متابعات

عناصر الفُرجة في ذاكرة مدينة طرابلس

أستأنف أصدقاء دار حسن الفقيه نشاطهم وفق الخطة المُعدة للنصف الثاني من العام الجاري بمحاضرة قيمة ألقاها الدكتور حسن قرفال وحملت عنوان “عناصر الفُرجة في ذاكرة مدينة طرابلس” البداية كانت مع الأستاذ مفتاح قناو وهو أحد أعضاء مجموعة اصدقاء الدار الذي قام بالترحيب بالحضور وتقديم الدكتور المُحاضر الذي عرفنا أنه من أبناء مدينة طرابلس التي وُلد به وهو الآن عضو هيئة تدريس بجامعة طرابلس بكلية الفنون والإعلام وهو إلى جانب ذلك مُخرج ومُمثل لهُ العديد من الاعمال الفنية، وتم تكريمه في عدة دول عربية، كما ترأس العديد من المهرجانات المسرحية وكتب أيضاً ورقات بحثية في مجالي الإعلام والمسرح.

تصوير: سالم أبوديب.
تصوير: سالم أبوديب.

أستهل بعد ذلك الدكتور حسن قرفال محاضرته ببيتي شعر قالهما الشاعر الراحل أحمد الحريري وفيهما ومن خلالهما تقريباً أختصر حكاية حبه وعشقه لطرابلس الذي هو الآن ينبش تراثها ويؤصله بحب وبشكل علمي دقيق ومُحكم في بحوثه المتلاحقة. وكان لابد للمُحاضر من أن يُعرِّف مصطلح الفُرجة ويستحضر تعريفاته التي وضعها المختصين في هذا المجال ليتحدث بعد هذا التعريف عن عصور ما قبل المسرح في طرابلس ويدعم أرائه وملاحظاته ببعض المراجع التاريخية مثل كتابي “في بلاط طرابلس” للإنجليزية السيدة توللي و”أسرار طرابلس” لمايل ويستوود، وعقِب هذه المقدمة الوافية والتهيئة للموضوع الأساسي عدَّد الباحث بعض عناصر الفرجة التي عرفتها طرابلس وأجملها في، الحكواتي والبوسعدية والشوشباني وأمك طنبو وخيال الظل أو ما يُعرف بالقراقوز والتقط نقاط التشابه والقواسم المشتركة بينها وبين المسرح الحديث وبيَّنّ استثمارها لأساسيات المسرح دون أن تكون على دراية بها وقبل أن يُعرف المسرح في مدينة طرابلس، فالحكواتي مثلا بحركاته وإيماءته واعتماده على طبقات الصوت وقدرته على اجتراح عنصر التشويق ورسم الدهشة على وجوه مستمعيه لا يختلف في شيء تقريباً عن أبطال مسرح الممثل الواحد الذي يعتمد ذات التقنيات والحيل، ومن أشهر الحكواتية في طرابلس ذاك الزمن عبد السلام الجديدي.

ولم يكتفي الباحث بتعداد هذه العناصر وترتيبها دون أن يُضيء الوسط الذي كانت تمارس فيه والأجواء التي صاحبتها ويربطها بحركة المجتمع، فالراوي أو الحكواتي الذي كان يمارس مهنته أو هوايته في الميادين والأسواق والشوارع والفضاءات المشرعة انتقل لاحقا إلى الفنادق والأماكن المغلقة.

كل هذه التفاصيل وسواها تتبعها الباحث بأسلوبه العلمي وتحدث عنها بشغف، وفي أبحاثه لم يعتمد المحاضر كما أوضح في ورقته التي اصطبغت بالصفة العلمية أكثر من أي شيء آخر، لم يعتمد على المراجع المدونة والكتب قديمها وحديثها للإحاطة بموضوعه بل استنطق أيضا المعاصرين لهذه العناصر التي أفاد هو شخصياً بأنه أدرك بعضها وتفتح وعيه عليها قبل أن تندثر.

وخصَّص الباحث جزءاً من ورقته الشاملة لتناول عنصر أو فن القراقوز الذي انتشر ووصل إلى طرابلس القديمة وتطرق إلى تاريخ هذا الفن فيها والذي يُرجح أنه أتى مع العثمانيين الذين استعمروا شمال أفريقيا وقاموا بنشره في أقاليمها ودليله في هذا أن القراقوز غير موجود في دولة المغرب التي لم يضمها العثمانيون لسلطانهم، وشرح الباحث بكلمات مبسطة كيفية صناعة شخصياته وإدارة الحوار فيما بينها لينتقل إلى قراقوز طرابلس الذي اتسم حسب وجهة نظر الباحث بالتناقل الشفوي لموضوعاته وعدم التخطيط لعروضه وحتى احتوائه على ألفاظ بديئة أو ما شابه، وأشار إلى ملاحظة أحد الرحالة الألمان الذي شاهد عرضاً للقراقوز في طرابلس في القرن التاسع عشر في زنقة الريح تحديداً.

غير أن القراقوز أو خيال الظل لم يستطع مقاومة أو مجابهة بعض عناصر الفرجة والإلهاء الأخرى مثل الراديو والسينما والتلفزيون لاحقاً وتوفر والمطبوعات المختلفة التي جعلته يتوارى ويختفي تاركا مكانه لهذه الوسائل المستحدثة.

أنتقل الباحث إثر ذلك لإضاءة العنصر الثالث من عناصر الفرجة وهو الشوشباني وأورد في هذا السياق قصة تسميته بالشوشباني وهو شخصية طرابلسية معروفة أورد الباحث القصة رغم تحفظه عليها وعدم جزمه بها ومفادها أن بعض الأسرى الأجانب أُطلِقَ سراحهم في عهد القره مانليين وهم عُراة تماما فأخذوا يخصفون على أجسادهم وعوراتهم من الليف ولحاء الأشجار ويتجولون في الشوارع ويتسولون الطعام.

عناصر الفرجة في ذاكرة مدينة طرابلس

أما أمك طنبو وهو العنصر الذي لم يتوسع في إضاءته الباحث والتركيز عليه وعرفنا منه فقط أنها شخصية تخرج في المساء لتستسقي المطر أو تطلب نزول المطر وهي عادة وثنية، ليصل في نهاية المحاضرة التي تناولت موضوعا غير تقليديا وغير مضاء تماما ولم يتم الألتفات إليه وتناوله بالبحث العلمي الدقيق سابقا، ليصل إلى شخصية البوسعدية أسود البُشرة صاحب الملابس المهلهلة والممزقة الذي تُنسج حوله الأساطير والأقاويل إذ اعتقد الكثيرون أن هذا الرجل المُسمى بوسعدية والذي يدور ويجري في الحواري هو حاكم لإحدى الدول الأفريقية وقد عُزِلَ من منصبه وهو يسوح في الأرض باحثا عمّن يعيد له ملكه.

أما المفاجأة التي عثر عليها الباحث أثناء تجميعه لبعض شهادات المعاصرين للبوسعدية فهي تلك التي أدلى بها أحد كبار السن ممن عاصروه وتُفيد بأن البوسعدية لم يكن في حقيقة الأمر إلا جاسوسا يعمل لصالح المجاهدين،   يقوم نهارا بتجميع المعلومات عن الإيطاليين لينقلها إلى المجاهدين خارج المدينة بعد ذلك.

هذه وغيرها الكثير من الحقائق التاريخية والمعلومات القيمة والأحداث الشيقة كما لو أنه وفي حديثه عن الحكواتي نسيً أنه هو أيضا لعب دور الحكواتي في هذه المحاضرة بسرده الشيق وترتيبه للأحداث، هذا وغيره تحدث عنه الباحث أحيانا بإسهاب وأحيانا باختصار وعرضه في ورقته وليختتم من ثم محاضرته التي القاها في غياب التيار الكهربائي ومكبرات الصوت ليفسح المجال تاليا لبعض الملاحظات والأسئلة والمقترحات التي قُدمت والتي بلا شك أضافت للمحاضرة الشيء الكثير وزادتها ثراءاً وغنىً حيث تقدم بهذه الأسئلة والمقترحات كل من الأساتذة عصام القبائلي وإبراهيم الخراز والمكي المستجير وعبد العزيز سويد ويوسف الختالي والأستاذة فريدة المصري، رد عليها الباحث باختصار قبل أ يختم المحاضرة التي استغرقت حوالي خمسة وأربعون دقيقة مرت كأنها لحظات، ليستلم الأستاذ مفتاح قناو الكلمة للإعلان عن المنشط القادم الذي تقترحه المجموعة والمتمثل في محاضرة بعنوان ” مدرسة الفنون والصنائع بين الماضي والحاضر ” للأستاذة والمعمارية عزة الشحاتي يوم الثلاثاء الموافق للرابع من شهر اكتوبر القادم.

مقالات ذات علاقة

إنطلاق مهرجان المسرح العربي “أنا الأستاذ.. أنا المسرح” بطرابلس

المشرف العام

هل يحالف الحظ «بن شتوان» في البوكر الثلاثاء

المشرف العام

قناة الجزيرة تعرض تقريرا حول المكتبة المتنقلة التي تستعد لإطلاقها وزارة الثقافة

المشرف العام

اترك تعليق