شخصيات

كل يوم شخصية ليبية مشرقة (17).. مصطفى بن حليم

السيد مصطفى بن حليم أرشيفية عن الشبكة
السيد مصطفى بن حليم
أرشيفية عن الشبكة

هو مصطفى بن أحمد محمد بن حليم، ولد بمدينة الإسكندرية يوم 29 يناير 1921، سياسي ليبي تولى الوزارة الأولى فيما بين عامي 1954و1957. ينحدر من عائلة امتهنت التجارة منذ قرون وكان والده تاجرا بمدينة درنة، ألقي على والده لقبض عند دخول القوات الإيطالية عام1911 وتعرض للمحاكمة غير أنه أخلي سبيله وغادر ليبيا إلى مصر فيها تزوج من ليبية من عائلة بن غلبون وأنجبت أبناءه ومن بينهم مصطفى. دخل مصطفى بن حليم مدرسة بالإسكندرية لأحد المهاجرين الليبيين، ثم التحق بكلية سان مارك، حيث كانت المواد تدرس باللغة الفرنسية إضافة إلى العناية باللغة العربية. وبالإضافة إلى ذلك حرص والده على تحفيظه القرآن مع إخوته. وفي عام 1941 حصل على شهادة الباكالوريا رياضيات التحق بعد ذلك بكلية الهندسة بفرع الإسكندرية ليتخرج منها عام 1946 ببكالوريوس الهندسة بمرتبة الشرف[1].

وبالرغم من تقدمه في السن ومحاصرته بأمراض الشيخوخة، إلا أنه كان حاد الذاكرة وحاضر البديهة، وتحمل تسجيل ثماني حلقات تلفزيونية على مدى يومين، وكان حريصاً وعائلته الكريمة على إحاطتنا بكل وسائل الراحة والضيافة، لعائلة تعودت على زيارات الملوك ورؤساء الدول والوزراء والإعلاميين، وهذا ما تؤكده الصور المعلقة في غرفة الاستقبال، والتي جمعته مع عظماء العالم، مثل أيزنهاور وديغول ونيكسون وعبد الناصر والملك فهد الذي ربطته به علاقة صداقة نادرة المثال. ومن خلال المكالمات الهاتفية التي جرت بيني وبين السيد بن حليم قبل وصولنا إلى دبي، تأكدت أن الرجل يريد من هذا اللقاء إفراغ كل ما في جعبته، فلم يعد له أية مطامع في الدنيا بمناصبها وثرواتها، بعد أن أصاب منها الكثير، ويريد أن يبعث برسالة صادقة إلى الشعب الليبي في كيفية تجاوز هذه المرحلة الصعبة من تاريخه.

مصطفى بن حليم واحد من أبرز رؤساء الحكومات ليس فقط في العهد الملكي وإنما في تاريخ ليبيا، لما امتلكه من قدرات. الصفة البارزة في بن حليم هي الذكاء الحاد، والدهاء الشديد الذي يحتاجه أي سياسي، ولا ينكر بن حليم هاتين الصفتين. منذ أن أطلق على ابنه البكر اسم عمرو تيمنا بعمرو بن العاص، الذي عرف بين العرب بدهائه الشديد، كما أخبرني أنه عندما كان رئيسا للوزراء كان ينشر مقالات تحت اسم “ابن العاص” ينتقد فيها الحكومة التي يرأسها بشدة، حتى يسبق المعارضة في النقد ويجعلها مجرد صدى لمقالاته، كما أنه رئيس الوزراء الوحيد الذي امتد به العمر ليعاصر ثورة شباط/فبراير، مما يجعله معيناً لا ينضب لخبرات وتجارب تحتاجها ليبيا اليوم أكثر من أي يوم مضى.

حاز عبد الحليم ثقة الملك المطلقة، في وقت كان الجميع يعامل الملك كشخصية مقدسة، أشبه بامبراطور اليابان قبل الحرب العالمية الثانية، وكان الوحيد الذي يتجرأ على الملك دون أن يفقد ثقته فيه، وهو ما لم ينجح فيه عبد الحميد البكوش (رئيس وزراء ليبيا 1967-1968 وهو أصغر من تولى المنصب سناً)، والذي امتلك رؤية مختلفة لليبيا، وكان على كفاءة عالية لينقل ليبيا إلى آفاق أرحب، ولكن البكوش لم يعرف كيف يحوز ثقة ملك متقلب المزاج وكثير الوساوس. لخص بن حليم أزمة النظام الملكي في ثلاث نقاط، وهي عدم قدرة الملك على إنجاب ولي للعهد، وعدم ثقته في كفاءة ابن أخيه ولي العهد الحسن الرضا، وانقطاع كل الأواصر بينه وبين عائلة ابن عمه أحمد الشريف، الذين اعتبرهم المسؤولين عن اغتيال ناظر الملكية الخاصة إبراهيم الشلحي عام 1954.

يقول بن حليم أنه حاول إصلاح العهد الملكي مبتدئاً بمؤسسة العرش، فاقترح على الملك اختيار أحد شباب العائلة الذي يتوسم فيه القدرة على خلافته، وتدريبه على يد أخصائيين وخبراء مثلما تفعل العائلات المالكة في الدول الأخرى، أو أن يتزوج الملك على الملكة فاطمة لعل زوجته الجديدة تنجب له وليا للعهد، وأخيرا تحويل البلاد من النظام الملكي إلى النظام الجمهوري. كان بن حليم عندما اقترح على الملك هذه المقترحات الثلاثة رئيساً للوزراء، بعد حكومة محمود المنتصر ومحمد الساقزلي، وكان في الثالثة والثلاثين من عمره، وكان ذلك قبل اغتيال ابراهيم الشلحي، وهي الحادثة التي غيرت كثيراً من مزاج الملك، وجعلته زاهداً في السلطة. تحمس الملك للمقترح الثالث واقترح على بن حليم أن يشرك والي برقة حسين مازق في النقاش، وما أن علم مازق بمخططات بن حليم حتى استنفر شيوخ قبائل برقة، الذين وفدوا إلى الملك ادريس طالبين منه الإبقاء على النظام الملكي، وهو ما خلق نوعاً من القطيعة بين بن حليم وحسين مازق، ولم يعد الصفاء بينهما إلا بعد سنوات من خلال مصالحة رتب لها شيوخ برقة، وبعد أن ترأس مازق الحكومة وخرج من نظرته الجهوية كوالٍ لبرقة لينظر إلى ليبيا مجتمعة. بعد عشر سنوات وبالتحديد عام1964 وبعد أن ترك بن حليم جميع مناصبه الحكومية وتفرغ لأعماله الخاصة، استدعاه الملك مرة أخرى من أجل تفعيل اقتراحه السابق بتحويل ليبيا إلى جمهورية، لكن هذه المرة رفض بن حليم، لأن الاقتراح تأخر كثيراً، والنظام الجمهوري نظام صعب ويحتاج إلى سنوات طويلة من الرعاية. عدم قدرة النظام الملكي على حسم هذا الخيار ترك البلاد تسير باتجاه الانقلاب العسكري الذي حدث فيما بعد عام 1969.

من خلال أحاديث بن حليم استنتجت أن تاريخ ليبيا الحديث لم يتغير كثيراً سواء في عهد الملك أو عهد القذافي، ففي العهدين كان هناك رجل واحد يحكم البلاد. في العهد الملكي حكمها رجل ورع وطيب وزاهد في السلطة، ولكنه كان يعاني من الوسواس، ويتغير مزاجه بسرعة، وكان ضعيفاً أمام حاشيته، وخاصة أبناء وبنات الشلحى، أما في العهد الثاني فقد حكمها رجل شرير متعطش للسلطة والاستبداد، وقادته حاشيته المتمثلة في أبنائه ورجال الخيمة إلى مصيره المحتوم، وفي كلا العهدين لم يتمكن الشعب الليبي من بناء مؤسسات قوية تلجم الرجلين، وتحقق أكبر قدر من التنمية، وتوزع السلطة بين أكبر عدد من الأشخاص الأكفاء.

يشير بن حليم إلى أحد الاجتماعات التي جمعته مع الملك وحسين مازق، عندما اعترف مازق بأن مبررات تحويل البلاد إلى النظام الجمهوري قوية ومقبولة، ولكنه تساءل في حضرة الملك بدهاء “أليس هذا ما كان يطالب به بشير السعداوي؟”. يترحم بن حليم كثيراً على بشير السعداوي، رئيس حزب المؤتمر، والذي طالب بأن يكون الملك إدريس ملكا دستورياً على البلاد، وأن تكون السلطة بيد البرلمان ورئيس الوزراء، ولكنه رضخ للملك الذي هدد باستقلال برقة منفردة، ثم نفاه الملك بعد الاستقلال بوقت وجيز بحجة أنه لا يحمل وثيقة سفر ليبية، إلا أن بن حليم يؤكد أن الرؤية الثاقبة لبشير السعداوي هي التي كان يجب الأخذ بها منذ البداية.

روى لنا بن حليم بعض أساليبه الذكية للحصول على المساعدات من بريطانيا وأمريكا، فعندما وعدته الدولتان بالمساعدات العاجلة لأفقر بلد في العالم في ذلك الوقت، أعلن أمام البرلمان عن قرب وصول هذه المساعدات، وعندما طال انتظاره اتصل بالسوفييت واقترح عليهم تبادل السفراء، وهو ما أثار انزعاج الأمريكان والبريطانيين. وخلال المحادثات مع السوفييت اقترحت موسكو تقديم بعض المساعدات غير المشروطة لليبيا، وعندها قرر بن حليم استخدام بعض دهاءه. في ذلك الوقت كان يعمل في الحكومة الليبية رجل استرالي يعلم الليبيون أنه كان عميلاً مزدوجاً للسفارتين الأمريكية والبريطانية، وكان الملك إدريس قد طلب من بن حليم طرد الاسترالي، إلا أن بن حليم قال للملك أنه في حاجة لهذا العميل، وعندما وصلت برقية السوفييت التي يعرضون فيها المساعدة، طلب من وزير الخارجية سليمان الجربي ترجمة البرقية إلى اللغة الانجليزية، وزيادة رقم المساعدات من ثلاثة مليون دولار إلى خمسة عشر مليون دولار، وبعد ذلك استدعى الاسترالي وطلب منه المشورة وأن يبقى الأمر سراً بينهما، وبعد خروج الاسترالي اتصل بن حليم برئيس الشرطة الاتحادية وطلب منه اخضاع الاسترالي للمراقبة لمدة 24 ساعة، وفي اليوم التالي قرأ بن حليم تقرير الشرطة، التي أكدت زيارة الاسترالي للسفارتين الأمريكية والبريطانية، وبعد وقت وجيز رنت الهواتف من السفارتين تعرضان على بن حليم مساعدات عاجلة بقيمة 12 مليون دولار.

من الواضح أن حب بن حليم الأول هو عالم الأعمال وليس عالم السياسة، وكان قبل أن يستدعيه الملك إدريس عام 1950 لتولى حقيبة الأشغال العامة في حكومة برقة، قد أشرف على إنشاء أكبر مشروعين في عهد الملك فاروق، من بينهما رصيف ميناء الإسكندرية المصمم لرسو عابرات المحيطات، لذلك ظل يتململ في مكتبه برئاسة الحكومة، وأيضا في مكتبه بمقر السفارة الليبية في باريس، ليعود إلى عالم الأعمال. حتى وإن أضطر إلى الطلب من ابنه المرحوم طارق وهو طفل صغير بأن يتحدث مع الملك باللغة الإنجليزية عندما يقبل يده، وهو ما جعل الملك يستاء بشدة، فقال له بن حليم “يا مولاي أنا منفي في فرنسا وليس هناك مدارس عربية لأعلم أبنائي اللغة العربية”، فرد عليه الملك “أنت منفي إذاً قدم استقالتك”، وعندها أخرج بن حليم الاستقالة من جيبه ليوقعها الملك على الفور وهو لا يزال تحت نوبة غضبه واستياءه. عاد بن حليم إلى وطنه بعد سقوط القذافي الذي كان يمنعه من دخول ليبيا بعد غياب استمر اثنين وأربعين عاماً، فاستقبله الناس في طرابلس وبنغازي بحفاوة شديدة، لكن بيته في طرابلس والذي تركه في عهدة خفير يتولى حراسته، صادره الخفير وادعى ملكيته للعقار، وحتى يفعل القضاء والشرطة سينتظر بن حليم سنوات أخرى في المنفى، قبل أن تتاح له فرصة الموت في بيته وفي وطنه الذي عاش فيه زمناً أقل من أوطان الآخرين.

• المهندس ورجل الأعمال:

عمل بعد تخرجه بشركة “إيجيكو” للإنشاءات وكانت أكبر شركة هندسية بمصر آنذاك، ويتولى إدارتها مجموعة من المهنسين المصريين والأجانب، وبقي بها إلى أوائل عام 1950 وساهم في تنفيذ العديد من المشاريع بالإسكندرية[1]. وفي هذه السنة انتقل للعمل السياسي، غير أنه عاد بعد العمل السياسي إلى عالم الأعمال فأسس الشركة الليبية للهندسة، وتفرعت أعماله ليؤسس عدة شركات جديدة منها شركة للصابون والمواد الكيمياوية التي كانت تنتج 90 بالمائة من الاستهلاك الليبي كما أسس شركة الغازات الليبية وشركة أنابيب والبلاستيك وشركات أخرى لحفر آبار النفط. كما اتسع نشاطه نحو مجالات مالية وبنكية ليؤسس مصرف شمال إفريقيا متوليا رئاسة إدارته[1]. ثم بعد وصول معمر القذافي إلى الحكم في سبتمبر 1969، انتقل للعمل بدول الخليج[1]. وفي عام 1975 حصل على الجنسية السعودية. من جهة أخرى، قام مصطفى بن حليم سواء في كتابه أو على أعمدة الصحف بتفنيد ما وجهه إليه النظام الليبي من تهم بالخيانة، مستظهرا بالوثائق التي أفرج عنها من الأرشيفات الغربية.[2]

• رجل الدولة الوزير الأول:

في مطلع عام 1950 وصلته وهو في الإسكندرية دعوة من الأمير إدريس السنوسي لمقابلته في بنغازي. وعندما قابله دعاه إلى العودة إلى ليبيا للقيام بدوره في الدولة الجديدة. واستجاب لدعوته وعاد إلى ليبيا في حزيران 1950 ليعين وزيرا للأشغال العامة والمواصلات في حكومة برقة، في وزارة محمد الساقزلي الذي كان بالإضافة إلى الوزارة الأولى يتولى وزارة العدل[1] وقد قام خلال فترة توليه الوزارة بعدة مشاريع في البنية التحتية تتعلق بالكهرباء والماء والطرقات[1]. وفي 12 أبريل 1954 كلف بتشكيل الوزارة[1]، واستمر في منصبه حتى استقال في 26 مايو1957، وبالإضافة إلى الوزارة الأولى فقد تقلد وزارة المواصلات إلى تاريخ ديسمبر 1954 ثم تقلد إلى جانب رئاسة الوزراء وزارة الشؤون الخارجية [3]. وبعد استقالته عينهالملك مستشارا خاصا له بمرتب رئيس وزراء[1]، ثم ارسل ليتولى مهمة سفير بالعاصمة الفرنسية[1]، فيما بين 1958 و1960 [4] وبذلك كان أول سفير ليبي بباريس. ابتعد بعد ذلك عن النشاط السياسي واهتم بالأعمال الحرة وفي ربيع 1964 استدعاه الملك إدريس ليطلب منه مساعدته في إصلاح هياكل الدولة الليبية وإقامة نظام جمهوري بدلا من النظام الملكي، إلا أن فشل هذه الإصلاحات دفعه إلى الابتعاد عن السياسة من جديد[1]. صادف انقلاب 1 سبتمبر 1969 وجوده وعائلته بأوربا فلم يعد إلى ليبيا[1].

• مع الثورة الجزائرية:

تم خلال توليه الوزارة الأولى مساعدة الثورة الجزائرية بعدة طرق:

– تهريب السلاح من مصر إلى الجزائر، بالاتفاق مع جمال عبد الناصر مع ما يقتضيه ذلك من تضليل للمخابرات الأجنبية وخاصة منها الفرنسية العاملة في ليبيا. كما تم تزويد الثورة بصفقة سلاح من تركيا.

– إيواء القياديين الجزائريين في طرابلس، وقد وقعت في ذلك الحين محاولة لاغتيال أحمد بن بلا بطرابلس.

– مساندة سياسية وإعلامية للثورة الجزائرية، وبالإضافة إلى ذلك فقد قام مصطفى بن حليم خلال تمثيل بلاده في باريس مقابلة شارل ديغول عشرات المرات[1] كان يثير خلالها موضوع الثورة الجزائرية وإطلاق سراح القادة الخمسة الذين اختطفتهم فرنسا في أكتوبر1956.

• حياته الخاصة:

تزوج بالإسكندرية في 29 يونيو 1952 من سيدة فلسطينية، وولد له ابنه البكر عمرو 1953 وهاني وطارق وأحمد وعبير وشيرين. وقد درس جميعهم ببريطانيا[1]. هو آخر من بقي على قيد الحياة من رؤساء وزراء المملكة الليبية، وهو الوحيد منهم الذي عاصر ثورة 17 فبراير.

• كتاباته:

بالإضافة إلى الردود والتوضيحات التي يكتبها مصطفى بن حليم بين الفينة والأخرى ببعض الصحف مثل الحياة والشرق الأوسط، فقد أصدر الكتابين التاليين:

• صفحات مطوية من تاريخ ليبيا السياسي القاهرة: وكالة الأهرام للتوزيع,

• ليبيا انبعاث أمة وسقوط دولة، دار الجمل ألمانيا كولونيا 2003، 544 ص. وقد استعرض فيه التاريخ السياسي لليبيا منذ الفتح الإسلامي حتى الوقت الحاضر.

وقد علق الكاتب الليبي محمود الناكوع في إحدى مقالاته على مذكرات بن حليم: بانه الأول الذي حرر شهادة ميلاد مذكرات الساسة الليبيين.

مصطفى بن حليم هو مصطفى بن أحمد محمد بن حليم، ولد بمدينة الإسكندرية يوم 29 يناير 1921، سياسي ليبي تولى الوزارة الأولى فيما بين عامي 1954 و1957. نحدر من عائلة امتهنت التجارة منذ قرون وكان والده تاجرا بمدينة درنة، ألقي على والده لقبض عند دخول القوات الإيطالية عام 1911 وتعرض للمحاكمة غير أنه أخلي سبيله وغادر ليبيا إلى مصر فيها تزوج من ليبية من عائلة بن غلبون وأنجبت أبناءه ومن بينهم مصطفى. دخل مصطفى بن حليم مدرسة بالإسكندرية لأحد المهاجرين الليبيين، ثم التحق بكلية سان مارك، حيث كانت المواد تدرس باللغة الفرنسية إضافة إلى العناية باللغة العربية وبالإضافة إلى ذلك حرص والده على تحفيظه القرآن مع إخوته. وفي عام 1941 حصل على شهادة الباكالوريا رياضيات التحق بعد ذلك بكلية الهندسة بفرع الإسكندرية ليتخرج منها عام 1946 ببكالوريوس الهندسة بمرتبة الشرف. في مطلع عام 1950 وصلته وهو في الإسكندرية دعوة من الأمير إدريس السنوسي لمقابلته في بنغازي. وعندما قابله دعاه إلى العودة إلى ليبيا للقيام بدوره في الدولة الجديدة. واستجاب لدعوته وعاد إلى ليبيا في حزيران 1950 ليعين وزيرا للأشغال. أي مطلع عام 1950 وصلته وهو في الإسكندرية دعوة من الأمير إدريس السنوسي لمقابلته في بنغازي. وعندما قابله دعاه إلى العودة إلى ليبيا للقيام بدوره في الدولة الجديدة. واستجاب لدعوته وعاد إلى ليبيا في حزيران 1950 ليعين وزيرا للأشغال. تزوج بالإسكندرية في 29 يونيو 1952 من سيدة فلسطينية، وولد له ابنه البكر عمرو1953 وهاني وطارق وأحمد وعبير

رسالة من السيد مصطفى بن حليم رئيس وزراء ليبيا السابق  

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد خير الخلق أجمعين

وبــــــعد…
فإني أتوجه بهذه إلى جميع مواطني الأحرار، إخوتي وأخواتي، أبنائي وبناتي، أحفادي وحفيداتي، إلى الجيل الليبي الصاعد، شاكراً لهم قراءة رسالتي هذه التي أحمل لهم فيها كل أمالي الوطنية، ورجائي إلى مالك الملك الذي يعز من يشاء ويذل من يشاء أن يجدوا فيها الرأي الصواب والنصح الخالص من الأغراض، والسبيل المؤدي إلى أنبل الأهداف.

إن أهم هدف لأي شعب من الشعوب في أية مرحلة من المراحل هو ضم الصفوف وتأمين الاستقرار لكي ينتقل إلى مرحلة يستطيع فيها أن يتحرك بثقة واطمئنان إلى مستقبل يسوده التقدم والازدهار وتتحق فيه الحرية والكرامة لجميع أبنائه وفق نظام سياسي واقتصادي واجتماعي يكون محل توافق وطني. ونحمد الله العلي القدير الذي وفِّرَ لوطننا الحبيب كل ما يتمناه أي شعب لتحقيق هذا كله. وهذا هو ما مر به شعبنا قبل مجيء الطاغية.

إن ضم الصفوف يتطلب من الجميع أولاً وقبل كل شيء التصافي والتسامح والتفكير في مصلحة الوطن العليا قبل التفكير في أية مصلحة شخصية. والمصالح الشخصية تتحقق للجميع بالعودة إلى القيم الإسلامية والأخلاقية التي هي قيمنا، قيم ديننا ومجتمعنا. ونحمد الله أن ليبيا كلها على دين واحد، هو الإسلام وما تميز به من قيم وأخلاق. ومن أهم هذه القيم العدل، واحترام الحقوق، والتسامح، والعفو عند المقدرة، والتكافل الاجتماعي وغيرها من القيم التي عاشها ومارسها شعبنا، وتأصلت فيه، بحيث لا يحتاج إلا إلى التذكير بها ليعود إليها.

ومن نعم المولى علينا أننا جميعا نعيش ثقافة واحدة وتاريخاً واحداً وتراثاً واحداً وتقاليد واحدة. ومن أبرز خصائصنا استعدادنا للتصالح مهما كانت الخلافات، وأن شعورنا بالانتماء لوطن واحد نحن أبناؤه يتغلب دائماً على أية خلافات، وقد ثبت ذلك في الماضي وفي الحاضر، وأتمنى عليكم أن يظل التصالح دائماً نصب أعيننا يعيش معنا ونعيش معه بحيث يسود الوئام دائماً ويقطع الطريق على المفسدين وكل من يحاول بث الفرقة بين أبناء وطننا.

أمامنا الآن أهم مرحلة وهي بناء الدولة الليبية الحديثة، وفي هذه المرحلة بالذات التي هي أهم وأدق من أية مرحلة أخرى، يجب علينا جميعاً أن تكون مصلحة الوطن هي المصلحة العليا وهي المقدمة على جميع المصالح الخاصة، قبيلة أو عشائرية أو فردية. فالخير عميم بحمد الله والمستقبل للجميع، وأدعوكم جميعاً للعمل لبناء ليبيا الحديثة، الحرة الأبية، بلد الأحرار الأُباة، ليبيا الخير لجميع أبنائها. ليبيا التي يبحث أبناؤها دائماً على ما يوحد بينهم ويجمع شملهم لا ما يفرق الصفوف ويولد الأحقاد والضغائن ويورثها للأجيال القادمة. ولنا في المصالحة الهامة التي رعاها السيد محمد إدريس المهدي السنوسي سنة 1946 (وهو في زيارة خاصة) عندما كادت قبائل الحرابي والجبارنة الاحتكام للسلاح، والتي توجت بوثيقة الإخاء والمسامحة، ووقع عليها رؤساء الجانبين، وهذه الوثيقة موجودة لدى المؤرخ الليبي السيد فرج نجم.

إن مصير ليبيا ومصير أبنائها يتقرر الآن من جديد، ويجب ألا يقرر هذا المصير إلا أبناؤها المجتمعون على كلمة واحدة وهي أنهم جميعا أبناء هذا الوطن وشركاء فيه، يبنونه بسواعدهم وعقولهم ووحدتهم. والتطلع إلى المستقبل. وتذكر الماضي لتجنب أخطائه والاستفادة من تجاربه إنني عشت الأربعين سنة الماضية بعيداً عن أرض الوطن، ولكن الوطن وأبناؤه وما كانوا يعانون من الطاغية لم يغب عني لحظة واحدة. وكما تعلمون فقد فشل عملاء الطاغية مرات ثلاث عندما حاولوا اغتيالي , ولولا رحمة الله وقدره لما كنت بينكم اليوم، ومع كل الألم والغضب الذي أشعر به، وتشعرون به، إلا أن ليبيا تنادينا من أعماق الجراح للبحث عن كل ما يصون وحدتنا ويهيئ الظروف الأمثل لبناء المستقبل. ومن هذا المنطلق، إنني أدعوكم إلى ضم الصفوف والاحتكام إلى مصلحة الوطن العليا، بحيث لا يطبق ذلك القانون إلا على من يثبت عليهم في محاكمة عادلة أنهم ارتكبوا فعلاً فساداً أو جرائم يعاقب عليها القانون أو يعلمون للقضاء على ثورة الشعب ولا يتسع لها باب الرحمة أو العفو أو إصلاح الضرر. إنني أدعو إلى تعميق التآخي والمصالحة من أجل حماية وطننا الغالي وبنائه.

وقبل أن أودعكم أرى من واجبي نحوكم ومن حقكم عليَّ أن أعرض عليكم رأيي المتواضع في ما يدور الآن في حلقات الحوار عن النظام الأمثل لليبيا المستقبل، هل هو النظام الفدرالي لأجزاء الوطن الثلاث، أم نظام الوحدة الذي ساد في النصف الثاني من النظام الملكي. الأخطار الجسيمة والمشاكل الجمة التي ينطوي عليها لبلد صغير في عدد سكانه كليبيا تتركز عليه أطماع خارجية يهمها أن تكون صاحبة نفوذ عليه وعلى خيراته. وهذه الأخطار والمشاكل والمطامع التي كنا نوجهها يومياً هي التي أقنعت مولاي الملك إدريس وأقنعتني وأنا في موقع المسؤولية بأن مصلحة الوطن تتطلب إلغاء النظام الفدرالي وتبني النظام الوحدوي.

أيام النظام الفدرالي كانت مغريات الانفصال والاستئثار بالسلطة قلما كانت تغيب عن الأذهان. وكان الصراع على الاختصاصات وتنازعها في ميادين التشريع والتنفيذ وحدود الإشراف عليه هي الشغل الشاغل للاتحاد والولايات على حد سواء، ومصدر القلق الدائم خاصة عندما كان التشريع في يد الاتحاد والتنفيذ في يد الولايات تحت إشراف الاتحاد، أو عندما يكون التشريع في يد الولايات وكل ولاية تشرع على هواها دون أن يكون من حق الاتحاد التدخل لضمان توحيد التشريع. ففضلاً عن الفوضى في التنفيذ أو التشريع التي تترتب على هذا الوضع، فإن توزع معظم الأمور، وخاصة في الاختصاص بسن القوانين والتخصصات على هذا الوجه يتيح الفرصة للتدخل الأجنبي لخلق تنافس ضار بين الولايات أو لتحريض الولايات كلها أو بعضها ضد الاتحاد لمقاومة سياساته أو الاعتراض على القوانين الاتحادية التي يسنها ضمن اختصاصه التشريعي ولكن الجانب الأجنبي يرى أنها ضد مصلحته. كل هذه وكثير غيرها كانت تثير مشاكل شبه يومية وتعطل سير العمل وتهدد وحدة البلاد وتتيح الفرص لمحاولات التدخل الأجنبي والاستقطاب وعرض المغريات. هذه ليست اعتبارات نظرية وإنما كانت واقعا كي نبقى يقظين لمواجهته والتصدي له. إن الصراع على السلطة والاختصاص وما يترتب على ذلك لا يمكن تجنبه في النظام الفدرالي، ولذا فإن الابتعاد عنه هو الأسلم كلما أمكن ذلك.

هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن النظام الفدرالي فيه هدرٌ كبيرٌ للمال العام دون مبررٍ سوى الوفاء بمقتضيات ذلك النظام، وهو مال يكون دائماً بالإمكان استثماره في مشروعات إنتاجية تثري الوطن وأبناؤه. والسبب في ذلك أن النظام الفدرالي يتطلب إزدواجات في مؤسسات الدولة وأجهزتها وهذا يؤدي إلى مضاعفة النفقات العامة. ففي النظام الاتحادي الفدرالي يكون هناك الأجهزة والدوائر والمؤسسات الاتحادية تمارس اختصاصاتها وإلى جانبها في كل إقليم أو ولاية أجهزة ودوائر ومؤسسات أقيمت فقط استجابة للنظام الفدرالي وكان بالإمكان الاستغناء عنها لو أتبع النظام الوحدوي. فمثلاً ليبيا الفدرالية كان لكل ولاية والٍ يعينه الملك مقابل رئيس الوزراء، مجلس تنفيذي مقابل مجلس الوزراء الاتحادي، ومجلس تشريعي مقابل مجلس الأمة الاتحادي، ودوائر مقابل الدوائر الاتحادية. وكل جهاز أو هيئة يحتاج إلى موظفيه وإلى خدمات خاصة به. ولا يمكن إقامة نظام فدرالي بدون هذه الأجهزة، مما يقتضينه توزيع الاختصاصات والسلطات بين السلطة الاتحادية والولايات. وفي هذا إرهاق لموارد الدولة المالية وتبديد دون ضرورة. والمبرر الوحيد له هو التمسك بالنظام الفدرالي.

ويبدو لي ان العامل الأساسي الذي يدعو الليبيين في بعض المناطق للاحتماء بالنظام الفدرالي هو خشيتهم من التهميش ورغبتهم بأن يتمتع الليبيون في جميع المدن والقرى بنفس الخدمات العامة وبنفس الحقوق والفرص، وباختصار أن لا ينتظر المواطن الليبي قراراً يتخذ من طرابلس ليسمح له بعمل أو خدمة أو علاج وهو مقيم في الشرق أو في الجنوب وهكذا، فإذا كان ما ذكرت هو سبب تلك المطالب فهناك نظم دستورية غير النظام الاتحادي تفي بالغرض دون مشاكل هذا النظام وأعبائه ومخاطرة قد اعتمدتها دولٌ كثيرة مثل فرنسا وإيطاليا وبريطانيا وإسبانيا والدول الإسكندنافية واليابان والدول العربية الأخرى كلها. والنظام الغالب في الدول الأوروبية واليابان مثلاً هو النظام الوحدوي مع اللامركزية التي تؤمن للمواطنين الخدمات بشكل متكافئ أينما كانوا عن طريق حكم محلي يكون في متناول المواطنين في دائرتهم، وهم الذين ينتخبونه ويراقبون أداءه في توفير الخدمات لهم. ويتم هذا كله في إطار دستور توافقي تقره وترتضيه قوى المجتمع المدني على اختلاف توجهاتها , ولا يفرض فرضاً من أية جهة كانت استغلالا لإنفرادها بالسلطة مثلاً، كما كان الحال أيام الطاغية، أو لأنها فازت بأغلبية عابرة في وقت من الأوقات. الدستور هو العقد الاجتماعي بين أبناء الوطن الواحد الذي يكونون قد توافقوا عليه ليعيشوا في ظله مهما اختلفت مشاربهم أو مذاهبهم أو توجهاتهم. هو لهم جميعاً باختيارهم بصفتهم مواطنين في وطن واحد , ومن نعم الله علينا كما ذكرت أننا شعبٌ واحدٌ يجمعنا دينٌ واحدٌ وتراثٌ وثقافةٌ واحدةٌ ومصير واحد، ولذا فإن توافقنا يجب أن يكون ميسوراً، وعلى أي حال فبالإمكان دائماً إثراء تجاربنا بتجارب الآخرين والاستفادة منها.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

مصطفى بن حليم
رئيس وزراء ليبيا السابق
10 يونيو 2013م

الاحد 21 من شهر رمضان – الموافق 26/06/2016م – طرابلس / ليبيا

__________________________________
المصادر والمراجع:

[1] عمر الكدي تفاصيل مهمة من تاريخ ليبيا عن لسان رئيس وزراء المملكة الليبية الأسبق مصطفى بن حليم.

[2] مصطفى بن حليم صفحات مطوية من تاريخ ليبيا السياسي القاهرة: وكالة الأهرام للتوزيع, 1992، (رسالة موجزة إلى العقيد معمر القذافي، بجريدة الشرق الأوسط، بتاريخ 2008/06/26)

[3] هَدْرَزَةُ في السّياسَةِ والتّاريخ بقلم الصادق شكري.

[4] إطلالة على كتاب انبعاث أمة وسقوط دولة بقلم عيسـى عبدالقيـوم

 

مقالات ذات علاقة

هل بلغك حديث منصــور! فريد أشرف.. سيرة وقصـة حيـاة

المشرف العام

من ذاكرة الوطن.. حسين لحلافي

المشرف العام

خليفة التليسي.. عاشق الشعر وشيخ المؤرخين

المشرف العام

اترك تعليق