من أعمال التشكيلية الليبية .. خلود الزوي
سرد

شظايا / المربوعه

بداخل بيت تم الزحف التمشيطي عليه، وفي ركن مظلم لمربوعة ليبية تصدعت زواياها وأفرزت قيحاً مقززاً لما رأت، في هذا الركن المنسي من وطني المثخن جسده بطعنات أشباه الثوار والتهابات فتاوي الدين السياسي، بكت جدران المكان لبشاعة ما سمعت آذانها حين اجتهد العابثون بشريعة الله والكافرون بمواثيق الانتماء للوطن في حَبَك خيوط مؤامراتهم القذرة.

أكلوا من رزق اليتامى والمهجّرين خبزاً مغموساً في طبيخ اللحم الوطني المستباح اليوم، وشربوا كؤوساً من الشاي صنعتها آيادي ليبية مخضبة بالحنة.

في مكان آخر ليس ببعيد عن “المربوعة”، أكملت سيدة ليبية صلاتها المخلصة لله ثم رفعت يداها المخضبتان بالحنة باِتجاه سماء رب العزة متوسلة وهاب كريم لا يغفل ولا ينام أن يوفق ابنها في “مشاريعه” الخيرية التي قال انه يديرها مع “فاعلي الخير” من جماعته!

قد تسخر الحياة أحياناً لنوايانا الطيبة ولادراكنا المنقوص للأمور، لكن من وسع كرسيه السموات والأرض لا يُخفى عنه شيئاً وهو جاهز دائماً لغفران الخطايا، خاصة خطايا الطيبين من خلقه الذين لا يعلمون النوايا الدفينة للآخرين. فهذه السيدة الليبية الطيبة لم تكن تدري شيئاً عن نوايا ابنها المتسخة بأعمال عنف الدين السياسي، وصدّقت ما قاله لها عن “مشاريع” جماعته الخيرية.

أكل وشرب المجتمعين داخل “المربوعه”، وفي نفاق صارخ لم ينسوا الصلاة لله والاكثار منها على محمد أشرف الخلق اجمعين! وفي ارجاء المربوعة المسروقة من ليبي يتسول خبز يوم جديد لأطفاله في المنفى امام ابواب الصليب الاحمر والهلال الاحمر ومنظمات حقوق الانسان وحتى الحيوان، في ارجاء تلك المربوعه حيث التقى المجاهدين في اهلهم والساعين الى تحويل ليبيا الى ساحة للصراعات الدينية ومرتعاً للباحثين عن حقولٍ جديدة لمعارك “جهادية” جانبية، تناثرت اشلاء صلوات الغير مخلصين في صلواتهم وانتحر دعاء قادم من قلوب مليئة بالحقد والفهم المعكوس لتعاليم الدين. وفي موقد تفسير الرغبات الجامحة لرؤية استمرار نزيف الدم الليبي، احترق بخور للموت لم تعرفه بلادي من قبل. ولأن صلواتهم لله كانت صلوات رياء ودعائهم لمحمد دعوات نفاق، عجز الدعاء وعجزت تلك الصلوات عن اختراق سقف المربوعه، فرقصت على جدران بيت ليبي حزين أشباح الارواح المسخوطة وانتشرت في أركان المجلس رائحة الاجساد المحترقة.

هنا، صفقت للمجتمعين على الشر شياطين افكارهم وبارك الجن الشرير مساعي المجاهدين في أهلهم.

يا ويح المجاهد في الأرواح البريئة، ويا لبشاعة من قرأ القرآن الكريم مقلوباً واستمع لفتاوي شيوخ يبيحون تحويل البلاد الى مرابيع توزع فيها صكوك الغفران وبورصة لقرارات العزل السياسي على (ناس دون ناس)!

يا ويح من كذب على أمه ووالده وتحول الى سمسار في دماء الأبرياء و”مجاهد فاعل خير” في مشروعات خيرية وهمية ترسل رصاص الغدر لصدور قرابين وضحايا شرفاء ليبيين يسقطون ظلماً وعدواناً تمهيداً لعودة سدة حكم امارة الفقيه المنتظرة!

ويا لسخرية القدر، فلقد انتظرنا 42 عاماً لنثور ضد الظلم والظالم..ضد التهميش والاقصاء الجهوي، واذا بنا نُفجر ثورة ثم نتركها تُسرق أمام أعيننا من قِبل تجار الدين الذين انتجوا لنا أكبر معمل لتفريخ الظلم والظالمين في العالم! وبدلا عن “بوشفشوفه” واحد، قدمنا لليبيا ألف “بوقرواطه” وألف”بولحية” وألف بوكلاشن وكل واحد منهم يقول أنا الأفضل وأنا الأصلح وأنا الأكثر وطنية وأنا الأكثر فهماً للاسلام وأنا الأجدر وأنا الأتقى وأنا الأقوى منكم ايماناً..بالفلاقي يعني تبّي والا ما تبيش من غير فقهي ما فيش..وبالرميكلي الفصيح: أنا ومن بعدي الطوفان!

البعض يبحث عن وطن ليبنيه، ونحن استعدنا وطن مدمر من معمر، وسخّرنا كل ما لدينا من الطاقات المكبوتة للتخلف والجهوية والاحقاد والقبلية والفهم المعكوس للاسلام والمبادئ الانسانية لنتأكد من دمار هذا الوطن. وتحول بذلك “الكفاح الثوري المستمر”الذي بدأه “قايدهم” الى جهاد ثوري مستمر بدأه مدراء فروع محلية لجماعات دينية متطرفة تجاهد فينا وكأننا كفار، وتلعب بارزاقنا وتسمسر في مستقبل أجيال ليبية قادمة قد يُسمح لها بالوجود!

اِنه موسم سقوط الأقنعة يا سادة!

ارتمى “المجاهد” في أرواح أبناء وطنه الى جوار رفيق المهمة المتاجر في شرف الوطن ودماء الشهداء القابع خلف مقود سيارة يبحث عنها مواطن ليبي كادح في مدينة تفتقد الفرحة وتشتاق الألفة والماء والتيار الكهربائي كذلك.

تحسس مغسول الدماغ هذا والكاره لمصطلح الجهاد الأكبر، تحسس أطراف سلاح دفع ثمنه الشعب الليبي من أموال “ضريبة البندقية” المنهوبة من أرزاق الكادحين، وتأكد من وجود رصاص الغدر بداخلها. قبعا الاثنان داخل تلك السيارة-الغنيمة يلفهما صمت الخزي وغموض رفاق الارواح الشريرة، وانتظرا خروج ضحيتهما من بيت من بيوت الله.

وفي صف من صفوف المصلين بذلك الجامع العتيق، ركع وسجد لرب السموات والأرض مواطناً ليبياً صافي النوايا ومخلص الانتماء للوطن وللأهل. صافي النوايا هذا لم يكن يدري أن صلاته تلك ستكون الصلاة الدنيوية الأخيرة فوق تراب وطن عشقه حتى النخاع..ولم يكن يدري أن خطواته تلك ستكون الأخيرة فوق تراب من كانت براً للزهر وللحنه يوماً ما، وبالطبع لم يكن يعلم أنه سيكون الضحية القادمة لفرسان مرابيع الدين السياسي في موسم سقوط الأقنعة عن وجوه البعض ومؤخرات البعض الآخر.

خلع الممثلون أقنعتهم فلترفع الستارة! فهل سيتفرج صامتاً شعب المليون حافظ للقرآن على نبش القبور باِسم الدين واستيراد مهنة قتل الأبرياء باِسم الدين وزرع فتاوي الفتن بين الاخ واخيه باِسم الدين وجلد المواطنين بدون محاكمة باِسم الدين؟

في موسم سقوط الأقنعة والسمسرة في صكوك الغفران والوطنية كل شئ وارد، وتختلط صكوك ملكية النفط والماء في أيدي فرسان وعملاء اسواق غنائم الثورة.. ويلوّح في الأفق أعضاء مؤتمر لم يعد وطني ولا عام بتخويلات شعبية سقطت صلاحيتها كما سقطت أقنعة و”سراويل” الكثير من اولئك “الاعضاء السمان” المكبّرين لفتاوي شيوخ كتائب المعصومين عن الخطأ والمطالبين اليوم باستقالة حكومة هم أحد واهم أسباب ضعفها!

أكمل صافي النية صلواته ودعائه وغادر المسجد. عجيبة هذه الحياة، نكبر فيها شيئاً فشيئاً ويقنعنا كل يوم من أيامها بأننا لا محالة سنغادرها يوماً ما بطريقة ما وهذه سُنة الحياة وارادة من خلقنا ونعم بالله، لكنه من المحزن حقاً أن تكون نهاية انسان صافي وصادق النوايا بسبب رصاصة ترسلها بندقية ضغط على زنادها شخص يدّعي الاسلام والوطنية.

من داخل السيارة تابعا الاثنان خروج ضحيتهما من المسجد، دار بينهما حديث سريع ومقتضب ختمه الاثنان في عهر فاضح ب “توكلنا على الله”! في موسم سقوط الاقنعة هذا لم اعد استغرب وقوع اي شئ لكن، عن أي آلهة يتحدث هولاء؟ على أي رب يتوكلون؟

أنطلق رصاص الغدر وبدأ رحلة البحث عن صدر صافي النوايا. صدر صافي النوايا ضحية تجار الموت هذا كان ممتلائاً بهموم وآهات الوطن، فلم يجد رصاص الغدر صعوبة في الوصول اليه. سقط الضحية وسالت دمائه الزكيه لتروي تراب الوطن حباً ووفاءً. قبض صافي النوايا على حفنة من تراب الوطن كأنه أراد أن يستنشقها لآخر مرة..كأنه أراد أن يأخذها معه..وكأنه أراد أن يسألها: لماذا يا وطني؟

فرا المجاهدان في اهلهم ووطنهم الى مربوعة ليست ببعيدة وسُجلت القضية ضد مجهول في مبني لكتائب ودروع مدينة تقيأت أثناء مخاض الثورة فولد في شوارعها الخلفية خفافيش ظلام.

وفي زمن السقوط المدوّي للأقنعة، سنظل نحن يا وطني فاغري الافواه في دهشة لهذا الكم الرهيب من الشر الذي يستورده لنا اخوتنا، وستظل الاشباح المسخوطة ترقص على جدران المربوعه.. حتى اشعار آخر. تمسو على خير

مقالات ذات علاقة

رواية: اليوم العالمي للكباب – 1

حسن أبوقباعة المجبري

رباية الذايح

حسن أبوقباعة المجبري

قمران وفارس أمام عبء كلام الأسر

رجب دربي

اترك تعليق