من أعمال التشكيلي عادل الفورتية
المقالة

عندما يكفر الجوع

من أعمال التشكيلي عادل الفورتية

يقول سفيان الثوري: “كانت لنا هرة لا تكشف القدور، فلما ولدت كشفت القدور”.
أنا شخصياً لم أتعلم الكذب إلا حين تزوجت، لا يعني هذا أنني لم أكن أكذب قبلها، لكنني حين تزوجت احترفت الكذب، فلا أدخل بيتي إلا وجيوبي معبأة بعشرات الأكاذيب..
خطر ذلك ببالي حين كنا في سيرة صديق مناضل، كافح وناضل وغامر، خاض المعارك وواجه الرصاص، وتحدى كل الصعاب.. ثم ختم حياته برشوة؛ (شقة خارج البلاد)!.
في علم الإدارة لا يُمكنك أن تُفكر في العقوبة بمعزل عن الحافز..
قبل أن يسنَّ أحدُ الحكام قانوناً يقضي بإعدام الشرطي المرتشي، رفع مرتب الشرطي إلى الضعف!.
في الشرائع والقوانين – سواءً السماوية أو الأرضية – ثمة علاقة عكسية بين الدوافع والموانع – من جهة – وبين العقوبات من جهة أخرى، أي كلما زاد الدافع للجريمة أو نقص المانع منها؛ انخفضت العقوبة، والعكس بالعكس!.
للإنسان حاجات بشرية، لخصها (ماسلو) في هرمه المشهور، وهذه الحاجات لا تستثني المصلحين، ولا القائمين على شؤون الناس!.
حين يجوع الإنسان يأكل من مبادئه وأخلاقه، وحين يتعرى يجعل من العُري قيمة أخلاقية، وحين يُضام يتوحش!.

الكثير من المبادئ تتساقط في زمن الجوع، فالجوع والإيمان لا يلتقيان، ولو لم يُوصف الجوع بأنه كافر، لظننته الكفر نفسه.
الدول لا تُقام على المثاليات، والإنسان ليس مثالياً بطبعه، والمثاليون نوادر واستثناء، وليسوا أصلاً!.
وبالعودة إلى ذلك الصديق المرتشي، لا يُمكنني النظر إلى قبح جريمته، وشناعة جريرته بمعزلٍ عن حاجاته وظروفه، أو بمنأى عن تضحياته التي استثمرها لصوص آخرون خاضوا بضعاً وثلاثين معركة في وسائل الإعلام فقط، وقبضوا ثمنها من قوت المساكين، وعرق الكادحين، ثم يجد صديقي نفسه عائداً إلى بيته ليسأله ابنه عن حبة الشوكولا التي يوصيه بها كلما رآه يجهز نفسه للخروج، ولتسأله زوجته عن الخبز واللحم والطحين، وعن ثمن بطانية يتمترسون تحتها اتقاءً لبرد الشتاء، وليرى ابنته التي تركت الدراسة لأن البنات يعيرنها بملابسها القديمة!.
لا يُمكنني أن ألوم صديقي على فداحة ما ارتكبه في بلد لا يُمكنك أن تُفرق فيه بين اللص والشرطي، بين الحامي والحرامي، بين العاقل والمجنون، بين البر والفاجر، بين الظالم والمظلوم، بين الثورة والخراب، بين القبيلة والدولة، بين النظام واللا نظام، بين السيء والأسوأ، بين المواطن والعدو الصائل!.
لا يُمكنني أن ألوم صديقي؛ حين يكون الوطن غنيمة، والمواطن مجرد بهيمة، وحين يغيب القانون، ويعمُّ الجنون، وحين تكون الخيانة ضرب من الفنون!.
لا يُمكنني أن ألوم صديقي؛ حين يكون رزق البلاد مدرسة لتعليم السرقة، وحين تكون خيراته منهبةوملطشة!.
لا يمكنني أن ألوم صديقي على رشوته حين يكون حلم المواطن جواز سفر وتأشيرة، وحين يتضاءل هذا الحلم ليصبح بضعة إنشات في مركب للهجرة غير الشرعية، لأن الإقامة في الوطن فقدت شرعيتها.. أيضاً!.
لا يمكنني أن ألوم صديقي، لأن صديقي كان ضحية قبل أن يكون مجرماً، ومغدوراً قبل أن يكون غادراً، ومسروقاً قبل أن يكون سارقاً!.
لا يمكنني أن ألوم صديقي، ولا غير صديقي.. لأن زمن اللوم انتهى، ووقت العتاب ولَّى، وقد سبق الرصاصُ العذل..
وسواء أكان الجَمَّال هو من أسقطَنا، أم أننا أسقطنا أنفسنا بأنفسنا.. فنحن الآن.. وعلى أية حال، قد ارتطمنا بالأرض، والتصقنا بالقاع، وتمرغنا بالوحل!.

مقالات ذات علاقة

لمن تؤذن المآذن؟

سعد الأريل

وحدة ليبيا واستقرارها وسيادتها.. بين الماضي والحاضر والمستقبل

المشرف العام

التمييز بيعطيك جوانح!

صالح قادربوه

اترك تعليق