تراث

على إيقاعِ القَلْبِ والخطواتِ..

العين ذهب شيرتَّها حِسّْ ** تخطِّي خطوة، وتقول: إِسّْ ..!!؟

الشَّتَّاي فتَّاح سيويد..

 

الشعر الشعبي: فتاح سيويد
الشعر الشعبي: فتاح سيويد

العين: تشخيصٌ معتادٌ يُقصدُ به الإنسانُ نفسُهُ، وجيءَ بالعينِ خاصَّةً لأنها المتَّهمةُ – دومًا – بالجُنُوحِ والمُرُوقِ، وبأنها هي من تجرُّ العُشَّاقَ للصَّبَواتِ، وتورِّطُهُم في جحيماتِ العِشْقِ الحَارِقَة.

ذهب شيرتَّها: أفقدَهَا رُشْدَهَا، وَأَرْبَكَ تَفْكِيرَهَا.

حِسّْ: صوتٌ. جاءَ في (لسان العرب) لابن منظور:” حسس: الحِسُّ والحَسِيسُ: الصوتُ الخَفِيُّ؛ قال اللَّه تعالى: لا يَسْمَعُون حَسِيسَها. والحِسُّ، بكسر الحاء: من أَحْسَسْتُ بالشيء. حسَّ بالشيء يَحُسُّ حَسّاً وحِسّاً وحَسِيساً وأَحَسَّ به وأَحَسَّه: شعر به…”
تخطِّي خطوة: تخطو خطوةً.

وتقول إِسّْ: (أسّْ) صوتٌ يُقْصَدُ بهِ التزامُ السُّكُوتِ، ولعلَّهُ اختصارٌ لفعلِ الأمرِ (اسكت). في (لسان العرب): “… وإِسْ إِسْ: من زجر الشاة، أَسَّها يَؤُسُّها أَسًّا، وقال بعضهم: نَسًّا. وأَسَّ بها: زجرها وقال: إِسْ إِسْ، وإِسْ إِسْ: زجر للغنم كإِسَّ إِسَّ. وأُسْ أُسْ: من رُقى الحَيَّاتِ. قال الليث: الرَّاقون إذا رقَوا الحية ليأْخذوها ففَرَغَ أَحدُهم من رُقْيَتِه قال لها: أُسْ، فإِنها تخضَع له وتَلين…”

الحَالَةٌ الشُّعُورِيَّةُ/

تحنانٌ هائلٌ يقودُ العَاشِقُ إلى مكانٍ حميمٍ، مكانٍ زرعَ فيه قلبَهُ، أو تَرَكَ فيه رُوحَهُ، أو نسيَ فيه شيئًا منه .. شيئًا لم يكنْ يومًا قادرًا على نسيانِهِ، لذا فهوَ مُنْسَاقٌ خَلْفَ عينِهِ العَاشِقَةِ، المَارِقَةِ، الصَّابِئَةِ، عَينِهِ الَّتي تجرُّهُ إلى مهاوي الهوى، وجحيماتِ الوَلَهِ الحَارِقِ.
لكنَّها إزاءَ فَظَاعَةِ الخَوَاءِ، الصَّمْتِ، الصَّدْمَةِ، تَحَارَ، تَفْقُدُ تركيزَهَا .. ترتبِكُ .. يَخْتَلُّ تفيكرُهَا .. تَتَوَهَّمُ صَوْتًا .. ترجو أن يكونَ صوتًا .. تمضي باتجاهِهِ خُطْوَةً ثمَّ تصدرُ أمرَها بالتزامِ الصَّمْتِ ..

لمن ..!؟

له، على الأغلبِ، فلا أحدَ غيرُهُ بالمكانِ؛ والدَّارُ خَالِيَةٌ، خاويةٌ، لكنَّهُ (حسٌّ) مُخَزَّنٌ، منذ ألفِ انشداهٍ.. صَوْتٌ مُتَوَهَّمٌ، مَرْجُوٌّ .. قد يكونُ الصَّوْتُ المُبْتَغَى، المُرْتَجَى وَالمُشْتَهَى، صَوْتَ حَبِيبٍ غَابَ، أو قريبٍ توارى، أو صديقٍ تولَّى، أو أصواتَ أهلٍ وأحبابٍ وأقاربَ وجيرانٍ ومعارفَ.. وقد يكونُ كلَّ هؤلاء جميعِهِم ..!!

كيف ؟؟

تَتَلَبَّسُ الشَّتَّاي حَالَةُ عشقٍ قصوى، فيخطو وحيدًا .. طائرَ اللُّبِّ، شَارِدَ الذِّهْنِ، حَائِرَ التَّفْكِيرِ.. المَكَانُ خالٍ، وقد عَهِدَهُ مأهولاً .. إنه يجترُّ صُورَ الأَمْسِ الحبيبِ، يستجلبُ ذِكرياتِهِ الحميمةَ، يتحلبُ مشاهدَهُ الأليفةَ، يَسْتَدْعِي أَصْوَاتَ أحبابِهِ ، يستدني وجوهَهُم، ويمضي ..

إلى أين ..!؟

إليهم كما يَتَوَهَّمُ، باتِّجَاهِ الحِسِّ المُتَوَهَّمِ، المُصْطَنَعِ، إلى لا شيء .. ؟

كيف ؟

لم يَعُدْ يَسْتَطِيعُ سَمَاعَ هَسِيسِ خُطُواتِهِ عَلَى الأَرْضِ، فَيُصْدِرُ الأَمْرَ لِنَفْسِهِ بِالسُّكُوتِ..!؟
لكن؛ هل يَصِلُ إلى مَكَانِ الحِسِّ، إلى صَاحِبِ الحِسِّ..
تمضي الخُطُوَاتُ عبثًا .. ويبقى التَّوَهُّمُ مُشْهَرًا، يقودُهُ، يقودُ خطواتِهِ العَمْيَاءَ حِسٌّ لا موجودٌ، وجودٌ مستحضرٌ في مخيِّلَةِ الشَّاعِرِ / الشتَّاي، في وجدانِهِ الرَّاعِفِ عِشْقًا وَارِفًا .. النَّازِفِ اشتياقًا جارفًا..
يخطو ويخطو ويخطو .. طالبًا السُّكُوتَ منه، ومن أي شيءٍ لينصِتَ إلى صوتٍ يُؤَرِّقُهُ .. يعيشُ في أعمَاقِهِ .. لم يُغَادِرْ جوانِحَهُ، لم يَبْرَحْ سَمْعَهُ،، صَوْتٌ يَطُوفُ بِالمَكَانِ .. يملأُهُ .. صوتٌ له جسدٌ وخيالٌ وحضورٌ ..

حضورٌ ؟؟

نعم، حضورٌ يغتالُ الغِيَابَ الفظيعَ، يسكبُ في الصَّمتِ المَهُولِ صَوْتًا حَمِيمًا يجتذبُ خُطُواتِهِ .. نَبَضَاتِهِ .. يرفعُ إيقاعَ رجليهِ، وإيقاع قلبِهِ .. ولا يصلُ .. لكنَّهُ يَمْضِي مُرَدِّدًا على إيقاعِ القَلْبِ والخطواتِ:

العين ذهب شيرتَّها حِسّْ ** تخطِّي خطوة، وتقول: أٍّسّْ ..!!؟

مقالات ذات علاقة

شَمْس اطْياح..

أحمد يوسف عقيلة

غسوف وسواقيها في تجربتي الأدبية

أبو إسحاق الغدامسي

البـيـت وثـاق

المشرف العام

اترك تعليق