسلامية – دار العلوم -القاهرة، ليسانس حقوق – طرابلس، ماجستير علم النفس- كلية التربية – طرابلس. توفيت في ديسمبر 2012م .

1/ رحلة القلم النسائي الليبي -شريفة القيادي- منشورات ELGA، 1997م، من الصفحة: 77: 93.

2/ صور من الشعر الليبي المعاصر -خالد زغبية- الجمهورية العربية الليبية – وزارة الإعلام والثقافة – الإدارة العامة للثقافة – وحدة التأليف والترجمة والنشر – كتاب الشهر – العدد الخامس – 1392ه/1972م، من الصفحة: 85:105.

3/ عطر الأرض والناس في الشعر الليبي المعاصر -مُعِين بسيسو- الناشر: دار مداد للطباعة والنشر والتوزيع والإنتاج الفني- الطبعة: الأولى – 2010. الفصل السابع (كوثر نجم.. فلسطين من النافذة الليبية)،  الصفحة: 83: 90.

4/ في الأدب والحياة -يوسف القويري- منشورات الشركة العامة للنشر والتوزيع والإعلان – طرابلس- ج-ع- ل-ش-ا، الطبعة الأولى 1973م، الطبعة الثانية 1979م، (الشعر والضوضاء) الصفحة: 86: 90.

5/ دليل المؤلفين العرب الليبيين – دار الكتب- أمانة الإعلام والثقافة، 1977م. (كوثر نجم) الصفحة: 319.

مقالات ذات علاقة

التناص مع القرآن في الشعر الليبي

سالم أبوظهير

دراسة نقدية لأسلوب وخصائص شعر الشاعرة أسماء صقر القاسمي

عزة رجب

شعراء ورواة من ليبيا (1)

سالم الكبتي

2 تعليقات

د. فوزية بريون 7 يونيو, 2020 at 00:21

استمتعت كثيراً بالدراسة التي دبّجتها المبدعة حواء القمودي. ورغم أنني عاصرت أبلة كوثر عندما كنت تلميذة في المرحلة الإعدادية فإنني قد ظللت أجهلها كقيمة شعرية وفنية، لأسباب عديدة، ليس أقلها العيش في المهجر. ولكنني قد استنرت بما كتبته الأستاذة حواء، التي ما فتيء مقالها ينضح بطعم المثابرة والاستقصاء والبحث عن الحقائق، في أسلوب أدبي جذاب. فشكراً لها و شكراً للشاعرة المغربية فاطمة بوهراكة ذات الطموح الذي لا يُحد.

رد
المشرف العام 7 يونيو, 2020 at 06:28

دكتورة فوزية بريون
نشكر مرورك الكريم!!!

رد

اترك تعليق