محكية

عمي صالْحِين والصالِحين…(حكاية شعبية )

أم السبع

لم تكن الطرقات يومها كطرقاتنا نحن اليوم ؛ فكثيرا ما تملؤها الأتربة والحجارة السوداء الصغيرة المتناثرة ، تتقارب البيوت فهي ليست كبيوت اليوم حتى تذهب لجارك بالسيارة وقلما يسمعك وأنت تناديه من أمام بيتك!! شوارع عمي صالحين شوارع عتيقة قديمة مليئة بأشياء كثيرة ؛ حيث الأطفال الذين يتوزعون فيها يشبهون بعضهم تماما.. تخلو رؤوسهم من الشعر (محلقين) ويرتدون البدل العربية الزرقاء ؛ يتمرغون في الرمال والوحل ..أو ينطلقون للجامع المحاذي لبيوتهم وعند الانتهاء من صلاة العصر يخرجون متصارخين من باب المسجد وهم يهتفون “لسيدهم الشيخ ، مرفقين الدعاء للصالحين منهم. أما الشيخ صالحين فكان يمسك بعكازه الذي تعوده دون داعٍ له؛ فهو عادة امتاز بها كنوع من “الكبرة” والوجاهة . وكثيرا ما كان يرفع طرف “الجرد” المتدلي من خلفه كي لا يدوسه الصبْية من الأولاد …. والأطفال يحيطون به داعين له وللصالحين من القوم ..وعندما يبتعدون عنه يمطرونه بوابل من الشتائم وهم خلف الأسلاك الشائكة والجدران المتساقطة وبعض الخرد التي تملأ الشوارع الترابية …فيقف ملوحا بيده ” تو نوريك ياولد الكلــــ!!!!! فيتفرق الأولاد ضاحكين فغدا خميس وبعد غد الجمعة وسينسى العم صالحين الشتيمة والمشاكسة … تلتفُّ الشمس حول البيوت …معانقة دوالي العنب ، وأشجار الكرم والزيتون .. يجتمع القوم عند ضحوة كل جمعة أمام مسجد القرية القديم فمنهم من تهيأ وارتدى خير ما عنده من ثياب ومنهم من جلس بثيابه القديمة الرثة نظرا لضيق ذات اليد ، أما على الطرف الآخر فهناك جلوس يلعبون على التراب لعبة شعبية اعتادوها لايغادرونها إلا حالة سماعهم لصوت المؤذن وهو يصدح مناديا للصلاة ؛ فيقوموا نافضين عنهم التراب العالق على قمصانهم وبين أيديهم؛ يسابق بعضهم الآخر أيهم يحظى بالصف الأمامي بعد رحلة من لعب “أم السبع” والخوض في الأحاديث عن الناس ..إلا أن صحن المسجد الصغير قد جمعهم كلهم في صف واحد ..وتقدم العم صالحين كعادته ليؤمّ القوم بعد تنبيههم بتعديل صفهم واستغفار ربهم . هنا ينبري الأطفال برؤوسهم التي تخلو من الشعر لينتشروا داخل صحن المسجد وخلف المصلين . يتقدم أشرسهم طريقة ليسرق عكاز العم صالحين إمام القوم ..وآخرون يهمون بسرقة أحذية المصلين فمنهم من أخذها وفر لبيته ومنهم من وزعها مُشَكّلّة بين الطرقات .. ينتهون من أداء صلاتهم ويجتمعون بسرعة البرق عند عتبة الباب وينزلون سخطهم وسبابهم وكأنهم لم يكونوا في صلاة ، يدّعي واحد منهم أن ابن فلان هو صاحب الأفعال الشيطانية هذه ..فيخرج عليه الرجل ليشبعه ضربا وإهانة دفاعا عن ابنه. بينما يحتار العم صالحين بين تهدئة القوم والبحث عن عكازه الصولجاني الذي ما فتئ يوما أن يتركه من يده. عند المساء ..يغازل القمر كل البيوت المتشابهة ..والنساء ذوات الضفائر المتدلية …حيث الهدوء الذي يسكن القرية فلا ضوء سوى الفنارات الشعبية ولاسهرات سوى تلك التي تعقد عند العم صالحين في بيته الذي يعد أكبر بيوت القرية فتتعالى أصواتهم للحديث عن موسم الحرث أو موسم الغنم وجلبه وبيعه . بينما تنهمك نسوة ذلك المساء في التسابق على غزل الصوف ونسج البطاطين للشتاء القادم.

مقالات ذات علاقة

الـكلمة الـشرارة .. لحظات مهمة في الثقافة الليبية

رامز رمضان النويصري

الشوارع الحزينة

خالد الجربوعي

خلينا نكونوا اصحاب

سالم العالم

تعليق واحد

عادل بن يوسف 5 فبراير, 2015 at 07:36

في كل حي ثم عمي الصالحين

رد

اترك رداً على عادل بن يوسف