فرح مؤجل في لوحات رمضان نصر ابوراس
تشكيل

فرح مؤجل في لوحات رمضان نصر أبوراس


من الضروري في هذه الظروف الراهنة، حيث عصر الانحطاط بامتياز والنكسات المتلاحقة للوطن، التركيز وإبراز الملامح الثقافية والفنية التي تميز الفن الليبي كرسالة محبة إلى العالم أجمع وترميم الصورة المتهرئة من فعل التفكير السلبي في المجال السياسي والثقافي والاجتماعي على مدى عقود طويلة من الزمن، ومحاولة الصعود إلى أعلى السلم للإشارة إلى مشاهد بصرية تضفي الكثير على الموروث الثقافي الإنساني، في تجربة الفنان رمضان نصر أبوراس…

أعماله بمثابة الكشف عن مخطوطات شرقية وما تحمله من رسومات وخرائط، طرق تفضي لمساحات مضيئة بالغة الخصوبة وحدائق مليئة بثمار ناضجة متعددة المذاق ومختلفة الأشكال والألوان، منمنمات متشعبة في ذاكرة الوطن…
الإقصاء لكل الخبرات والمهارات المكتسبة من التعليم الأكاديمي والولوج إلى داخل دهاليز التاريخ الليبي عبر حساسية فنية مرهفة والوقوف عند محطات من الذاكرة الشعبية لحياة الناس العاديين في الماضي والحاضر…
تمركز المنظور الروحي في أغلب أعماله الفنية مستعينا بالبعد الواحد على سطح لوحاته بألوان مائية شفافة تلوح منها بقع داكنة من الأزرق والأحمر في بعض أركان اللوحات وفي الكثير من الأحيان في مركزها، تقترب في مظهرها العام من الفن الصيني القديم، حيث نقطة التلاشي خلف المتلقي…

التشكيلي رمضان أبوراس
التشكيلي رمضان أبوراس

صور كالأطياف من ذاكرة خصبة مليئة بمخزون بصري في حالة زحام وتداخل لمشاهد من قصص مختلفة، أفراح، رقص، صيد وجلب المياة من النبع، بيوت، نخيل، خيول، أسماك، غزلان، أزياء تقليدية مختلفة الثقافات «عربية أمازيغية» في انسجام تام… لحياة الحضر والبادية، وكلها تنتشر على مساحة اللوحة وتتداخل هذه المفردات بالفضاء المرسوم في بناء فني من فعل انتشار الألوان المائية على سطح الورقة البيضاء وخبرة الفنان في مزج كل هذه الصور في عمل فني واحد لا تربك العين، بل تدعو للتأمل وتستدعي راحة ومتعة بصرية بالإضافة إلى حالة التوثيق التي تحملها من عادات وأزياء وتفاصيل أخرى من حياة الليبيين…
معمار اللوحة عنده يلامس التراث «الغدامسي» ويقترب كثيرا من مناخ الفنان بول كلي عندما رسم الشرق، خصوصا شمال أفريقيا وما تبعه من الفنان الليبي علي الزويك في ظاهره.. فمثلا لوحة «المدينة البيضاء» و»موسم الرعي» مع اختلاف الحساسية الفنية والتكنيك، فالفنان رمضان نصر أبوراس يهتم بأدق التفاصيل ويعتمد على المهارة الفنية المكتسبة في مراحل سابقة، مع تلقائية في البناء الكلي للعمل الفني، بعكس الفنان الزويك الذي يعتمد على مصادر داخلية تفضي إلى الفن الفطري الخاص به، الذي يبدأ بعد قطيعة مع الفن المعاصر، وما أنتج في الغرب في مناطق يرتع فيها الفنان الفرنسي جان دوبوفيه ومواطنه هنري روسو وغيره من الفطريين أصحاب الريادة في «الفن الخام» أو «البدائي» الذي اتفق مؤخرا في فرنسا على تسميته بـ»الفن الأولي» مع الاختلاف في الأساليب وطرق المعالجة لأعمالهم الفنية، فالمقارنة بين جان دوبوفيه وروسو، كالمقارنة بين علي الزويك ورمضان نصر أبوراس، فالزويك أقرب للأول وأبوراس يلامس رشاقة الثاني. وكذلك الفنان علي الزويك يلعب على التفريغ والفضاء الأبيض المتروك باللوحة، والفنان أبوراس يركز على ملء هذا الفراغ…
أعمال فنية توقظ فينا حلم السفر في أرجاء الوطن الجريح للوحة فرح مؤجلة يتمناها كل الليبيين لرأب الصدع، وترميم المشهد وإعادة الأواصر بين الأسر الليبية في جميع مدنها، ليوم أجمل «من أجل كل الأطفال الذي لم يولدوا بعد، على قول الشاعر محمد إقبال»…

وفي انتظار أن يطارد الفنان أجواء تشكيلية جديد خوفا من الوقوع في نمط التكرار للوحة الواحد لأنني واثق أن رمضان نصر أبوراس صاحب إمكانيات كبيرة وخيال خصب يستطيع العبور بنا، نحن الجمهور، إلى ضفة أخرى من ضفاف المشاعر الإنسانية النبيلة تُعبر عن الفن الليبي الأصيل بروح العصر.


التشكيلي رمضان أبوراس
التشكيلي رمضان أبوراس

رمضان نصر المبروك أبوراس

– من مواليد 1956 مقيم في صبراتة، ومتحصل على إجازة التدريس الخاصة شعبة التربية الفنية من معهد ابن منظور للمعلمين سنة 1976 في طرابلس ومتحصل على ليسانس جغرافيا في كلية الآداب من جامعة بنغازي عام 1983…
– أقام وشارك فى العديد من المعارض الشخصية والجماعية وصمم العديد من الملصقات والأعمال الفنية لكثير من الجهات العامة والخاصة. منها الجداريات لوزارة السياحة جداريات في كلية الهندسة في صبراتة. مجسم في مدخل مدينة صبراتة مع مجموعة فنانين.
– له أعمال في المعهد الأفريقى للأورام في صبراتة وكلية الهندسة ووزارة الثقافة. له أعمال في كل من سويسرا، إيطاليا، النمسا، مالطا، المغرب، تركيا، الأرجنتين، ألمانيا، بلجيكا، فرنسا وفنزويلا…
– وهو من المؤسسين لجمعية الفنون التشكيلية في الزاوية وجمعية الفنون التشكيلية والخط العربي في صبراتة. وعضو في الجمعية الليبية للفنون التشكيلية وعضو في جماعة رؤى الدولية للفنون في تونس…
– نال جائزة الترتيب الأول في الرسم والتصوير في المحفل الأول للفنون التشكيلية في مدينة مصراتة 2005، باحث ومهتم بجماليات العمارة وله عدة أعمال في الترميم وإعادة صياغة المباني وتنفيذ المجســمات والمكملات الجمالية.

مقالات ذات علاقة

بورتريهات ليبية

ناصر سالم المقرحي

بعيداً عن كل جائحة تشكيلية

عدنان بشير معيتيق

فنان يشيع الجمال

ناصر سالم المقرحي

اترك تعليق