تاريخ

صهاريج المياه الأثرية في طلميثة

فرج غيث

مرصصات (بتوليمايس).. صهاريج المياه الأثرية أقدم شبكة لإمداد المياه في العالم

 
أنشئت مدينة بتوليمايس Ptolemais (طلميثة) الواقعة شرق مدينة بنغازي في القرن الثالث قبل الميلاد كميناء بحري، أصبحت في عهد الإمبراطور ديوقليسيان عاصمة المدن الخمس أو البنتابوليس أپولونيا (سوسة)، قوريني (شحات) وبتوليمايس (طلميثة) وتوخيرا (توكرة) وهيوسبريدس (بنغازي)، واحتلت مكانة مدينة قورينا شحات فأنشئت فيها القصور الخاصة (كقصر الفصول الأربعة) و(قصر الأعمدة) وهذا الأخير يرفل بأدق وأصغر وأجمل أنواع الفسيفساء، ومسرحان ومدرج يقع داخل مقلع الأحجار القديمة حيث يقوم الضريح الهيلينى الضخم الشبيه بالقباب ويمثل هذا الضريح الواقع غربي المدينة مقبرة مخصصة للحكام البطالمة.
 
في عصر الإمبراطور قسطنطين أقام سكان المدن الخمس قوس نصر على الشارع الرئيسي في المدينة اعترافا منهم واعتزازا بإمبراطورهم المظفر، كما شيد خلال القرن الخامس الميلادي عدد كبير من الكنائس، وفى مطلع القرن الخامس الميلادي رسم الكاتب الألمعي الفيلسوف سيلوسيوس أسقفا لمدينة بتوليمايس وقد خلف لنا هذا الأسقف عددا وافرا من الرسائل والمقالات التي تنبئنا وتكشف لنا عن الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية للمدن الخمس، وذلك في الفترة التي أخذت فيها القبائل البدو المعرفة بقبائل (الاستريانى) تغزو هذه المدن.
 
مع نهاية القرن الخامس الميلادي أصيبت خزانات المياه بعطب كبير الأمر الذي دفع حكام المدينة إلى نقل عاصمتهم إلى أبولونيا (سوسة) مما أدى إلى نزوح معظم سكان بتوليمايس عن ديارهم إلا أن الإمبراطور جستنيان وكمحاولة منه لإعادة الحياة إلى المدينة بنى لها قناة جديدة (خزان مائي كبير) تحمل المياه من ينابيع وادي زاوية ووادي الزير ووادي جبون في الشرق من المدينة وقد زودت هذه القناة المدينة بالماء الوافي والكافي وذلك ببناء آبار متشعبة الأطراف مائلة تحت ما يعرف بساحة المدينة العالية (الفوروم)، ولا تزال أطلال تلك القناة (الخزان) ماثلة للعيان بالقرب من الجسر الروماني خارج أسوار المدينة الشرقية وهو واحد من أضخم الصهاريج الأثرية (خزان المياه) تحت الأرض بشمال أفريقيا والعالم، تعرف باسم صهريج المياه الأثري أو مرصصات بتوليمايس، يعود تأريخ الخزنات الي العصر الهيلينستي واستخدمت في العهدين الروماني والبيزنطي.
 
مرصصات بتوليمايس توجد في الساحل الشرقي لمدينة طلميثة الاثرية، وتتوسط هذه الصهاريج المنطقة الاثرية وعددها 15 خزان موازية ومتضادة لبعضها البعض ولها سقوف معقودة، وتعتبر هذه الصهاريج نمودجاً فريداً علي كيفية تخزين المياه، وتصل المياه الي هذه الخزنات من الأودية المجاورة مثل وادي زاوية ووادي الزير ووادي جبون، زودت هذه الاودية بقناطير لإيصال المياه الي الخزنات، وكيفيه وصول الماء اليها في قديم الزمان حيث تصب المياه من وادي(لملكه)عن طريق حواجز صخريه مغلفه ويطلق عليها اسم (الساقية) وتصب هذه المياه في هذه الخزانات الكبيرة التي يطلق عليها (مرصاصات بتوليمايس).
 
كل هذه الكنوز وكل هذا الجمال والعراقة والألق بجوارنا ونحن لا نعرف؟ فقط تحتاج منا الى رحلة إلى منطقة طلميثة الأثرية، وستكون بالنسبة لمن يقوم بها أشبه برحلة إلى يوم أشرقت شمسه قبل ما يقرب من 2500 سنة من الآن، حيث الشوارع والأزقة والطرقات التي مشى فيها الملوك والأباطرة والأميرات الجميلات من الإغريق والرومان والبيزنطيين، وستبدو ظاهرة عبر تماثيلهم ولوحاتهم ورسوماتهم، وأسواقهم ودكاكينهم، وحماماتهم العامة، وقصورهم وحدائقهم.
_______________________________  
عن مؤسسة إرثنا للتراث والثقافة

مقالات ذات علاقة

دارة النيل بمنطقة لبدة الاثرية

المشرف العام

ليبيا في العشرينيات..

سالم أبوظهير

من تاريخ درنة بين سنتي (1630-1711)

المشرف العام

اترك تعليق