الأديب محمد إبراهيم أبوسنة
طيوب عربية

كتاب “آفاق شعرية*” محمد إبراهيم أبوسنة وقضية أجيال الشعر

د.علي الأصمعي – مصر

سار معظم الباحثين والنقاد فى وصفالأجيال والمدارس الشعرية العربية على سنة تقسيم سنى الشعر وأجياله حسب سنواتمحدده ولقد ظهر ذلك جليا في بدايات النصف الثانى من القرن العشرين مما تسبب فيتجاهل عدد مهم من شعراء هذه السنوات أو التركيز على عدد معين منهم أو القفز إلىالجيل التالى لجيل معين دون الانتهاء من ذكر إنجازات الجيل السابق ومأثره، وأقفهنا مع  كتاب للشاعر الكبير  محمد إبراهيم أبو سنة  هو ” آفاق شعرية ” والذى ييشير فيهإلى هذه القضية المهمة وأسبابها، ونتائجها ثم يعرض مقترحا  لحلها.

الأديب محمد إبراهيم أبوسنة
الأديب محمد إبراهيم أبوسنة (الصورة: الجريدة الكوينية).

وتكمن المشكلة حسب رأيه في أن تقسم الأجيال على أساس النظر إلى الوحدة الزمنية ” عشر سنوات ” كمقياس معياري لظهور جيل بعد جيل هي نظرة في حاجة قوية للمراجعة لتداخل المراحل بعضها في بعض من  ناحية ولبطء التأثير الفني لموجة من الموجات واستكمال دورته في موجة تالية .

ويصف  أبوسنة فى بداية حديثه عن قضية التجييل الشعري بإنها المحاولة المحمومة لتجاهل جيل بأسره يمثل عطاؤه الركيزة الكبرى للإنجاز الشعري في الستينيات والتى كانت  بمثابة كسر للجسر لكي تعبر حركة الحداثة من جيل الخمسينيات إلى السبعينيات وعد ذلك قفزا فوق أمواج هائجة من الغرور و الصلف والعدوانية.

 ويركز أبوسنة على مثال لنقد الجيل الستينى عند ناقديين الأول: حاول أن يصطفي من جيل الستينيات صوتين اثنين هما محمد عفيفي مطر و أمل دنقل، والثانى: وقد عرف  بعدائه لحركة التجديد في الشعر الحديث و الوقوف عند ظلال العصور الوسطي بأن شعراء المدرسة الحديثة قد فشلوا فاتجهوا إلى النقد  .

ويذكر أبوسنة  قائمة طويلة من أبرز وجوه الحركة الشعرية في العقد الستيني   مثل أمل دنقل، ومحمد عفيفي مطر، وفاروق شوشة، ثم ملك عبد العزيز، ووفاء وجدي، وبدر توفيق، وكمال عمار، والشعراء مهران السيد، ونصار عبدالله، وأحمد سويلم، ومحمد أبو دومه مرورا بأحمد عنتر مصطفى، وفهمي سند، وختاما بحسن توفيق.

ويضع  أبوسنة  محمد أبودومه في سياق الموجة الثانية، وكأنه يقسم العقد الستيني إلى شطرين ينتصفهما محمد أبو دومه فيقول ” ويأتي شعر محمد أبو دومه كعلامة واضحة متميزة في سياق الموجة الثانية من شعراء الستينيات، و أبرز ما يميز هذه التجربة المتفجرة التي تتوتر بصورة دائمة مجسدة الفعل الشعري الذي يمضي تارة نحو الأعماق المضرجة بالعشق المباشر كما يمضي تارة أخرى متشرقا  آفاق الاسشراق الصوفي الممزوج بما يمكن أن يسمى ” بالطرب الروحي” ، ويصفه بالشاعر الحائر المندفع والمتوتر، والذى يغوص في أعماق تاريخ مجهول غامض من المرئيات الحسية لقوافل لم يبق منها سوى الأهواء، وهو في نفس الوقت مفتون بتدفقه واستطراده وتشعب حالاته وقصيدته مثله تعبر عن توتر يقترب أحيانا من الحشرجة .. مفعمة بالعطور و الزهور الصحراوية ومرائي الواقع الغارق في المعاناة، إنه يجسم لنا الغربة الأليمة في معظم شعره، وعلى الرغم من أنه يتباعد عنا فهو يوهمنا أنه يسافر فينا، إنه لا يعرف الاتصال الحقيقي الدائم الذي يلهمه السكينة، فهو يقف على حد السكين كما يقول في عنوان أحد دواوينه.

  ويقف الشاعر محمد أبو دومه على حد السكين في أعلى حد وصف محمد إبراهيم أبو سنه على فبوقفه أيضا أى “أبوسنة ” حد المنتصف في شعر الستينيات، وهو بذلك يقسم هذا العقد الإبداعي قسمة غير مفهومة فكيف يستطيع باحث أو ناقد أن يقسم “عقد” من “قرن” إلى نصفين، وماذا لو جاء بعده من يقسمه إلى ثلاثة أقسام أو أربعة ثم يأتي بعد ذلك ما يعرضه الشاعر الكبير محمد إبراهيم أبو سنة من هجوم جيل على جيل مثل جيل السبعينيات على الستينيات أو نقاد جيل كذا على أو حول الجيل السابق أو اللاحق.

 وأخيرا يعرض أبو سنه رأيا خاصا له  يعتبره زاءا من حل المشكلة مفاده أن  النظر إلى حركة الشعر الحديث في مصر الآن على اعتبارها تمثل موجتين متمايزتين  .. موجه تبدأ بعبد الرحمن الشرقاوي في بداية الخمسينيات و تنتهي بنصار عبدا لله في منتصف السبعينيات، وموجة أخرى تبدأ بشعراء السبعينيات وما يزال يتدفق هديرها في أعمال شعرائها الذين نضجوا في نهاية الثمانينيات .

ويختم كلامه فيقول حتى هذا الاقتراح يقبل المراجعة و الاعتراض ولكنه يظل مطروحا للمناقشة و الافتراض.

 وقد أحسن شاعرنا الكبير العرض والخاتمة ووقف عند جزء من الحل، ولكن ألا يمكن أن نطرح عليه سؤالا عن  أساس هذا التقسيم، ولماذا عبد الرحمن الشرقاوي بالتحديد؟!.

قد يقول البعض أن ذلك مردوده قصيدة “من أب مصري إلى الرئيس الأمريكي” والتى نشرت عام 1953  .

 وإذا كانت هذه القصيدة تمثل تحولاً في الرؤى و التشكيل الموضوعي و الفني للقصيدة من الانتقال من القصيدة المقفاة إلى التفعيلة فإن هذا التقسيم يجانبه الكثير من الأقوال إلى ما نظرنا إلى ترجمة على أحمد باكثير لمسرحية روميو، وجوليت عام 1948 بالشعر المرسل … فلماذا لا يبدأ التقسيم بعلي أحمد باكثير وهنا أقصد باكثير المجدد والمطور لا شخص باكثير ؛ لأن السؤال الذى سيطرح نفسه بقوة أيضا  لماذا هذا الانغلاق داخل قوقعة الشعر فى مصر أليس الشعر العربي واحد، وله تأثيرات و قواعده ونظمه الموحدة ….؟

إنها دعوة فى نهاية مقالى إلى تميز حركة الشعر العربى على أُسس فنية، وليست جيلية أو قطرية، أسس تعود بنا إلى قواعد ومسميات كانت موجودة حتى بداية النصف الثانى من القرن العشرين فى المدراس الواقعية والرومانسية ومدارس الديوان وأبولو والمهجر وغيرهم من المدراس الإبداعية التى قامت على تميز الإبداع لا على سنوات معينة ـ حسب رأيي ـ إننى أدعو في النهاية إلى إعادة النظر في التقسيمات الجيلية على أساس فنيه  تضع الشعراء وإن تأخر إبداعهم العمرى  حسب مدارسهم الفنية لاسنواتهم العمرية.

______________________

*المرجع الرئيس لهذا المقال: محمد إبراهيم أبو سنة: آفاق شعرية، دراسات، الهيئة المصرية العامة للكتاب،1992م ص ص16:14، ص ص26:24

مقالات ذات علاقة

أهمية الترابط بين الفكر التاريخي والرمزية اللغوية

إبراهيم أبوعواد (الأردن)

الحياة كتبت فصولها

المشرف العام

صرخات اللبلاب تصاعدية

إشبيليا الجبوري (العراق)

اترك تعليق