كتابة
النقد

غواية الصورة وخداع الخرائط الذهنية.. طقوس العتمة – أنموذجا

انتصار عبد المنعم- مصر

 
توطئـــة
في زمن الفضاء الواسع والقرية الكونية الواحدة، لم يعد مستساغا أن يكتب الروائي أو القاص على لسان الطير والحيوان ليمرر ما يريد قوله مجازا إن حالت الظروف السياسية عن قوله صراحة. فأسلوب كتاب “كليلة ودمنة”  الذي قامت  فكرته على حوار بين فيلسوف وملك، ورغبة الفيلسوف في إصلاح الحاكم الظالم وكشف عيوبه أمامه بطريقة غير مباشرة تحفظ عليه حياته من العقاب، لم يعد صالحا للتكرار.
ولما لم يكن من المستطاع التحدث إلى الملوك والسلاطين بمبدأ النصح المباشر في زمن  كتابة “كليلة ودمنة، و في عصر ترجمة “ابن المقفع” له، كان من الضروري اللجوء إلى طريقة لقول المراد دون التعرض لغضب الحاكم. وهكذا جاءت النصائح والحكم على هيئة حكايا خرافية. فعلى ألسنة الحيوانات مثل البوم والغربان والجرذان جاءت الحكايا وأحداثها لتكشف عن خفايا السياسة الخارجية من جهة، والسياسة الداخلية في الدولة وصراع السياسيين وتنافسهم من جهة أخرى.
 
وعندما قام “عبدالله بن المقفع” بترجمة “كليلة ودمنة ” خشي أن يتخذها القارئ على سبيل التسلية والمزاح، فذكر في تقدمته للكتاب الهدف من هذه الترجمة تحت عنوان (غرض الكتاب) بأنه (قصد به استمالة قلوب الملوك وأهل الهزل من الشبان.. ولا يظن أن مغزاه هو الإخبار عن حيلة بهيمتين، أو محاورة سبع لثور، فينصرف بذلك عن الغرض المقصود).

المجموعة القصصية طقوس العتمة
المجموعة القصصية طقوس العتمة


ولكن، كان هذا في زمن كان للكلمة سحرها وفاعليتها، وكان للأدب رسالة، وكان المثقف يعرف دوره في تغيير الواقع السيء بإيصال النصيحة ومن ثم النقد إلى الساسة دون الصدام معهم قدر الإمكان.  ولكن وقد تبدل الواقع، وتحول الساسة إلى آلهة لا تقبل النقد أو النصح، أصبح الأدباء والمثقفون قليلي الحيلة، وهذا ما أشار إليه دكتور حسين سرمك حسن بقوله :
“يرى الكثير من النقاد العرب أن القصاصين – والمبدعين عموما – قد تحولوا من فاعلين في الحياة إلى مفعول بهم في الواقع العربي. فبعد أن كانت قصيدة واحدة من الجواهري تكفي لانطلاق تظاهرة عارمة تندد بالطغاة حدّ الاشتباك بقوات السلطة وسقوط شهداء أحبة، لم يعد يحضر أماسي الشعر سوى الشعراء أنفسهم. وقل الشيء نفسه عن القصة والرواية..”
وعلى الرغم من هذا، لم يقف المبدعون موقف العاجز عن تمرير ما يرونه كاشفا عن عيوب ونقائص، وذلك باستخدام حيل ابداعية تعتمد على اللعب بالكلمات ذاتها وبدون اللجوء إلى استنطاق أسد أو ذئب. فالكلمات ليست بالضرورة الأشياء التي تصفها، والرموز ليست هي الأشياء التي تمثلها، بل هناك صورا أخرى وراء الكلمات المكتوبة. وهناك مستويات عديدة لمدلولات الكلمات في تمثيلها للعالم الخارجي الذي يصل إلى المستقبل وهو القارئ عبر العديد من المرشحات والمؤثرات الداخلية والخارجية على حد سواء.
 وهذا نفسه يعتبر جزءاً من الفرضيات التي قامت عليها فرضيات” علم البرمجة اللغوية العصبية”. و الفرضيات هي الجانب الفكري من البرمجة اللغوية العصبية، وعلى هذه الفرضيات تقوم التقنيات المختلفة في البرمجة، أي تعتبر القاعدة التي يتم البناء عليها. وقد تم التوصل إليها بعد تأمل وملاحظة للسلوك الانساني على المدى الطويل، ليدرك العلماء المهتمون أن له قوانين أو فرضيات تماثل قوانين الكون.
 ولذلك من الممكن النظر إلى فرضيات البرمجة على أنها طريقة جديدة لاكتشاف معلومات جديدة بغرض التعرف على أفكارنا، والنظر إلى العالم بطرق مختلفة. حتى لو اشتركنا في مشاهدة حدث واحد، فإن تفسيرنا لذلك الحدث سيكون مختلفا بيننا جميعا طبقا للأفكار والقيم التي نملكها.  فبينما يبقى الحدث واحدا فإن ما يعنيه الحدث أو تفسيره سيختلف باختلاف الناس. ويعتبر ذلك أمرا طبيعيا لأنه يعتمد على خبراتنا السابقة عن العالم. أي نحن نعيش في عالم من الفرضيات، بعضها ندركه، وبعضها لا ندركه  ولكننا في كل الأحوال نستخدمها في كل لحظة من حياتنا. مع ملاحظة أن فرضيات البرمجة اللغوية  ليست بنفس مصداقية القوانين العلمية والمسلمات الرياضية، الفرضيات تتعلق بفهم كيفية الاتصال والتفكير البشري.
 ومن هذه الفرضيات فرضيات الخرائط الذهنية. والمقصود بالخارطة الذهنية رؤيتنا للعالم، أي أن صورة العالم في ذهن الانسان ليست هي العالم. فخارطة العالم في أذهاننا تتشكل من المعلومات التي تصل إلى أذهاننا عن طريق الحواس، واللغة التي نسمعها ونقرأها، والقيم والمعتقدات التي تعودنا على ممارستها والتعايش معها. وبالتالي فإن هذه الخارطة تختلف من انسان لآخر، ولا تمثل العالم بل تمثل الطريقة التي نرى أو نستقبل بها العالم..
فهناك دائما فرق كبير ما بين الخارج (الحقيقة) والتمثيل الذهني (صورة الحقيقة)، ونحن نستجيب لخرائطنا الذهنية عن الحقيقة وليس للحقيقة نفسها. فالخرائط التي في أذهاننا عن الحقيقة تتحكم في ادراكنا واستجاباتنا، أي نحن نستجيب للعالم ليس كما هو موجود بل نتيجة لخارطة العالم التي في أذهاننا والتي نرسمها ونحن تحت تأثير عوامل كثيرة تتحكم في تلك الخارطة.
وجميع هذه الخرائط تدرك بالحواس لتتكون من صور وأصوات ومشاعر واذواق وروائح.  والخرائط التي نعلنها للناس هي الخرائط الواعية. ولذلك لا يميل الناس في المجتمعات القمعية إلى  الافصاح عن خرائطهم ويفضلون الاحتفاظ  بها في لا وعيهم. وكلما زادت الفجوة بين الخرائط المعلنة وغير المعلنة، أدركنا أن هؤلاء يعيشون في مجتمعات مضطربة ، فالشعور بالأمان يساعد الانسان على أن يعبر عن كل خرائطه الذهنية بلا حرج.
وهذا هو الحال في مجال الأدب أيضا. فعندما يستخدم الكاتب الكلمات لإثارة الأخيلة المختلفة لدى القارئ، فإنما يستخدم ( وبلا وعي) فرضية الخرائط الذهنية التي يستطيع كل قارئ أن يرسمها لنفسه وبنفسه من نفس الكلمات معتمدا على خبراته في الحياة وأفكاره وثقافته ومعتقداته. وهذا من شأنه إضفاء المزيد من الجمال والمعنى على عمله بخلق القارئ المختلف المتفاعل النشط. ومن ناحية أخرى قد تكون حيلة ( واعية) هروبية دفاعية للتنصل من الصورة القريبة لتمرير صورة أخرى أو فكرة أخرى أعم وأشمل قد تسبب صداما أو ضررا إن جاءت مباشرة.

طقوس العتمة/ غواية الصورة وخداع الخرائط الذهنية

جاءت المجموعة القصصية (طقوس العتمة) للكاتب والصحافي الليبي “عوض الشاعري” أنموذجا تتجلى فيها مدى استعانة الكاتب بفرضية الخارطة الذهنية ليرسم صورا وأخيلة متعددة متأثرة ببيئته البدوية الصحراوية، ليهرب بها من الصدام مع واقعه السياسي في وطنه ( ليبيا) الذي لم يكن ليجرؤ على انتقاده حتى في الأحلام. وسواء كان ذلك بصورة متعمدة أو تحت مسميات عديدة مألوفة مثل الاستعارة والتورية والاسقاط، إلا إنه من الملاحظ تكرار الأمر ليخرج عن تصنيف المصادفة إلى كونها تقنية متعمدة استخدم فيها كلمات وصور قريبة لتتداعى بعدها صور أخرى مختلفة باختلاف المكان والأشخاص وبيئاتهم وثقافتهم.
وكما نعلم أن النص الأدبي الإبداعي هو” تعبير لغوي جمالي عن تجربة إنسانية بصورة موحية عرفها الكاتب بالتفاعل المباشر أم غير المباشر.. واللغة منظومة من الإشارات و العلامات السيميائية، والكلمة إشارة أو دال يستحضر الصورة أو التصور الذهني للموجود العيني للكلمة” أو كما يقول ي. د.هيرش: الأدب نشاط لغوي محكوم بالواقع الحياتي الذي يعيشه الكاتب ضمن سياقات متعددة من تاريخية واجتماعية وسياسية وثقافية وغيرها.
وهكذا جاءت صور مجموعة “طقوس العتمة” مفعمة بصور مستمدة من طبيعة الصحراء والبحر المحتضن لها والقبيلة التي يعرفها الكاتب جيدا وعليها جرى تفاعل شخوص قصصه مع الأحداث المختلفة من جانب، والمرتبطة أيضا كون الطبيعة تتجاوب مع شخوصه وتعكس أو تستجيب لأحوالهم.
ففي قصة “عروس البحر” على سبيل المثال يصور الكاتب هروب النهار تحت وطأة عباءة الليل عندما تلح حالة الفقر والحرمان على الراعي. ويستخدم فيها الكاتب بعض الكلمات مثل “قطيع” ليرسم بها معان مختلفة ذات دلالات، تارة تشير الكلمة  إلى قطيع من الغنم، وتارة أخرى إلى البشر المنقادين المنساقين دوما وراء غيرهم “التاج الأسود”. وقصة “عروس البحر” مليئة بالمفردات القادرة على رسم أكبر عدد من الصور في ذهن القارئ.
فالنجمة اللامعة لم تكن نجمة بل اشارة ضوئية لمهربي الحشيش، وعروس البحر لم تكن هذا المخلوق البحري بل ماركة لنوع من أنواع الحشيش، وعصا موسى أو عصا الراعي لم تعد صالحة ليفرق بها البحر أو ليهش بها على غنمه..
)ضرب البحر بعصاه فانفلقت نصفين، نصف ذهب مع الأمواج ونصف راح يهش به على غنمه)… فالعصا فقدت بعض قوتها حين انشطرت قسمين لتضيع معها قوة الراعي الروحية الذي أرهب قطيعه بينما يمور داخله بالشجن، ليمارس على قطيعه فعل القهر الذي يعانيه تحت وطأة الفقر والعوز.
وإن كان صوته يعلو شاديا فهو يشكو حالا يعرفه العاشقون الفقراء فقط الذين يعانون حرمان الروح والجوارح ليعبر “وادي العين” باكيا، وكأن الطبيعة تواطأت مع حالته لتجعل له واديا للبكاء وهو فعل العين. ورغم ذلك فهو يستلذ بممارسة فعل القهر على صغار الرعاة ليسقط عليهم نواقصه وخوفه من شيخ القبيلة الذي يرسم له صورة ذهنية لينتقم منه ومن تسلطه في خياله فقط، وهنا يلجأ الكاتب لتسريب سؤال عن ماذا لو تسيد من يشعر بالنقص الداخلي على غيره ؟
ومن خلال الصور والأخيلة التي تتداعى في ذهن الراعي تأتينا الإجابة بأنه سيمارس فعل القهر الذي يعاني منه هو نفسه على رفقاء الأمس والبسطاء الذين يخدمونه. فالراعي لديه طموح كبير لم يعد العدة لتحقيقه، وهو منفصل تماما عن الحقيقة ليقع ضحية  مخاتلة الصورة وخداع ذهنه فيظن أن نجم الشمال يرسل له التحية بومضات ضوء متقطعة تنعكس على الماء ثم يتبين أنها كانت اشارة متفق عليها وما النجم إلا كشاف ليلي.
ولأنه ضعيف لا يقدر على شيء، يلجأ الراعي إلى الأخيلة ليحقق أمانيه فينتقم من شيخ القبيلة في حلم من أحلام اليقظة، ثم لا شيء فقد أفرغ حنقه داخله. ومثل هؤلاء يبقون طاقة سلبية، ثوراتهم لا تتجاوز حلم قصير ومجموعة صور ذهنية يرممون بها واقعهم المتصدع، يعاودون بعدها معاشرة قاهريهم بخنوع ورضا نفسي قسري. حتى وإن صادف وبات تحقيق حلمه على بعد خطوات تفصله عن اطارات(الحشيش)، فما كان منه غير أن بدأ في الحلم مرة أخرى وتأتي أحلامه كتعبير صادق عن أحلام المقهورين الذين يرون في اشباع الحاجات البيولوجية غاية ومنتهى آمالهم…
)سيبني البيت العالي…سيتزوج، بل سيصاهر الظالم الذي أراد الانتصار عليه….(.
فهل المال يحقق السلطة أم يتزوجها؟
أفعاله لا تتعدى بضعة تساؤلات تتوالى بلا فعل إرادي واقعي واحد. وعندما هم بالفعل أخيرا كان الأوان قد فات وتأخر الوقت الذي قضاه في مونولوج داخلي مضطرب يبين الحالة التي تنتاب كل من ألف أن يكون مستقبلا منفذا لإرادة الغير لا مبادرا بفعل شيء ولا قائدا بالطبع.
وفي “التاج الأسود” وبتلك المفارقة بين اللون الأسود وعدم صلاحيته ليكون لونا لتاج تعودنا على رؤيته براقا بالجواهر، على الفور تتوالد في الذهن الكثير من الصور الذهنية لتجد معادلا مرئيا لكلمتي تاج وأسود معا. ثم تأتي كلمات مثل “الليلة، والعتمة، الظلام، سوداء ” في متن القصة مرات عديدة للتأكيد على الصورة الغامضة التي يكللها السواد. ومن خلال المونولوج تتكشف رويدا مدلول التاج ولماذا كان أسودا كشيء طبيعي لميراث العار. و يتكرر الشيء نفسه بصورة أخرى في قصة “عينان” فمن يحمل إرثا من الهم يطارده حتى في يقظته ليصور له صورا ذهنية خادعة ومزيفة للحقيقة القائمة بين يديه، وذلك بسبب تأثره بخبراته السابقة التي تخصه وعايشها لتتوالد تلك الصور الواحدة تلو الأخرى لتجعله يشك فيما يراه ويعتقد ما يراه في ذهنه لا ما هو في الواقع أو الحقيقة. فالسارد المطارد يظن العينين تراقبانه لتأخذ ثأرا قديما بينما هما لكفيف يحدق في الفراغ. كذلك  في “الطريد” تأتي الصور قاتمة وتستجيب لها الطبيعة فتصبح كالحدث كابية اللون..
 “..ملقيا آخر نظرة على بيوت القرية التي ظهرت من بعيد كبيوت للأشباح، بلونها الرمادي الكئيب الغارق في بحر من اللون الأحمر الكابي…”
وتتوالى الصور الملونة وتأتينا روائح القرية وأصوات الحيوانات لترسم صورة للطبيعة المحيطة بموسى الطريد الذي اجتمعت القرية لتأتمر به كما حدث مع موسى عليه السلام، و نعود إلى العصا في القصة الأولى التي بدلا من أن تفلق البحر قسمين، انفلقت هي نفسها.
وهنا موسى البطل مطاردا ومتهما من كل القرية.. مجموعة من الصور المتتابعة تتوالى صعودا نحو “موسى” هذا القروي وذاك النبي لتستخلص مجموعة من الخرائط الذهنية المختلفة الملونة بنفس ألوان الحزن والقتامة ككل الألوان التي لون بها الكاتب مجموعته بدأ من العنوان “طقوس العتمة” التي تدور كلها في الظلام ومفرداته وكل الصور المتولدة عن الحياة فيه ومن ثم استمراء الحياة تلك في رسم صور الخنوع والاستسلام حتى تخلل الوحل الروح كما الجسد ونهشته “أقدام الكلاب “بينما هو ساكنا مستكينا وتأتي الكلمات على نفس الشاكلة  (الظلام، العتمة وحل، شيطان مريد، مستنقع، ركام(..
وفي المقابل تأتي قصة “الولوج السري” مفعمة برائحة البحر والزهر والزعتر والشيح والتين البيوض  كونها تعود إلى أيام جميلة ماضية عاشها البدوي الصغير مشاكسا في حضن أجداده  قبل أن تتحول البهجة إلى القتامة وتتحول القتامة إلى عتمة نمارس لها طقوسا لا نخلفها من كثرة تكرارها.
وفي “حراس الأعمدة” ترتسم أيضا مجموعة من الصور المخاتلة لتفسير دلالة العنوان فأي نوع من الحراس وأي أعمدة؟ وطبقا للثقافة الجمعية فالحراس تحيل فورا إلى الشرطة أو ما شابهها من مهن تتعلق بحماية ممتلكات وغيرها. وتظل الصور والخرائط الذهنية تتتابع لكل ما تحيل إليه كلمة أعمدة، حتى إذا ما دخلنا وقرأنا تتبدى لنا مفارقة العنوان واختلافه تماما عن كل خارطة ذهنية سابقة. فالحراس ما هم إلى مجموعة من الشباب المستنسِخ للحضارة الغربية يقفون مستندين على أعمدة الانارة يتربصون بفتيات المدارس عند خروجهن من المدرسة. ويمضي الكاتب في رسم الصور بكلمات مراوغة قادرة على الايحاء بصور متعددة يغلب عليها القتامة ولربما جاء بقصة “طوير الجنة” ليخبرنا بألا نجزع فهذا هو المعتاد وأن المكابدة هي فعل الحياة المعتاد ولا خلاص إلا في الجنة حيث تتحقق الاحلام وتتبدل الحياة رحبة بأعشاش واسعة وعيش هانئ رغيد ورزق وفير.
وفي أبسط القصص من حيث الموضوع والتناول يأتي على سبيل المثال قصة “قميص الرجل الأكثر وسامة” لترتسم على الفور صورة ذهنية لقميص يوسف بن يعقوب، فهو كان أوسم رجال عصره، ولقميصه شهرة في التاريخ، وتتداعى أحداث قصته مع اخوته ولا يتوقف تسلسل أحداث القصة إلا بعد أن نقرأ ونعلم أنه الموضوع الأزلي الرجل والمرأة وصراعهما المكرور مع الغيرة.
وأيضا في “كان نومه وشيكا” واشارة إلى شخص ما نظن أنه عشيق للزوجة أولا من اللغة المستخدمة مثل” صحت.. هيه أنت أترك امرأتي…” ثم يتبين أنه وليدهما. وهكذا في قصص “طقوس العتمة ” أمثلة كثيرة توضح كيف من الممكن استخدام الكلمات بعيدا عن صورها القريبة المتجسدة في الذهن، ليوحي بها الكاتب إلى أشياء مغايرة من جانب ليرسم بها القارئ صورا تختلف باختلاف ثقافته وبيئته من جانب وما يتوقعه من جانب آخر، وكل هذا تشترك فيه الكتابة الإبداعية وفرضية الخرائط الذهنية وهي فرضية من فرضيات علم البرمجة اللغوية العصبية الذي نشأ في أوائل السبعينيات على أيدي مؤسسيه جريندر وبانلر.

مقالات ذات علاقة

القصيدةُ ترسمُ مشهداً

عبدالباسط أبوبكر

الشاطئ الرابع.. والسرد بين زمنين

إنتصار بوراوي

الحيوانُ بين الرمزِ والتجسيِّدِ الواقعي في رواية (الحيوانات) للصادق النيهوم

المشرف العام

اترك تعليق