قصة

فتات الخبز

12509526_702133566588447_4967590996349838074_n (1)
تجلس عند هبوط كل مساء، تسقط في قاع أحزانها ، تتفنن في غسل الضجر عن نهارها الطويل وتلميع الوقت بافتعال الضجيج ، تتشاجر مع تجاعيد يدها ومع الوشم الباهت ومع مخلوقات غيبية طارقة بعكازها وحل الأرض تنقش غيابه الطويل في بركة آسنة ، تحرق ماضيها ، تنفثه كعبارات أو أمثال شعبية، أو كلمات غريبة تلقيها على المسامع ، تطعمهم ما تيسر من قوت الذكريات البعيدة التي تفيض بالشجن ، تعكس حزن أيامها في مرايا أغانيها وأهازيجها المترنحة المصابة بالدوار وباللوم على كل شيء إثر حشوها بالذكريات الأليمة المرتعشة المتدثرة بالحنين رغم الصقيع وعلو درجة النسيان والبرودة.
كل شيء يتناثر من بين أسنانها المتساقطة ، يتساقط الكلام والأغاني وفتات الخبز التي تطعم به دجاجاتها القليلة التي تخفق جناحيها المغبرة استبشاراً بها وباللقيمات القليلة وتتقافز حول حنجرة الديك المتسعة الصياح .
ذات ليلة
لملمت عظامها وخردوات ذكرياتها وأحلامها مع حلول الليل ومع هطول العتمة الشديدة تكاثرت الهموم ، أخذت العجوز تدس الدمع وتمزجه مع الحنين في أكياس صغيرة ، تدفنها بين صوف وسادتها وتحتضن برودة الحائط المتهالك ، أصيب القمر بالإعياء فتوارى خلف الغيوم خجلاً .
على الحائط ، وبسبابة الدمع رسمت ظل لرجل محدودب الظهر ، تعالى الضجيج الذي يقيمه شبح الوحدة ، قهقه الشبح عالياً محاولاً إزهاق روحها الشائخة.
في الصباح كانت لقمة سائغة لفم المقبرة المجاورة ، دفنت بجانب قبر رجل مات محدودب الظهر ، أمام بيتها تقافزت الدجاجات حول حنجرة الديك المتسعة الصياح منتظرة فتات الخبز .

مقالات ذات علاقة

يحيا “ارجوبه”

عطية الأوجلي

المحفظة

خالد السحاتي

دبل براندي

حسين التربي

اترك تعليق