طيوب عربية

صورة أمي.. . صورة أمّتي*

من أعمال التشكيلي عمران بشنة
من أعمال التشكيلي عمران بشنة

يحتفظ كلّ بلا أدنى شكّ بملامح صورة أمه أيام الشباب، تلك الصورة التي تفيض اشراقا وبهاء ونضارة، وخفّة ورشاقة وحسن المظهر والمخبر، وقوّة النشاط والحركة، والعمل المتواصل. تلك الصورة التي إن لم يشهدها الواحد منّا سمع عنها ممن نقلوها إليه ن أو حفظها في ملامح تلك الصورة الفوتوغرافية أو المسجّلة المصوّرة ، ولكن مع تقدّم السنوات تتغيّر تلك الصورة حين تداهمها الشيخوخة ، وارسم على وجهها تلك الخطوط والأخاديد. كأنها تكشف لنا عن عميق تلك المعاناة والألم ،وتعب السنوات من خلال تلك الرّحلة الشاقة التي لا تدركها الأم أو من خلال الذين عاصروا حياتها، وكذلك هو الشأن في واقع أمّتنا العربية، والذي هو واقع كلّ دولة من دوّلها، التي عرفت في بداية مجدها المتألق الحضاري والقوّة والجمال العلمي والمعرفي.

– لقد علّمت الأمة العربية منذ فجر التاريخ العالم كيف يكتب مجده الذهبي على صفحات التاريخ، وكيف يصنع طريقه إلى عالم المجد بالعلم والمعرفة والإبداع والفكر والفنّ في الحياة.

ولعلّ أدلّ فترة على ذلك تلك الصورة المشرقة التي عرفها العالم في العهد الإسلامي الأوّل بعد نزول الوحي وتواصلت في تعاقب الخلافات التي تجلّت صورة الأمة العربية الإسلامية في العصر العباسي. حيث لمعت تلك الصورة بنيلها الوافر من الحضارة والعلم والإبداع الفكري والأدبي، وتواصلت ملامح تلك الصورة الرائعة ، إلا أن بدأت تظهر ملامح الشيخوخة على وجه الأمة سياسيا وفكريا واقتصاديا واجتماعيا، وانقسمت من دولة عظيمة الى دويلات ضعيفة وتغيرت ملامحها من القوّة إلى الذلّة والخنوع والجهل واستسلمت للغاصب المحتلّ، ولعلّ أنصع صورة لوجه الأمة تتجلى في عهد القائد العربي المسلم ( صلاح الدين الايوبي) الذي استطاع أن يجمع تحت قيادات دولته كلا من سرويا والعراق وفلسطين واليمن.، واستطاع تحرير القدس، حتى شهد الأعداء والخصوم له بانتصاراته الباهرة.، وأمّا صورة أمتنا اليوم فهي صورة باهتة ضعيفة في جميع المجالات تناحر وتطاحن وخيانات متكرّرة وإذلال صار بحجم لقمة العيش، ولم يعد أبناء هذه الأمة يرفعون رؤوسهم في وجه صورة أمهم التي هي صورة أمتهم، وذلك رغم التطوّر التكنولوجي والمعرفي الرّهيب الذي يشهده العالم الآن في زمن العولمة والتواصل الاجتماعي الكبير.

فسلام عليك أمي .. وسلام عليك أمّتي عبر الازمنة.


* العنوان هو مقولة للشاعر الفيلسوف جبران خليل جبران.

مقالات ذات علاقة

عفاف خلف تطلق روايتها “ما تساقط”

فراس حج محمد (فلسطين)

“لا تعجبْ… زعترنا أخضر” قصائد تستذكر مجزرة تل الزعتر

المشرف العام

في استعادة غسان كنفاني: عندما لا تموت الفكرة [*]

المشرف العام

اترك تعليق