المقالة

فك اشتباك بين الكتاب والصحفيين

هناك حالة التباس مزمنة بين حرية الصحافة وحرية الرأي. قطاع واسع من الناس لا يفرقون بين الحالتين، رغم الاختلاف الظاهر بين ما هو رؤية وما هو رواية. أكثر الذين جاهدوا تحت لافتة حرية الصحافة هم كتاب الرأي، وأكثر الذين أضروا بفهم حرفي لمفهوم حرية الصحافة هم كتاب الرأي أيضا… اختزال حرية الصحافة في حرية التعبير، هو خطأ ذائع وليس حقيقة مهنية… الصحافة هي فن إدارة المعلومات، أو فن صناعة الحقيقة… مهمة الصحافة تلبية الفضول المعرفي لمتلقي من حقه أن يتزود بالحقيقة والحقيقة كلها عبر فنون الصحافة المختلفة، بداية من القصة الإخبارية والمقابلة الصحفية، وليس نهاية بالتحقيق الاستقصائي.

الصحفي البريطاني “تيم سباستيان” أختصر صناعة الصحافة في جملة ليست طويلة ذات توضيح: “وظيفة الميديا هي توفير أجوبة مهمة لأسئلة ملحة لدى الناس”.

الرأي خدمة صحفية، ضمن كراسة شروط مهنية أو كراسة مسؤوليات أخلاقية لا يخطئها الصحفي العارف ولا ينبغي لكاتب الرأي أن يتخطاها. وتتضمن كراسة الشروط المهنية فضلا عن انتهاك الخصوصية ونبذ خطاب الكراهية و التحريض على الحرب، تجنب ازدراء الأديان، والتشهير بالشخصيات غير العامة، وتحريم الميز العنصري والجنسي، ونشر الأخبار الكاذبة.

الفرق بين حرية الرأي وحرية الصحافة، هو بالضبط الفرق بين الرؤية، والرواية، أو بين طرح الاستنتاجات وتقديم الوقائع.. في الحالة الأولى يكون للكاتب كل الحق في التفكير بصوت مرتفع في سوق أفكار متنوع. أما في الثانية فالحق للآخرين في التزود بالمعرفة من مصادر مختلفة ومتخالفة.

الصحفي هو الشاهد الذي يتوجب وجوده في مكان الواقعة ليس بالصدفة… والصحفي يشبه كثيرا خبير الأرصاد الجوي الذي يتابع تبدلات المناخ دون أن يتبعها… والصحفي هو النافذة المشرعة على الزمن الراهن في زمن قادم… والصحفي هو النائب العام لكل من يريد أن يعرف… تعريفات كثيرة والصحفي محايد وموضوعي وأمين ليس لديه رأي مسبق من الأشياء حتى لا يختلط ما يراه بما ينبغي أن يرويه.

ويظل لكتاب الرأي بساط الحرية الممدود أمام خياراتهم وانحيازاتهم، حسب تقديرهم للأشياء، ووفق مسطرة الضمير. ولكن لا يمكن أن تكون هناك حرية رأي بدون توفر براح للتفكير بصوت عالي، كما لا يمكن أن تكون هناك صحافة حرة مع تقييد للمعلومة.

كاتب الرأي معني بقانون يوفر له البيئة المناسبة للجهر بأفكاره كشريك في صناعة الشأن العام، ويكون بوليصة التأمين ضد الحد من الحرية أو التعرض لكل أعمال التضييق ومشتقاته… الصحفي معني بتشريع يؤمن له حرية انسياب المعلومات وتدولها في مواجهة سياسات المنع والحجب وذهنية (سري للغاية)، وثقافة التكتم الأكثر انتشارا بين الموظفين العموميين… يمكن أن يكون كاتب الرأي والصحفي واحد، ولكن العمل الصحفي وكتاب الرأي يجب أن يكونا أثنين.

____________

نشر بموقع ليبيا المستقبل

مقالات ذات علاقة

أين ليبيا التي عرفت؟ (29)

المشرف العام

الصحافة في يومها

فاطمة غندور

نسج العنكبوت: أنا هو الآخر

أحمد الفيتوري

اترك تعليق