الشاعرة حواء القمودي
النقد

قصائد حواء القمودي تحملنا للأعلى!

قراءة الشاعرة حنين عمر

الشاعرة حواء القمودي
الشاعرة حواء القمودي

عندما تقرأ قصائد الشاعرة الليبية “حواء القمودي” تنقلك ذاكرتك في القصيدة الواحدة لأكثر من مكان ولأكثر من معنى، حينا عندما تجد نفسك مشدودا للنص في شاعرية قصوى تنتقل بك لمنحى التأمل، وأحيانا أخرى تعلمنا دروسا في الوطنية.
الشاعرة هنا وحسب ظني لا تقصد أحدا بقدر ما تقصد نفسها وتتحدث عن عاداتها في صورة شعرية غاية في الروعة والجمال تقول في قصيدة” هي وعاداتها” :

(هي 
سابحة في لازورد البحر 
تلملم الأزرق في قارورة عينيها 
تستنطق تموج اللون 
لتحكي لحبيبها كل الذي لا يباح. 
هي 
تأتلق البحر 
تخبئ في مسام الجسد 
كل الذي سيباح 
من عاداتها 
أن تقول: صباح الورد للطائر الذي يتحدى هدير الوقت 
ويغرد فارداً جناحيه مدىً أزرق لشمس يومٍ جميل 
تلحس بلسانها قطرات المطر العالقة بالنرجسة الناصعة البياض 
تتشمم عبق التراب الشبعان 
وتصهل بالضحك حين يبتسم البحر. 
تضم الصغار إلى قلبها 
وتزرع في الليل دمعة 
حين لا ترى دفء الفصول في فراشها. 
هي 
ضاحكة من كل الذي كان 
اتكأت جذع نخلة وبكت 
خبأت (سوق الجمعة) في القلب، 
توسد البحر ركبتها ونام. 
من عاداتها 
أن تؤثث يوماً آخر بكوب الحليب والشاي 
تستنهض فراش طفولتها 
لتفوح قهوة الأم العالقة في دخان الطابون 
تهسهس أساور الذهب، 
فتتلمس تعاريج الزراقة 
كما لو أن هذا الوقت لها تنشده الأغنيات 
ولا تخاف سيفه الذهب. 
هي 
غارقة في ارتباكها 
تلملم طرف رغباتها 
تسأل الأزرق 
لماذا أكون وحدي والكائنات لي؟. 
من عاداتها 
أن تربك أصدقاءها بوهج الألفة 
ثم تنثني متلاشية في غيمة بعيدة 
تعد الأنجم السابحة …. تحلم أن تصادقها ذات يوم قريب

حواء القمودي لا تنتمي لأي مدرسة بحسب رؤيتي الخاصة ، فقط وهذا يكفي، كتاباتها تجعلك تحلق عاليًا نحو السماء تحمل معك روح طفل وتترك أي شيء آخر في الأسفل، هي تنتمي لمدرسة الحالمات النقيات هكذا أسميتها،
تقول الشاعرة:
( “ما الذي يبقيني هكذا”
أقعد علي مصطبة الليل 
أرقب نجمة , تراود ظلمة لا تنام 
أتذكر طفلة كانت 
عيناها الدهشة 
شعرها القمح
ضحكتها الصهيل 
طفلة كانت 
تنسج من السانية قفطانا للنوم 
تختلس من جرة الفخار السمن 
وتغلبها خابية الزيت 
أتذكر طفلة 
سرقت كتب ابن عمتها 
خبأتها في معطفها الأزرق 
طفلة 
تصارع ليلاً 
تنهمر غضبًا 
لأن توت فاطمة اللذيذ سرق 
أجلس حافة ليلة ربيع 
أرقب عمرا وأسمي أطفالا
أنااااااااااااام قلب ليلة ربيع 
يأتي الليل كله موعودا بي 
أستدرجه إلى غرفة ترفل في عريها المثقل بضجيج أنثي
تصهل ثاقبة أذن النهار الصماء 
أغويه بنهد
يتلمس في الظلمة يدا لا تصل 
أزرعه حيث أرض النشيج ترسم قحطها 
كأن بناتها قد شبعن 
أغرقه بحر الضجيج الذي يبتلع الأقمار
ويذر الشموس مزروعات بسماء لا تسمع الدعاء 
أتذكر طفلة )

أسلوب الشاعرة غني بالمفردات الجميلة المسترسلة هي لا تكتب شعرا فقط بل تعزف موسيقى الكلمات وتكتب سردا شعريا بإتقان ملحوظ تقول الشاعرة:
( البنت الحمامة
البنت البحر
البيت عالٍ 
شرفة نائية تختبئ خلف المشربية 
تظلّني الياسمينة 
الصيف حار
ها أنا أتخفف من ثيابي 
أسرح في فضاء حرية 
في الشرفة النائية تظلّني الياسمينة 
أوراقها الخضراء أغصانها المتشابكة 
زهورها البيض العبقة 
وعيناي من فتحات المشربية ترقبك
أنت هناك يا حبيبي
تهل 
تظهر في أول الزقاق 
الزقاق المظلل
أصوات الخطيفة تعلو 
ها أنا أتلمس ذراعي العاريتين
شفتاي حارتان
عبق الياسمين يسكرني 
أنا معك 
الزقاق لم يعد مظلما 
يتنور بشمس ,ها نحن معا 
أتلمس أصابعك 
لا أحد هنا 
نحن
انت وأنا 
أنا الفاغمة كوردة 
المعطرة العبقة 
حناء العروس بيديّ وقدميّ
في حمام درغوت / تندي جسدي 
نهر من العرق يسيل مني 
الآلام العذابات 
الخوف القهر
تحررت روحي
صارت لي أجنحة
كل الأصوات خافتة ,
يعلو صوت جسدي 
توق روحي 
لهف نفسي 
صارت البنت بحرًا 
البحر الذي يهبك 
يتلذذ معك 
وأنت متوَلّهًا ترقبني 
الخائفة المرتجفة 
صارت قربك 
يضمها رداؤها الطرابلسي 
ضفيرتي شعرها عبقٌ بالقرنفل وماء الزهر
شفتاها مضمختان سواكا 
وفي عينيها تقطر حلاوة العسل 
صارت لك ..لا أحد هنا ,عبق الياسمين 
صوت الخطيفات 
ورائحة الصيف 
صيف طرابلس 
طرابلس اللاهية علي البحر 
البحر الذي صار البنت 
البنت التي صارت حمامة 
وأنت هناك 
قامتك تهل 
اّخر الزقاق 
والبنت خلف المشربية 
تتلمس نهديها وترقبك )

أحيانا كثيرا عندما تقرأ للشاعرة نص أكثر من مرة تشعر بأنه يلف الغموض الأمكنه التي تؤلمها كما يبدو، وأحيانا أخرى تشعر أنها لم تواجه نفسها كما ينبغي بل هربت من نفسها ومن الأسماء والهويات والانتماءات ربما
تقول الشاعرة في قصيدتها”إنهم ينتظرون قصيدة” :
( إنهم في انتظارك 
يسمونك قصيدة جديدة 
يترقبون هطولك في روحي 
تشكل قسماتك بين يدي 
وأنا فاغرة القلب 
أرقب هذا العالم الخرب ينهار 
الدم يغطي البياض 
والصلوات لم تعد تعرف .. أين تذهب
وأنا انتظرك 
وأتسمع وقع خطواتك الواجفة 
نعم 
هذا العالم صار مقبرة 
لكن الشمس تشرق والنسائم تداعب خدود الصبايا 
والبحر لا يغادر زرقته 
والخطيفات تخبرني أن طفولتي مخبوءة تحت جناحها 
وثمة ولد يترقب قبلة
من فم حبيبته الشهي 
هناك الكثير من الحب 
والجمال 
والضوء 
لذا يمكنك الهطول 
والطيران 
والمشي حافية 
فأنا أكتبك 
أقاوم الخراب بك 
وأرسم عالما بهيا تضيئه قصيدة 
قصيدة ينتظرونها)

ـــــــــــــــ
*للشاعرة حواء القمودي قصائد أخرى جميلة جدا يمكنكم متابعتها على موقع” بلد الطيوب

مقالات ذات علاقة

يوميات المنفى

ناصر سالم المقرحي

لماذا تبهرنا كتابات الكوني؟

رامز رمضان النويصري

قراءة نقدية لقصص المرحومة نادرة العويتي عند مفترق الطرق

إبتسام صفر

اترك تعليق