طيوب البراح

عبد المولى والدراسة بالخارج

(2)

 

عبدالباسط الحمري

وصل عبد المولي صحبة حقيبة الأحلام إلي العاصمة، ليقضي بها ليلة ثم يغادرها في اليوم التالي، إلي بلد الدراسة، أتعبته الحقيبة، فأنفاسه العالية عند دخوله الفندق شرحت ما كان فيه، توجه نحو مكتب الاستقبال للحجز، سأله موظف الفندق عن الاسم، أجاب: عبد المولي، مازحه الموظف قائلاً: أول مرة ينزل عندنا واحد اسمه عبد المولي، قال عبد المولي منزعجا: اسمي عبد المولي ولكن يدلعُو فيَّ مهند، علي حساب أي جهة نازل يا مهند ،عبد المولي: علي حسابي الخاص، الموظف: مالقيت أي جهة تنزل علي حسابها، عبد المولي: هي ليلة وفراقها صبح.

كانت الشمس توشك علي المغيب، وكان عبد المولي يوشك علي إنهاء إجراءات الحجز، توجه إلي حجرته يساعده احد الموظفين علي حمل الحقيبة، شكر الموظف وندلف داخل الحجرة، أدخل رأسه داخل دورة المياه وبقية جسمه خارجها، مناشف كثيرة،علق متهكما: شكله فندق مناشف. بدأ في خلع ملابسه، ارتمي علي السرير مرتديا سروالا داخليا « سروال حمادة» وماليه اشتراها من سوق العرب، كان شعر صدره يتمايل كلما أخذ نفسا، حملق في الحجرة ، صور لمناظر من بلاده لم تلتقط بعناية كُتب أسفل كل واحدة منها عبارة «السياحة في ليبيا» رددها ثم استبدل حرفين من الكلمة الأولي بحرفين آخرين. ورددها في سره«…في ليبيا» تبدو أكثر منطقية وإن كانت غير مهذبة، اعتراه الخوف من أن يكون هناك من سمعه، رددها كما هي السياحة في ليبيا،استدار ووجهه في الوسادة، ممرر يده علي جسمه لم يهنأ باله ،تذكر وصايا أمه وأبوه، نظر للصور من جديد، لابد من إزالة الشبهة، صاح بصوت عالي مسمعا الآخرين: (السياحة في ليبيا)، ثم تمتم قائلا: (ايش دخلني نا) استغرق عبد المولي في النوم ، استيقظ باكرا وخرج من الفندق، استوقف تاكسي، المطار يا خويا، هيا تفضل، قال صاحب التاكسي، منين الأستاذ، تردد عبد المولي في الإجابة مخافة أن يعرفه صاحب التاكسي أنه من خارج المدينة فيرفع له التسعيرة، هكذا حدثه من سبقه في السفر، صاحب التاكسي: ما قتليش منين، اضطر عبد المولي للإجابة، من المنطقة الشرقية، صاحب التاكسي: مالا بحدا مصر، تعرف جمال ،عبد المولي: جمال من، صاحب التاكسي: جمال العقوري شبوب عنده هوندا حداد، ويمشط في شعره لاورا، عبد المولي لا ماعرفتش، وبصوت منخفض جمال وعقوري وهوندا حداد وشعره لاورا ، صدق اللي قال: (يا تاجورا ما ريتش عمر) كلها أسئلة عامة، تشبه إلي حدما سؤال مادة التاريخ في المرحلة الإعدادية،اذكر أسباب الحملة الفرنسية علي مصر.

استوقفتهم بوابة شرطة عسكرية سألت صاحب التاكسي عن رخصة القيادة، (أصبح رجال المرور بلا عمل)، مروا بسلام، عشرات اللافتات كتب عليها مشاريع لوحدات سكنية ستبني في غيابه، وصلوا المطار،قرر عبد المولي أن يضع صاحب التاكسي في الأمر الواقع لم يسأله عن السعر ناوله عشرة دينارات، رفض صاحب التاكسي، مكتفيا برحمة الوالدين اتضح لعبد المولي أن فكرته عن أهل العاصمة كانت خاطئة ، انزل عبد المولي الحقيبة ،حملها علي ظهره لا انزلها علي كتفه، لا، انزلها، تلملم حولها احتضنها لم يعد يري شيئا، فانزلها من جديد ،انحني للإمام ومؤخرته للخلف ليتمكن مرغما من جرها، موظف المطار يا شاب حط الحقيبة بالسير عاونه علي ذلك، لم يكن الآمر سهلا، موظف المطار متهكما: شن فيها هادي،أمالا بتهاجريا أستاذ، عبد المولي: لاوالله وبعدين ما يسيب وطنه غير الهبل، الموظف: شن قصدك يعني المهاجرين هُبل والمقيمين هم العقال،عبد المولي محدثا نفسه: ما انظني إلا يجر في ، قرر الصمت، خرجت الحقيبة من السير،أكتاف عبد المولي وظهره ويديه جسمه بالكامل في انتظارها، حملها علي مراحل استدار داخل المطار الجو يبدو ساخنا مع انه في الخارج باردا لم يعرف السبب،منظر ولا في الأحلام،طوابير للآلاف من البشر بعضها مستقيم وبعضها ملتوي، وبعضها تورم من المنتصف، مذكرا عبد المولي بالدودة عندما لسعها الدبور في الرسوم المتحركة (زينة ونحول)، هدف مشترك للجميع وهو السعي ليس بين الصفاء والمروة، وإنماء للحصول علي كرت صعود، وختم الاوكي لا يعني شيئا، فلطالما بقي من معهم اوكي وسافر من هم انتظار، البعض يؤدون الصلاة ولكنهم أخطئوا اتجاه القبلة فصلوا باتجاه مكتب مدير المطار،وبعض المصلين أجسامهم خلف الإمام الذي أخطأ القبلة وعيونهم صوب مكاتب توزيع كروت الصعود، وأحذيتهم متناثرة خلفهم، الصناعة محلية الأماندر، موظف يمر خلفه ثلة من المواطنين، يناشدونه كروت الصعود، منظر أشبه بلقاء صحفي مع أحد  قيادي كتائب عز الدين القسَّام.

امرأة سمراء يبدوا أنها من أفريقيا، ترضع طفلها علي الملأ، وجوه الناس عابسة والهموم تعلوها، البعض اخذ من المقاعد أسرة فنام عليها، وبين يديه تذاكر مضي علي حجزها ساعات، وقد تكون أيام، وعند أرجلهم حقائبهم، كما توجد بعض الأكياس بها صور لأشعه طبية وتقارير، يبدو أن البعض مسافر للعلاج، صاح موظف المطار طيارة الأردن البوابة 4 طيارة لاباس، تحرك الكثيرون «الأغلبية مرضي» وأخيرا عثر عبد المولي علي كرسي فجلس، بدأت رحلة الانتظار  مرت الساعة والثانية’، إشاعة عن إلغاء بعض  الرحلات، احدهم يتكلم في هاتفه النقال صاح قائلا: ارفع صوتك التغطية موش ولابد، سمعه جميع من داخل المطار المرضي والذين سيمرضون،انتبه الذين أصابهم الملل واستيقظ النائمون، الجميع يسمعه ألان ،أيوه نسمع فيك توا، سلملي علي أمي وخالتي مقبولة، (تحدث الليبيون بصوت عالي في التليفون ظاهرة عامة) طول الانتظار يجبرك علي الدخول في حوارات مع من كان، وما كنت لتفتحها لو لم تكن في المطار، سأل عبد المولي شاب جلس بالقرب منه: وين مسافر يا أستاذ، رد هذا الأخير: لا مش مسافر انا نرجي في شنطة لي مشت لبوركينا فاسو بالخطأ، وعطوني شنطة واحد ثاني اسمه كولي بالا، وانت مسافر علي الإفريقية،عبد المولي مجيبا: عالافريقية، الشاب: تقعد محظوظ لو مشيت مع كابتن اسمه عبد الله مش عارف من ،مهوش عادي، عبد المولي ألان عرفت سبب أن الجو هنا ساخن ، فالجميع يتنفس بحرقة، بدأ توزيع كروت الصعود، اصطف الجميع في طابور شرف نيل الكروت، هناك من تجاوز الطابور،صياح: احترمو الطابور يا هو، انت ياللي لابس فالينه حمراء، ساعات تمر بوابات وتفتيش وأسئلة وإجابات صحيحة وعشوائية لم ينتبه رجال الأمن لذلك، الملل أصاب الجميع، البوابة الأخيرة لحظات ونكون في الطائرة ،أصبحنا في الطائرة،هناك شجار حول المقاعد، أحدهم يقول هذا كرسيي لان رقمي عليه، الثاني ديمه نسافرو ونقمعزو من غير أرقام، والاثنين معهم حق، فالنظام ليس واحدا علي أو في طائراتنا،عبد المولي في سره، من درعنا ايش نقعدو وماشفنا هالوطن« ليبيا الحبيبة بغربها المتحضر وجنوبها الطيب وشرقها الجميل، الجميع لا يعرف قيمة هذه البقعة من الأرض إلا عندما يسافر، هل يجب أن يسافر المرء حتى يعرف قيمة هذا البلد الطيب، وأهله الطيبون، ليبيا في كفة والعالم كله في كفة» الكابتن يرحب بالركاب في طائرته،عبد المولي: زعمه الكابتن هو عبد الله، تحركت الطائرة ،استدار عبد المولي ونظر من خلال النافذة الصغيرة مرددا غناوَّة علم تقول:

من الدار كل يوم رحيل             للعين قيس موقاسم ونس

للحديث بقية..

مقالات ذات علاقة

آخر حكاية من حكايات شارعنا

المشرف العام

موسم فقد

المشرف العام

1984

المشرف العام

اترك تعليق