مدينة شحات الأثرية.
تقارير

قصة نهب الآثار الليبية ومحاولات استردادها

بوابة الوسط :: خديجة العمامي.

مدينة شحات الأثرية.
مدينة شحات الأثرية.
عن صفحة مصلحة الآثار الليبية.

في ركن بعيد بأحد معابد حي سيدي اخريبيش، اكتست ملامح الحزن على وجه الدكتور خالد الهدار مدير مكتب الآثار المهجرة والمسروقة بديوان مصلحة الآثار بالحكومة الموقتة، فالرجل لا يخفي انزعاجه من حجم النهب الذي تتعرض له الآثار الليبية بعد العام 2011، والذي يكاد يعصف بموروث حضاري في جوف رمال ليبيا.

ويقول الهدار، لـ«الوسط»: «منذ اندلاع الثورة ازداد النهب والتنقيب نتيجة الانفلات الأمني، فحدثت الكثير من السرقات ومن أهمها السطو على كنز بنغازي من المصرف التجاري»، وأربع قطع أثرية من متحف سوسة، واصفا ما حدث بأنه «كارثة كبيرة جدا».

ويتكون ما يعرف بكنز بنغازي من آلاف القطع الآثارية والعملات المعدنية التي نقلها الإيطاليون إلي إيطاليا، وجرى استعادته إلي بنغازي عام 1961م حتى تعرض للنهب في عام 2011.

سرقات عشوائية بعد العام 2011 .. و1990 هي «السنة السوداء».. والإحتلال الإيطالي حافظ على تراثنا

مفارقتان يرويهما المسؤول الأثري، الأولى هي «سرقة تلك الآثار فقط من المتاحف بعد العام 2011 رغم الانفلات الأمني، بفضل حماية المواطنين للمتاحف»، لكنه يقول « نعاني الآن من السرقات التي تحدث عن طريق الحفر العشوائي وغير القانوني، حيث يتم استخراجها وتهريبها خارج البلاد»، موضحا «المشكلة أنه غير مسجلة ولا نعرف عنها شئ».

القطع الأثرية تنتشر في 60 متحفا في شتى أنحاء العالم

والثانية، وفق الهدار هي أن «العام 1990 هو السنة السوداء في تاريخ الأثار الليبية، إذ تعرضت البلاد لأكبر عملية نهب بعد فتح الحدود مع مصر وتونس وغيرها وتوافد الأجانب»، موضحا «سرقت أغلب المتاحف كما الحال مع متاحف شحات وطلميثة وتوكرة وطرابلس وصبراته».
ومن ثم، يبدو أن سرقة الآثار ليست وليدة 2011 فقط كما يظن الكثيرون، بل أن لها امتدادات تضرب في جذور التاريخ ، إذ عرفت البلاد أقدم حادث سرقة عبر التاريخ، وفي هذا السياق يقول الهبار «سرق تمثال من مدينة بنغازي يعود إلي عام 1672 م، ووصل إلي مدينة فرنسا حيث عثر عليه في محيط منطقة سيدي إخريبيش، بحضور القنصل الفرنسي في ذاك الوقت، الذي استحوذ عليه ورحله إلي طرابلس ومن ثم إلي قصر فرساي».

ومنذ تلك الواقعة التاريخية، عرفت ليبيا كمصدر هام للآثار والتاريخ القديم والحضارات، فأصبحت هدفا للقراصنة وهواة الآثار، وزاد الأمر سوء بعد افتتاح متاحف أوروبية كثيرة في القرن الثامن عشر، مثل المتحف البريطاني ومتحف اللوفر، إذ كانت تحتاج إلي مقتنيات لتعرضها.

نهب الآثار تفاقم بعد افتتاح متاحف أوروبية كثيرة في القرن الثامن عشر

ويقول مدير مكتب الآثار المهجرة والمسروقة، «تم تهريب كميات كبيرة من القطع الأثرية بين عامي 1672 و1911»، مرجعا ذلك «إلى الجهل بأهمية هذه القطع، وعدم وجود قوانين في العهد التركي تجرم العبث بالمواقع الآثرية»، فعلي سبيل المثال «لم تظهر التماثيل النسائية والجنائزية إلا في شحات أو بعض المناطق القريبة منها، وعند ظهورها في أي مكان في العالم يعتبرها الكثيرون خاصة بليبيا»

وفي دلالة واضحة على حجم النهب الذي تعرضت له الآثار الليبية، تقول مصادر رسمية إن القطع الأثرية الليبية تنتشر في 60 متحفا في شتى أنحاء العالم ، وقد ظهر نحو 10 تماثيل ظهرت في العالم، بواقع 3 أو 4 تماثيل في سويسرا، و4 في فرنسا، وواحد في بريطانيا.

وأشار الهدار إلى القبض على المهربين في هذه الدول لكن هذه التماثيل ما تزال في حوزة تلك الدول، بل لا تخلو المتاحف العربية أيضا منها على سبيل المثال قطعة في متحف بيروت وعدة قطع في متاحف مصرية.

ويوضح الهدار «بحسب القوانين التي أصدرتها اليونسكو والأمم المتحدة، فإنه لا يمكن استرجاع القطع المنهوبة قبل العام 1970»، لكنه يقول «من الناحية الدبلوماسية تستطيع الدول أن تسترجع آثارها بالعلاقات الثنائية»

يشار إلى أن النظام السابق نجح في إرجاع تمثال في العام 2008 كان قد تم نقله إلي المتحف الإيطالي عام 1915 م، وتمثال آخر عام 1999م أهداه الإيطاليون عام 1936م إلي وزير دفاع ألمانيا.

وعلى عكس ما يشاع عن نهب الاحتلال الإيطالي للآثار الليبية، يقول المسؤول الأثري إن «الإيطاليين اعتبروا ليبيا الشاطي الرابع فأسسوا المتاحف ونقبوا عن الأثار، وقليل جدا من القطع تم نقلها إلى إيطالياا»، مضيفا «حافظوا على أن تبقي الآثار في مكانها حتي بداية الحرب العالمية الثانية لكنهم نقلوا معظمها من المنطقة الشرقية إلي المنطقة الغربية وتم تخزينها لحمايتها، إلى أن تأسست مصلحة الآثار بعد الاستقلال في العام 1951، وأصبحت تدار بأيدي ليبية وبمساعدة خبراء إيطاليين وإنجليز.

وكما هو الحال في كثير من مناحي حياة الليبيين، فإن الانقسام السياسي والتردي الأمني يعرقلان عودة الكثير من الآثار الليبية المنهوبة، ويقول الهدار «رفعنا قضايا وأكدنا على أن تلك التماثيل ليبية بالتعاون مع البعثات الأميركية والفرنسية والإنجليزية»، موضحا «جميعهم تعاونوا معنا لاسترجاع هذه القطع كونهم بعثات تنقب عن الآثار في ليبيا».

لكنه يقول «قضت المحاكم الدولية لصالح ليبيا بحكم الطراز وتحليل الطين على كل تمثال، الذي اكد أنه مهرب من ليبيا»، موضحا بلهجة يملأها الحسرة «هذه القطع غير مسجلة ولم تتم استعادتها بعد وبسبب الظروف الحالية سيتم التحفظ عليها لديهم باسم ليبيا» .

مقالات ذات علاقة

كل يوم في مدينة ليبية: (2) مدينة يفرن

حسين بن مادي

أبوالنون يسرق الزواوي

رامز رمضان النويصري

لبدة بمعرض افتراضي يطلقه معهد العالم العربي في باريس

المشرف العام

اترك تعليق